" أرجوك رغد.. لا تجعلي المزيد من اللآليء تضيع هباء ً .. آسف و لن أكررها ثانية .. "
تحدّثت أخيرا و قالت :
" و إن طلبت منك الشقراء ذلك ؟ "
قلت :
" لا تهتمي.. "
قالت :
" وليد .. أنا أرى كوابيس مفزعة.. أمي.. أبي.. الحرب.. النار .. الحريق.. الجمر.. عمّار..
كلهم يعبثون بأحلامي.. لا أحد ليشعرني بالأمان.. سأموت من الخوف ذات ليلة..
سيتوقف قلبي و أموت فزعا.. و لا أحد قربي.. "
جذبتها إلي بسرعة، و أمسكتها بقوّة.. كحصن منيع يعوق أي نسمة عابرة من أذيتها...
" أعوذ بالله.. بعد ألف شر و شر يا عزيزتي.. لا تذكري الموت ثانية أرجوك يا رغد..
رأيت منه ما يكفي.. حاشاك أيتها الغالية "
نعم، رأيت من الموت ما يكفي.. ابتداءً بعمّار.. و مرورا بنديم و رفقاء السجن..
و عبورا على المدينة المدمّرة .. و انتهاء ً بوالدي ّ الحبيبين...
أبعدتها و قلت :
" أنا آسف، سامحيني هذه المرّة .."
رغد مسحت بقايا الدموع .. و قالت :
" لقد قلت مترا ، ألم تقل ذلك ؟ "
نظرت إليها بتعجّب.. و عدم فهم !
" أي متر ؟ "
قالت :
" هذا الذي ستفقأ عينيك إذا ما ازداد طوله فيما بيننا"
و تذكّرت حينها الجملة التي قلتها قبل أسابيع ، في آخر يوم لنا في شقة سامر قبل الرحيل !
و الآن ماذا ؟؟
رغد تمد يدها اليمنى ، و قد أبرزت إصبعيها السبابة و الوسطى ، و ثنت الأصابع الأخرى
و تحرّكها بسرعة نحو وجهي و توقفها أمام عيني مباشرة ، و تقول :
" أ أفقأهما لك الآن ؟؟ "
قلت لكم.. ستصيبني هذه الفتاة.. بالجنون !
~ ~ ~ ~ ~
هذه كانت البداية، أول شحنة متوترة بيني و بين الدخيلة الشقراء...
لكن الأمور بدأت تضطرب شيئا فشيئا.. و دائرة المشاحنات فيما بيننا آخذة بالتوسع...
حتى استرعت اهتمام الجميع...
لم أكن أسمح لهما بالبقاء بمفرديهما إلا نادرا و لأوقات قصيرة..
فأنا جزء تابع من وليد و أذهب معه حيثما يذهب.. و خصوصا إذا كانت الشقراء معه..
وليد هو ابن عمي أنا... نعم أنا...
في أحد الأيام، و كان يوم أربعاء، و كنا في الحقل، وليد و أروى يعملان، و أنا أراقبهما
و الوقت كان المغرب.. إذا بي أسمع من يناديني من خلفي، و ألتفت فإذا به سامر !
كنا نزور سامر مرة كل أسبوع أو أسبوعين
و كان يفترض أن نذهب إليه غدا ألا أنه فاجأني بحضوره !
" سامر ! "
سامر فتح ذراعيه و هو يبتسم.. فابتسمت أنا و عانقته عناقا خفيفا...قصيرا باردا من ناحيتي..
" إنها مفاجأة ! كيف حالك ؟ "
" بخير.. هكذا أكون عندما أراك "
تجاهلت عبارته هذه ، و قلت :
" لم تعلمنا بقدومك ! كنا سنوافيك غدا "
" أحببت أن أزور المكان الذي فيه تعيشين و أرى أحوالك هنا "
ابتسمت و قلت :
" الحمد لله بخير "
قال و قد علاه الجد و القلق :
" هل أنت مرتاحة هنا ؟ "
قلت :
المفضلات