في هذه اللحظة فتحت رغد عينها نصف فتحة ..
فوقعت في أمري و تسارعت ضربات قلبي فجأة... دافعة الدماء إلى وجهي بعنف و غزارة !
تركت يدها تنزلق من بين أصابعي خجلا ..
رغد قالت بصوت خفيف غير طبيعي :
" وليد.. أنت لم تُضِع الميدالية أليس كذلك ؟؟ "
اضطربت .. و لم استوعب ما قالت ...
قلت :
" ماذا ؟ "
لكن رغد أغمضت عينيها و بدت غارقة في النوم !
" رغد ..؟؟ "
لم تجبني .. ما جعلني استنتج أنها ربما كانت تحلم .. و أنها لم تكن واعية .. و أنها لن تتذكر هذا !
الحمد لله !
ضبطت البطانية لتشمل ذراعها تحتها .. و عدت إلى مقعدي المجاور ..
مرت الدقيقة بعد الأخرى.. شعرت بالإعياء
و عاودتني الأوجاع الجسدية التي تجاهلتها منذ نهوضي على صوت رغد هذا الصباح ..
و غزاني النعاس...
و النوم سلطان على من لا سلطان عليه !
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
كأنني أحلّق في عالم جميل... أطير فوق السحاب.. في قمة الراحة و الاسترخاء.. لا ألم ..
لا ضيق .. لا شيء سوى شعور بالدغدغة في داخلي !
فتحت عيني لأرى الجنة التي أحس بنفسي أنعم فيها..
فرأيت جنة مختلفة لا تتفق و الشعور الجميل الذي أحسه ..
أنام على سرير أبيض الألحفة.. تحيط بي الستائر البيضاء.. و تتدلى قارورة ما من أعلى عمود ما..
موصولة بأنبوب طويل ينتهي طرفه الثاني داخل وريدي !
جلست بسرعة أتلفت من حولي.. إنني في المستشفى راقدة على سرير المرض !
متى وصلت إلى هنا ؟؟ كيف وصلت إلى هنا؟؟
أين وليد ؟؟
أصابني الروع ، دفعت باللحاف بعيدا عني و قفزت من على السرير ..
و طأت الأرض مرتكزة على قدمي المصابة ، فشعرت ببعض الألم ..
سحبت ذلك العمود الحديدي ذا العجلات معي و سرت خطوة و أنا حافية ، و فتحت الستارة..
كنت أتوقع رؤية وليد خلفها.. لكنه لم يكن هناك
تزايدت خفقات قلبي و تزاحمت أنفاسي و هي تعبر مجرى هوائي...
توجهت إلى الباب مسرعة ، أعرج بشدة.. و فتحته باندفاع.. و صار مشرعا أمامي كاشفا ما بعده ..
ممر .. غرف.. انعطافات.. أناس يمشون إلى اليمين ، و أناس إلى الشمال..
و ممرضة تقف في الجوار.. تنظر إلي.. و تتحدث إلى طبيب ما .. آخرون يقفون على مبعدة..
أناس كثر..كثر.. ألا أن وليد ليس من بينهم..
كدت أنهار..كدت أصرخ..كدت أهتف..لكن الشهقة التي انحشرت داخل صدري حُبست عن الخروج..
الممرضة و الطبيب الآن يقتربان نحوي.. أنا أتراجع.. داخل الغرفة..
يصلان عند الباب و يوشكان على الدخول .. تبتسم الممرضة و تقول :
" هل أنت أفضل حالا الآن ؟؟ "
يسأل الطبيب :
" كيف تشعرين ؟ "
أنا أنظر إليهما بذعر .. يداي ترتعشان.. و رجلاي أيضا.. أفقد توازني و أقع أرضا ...
و ينشد الأنبوب الموصل بوريدي خارجا من يدي.. و يترنح في الهواء راشا السائل من حولي ..
الممرضة تنحني مادة يدها إلي..
أنا أصدها و أصرخ :
" ابتعدا عني "
يتبادلان النظرات .. ثم يقولان معا :
" أ أنت بخير ؟ "
أنا أصرخ مستغيثة :
" وليد .. وليد "
يتبادلان النظرات ، ثم تقول الممرضة و هي تشير بيدها نحو الستارة :