" لا عليك "
ابتسمتْ هي بامتنان و قالتْ :
" شكرا لكَ "
و غادرت ُ الغرفة... مطمئن البال نسبيا و اتجهتُ إلى المطبخ...
هناك حضرت ُ الشاي و فتشتُ عن بعض الطعام
فوجدت ُ علب البيتزا التي كنتُ قد اشتريتها بالأمس و لم تُمس...
و عدا عن العلبة التي تناولتـْها خالتي ليندا، فإن البقية كما هي
قمت ُ بتسخين أحد الأقراص على عجل... و انطلقتُ حاملا الطعام إلى رغد...
كانتْ على نفس الوضع الذي تركتُها عليه...
جلست ُ على المقعد إلى جوارها و قدّمتُ لها الوجبة
" تفضلي... اشربي بعض الشاي لتدفئي "
جلستْ رغد و أخذتْ تحتسي الشاي جرعةً جرعة...
وهي ممسكة بالكوب بكلتا يديها...
" هل تشعرين بتحسّن ؟ "
حركتْ رأسها إيجابا
قلتُ :
" جيّد... الحمد لله... تناولي بعضا من هذه ... لتمنحك بعض الطاقة "
و قربتُ إليها إحدى قطع البيتزا ... فأخذتْها و قضمتْ شيئا منها...
سألتُها :
" أهي جيّدة ؟ لا أعتقد أن طعمها قد تغيّر ؟ "
أتعرفون كيف ردّت رغد ؟؟
لا لن تحزروا... !
فوجئتُ برغد و قد قربتْ قطعة البيتزا ذاتها إلى فمي... تريدُ منّي أن أتذوقها!
اضطربتُ، و رفعتُ يدي لأمسك بالقطعة فأبعدتْ رغد القطعة عن يدي...
و عادتْ و قرّبتْها إلى فمي مباشرة ! الصغيرة تريد أن تطعمني بيدها !
نظرتُ إليها و قد علا التوتر قسمات وجهي كما لوّنته حمرة الحرج...
و رغد لا تزال معلّقة البيتزا أمام فمي...
أخيرا قلتُ :
" كـُـ... كليها أنت ِ رغد "
و لو ترون مدى الامتقاع و التعبيرات المتعسة التي ظهرت على وجهها !
و إذا بها تقول:
" لا تريد أن تأكل من يدي ؟ "
فاجأني سؤالها في وقت لم أصح ُ فيه بعد من مفاجأة تصرفها...
و لا مفاجآت حالتها هذا الصباح...
إنّ شيئا ألمّ بالصغيرة... يا رب... لطفك ...
رفعتُ حاجباي دهشة... و تلعثمتْ الحروف على لساني...
" أأأ... رغد... إنه... أنا... "
رغد... ماذا جرى لك اليوم ؟؟ ماذا أصابك ...؟
أنت ِ تثيرين جنوني... تثيرين فزعي... تثيرين مخاوفي ...
تثيرين شجوني و آلامي و ذكريات الماضي...
ماذا دهاك يا رغد ؟؟
بربّك... أخبريني ؟؟
كنتُ على وشك أن أنطق بأي جملة...
تمتّ ُ أو لا تمتُ للموقف بصلة إلاّ أن رغد سبقتني و قالتْ منفعلة:
" لكنك تأكل من يدها... أليس كذلك ؟ "
ذهلتُ لجملتها هذه ... أيما ذهول...
رغد لم تبعد يدها بل قربتها مني أكثر ..
لا بل ألصقتْ البيتزا بشفتي و نظراتها تهددني...
حملقتُ بها بدهشة و قلق... شيء ما قد حلّ بصغيرتي...
ماذا جرى لها ؟ يا الهي...
" رغد... "
لما رأتْ رغد استنكاري... أبعدتْ البيتزا عني
و وجهها شديد الحزن تنذر عيناه بالمطر...
و فمها قد تقوس للأسفل و أخذ يرتعش...
و رأسها مال إلى الأسفل بأسى و خيبة ما سبق لي أن رأيتُ على وجه رغد شبيها لهما...
و بصوت ٍ نافذ الطاقة هزيل متقطّع أقر ب إلى الأنين قالتْ:
" أنت ...لا تريد... أن... تأكل من يدي أنا... أليس... كذلك ؟ "