" تنظيف جراحي ؟؟ "
" نعم ، في غرفة العمليات الصغرى.. و لابد من أدوية قوية لأن الجرح ملتهب للغاية "
الخوف تملكني أنا ربما أكثر من رغد المذعورة بين يدي...
رغد .. جرح .. التهاب.. عملية .. أدوية .. ؟؟ ألطف يا رب.. ألطف يا رب..
قلت :
" ماذا علينا فعله ؟؟ "
" ننقلها إلى غرفة العمليات الصغرى الآن ، و تحت المخدر الموضعي يقوم الجراح بتنظيف الجرح و تعقيمه.. "
نظرت إلى رغد .. و الذعر المخيم على وجهها .. و الرفض الصارخ من عينيها.. فقلت :
" رغد "
و لم أتم ، إذ أنها هتفت فجأة مقاطعة :
" لا "
واجهت وقتا عصيبا مع هذه الفتاة حتى وصلنا إلى غرفة العمليات المعنية ، و خرقت القوانين بدخولي رغم عدم السماح بذلك..
أنى لي أن أترك صغيرتي وحدها هكذا !؟ مستحيل
و رغم المخدر الموضعي الذي حقنت به ، ألا أنها تألمت بشدة و صرخت بعنف و هي تستنجد :
" وليد.. وليد .. "
كانت تمسك بي بقوة، تغرس أظافرها في ذراعي.. و كلّما لُمِست قدمها ، صرخت و أو عضت على أسنانها ..
و كلما فعلت ذلك صرخت أنا بهم :
" على مهلكم إنها تتألم .. أي مخدّر هذا ؟؟ "
أنظر إليها و أهدىء و أشجع ، و أنظر إليهم و أصرخ و أعنّف ..
و أنظر إلى نفسي فأرى النار تكاد تندلع من أعصابي و تشب في جسدي من صراخ رغد...
كم تمنيت.. لو أن الجرح كان في قدمي أنا.. في قدمي ّ الاثنتين .. في كل جسدي ..
يقطعني و يحرقني و يكويني .. و لا أن يصيب خدش واحد حتى أحد أظافر قدمها..
كم كنت قاسيا يوم جعلتها تركض حافية القدمين و عرضتها لكل هذا...
أما كان باستطاعتي حملها طوال المشوار ؟؟ أأعجز عن رفع صغيرتي عن أذى الأرض..
و هي التي تربت متعلقة بعنقي ؟؟
ما ينفعني الندم الآن .. و قد سمحت للآه بالانطلاق من صدر فتاتي ..
و للدموع بالانسكاب من محجريها .. و للألم باعتصار قدمها و تعذيبها كل هذا الوقت..
يا رغد..
إنك إن تصرخين مرة تصرخ شرايين قلبي ألف مرّة ... و إن تبكين دمعة يبكي قلبي بحرا من الدم ...
و إن تتلوين ألما فإن أحشائي في داخلي تتمزق إربا إربا ..
و إن تغرسين أظافرك في بدني فأنا مغروس في حبك بعمق طبقات الأرض كلها...
في نهاية الأمر اضطر الطبيب لحقنها بمخدر منوم... ثوان ٍ
و إذا بي أشعر بأظافرها تخرج من جسدي.. و قبضتها تخف الضغط علي .. و عضلاتها ترتخي ..
و شيئا فشيئا تسقط يديها على جانبيها و يترنح رأسها للأسفل ...
فزعت، رفعت رأسها و ناديت :
" رغد ؟؟ "
لكنها كانت غائبة عن الوعي..
التفت إلى الطبيب الجرّاح و الممرضات و قلت :
" ماذا حدث لها ؟؟ "
قال إحداهن :
" نامت تحت تأثير المخدّر "
لم أشعر بالطمأنينة ، قلت موجها كلامي إلى الطبيب :
" أهي بخير يا دكتور ؟؟ "
قال :
" نعم ، إنه مجرد مخدّر .. ستنام لساعة أو أكثر...
أسندت رأس صغيرتي إلى الوسادة.. و تأملت وجهها ببقايا من القلق..
كانت هناك دمعتان معلقتان على خديها .. آخر السيل ... و ببساطة ...مددت يدي و مسحتهما ...
بعد ذلك ظللت أراقب الطبيب و من معه و هم يعقمون الجرح ... و حالما فرغوا قال الجرّاح :