شعرت لحظتها برغبة في الارتماء في حضنه.. و البكاء على صدره..
و الاسترخاء بين ذراعيه.. أنا متعبة و أتألم.. أريد من يواسيني و يشجعني..
أريد حضنا يشملني و يدا تربت علي.. أريد أمي.. أريد أبي.. أريد وليد..
و لم أنل منه غير نظرات مشجعة..
أقبلت السيدة تحمل معها وشاحين.. قدّمتهما إلي..
نزعت ُ عن رأسي ما كنت أتحجّب به، و لففت أحد الوشاحين حول رأسي ، على مرأى من وليد ...
و عندما عادت دانة ، و قد غسلت وجهها و قدميها الحافيتين أعطيتها الوشاح الآخر...
قالت :
" تعالي لأغسل جرحك رغد..."
و أيضا لم أتحرّك .. ففوق تعبي و إعيائي و الدوار الذي أشعر به.. أنا خائفة..
نعم خائفة..
السيدة قامت بنفسها بإحضار وعاء يحوي ماء .. و وضعته عند قدمي ّ و قالت :
" هل أساعدك ؟ "
دانة قالت :
" شكرا لك ، سأفعل ذلك "
ثم أخذت تحل الضماد ـ و الذي هو عبارة عن كم قميص وليد ـ من حول قدمي ..
و غمرتها بعد ذلك في الماء النظيف الدافئ..
بدأت الأوجاع تتفاقم و تتزايد..و أخذت أئن و أصيح .. لكنني لم أقاوم..
و استسلمت لما فعلته دانة بقدمي.. و أنا مغمضة العينين..
عندما فتحتهما كانت قد انتهت من لف قدمي بالضماد ...
كما أن السيدة أحضرت ماءا نظيفا لأغسل قدمي الأخرى...
كل هذا و أنا ملتزمة الصمت و السكون إلا عن أنات و صياح ألم..
و الآن، جاءت الفتاة تحمل صينية ملآى بالشطائر بينما يتبعها العجوز حاملا صينية أخرى
رُصّت علب العصير الورقية فوقها...
و وضعا الطعام و الشراب أمامنا و الفتاة تقول :
" تفضلوا هذا لحين نضج الحساء "
لم يمد أحدنا يده.. ما الذي يجعلنا نفكّر بالطعام في وقت كهذا ؟؟
فراح أصحاب المنزل يحثوننا على الطعام..
وليد تناول اثنتين من علب العصير و قدمهما لي و لدانة، فأخذت علبتي و شربت ما بها ببطء...
أصحاب المنزل الثلاثة استأذنوا منصرفين عنا، ربما لنتصرف بحرية أكبر..
وليد أيضا وزع الشطائر علينا ألا أنني رفضت تناولها..
" خذي يا رغد.. لابد أنك جائعة جدا.. كلي واحدة على الأقل"
" لا أريد "
" هيا أرجوك .. ستموتين إن بقيت بلا طعام ساعة بعد "
و لم يفلح في إقناعي.. لكنه و دانة تناولا شيئا من الطعام بصمت..
لحظات و إذا بالفتاة تقبل بأقداح الحساء الساخن.. و تقدمها إلينا ثم تنصرف..
أجبرت نفسي على رشف ملعقتين من الحساء.. ثم أسندت رأسي إلى المقعد و أغمضت عيني..
كنت أسمع أصوات الملاعق .. و حركة الأواني ..
و ربما حتى صوت بلعهما للطعام و هضم معدتيهما له ! و أسمع كذلك صوت نبضي يطن في أذني..
و أنفاسي تنحشر في أنفي.. و الآن .. صوت وليد يناديني ..
" رغد "
فتحت عيني فوجدته ينظر إلي بقلق.. و يعيد السؤال :
" أأنت بخير ؟؟ "
قلت :
" أنا متعبة "
قال :
" سأتحدّث معهم .. "
ثم نهض و نادى :
" أيها العم الطيب .. "
ظهر الثلاثة من حيث كانوا يختبئون عنا ..
قال وليد :
" اعذرونا رجاء ً.. إننا في غاية التعب فقد قضينا ساعات طويلة نسير في الخلاء..
أين يمكننا المبيت بعد إذنكم ؟؟






رد مع اقتباس
المفضلات