" قلت لك لا أستطيع ... لا أريد المجيء ... لا أستطيع ... لا تتركوني وحدي "
و انخرطت في مزيد من البكاء المؤلم
أمي أحاطتها بذراعيها و أخذت تتمتم بكلمات لم استطع استيعابها من هول ما أنا فيه ...
ثم رأيتهن هن الثلاث ، رغد و أمي و دانه ، يبتعدن عائدات من حيث أتين ...
سامر ظل واقفا لثوان أخرى ، ثم هم باللحاق بهن ... و حانت منه التفاتة إلي ... فرآني و أنا أنهار على الرمال و أضغط بيدي على معدتي و أتأوه ألما ...
لقد شعرت بأشياء تتمزق و تعصر في أحشائي ... و دوار داهمني دون إنذار مسبق ... و خور و وهن مفاجئ في بدني ... فهويت أرضا ...
كنت أعرف أن قلبي ينزف من الداخل ، كما تنزف أنسجة جسدي كله من شدة الموقف و قسوته ... و شعرت بالدماء تجري بكل الاتجاهات في جسمي ... و أحسست بها تصعد من جوفي ... و تملأ فمي ... ثم تخرج و تنسكب على الرمال ملونة إياها هي و يدي المرتكزة عليها باللون الأحمر ...
الآن ... تستطيع عيناي رؤيتها بوضوح ... تماما كما ترى النور ...
دماء حقيقية خرجت من جوفي ممزوجة بعصارة معدتي المتلوية ألما ...
" وليد ! "
رفعت رأسي ، فإذا بي أرى سامر ينظر إلى موضع الدماء بذعر ...
" ما هذا ؟؟ "
ما هذا ؟ أظن أنها دماء ! و هي المرة الأولى التي تخرج فيها دمائي من جوفي ... و أنا أشعر بألم حاد جدا في معدتي ...
ما هذا ؟
أظن أن هذا عرضٌ لمرض ٍ ما ...
بعد فترة ... كنا نجلس قرب موقد الجمر ، نستنشق الأدخنة المتصاعدة من المشويات ... و نتلذذ برائحتها الشهية
كان والدي يقلب الأسياخ و يهف الجمر ... و كلما نضج اللحم في أحد الأسياخ دفعه إلى واحد منا ، فيلتهمه بشهية كبيرة ...
و الآن جاء دوري ...
" تفضل يا وليد "
كنت أود مشاركتهم هذه الوجبة اللذيذة التي لم أذق لها طعما منذ سنين ... لكن الآلام الحادة في معدتي حالت دون إقبالي على الطعام ...
" شكرا أبتاه ... لا أستطيع التهامها فمعدتي مضطربة جدا "
قال سامر :
" لقد تقيأ دما قبل قليل "
الجميع ينظر إلى الآن بقلق ...
ابتسمت و قلت :
" ربما أكلت شيئا لم تتقبله ! لا تكترثوا "
أمي قالت بقلق :
" بني ... عساه خيرا ؟؟ "
" لا تقلقي أماه ... ستهدأ بالصيام لبعض الوقت "
ثم حاولت تغيير مجرى الحديث ...
أبي مد سيخ اللحم المشوي نحو الشخص التالي قائلا :
" نصيبك يا رغد "
رغد كانت تجلس على مؤخرة البساط ، بعيدة عن موقد الجمر الذي نجتمع قربه ...
رغد نهضت ، و أقبلت نحونا و مدت يدها و أخذت السيخ ، ثم همت بالعودة إلى المؤخرة ...
نهضت أنا و قلت :
" تفضلي هنا ... أنا سأتمشى قليلا "
و ابتعدت كي أدع لها المجال لتجلس مكاني ، قرب الجميع ... و تستمتع معهم بوجبة الشواء الشهية ...
ذهبت أولا نحو سيارة أخي ، و استخرجت علبة السجائر التي كنت أضعها في جيب بنطالي الذي استبدلته بملابس السباحة ... ثم انطلقت إلى البحر ... و جلست على الرمال ... أدخن بشرود






رد مع اقتباس
المفضلات