أنا متعب.. متعب.. أكاد أنهار.. رأسي دائخ و الكون يدور من حولي.. و عيناي تزيغان ..
يا رب.. إن عينك لا تغيب و لا تغفل.. و لطفك و رحمتك وسعا كل شيء.. فاشملنا تحت حفظك..
أ اغمض عينيّ لحظة واحدة؟ فقط لحظة.. أهدئ من تهيجهما و حرارتهما.. لحظة واحدة يا رب..
و لم تطعني عيناي كما أبى قلبي أن يغفل عنهما طرفة عين...
فيما أنا بهذه الحال.. بعد مضي فترة من الزمن.. أبصرت نورا يقترب منا قادما من آخر الشارع..
إنها سيارة ! السيارة الأولى التي تعبر هذا الشارع مذ تشرّدنا فيه ..
لم تكن سوى سيارة حوض.. ما أن رآها بعض الناس حتى أسرعوا راكضين إليها طالبين النجدة..
أسرعت إلى الفتاتين و أيقظتهما :
" رغد.. دانة .. هيا بنا بسرعة "
فتحتا أعينهما مذعورتين ، و مددت يدي و أمسكت بيديهما و سحبتهما لتنهضا جالستين ثم واقفتين في فزع..
قلت :
" لنلحق بالسيارة "
و ركضت ساحبا إياهما حتى أدركنا السيارة و انضممنا إلى أفواج الناس الذين ركبوا حوضها
سائق السيارة كان يهتف :
" انتظروا لأعبئ خزانها وقودا "
ألا أن الناس تشبثوا بها بجنون ..
بعد ذلك انطلقت السيارة بمن حملت تسير بسرعة لا بأس بها.. كان بعضنا جالسا و البعض واقفا ، و كنا نحن الثلاثة ضمن الوقوف .
كنا واقفين عند مقدمة الحوض، الفتاتان ملتصقتان برأس السيارة و أنا أكاد ألتصق بهما، فاتحا ذراعيّ حولهما أصد الناس عن ملامستهما..
بعد مسيرة ساعة أو أكثر .. لا أعلم تحديدا.. بلغنا مشارف إحدى المدن.. و أوقف السائق السيارة و قال :
" امضوا في سبلكم"
هبطنا جميعا و تفرقنا .. هذا هنا و هذا هناك .. باحثين عن ملاجئ لهم..
وقفت أنا حائرا.. إلى أين أذهب في هذا الليل الكئيب.. و معي هاتان الفتاتان المنكوبتان ؟؟
و تلفت من حولي فرأيت لا فتة تدل إلى طريق المدينة الزراعية ، و الكائنة على مقربة..
نجحت بعد جهد في إقناع السائق بإيصالنا إلى هناك ، و تحديدا إلى مزرعة نديم ،
فهي الفكرة التي طرأت على رأسي المرهق هذه اللحظة ،.. بمقابل..
و شكرت الله أن جعلني أحمل محفظتي في جيبي مع المفاتيح..
ولم تكن المسافة طويلة ، وصلنا بعد فترة قصيرة إلى هناك..
هبطنا من السيارة و شكرت السائق .. و حثثت الفتاتين على السير معي..
قالت دانة :
" إلى أين ؟ "
قلت :
" تقطن عائلة صديقي هنا، سأسألهم استضافتنا لهذه الليلة.. فنحن متعبون جدا "
لقد كان كل ما سبق أشبه بالكابوس .. ألا أنه كان الواقع..
بوابة المزرعة كانت مفتوحة كالعادة ، مشينا متجهين نحو المنزل..
دانة تمسك بقميصي الموضوع حول رأسها، و رغد تجر قدمها المصابة..
و كلاهما تمسكان بيدي من الجانبين..
عند عتبات باب المنزل.. تركتاني لأصعد العتبات ، ثم أقرع الجرس، ثم ينفتح أسمع صوتا يسأل عن الطارق ، فأجيب :
" وليد شاكر "
ثم أرى الباب ينفتح ، و تظهر من خلفه ... أروى نديم .
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
اتسعت حدقتا الفتاة التي أطلت من فتحة الباب ... و ألقت علينا جميعا نظرة مذهولة و قالت :
" سيد وليد ! "
وليد قال :
" مساء الخير.. هل العم إلياس موجود ؟؟ "
ردت الفتاة :
" خالي في طريقه إلى هنا .. "
ثم عاودت النظر إلينا أنا و دانة ، ثم قالت :
" ما الأمر ؟؟ "