" أرجوك ... أبلغيني بما يزعجك ؟؟ "
" قلت لا شيء "
" ربما أنا ؟؟ "
حين قلت ذلك نظرت إلي رغد نظرة غريبة مليئة بالمعاني ...
" إن ... كنتِ منزعجة بسببي ... فأنا آسف ... ما هي إلا أيام معدودة و يعود والداي و سامر ... "
عندها أغمضت رغد عينيها و ارتفع صوت بكائها المرير ...
كيف لي أن أحتمل رؤيتها هكذا ؟؟
بصعوبة بالغة منعت يدي من التربيت على كتفيها ... و لكنني لم أستطع منع نفسي من قول :
" صغيرتي الغالية كفى أرجوك ... لا أحتمل دموعك "
رغد قالت :
" أخرج "
و كررت الكلمة مرتين ، فغادرت الغرفة و أنا في قعر التعاسة و الكآبة ...
عند الفجر كنت في طريقي للخروج من المنزل قاصدا المسجد ...
فيما أنا أمر من غرفة المعيشة سمعت صوتا يصدر من هناك ...
سرت بحذر حتى دخلت الغرفة ، و أذهلتني رؤية رغد تبكي و تنحب هناك
" رغد ! "
التفتت إلي رغد بذعر إذ يبدو أنها لم تنتبه لقدومي ... ثم نهضت واقفة بارتباك ...
تقدمت منها ، و قلت :
" بالله عليك أخبريني ... ما بك ؟؟ "
رغد أرادت الخروج لكنني وقفت سادا فتحة الباب مانعا إياها من الخروج
" أخبريني ما بك أولا "
" دعني و شأني "
" لن أدعك حتى تخبريني "
" و لم تود أن تعرف ؟؟ ماذا يهمك أنت ؟؟ "
" يهمني كل شيء يتعلق بك ... كل شيء "
" كذّاب "
انقبضت عضلاتي استياء ً ... و استدرت للمغادرة ...
خطوت خطوتين ، و توقعت أن تخرج رغد من بعدي ، ألا أنها لم تخرج ...
عدت إلى الغرفة فرأيتها جاثية على الأرض باستسلام تام للدموع ...
نفس الجلسة التي كانت تجلسها و هي طفلة ، حين يعتصرها الألم ...
دنوت منها حتى صرت ازاءها مباشرة ، و انحنيت و قلت بصوت أجش :
" أرجوك يا رغد .. أرجوك توقفي عن هذا و أخبريني بما يزعجك ، و أيا كان ... أنا سأزيحه عنك نهائيا "
رغد رفعت نظرها ... كأنها تطلب التأكيد ...
قلت :
" أي شيء يضايقك و يحزنك لهذا الحد ... أبلغيني و أنا أبعده عنك .. "
" صحيح ؟؟ "
" نعم يا رغد ، لا تظني أنني فقط أكذب و أدعي ... لا تعرفين كم هي غالية دموعك عندي ... "
" مهما كانت غالية ... هناك ما هو أغلى ... و هناك ما لا يمكن فعله أبدا"
" أخبريني أنت فقط ، و سترين "
رغد هزت رأسها نفيا ... و قالت :
" لا لن تفعل ! لن تستطيع شيئا ! "
" أخبريني ماذا تريدين ؟؟ "
" أريد أمي "
قلت بتعجب :
" تريدين أمي !؟؟ "
هزت رغد رأسها اعتراضا و قالت في صيحة قاتلة :
" أريد أمي أنا ... لا أمك أنت ... أنا أريد أمي ... فهي من يستطيع مساعدتي ... لو بقيت حية ... لا أحد منكم يستطيع ... هل يمكنك إحضارها إلي ؟؟ "
فوجئت بقولها هذا و شعرت بشرايين قلبي تتفجر بعنف ...
أيعقل أنها لا تزل تفكر في أمها ـ التي لم تعرفها يوما ـ حتى الآن ؟؟