" أبقه هكذا يا رجل ! تبدو جذابا به ! "
ضحكنا كثيرا ، ثم خرجت معه من الغرفة فإذا بي أرى أمي و أمي يقفان في الردهة ...
ابتسما لرؤيتي ، و تبادلنا حديثا قصيرا ، ثم ذهبنا أنا و أبي و سامر لتأدية صلاة الظهر في المسجد .
عندما عدنا ، و ما أن وطأت قدمي أرض مدخل المنزل ، حتى هاجمت أنفي روائح أطعمة شهية جدا !
أخذت نفسا عميقا متلذذا بالرائحة الرائعة !
ظهرت أمي ، و قادتنا إلى غرفة المائدة ...
و ذهلت للأطباق الكثيرة التي ملأت المائدة عن آخرها ...
" أوه ! كل هذا !؟ "
نظرت إلى أمي بتعجب ، فابتسمت و قالت :
" تفضل بني بالهناء و العافية "
لا أخفيكم أن معدتي كانت تستصرخ !
انقبضت مصدرة نداء استغاثة ، ثم توسعت أقصى ما أمكنها استعدادا للكميات الكبيرة التي أنوي التهامها !
في هذه اللحظة تذكرت صديقي سيف ، قلت :
" سيف ! يجب أن اتصل بسيف ! "
و ذهبت إلى حيث يجلس الهاتف بسكون ، و اتصلت به في الشقة حيث كنا
اعتذر سيف عن الحضور و قال أنه لا يود التسبب بأي حرج على أفراد العائلة في هذا الوقت ، لكنه وعد بالحضور مساء ...
اتخذت مجلسي حول المائدة ، على يمين والدتي ... ، فيما سامر إلى يساره
و أخيرا أقبلت الفتاتان ، دانة و رغد ... فجلست دانة إلي يمين والدي ، و بقي الكرسي الأخير ... المقابل لي شاغرا أقبلت رغد فجلست مقابلي على ذلك الكرسي ، و اتضح لي فيما بعد أنني جلست على الكرسي الذي تجلس هي عليه في العادة !
كانت ترتدي رداءا طويلا ، و حجابا .
لا أخفيكم أنني كنت أشعر بشيء كلسعة الكهرباء كلما التقت نظراتنا عفويا
إنها صغيرتي رغد !
محبوبتي المدللة التي حرمت من رؤيتها و العناية بها لثمان سنين ...
تعرفون ما تعني لي ...
و قد كبرت و لم يعد بإمكاني مداعبتها كالسابق ...
إنني أريد أن أطعمها هذه البطاطا المقلية بيدي !
إنني أشعر بأنها تراقبني !
ليست هي فقط ... بل الجميع يراقبني
إنني رغم شهيتي العظمي للطعام تصرفت بلباقة و تهذيب ، و أكلت بنفس السرعة التي بها يأكلون ....
و لكن لوقت أطول ... و لكميات أكبر !
ما أشهى أطباق أمي !
كل شيء يبدو لذيذا جدا ... حتى الماء ...
لم أذق للماء طعما منذ ثمان سنين ...
و هل للماء طعم ؟؟
أنا أعتبر نفسي دخلت الجنة بخروجي من ذلك الجحيم ... السجن ...
الحمد لله ...
أمور كثيرة قد تحدثنا عنها ألا أن السجن لم يكن من ضمنها مطلقا
كما أنني لم أكن مقبلا على الحديث ، بل الاستماع ... و علمت عن أشياء كثيرة و تطورات جديدة حدثت في البلاد و الحياة خلال سنوات غيابي .
و كانت رغد أقلنا حديثا ، بل إنها بالكاد تنطق بكلمة أو كلمتين من حين لآخر
كنت أريد أن أتحدث معها ...
أسألها عما عملت في غيابي ...
أمسك بيديها ...
أمسح على شعرها ...
أضمها إلي ...
كما كنت أفعل سابقا ... فهي طفلتي التي اشتقت لها كثيرا جدا جدا ... أكثر من شوقي لأي شخص آخر ...
لست بحاجة لوصف المزيد فانتم تعرفون ...
لكنها الآن أمامي فتاة بالغة ترتدي الحجاب ... لا أجرؤ حتى على إطالة النظر إليها أكثر من بضع ثوان ...
المفضلات