صفحة 36 من 39 الأولىالأولى ... 26 34 35 36 37 38 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 526 إلى 540 من 588

الموضوع: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

العرض المتطور

  1. #1
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    "أروى... بربك... ماذا تعنين؟؟"
    رمقتني بنظرات ملؤها المعاني...
    سألت:
    "تعنين.. أن أعود معها هي.. وأتركك هنا؟"
    رفعت أروى رأسها بشموخ وقالت:
    "إن قررت اختيارها هي".
    اندهشت وقلت:
    "لا بد أن شيئا ما قد ألم بعقلك يا أروى".
    لم تعلق فتابعت:
    "إلا إذا كنت... تعنين لفترة محددة.. ريثما تهدأ الأوضاع".
    قالت بثقة:
    "لا... بل أعني للأبد.."
    صعقت وسألت غير مصدق:
    "وأنت؟"
    قالت وعضلات وجهها قد خذلتها وبدأت بالنهيار:
    "لن أعيش معك ما دامت رغد تحت ولايتك.."
    من ذهولي لم أعرف كيف أرد.. رفعت يدي وأمسكت بعضديها ونظرت إلى عينيها بجدية ثم قلت:
    " هل تعنين ما تتفوهين به يا أروى؟؟"
    أجابت وأول دمعة تنزلق بين رموشها:
    "أعيه وأعنيه تماما يا وليد.. لن لأستمر معك.. ما بقيت ابنة عمك تحت رعايتك.. إن أردت لحياتنا أن تستمر معا.. تنازل عن وصايتها.. وأبعدها عنا".
    أطرقت برأسي رفضا لتصديق ما أسمع.. وضغطت على عضدي أروى وقلت:
    "كلا.. أنت لا تعنين ما تقولين يا أروى.. لا شك أنني أحلم".
    أروى عصرت عينيها وتدفقت الدموع بغزارة منهمرة منهما.
    هززتها وقلت:
    "كلميني يا أروى.. أخبريني بأنك تهذين.."
    أروى فجأة رمت برأسها على صدري وانفجرت باكية وهي تزفر:
    "لا أتحمل هذا... ارحمني وليد.. لا يمكن لقلبي أن يتحمل العيش مع فتاة أعرف أنك تحبها.. ما الذي تخطط له بشأنها؟؟ كم أنت قاس علي..."
    وانهارت أروى في بكاء طويل حارق..
    لم أحرك ساكنا.. وانتظرت حتى أفرغت دموعها في ملابسي.. وبكاءها بين ضلوعي..
    بعدها أبعدت رأسها عن صدري ونظرت إلي..
    "ماذا قررت؟"
    سألتني ونظرتها متعلقة بعيني...
    فلم أرد.. فنادتني:
    "وليد... أنا.. أم هي؟"
    عضضت على أسناني توترا ثم قلت:
    "سأعتبر نفسي لم أسمع شيئا اليوم".
    قالت بحنق:
    "وليد.. لا تهرب من سؤالي".
    رددت بحدة:
    "إنه ليس سؤالا يا أروى... إنه الجنون.. يبدو أنك لم تسترخي بما فيه الكفاية بعد..
    سأتركك لتراجعي حساباتك الحمقاء هذه ثانية".
    وتركتها وغادرت الغرفة..
    في المزرعة وجدت العم إلياس والخالة ليندا يعملان مع بقية العمال في حرث بقعة من الأرض..
    قلت مخاطبا الخالة:
    "خالتي.. دعي عنك هذا أرجوك".
    فقالت بسرور:
    "إنني أستمتع بحرث الأرض يا بني.. ثم إنه تمرين جيد لتنشيط القلب".
    قلت:

    "بل هو شاق على مرضى القلب.. أرجوك توقفي".
    واقتربت منها وانتزعت الأداة من بين يديها وطلبت منها الذهاب للراحة..
    كانت أشعة الشمس لا تزال ساطعة بقوة والجو اليوم أكثر حرارة مما كان عليه الأسبوع الماضي..
    شمرت عن ساعدي وأمسكت بالمعول وجعلت أضرب الأرض بقوة.. وكلما تذكرت كلام أروى ضربتها بقوة أكبر وأكبر.. وكأنها السؤولة عن دوامة المشاكل التي أعيشها.. كأن بيني وبينها ثأر كبير...
    عملت بهمة لا تتناسب والحالة المزاجية المتعكرة التي تسيطر علي.. ومرت الساعات واختفى قرص الشمس خلف ستار الأفق.. الذي خبأ بحرص شديد.. ما ستشرق به شمس الصباح التالة..
    كان الإعياء قد نال من عضلاتي والعرق قد أغرق جسدي حينما ألقيت بالمعول جانبا واستلقيت على الرمال ألتقط أنفاسي..
    تنفست بعمق شديد وأنا شارد التفكير.. أنظر إلى السماء وقد بدأ الظلام يلونها بلون الحداد الكئيب...
    أمام عيني كنت أرى كلمات أروى تتراقص مع أوراق الشجر.. ذات اليمين وذات الشمال.. وتسبب لي دوارا..
    أغمضت عيني لأحول دون رؤية أي شبء.. فأنا هذه اللحظة لا أريد لأي مؤثر خارجي أن يغزو تفكيري..
    شعرت بشيء يسري على ذراعي.. حركت يدي فأحسست بحبات الرمل تعلق بي..جذبت نفسا فخيل إلي أنني أشم رائحة دخان السجائر.. وسمعت أصوات أشخاص كثر ينمنمون..
    فتحت عيني بسرعة.. وهببت جالسا..لمحت حشرة تسير على ذراعي فأبعدتها ونفضت التراب عن يدي.. وتلفت يمنة ويسرة أبحث عن مصدر الرائحة والصوت..
    لقد كنت واهما.. إنني في المزرعة الآن.. ولست في السجن..
    لا اعرف لماذا عادت بي الذكريات إلى الزنزانة.. وتوهمت أنني أنام على الفراش الخشبي القذر.. تعلق بي حبات الرمل والغبار.. وتسير الحشرات على جسدي.. وتحشو رائحة السجائر والعرق تجويف أنفي..
    كلا كلا!...
    وقفت منتفضا وأنا أطرد الذكرى البشعة من مخيلتي... مددت أطرافي الأربعة إلى أقصاها.. وتنفست نفسا عميقا وزفرت باسترخاء... ثم أجريت تمارين إرخاء سريعة.. دخلت بعدها إلى المنزل..
    تحاشيت الالتقاء بأروى وتعمدت عدم الظهور في أماكن تواجدها.. وأبقيت موضوعنا معلقا لحين إشعار آخر..

    ********************************

    نهاية الحلقه 44

  2. #2
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    الحلقة الخامسة والأربعون

    الجفـــاء القــاتـــل
    طرت من الفرح.. عندما أخبلاني وليد بأنه قادم لزيارتنا هذه الليلة... فأنا لم أره منذ أسبوع.. وأشعر بحنين شديد إليه.
    وشعرت بالحسرة لأنني لم أستطع المشاركة في إعداد طعام العشاء مع خالتي وابنتيها...
    قلت مخاطبة نهلة:
    "يحب عصير البرتقال الطازج.. أرجوك حضري كمية كبيرة منه".
    فتحت نهلة درج الثلاجة المليء بثمار البرتقال وأشارت إليها وقالت ساخرة:
    "كل هذا؟"
    سارة انفجرت ضاحكة فوبختها خالتي.. أما أنا فرمقت نهلة بنظرة غضب فابتسمت وقالت:
    "حاضر سيدتي.. وماذا أحضر بعد؟"
    وكنت قد أخبرت خالتي عن الأطباق التي يفضلها وليد وطلبت منها أن تحضرها بسخاء!
    سمعت خالتي تسأل:
    "ماذا عن سامر؟ هل تأكدت من أنه لن يحضر؟"
    أجبت:
    "نعم. هكذا أجاب وليد عندما سألته.. لكن اعملي حسابه.. ربما يتغير رأيه ويأتي".
    قالت سارة مفاجأة:
    "أصبح وجه سامر وسيما الآن. هل ستتزوجين منه ثانية يا رغد؟"
    هذه المرة خالتي زجرت ابنتها بعنف بل وطردتها من المطبخ... سارة غبية لدرجة ملحوظة.. وتفكيرها سخيف جدا...
    الصمت حل على المطبخ بعد مغادرتها وأرادت نهلة أن تلطف الأجواء فسألتني:
    "وخطيبته وأمها؟؟ أمتأكدة من أنهما لن تحضرا؟"
    كانت تعرف هي الأجابة ولكنني جاريتها:
    "لن تحضر.. سيأتي وليد فقط".
    قالت ماهو الخطأ الذي قلته؟"
    أوه.. إنها حتى لا تدرك خطأها! إنها طفلة بريئة ولا تستحق العقاب..
    قلت:
    "عندما قلت عن سامر إنه أصبح وسيما وسألتني إن كنت سأتزوج منه".
    قالت ببلادة:
    "نا الخطأ في ذلك؟ لقد أصبح وسيما بالفعل عندما عالج عينه البشعة".
    قلت مجارية:
    "نعم أعرف".
    وانتظرت هي مني أيضاح الخطأ.. فقلت:
    "لكن لا يليق أن تسأليني إن كنت سأتزوجه أم لا.. أولا لأنك صغيرة السن ولا يستساغ منك كلام كبير كهذا.. وثانيا لأنني وسامر قد انفصلنا عن بعضنا البعض نهائيا ولن نتزوج ثانية.."
    ونظرت إلى عينها أستشف منهما الفهم, لكن.. لا يبدو أنها استوعبت تماما ما عنيت!
    قالت:
    "إذن ستتزوجين بحسام؟"
    أوه... ألهمني الصبر يا رب!
    أجبت:
    "كلا".
    قالت:
    "إذن بمن؟"
    قلت مظهرة الغضب لأفهمها أن عليها التوقف عن هذا:
    "لا أعرف يا سارة ولا تكرري الحديث عن أمور كهذه ثانية.. مفهوم..؟؟"
    واستدرت راغبة في الانصراف عنها.. فسمعتها تقول:
    "أنا أعرف بمن".
    استدرت إلى سارة مجددا فوجدتها تبتسم ولكن هذه المرة بمكر!
    قلت مجارية لها:
    "بمن في اعتقادك؟"
    قالت:
    "بابن عمك الطويل.. فأنا سمعتك تخبرين أختي بهذا".

    *****************

    بعد العشاء.. جلست مع أبي حسام والخالة وحسام ورغد نتجاذب أطراف الحديث..
    أحاديثنا منذ البداية كانت عادية وغير هادفة.. باستثناء اعتذار أم حسام الذي أزاح عني حملا... لم أهنأ بزواله... أما الصغيرة كانت صامتة إلا عن نظرات تلقيها علي من حين لآخر!
    ولكن هل يبدو في مظهري شيء غريب؟؟
    سألت أم حسام:
    "كم ستمكث في البلدة؟"
    أجبت:
    "أسبوع كحد أقصى.. بعض شئون العمل متوقفة على حضوري.."
    قالت:
    "وماذا عن رغد؟"
    بسرعة التفت إلى الصغيرة واشتبكت نظراتنا.. ثم عدت إلى أم حسام:
    "ستأتي معي قطعا".
    وهل هناك شك في الأمر؟؟
    أم حسام قالت:
    "أليست إجازتها المرضية ممتدة لعدة أسابيع.. لن تكون هناك دراسة ولا جامعة وبالتالي لا داعي لسفرها".
    عدت ونظرت إلى رغد.. متوقعا أن تكون هذه فكرتها.. ثم قالت:
    "نعم ولكن..لديها موعد الطبيب في الأسبوع المقبل.. كما وأنها يجب أن تبقى قريبة من المستشفى لمتابعة العلاج.. هذا إلى أنه... بإمكانها الدراسة في المنزل والاستعانة بصديقاتها خلال فترة الاجازة".
    أليس كلامي منطقيا؟؟
    أم حسام قالت وقد طغت الجدية على نبرة صوتها:
    "في الحقيقة يا وليد.. وباختصار وبلا مقدمات.. أريد أن تبقى ابنة أختي تحت رعايتي من الآن فصاعدا".
    أصبت بالدهشة.. وقلت مستغربا:
    "ما الذي تقصدينه؟؟"
    أجابت بكل ثقة:
    "أقصد أن تبقى هنا في بيتي وتحت ناظري وبين أبنائي.. وهو المكان الطبيعي لها أساسا".
    درت بعيني بعشوائية ثم ألقيت نظرة على رغد أستشف منها موقفها.. لكني لم أفهم المعاني المرتسمة على وجهها..
    قلت:
    "خالتي.. ألم يسبق وأن أغلقنا هذا الموضوع بعد أن أشبعناه حوارا وختمنا القرارات؟
    بقاء رغد تحت وصايتي أمر مفروغ منه البتة ولا مجال للحديث فيه أصلا".
    تدخل حسام وقال:
    "هذا ما تفرضه أنت".
    لم أعره اهتماما وركزت أسماعي على الخالة التي تابعت:
    "لم ننهه لكنك أصررت على موقفك واستغللت شغف الفتاة بالراسة كيف تكسبها إلى جانبك".
    استغلال؟؟ عندما أفكر في مسقبل رغد.. وأخطط له.. تسمونه استغلال؟؟
    حسام قال:
    "إنهم يعيدون ترميم المبنى المدمر من الجامعة هنا وستفتح العام المقبل وتستطيع رغد العودة إليها مجددا".
    قلت:
    "ولماذا عليها أن تفل ذلك؟ الجامعة الأهلية في الجنوب أفضل مستوى وقد قطعت شوطا مهما وبنجاح فلم تفكر أصلا في تغيير الجامعة؟"
    كنت سأوجه سؤالا إلى رغد غير أن أم حسام سبقتني بالحديث:
    "لتبقى معي.. وإن كانت حجتك الدراسة فها هو الحل أمامك".
    استفزتني الجملة وقلت:
    "ليست مسألة الجامعة فقط... رغد تحت وصايتي أنا وأريد أن آخذها معي".
    قالت أم حسام وبصوت حاد:
    "في هذه المرة أعدتها إلينا بالجبائر... في المرة القادمة كيف ستعيدها إلينا؟؟"
    أبو حسام تدخل ليخفف الشد الحاصل فقال:
    "نحن نعرف أنك تعتني بها جيدا ولكن إنه قلب الأم.. لا تتصور كم كانت خالتها مشغولة البال والقلب عليها".
    قال حسام:
    "جميعنا كنا قلقون عليها وهي بعيدة كل ذلك البعد. يجب أن تقدر مشاعرنا".
    كأنك تماديت يا حسام؟ مشاعر ماذا تقصد؟ يجب أن تتوقف عند هذا قبل أن تشعل غضبي..
    قلت معارضا وبكل إصرار:
    "الأمر مفروغ منه ولسنا هنا لنناقشه من جديد.. وأرجوكم لا داعي لهدر المزيد من الوقت في جدال عقيم لقضية محسومة مسبقا".
    قال حسام فجأة:
    "أنت متسلط جدا".
    صمت الجميع من المفاجأة.. وأنا نظرت إليه بتعجب.. حسبت أنها زلة لسان سيعتذر عليها لكنه أضاف وللعجب:
    "نحن أفرب إلى رغد منك وأحق بكفالتها.."
    أبو حسام ردع حسام بنظرة غاضبة.. والأخير سكت ثوان ثم وجه خطابه إلى رغد:
    "ما رأيك أنت يا رغد؟ ألست تفضلين البقاء مع والدتي؟؟"
    نظرنا جميعا نحو رغد التي أجابت بإخضاع نظرها نحو الأرض.. كأنها تؤيد هذا..
    ماذا يا رغد؟ أتريدين إحراجي أكثر مع أقاربك؟ ألم ننته كليا من موضوع إقامتك معي؟
    هل غيت رأيك الآن؟
    خاطبتها سائلا وشاعرا بالخذلان منها:
    "ماذا يا رغد؟"
    فنظرت إلي وأجابت مضطربة:
    "كما ترى أنت.. وليد".
    الجميع نقلو بصرها عنها وصبوا أنظارا حارة علي..
    ويحكم! هل تعتقدون أنني أهدد الفتاة أو أجبرها على شيء؟
    قلت طالبا منها التأكيد:
    "ألست ترغبين في متابعة الدراسة في الجامعة الأهلية؟"
    قالت مؤكدة:
    "بلى".
    اطمأن قلبي لردها لكن أم حسام قالت معترضة:
    "كلا... ستبقين معي.. أريد أن أرعاك بنفسي من الآن فصاعدا.. ولن يطمءن قلبي لسفرك على الإطلاق".
    وإذا بحسام يخاطبني قائلا فجأة:
    "لماذا لا تتنازل عن الوصاية؟"
    نظرت إليه نظرة مندهشا ثم رمقته بحدة وقلت:
    "أتنازل عنها لمن مثلا؟ لك أنت!؟"
    حسام غضب من تعقيبي الساخر ورد منفعلا:
    "تعرف أنني دون السن القانوني ولا يمكنني أن أكفل أحدا.. أنا أعني لوالدي فهو بمقام والدها وهو ابن عم والدتها وأمي خالتها ونحن أقرب إليها منك".
    عند هذا لم أتحمل.. اشتعلت نفسي غضبا وتصبب العرق من جبيني ورفعت يدي أمسحه فلمست جبينا ساخنا يكاد يتقد نارا..
    نظرت نحو رغد وأظن نظرتي كانت قوية للدرجة التي اهتز فيها جسدها وتراجع للوراء..
    زفرت زفرة قوية أخيرا كانت ساخنة ما يكفي لحرق أثاث الغرفة..
    قلت أخيرا:
    "يمكنكم مناقشة أمر الوصاية هذا بعد موتي, ولكن طالما أنا حي فابنة عمي ستبقى تحت مسئوليتي أنا ما امتدت بي الحياة".
    ووقفت وتابعت:
    "علي الذهاب الآن.. شكرا على حسن الضيافة".
    والتفت إلى رغد وقلت:
    "رغد.. هلا رافقتني إلى البوابة؟"
    سرنا جنبا إلى جنب بخطى بطيئة إلى أن ابتعدنا عن مدخل المنزل وانتصف بنا الطريق إلى البوابة الخارجية لسور المنزل...
    حينها أذنت للساني بالنطق:
    "رغد".
    وتوقف صوت خطوات العكاز.. التفت إلى رغد فرأيتها وقد توقفت عن المشي وكأنها في انتظار شيء مهم...
    قلت:
    "هل كانت هذه فكرتك؟"
    رغد قالت بسرعة:
    "لا.. لا.. إنها خالتي, هي التي تريد مني البقاء... على الأقل فترة نقاهتي".
    قلت:
    "والوصاية؟"
    أجابت:
    "حسام يتحدث بسخافة أحيانا".
    كنت أنظر إليها بتشكك.. فهي لطالما طلبت مني تركها مع أقاربها, وخشيت أن تكون هي وراء كل هذا...
    لما قرأت الشك في عيني قالت مدافعة:
    "صدقني لست أنا".
    قلت:
    "اسمعي يا رغد.. عليك أن تفهمي أقاربك أن موضوع الوصاية هذا مفروغ منه تماما ولا أقبل منهم أن يفتحوه أمامي مجددا أبدا.. يجب أن تخبريهم أن يتوقفوا عن محاولاتهم المزعجة وإلا فأنني سوف لن آتي بك لزيارتهم مجددا".
    بدا التوتر على وجه رغد فقلت:
    "أنا أعني ما أقول.."
    ثم استدرت لأتابع طريقي إلى البوابة..
    بعد ثوان لحقت رغد بي وسمعتها تناديني وتقول:
    "وليد... لا تغضب...!"
    التفت إليها فوجدت عينيها متعلقتين بي...
    كررت:
    "أرجوك.. لا تغضب منهم".
    وأضافت:
    "أنا اعتذر لك عن أي كلمة مزعجة وجهت إليك هذه الليلة... سامحهم أرجوك".
    أراحني الشعور بأن رغد... تكن لي التقدير وتكترث لمشاعري... وتود تطييب خاطري بعد الكلام الذي تلقيته من أهلها...
    قلت:
    "هذه المرة سأبتلع كل شيء.. لكن عليك أن تفهميهم جيدا بأنني فيما لو تكرر هذا مرة أخرى, سأتخذ موقفا مختلفا".
    أطرقت رغد برأسها إذعانا.
    أخيرا قلت:

  3. #3
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    "والآن.. هل تأمرين بشء قبل ذهابي؟"
    رأيت وجه رغد يبتسم فيما قسمات القلق مرسومة على جبينها وهي تقول:
    "انتبه لنفسك".
    أنتبه لنفسي؟!
    إنها أول مرة تقولها لي وبهذه الطريقة ومعالم القلق والاهتمام ناطقة على وجهها!
    شعرت بدغدغة لطيفة تسري في جسدي لم تكن لتتناسب مع الغضب الذي أضمره!..
    ابتسمت لها وفارقتها بارتياح..
    ذهبت إلى شقة سامر والذي كان قد أعطاني مفتاحا احتياطيا لشقته بطلب مني.. حتى يتسنى لي الدخول والخروج بحرية, خصوصا وأنه كان يقضي ساعات طويلة في العمل..
    دخلت الشقة واتجهت إلى غرفة النوم.. وهناك... رأيت شقيقي يجلس على السرير وفي يده علبة ما..ووجهه متجهم.. ويظهر عليه الشرود... حتى أنه لم ينتبه لدخولي..
    "سامر"
    بمجرد أن ناديته ارتبك وأغلق العلبة بسرعة وهب واقفا وهو يقول:
    "وليد.. أأأأهلا".
    وسار نحو الخزانة وأدخل العلبة في أحد الأدراج, الدرج الذي وجدته مقفلا ذلك اليوم, وأقفل الدرج بالمفتاح وهو يقول:
    "لم أنتبه لقدومك".
    دققت النظر في وجهه فوجدت آثار الدموع تبلل رموشه.. شعرت بانقباض في قلبي وسألت بقلق:
    "أهناك شيء؟؟"
    سامر تظاهر بالعفوية وابتسم وقال:
    "لا. لا شيء".
    لكنني لم أشتت نظري عنه فقال:
    "تذكرت والدينا".
    وظهر الخشوع والحزن على وجهه.. لم أصدق ما ادّعاه ولكنني لم أشأ إحراج الموقف فقلت:
    "رحمهما الله".
    وتصرفت بشكل طبيعي رغم القلق الذي يعتصر أحشائي..
    لا أعرف ما الشيء الذي كان سامر يخفيه في الدرج ويحذر أن أراه.. لكني أتوقع وتقريبا شبه متأكد من أنه ذو علاقة برغد...
    والفضول تملكني بشدة... وانتهزت الفترة التي ذهب أخي فيها للاستحمام بعد ذلك وتسللت يدي نحو الدرج..
    كان المفتاح في ثقب الدرج... فتحته بحذر واستخرجت العلبة الكبيرة الثقيلة التي كانت تحتل معظم الدرج...
    وضعت العلبة على السرير وهممت بفتحها, غير أن ضميري تغلب على فضولي في آخر لحظة... وإذا بي أعيد العلبة إلى الدرج وأقفله بالمفتاح وأغلق باب الخزانة كما كان...
    لحظتها أثنيت على نفسي أمانتي.. وشكرت ضميري على تأنيبه... وبت راضيا عن نفسي ومسرورا بها...
    لكنني فيما بعد.. ندمت أشد الندم.. على أنني لم أكتشف وقتها السر الذي كان شقيقي يخبئه.. رغم أنه كان طائعا بين يدي...

    ************************
    بالأمس أبلغني وليد عن موعد سفرنا وهو مساء اليوم, واتصل بي قبل ساعة ليتأكد من استعدادي. وقد أبلغني أنه في طريقه للمزرعة وسوف يكون هنا عصرا.
    وفيما أنا مع ابنتي خالتي نجمع حاجياتي في حقيبتي رن هاتفي مرة أخرى... نهلة ونظرت بمكر وقالت:
    "الوصي الطويل!"
    وسارة ضحكت -كعادتها- بصوت مرتفع...
    كان هاتفي موضوعا على المنضدة بجوار المرآة. وكنت أجلس على السرير أطوي ملابسي..
    قلت مخاطبة نهلة:
    "ناوليني الهاتف".
    فأسرعت سارة والتقطته من على المنضدة وأقبلت نحوي.. نهلة قالت لإغاضتي:
    "دعيها تسير إليه بنفسها يا سارة!"
    سارة غيرت اتجاه سيرها وعادت أدراجها إلى المنضدة..
    قلت بحنق:
    "هذا ليس وقته... هاتي الهاتف سارة".
    فقالت نهلة وهي تضحك بخبث:
    "تعالي وخذيه بنفسك".
    هتفت:
    "تبا لكما".
    ورميتهما ببعض ملابسي وأمسكت بعكازي وهببت لأقف, حينها أخذت نهلة الهاتف ورمته نحوي على السرير وأطلقت أختها القهقهات وهما تغادران الغرفة... مددت يدي بسرعة والتقطت الهاتف..
    كان رقم هاتف المزرعة, ذلك الذي ظهر على شاشة هاتفي...
    "مرحبا".
    "مرحبا يا رغد.. كيف حالك؟"
    أتدرون من المتصل؟
    إنها الشقراء!
    ماذا تريدين مني؟؟ وكيف تملكين الجرأة على الاتصال بي وكأننا من الأصحاب؟؟
    قلت بجفاء:
    "نعم؟ ماذا تريدين؟"
    قالت:
    "حسنا.. خشيت ألا تجيبي على اتصالي.."
    قلت:
    "ظننته وليد... لكن ماذا هناك؟"
    قالت:
    "إنه لم يصل بعد... هل أخبرك بأنه.. حجز للسفر مساءً؟"
    قلت:
    "نعم".
    الشقراء صمتت قليلا ثم سألت:
    "رغد..هل فكرت في الموضوع الذي حدثتك عنه؟"
    تعني الكلام الذي سممت قلبي بسماعه ذلك الصباح في المزرعة.. والذي بذلت قصاري جهدي للتهرب منه..
    أجبت:
    "لا أريد أن أفكر به".
    قالت:
    "لماذا؟"
    قلت بغضب:
    "لا يعجبني.. ولو سمحت لا تعيدي فتح الموضوع ثانية".
    قالت:
    "يارغد لا بد من فتحه وأخذه بعين الاعتبار.. إنه ليس مجرد موضوع عابر بل فيه مستقبلنا وحياتنا ومصيرنا نحن الثلاثة".
    قلت وقد اشتد غيظي:
    " لا شأن لك بمستقبلي ومصيري أنا".
    قالت:
    "وماذا عن مستقبل وليد؟ وحياته؟ ومصير الدوامة من الشجار التي نحيطها به؟ ألا تفكرين فيه؟"
    قلت باندفاع:
    "وليد لن يتخلى عني تحت أية ظروف.. إنه بمقام أبي.. لن أبتعد عنه وإذا شءت أنت فابتعدي وأريحينا".
    صمتتالشقراء لبرهة ثم قالت:
    "إذن هذا هو قرارك؟؟"
    قلت بتحد:
    "نعم. هذا هو قراري".
    قالت وقد تجلى الألم والحزن في نبرة صوتها:
    "لم أتوقع أن تكوني أنانية لهذا الحد".
    ثم أضافت وقد اشتدت نبرتها:
    "لكن... وليد سيأتي الآن.. وسأخبره بما دار بيننا.. وعن قرارك.. وسأضعه أمام الأمر الواقع وأطلب منه أن يعين من منا سيختار ليصطحبها في السفر".
    وتوقفت برهة ثم أضافة:
    "وفي بقية العمر".
    وأقفلت السماعة فورا..
    تسمرت على وضعي حقبة من الزمن... تدحرج فيها رأسي على محيط الغرفة.. ثم تهالك على السرير دائخا تصارعه كلمات أروى وتستل عقله اتلالا..
    رفعت هاتفي أمام عيني.. أوشكت على الاتصال بوليد.. لكن أصابعي ارتجفت وحالت دون مقدرتي على الضغط على الأزرار..
    حاولت أن أركز على شيء لكنني فشلت... أغمضت عيني ووضعت يدي اليسرى عليهما لأخفف من مقدار النور الذي بدا قويا يخترق جفوني مقبلا من مصباح السقف...
    "رغد!"
    سمعت صوتا يناديني.. أبعدت عيني ونظرت باتجاه مصدر الصوت الذي ولشدة تيهي لم أميزه.. ولولا أنها اقتربت مني كثيرا ربما لم أكن لأميزها.. كانت نهلة..
    "ما بك!؟"
    سألتني بقلق وهي تراني ملقية بثقل رأسي على السرير في ذلك الوضع..
    جلست ومددت يدي نحوها فأقبلت إلي وشملتني في حضنها وهي تقول:
    "ماذا جرى لك بحق السماء؟؟ ماذا قال لك ذلك المتعجرف اللئيم؟"
    هززت رأسي في حضنها وأنا أطلق شهقاتي:
    "ليس هو يا نهلة.. إنها هي.. هي".
    سألت بتوتر وقد فهمت قصدي:
    "ماذا أرادت منك؟"
    انهرت وأنا أقول:
    "تريد أن تحرمني من وليد.. ستأخذه مني يا نهلة... ستأخذه مني".
    أبعدت رأسي عن حضنها وقلت بانهيار:
    "سأموت إن تخلى عني.. لا أستطيع العيش بدونه.. إنه وليد قلبي أنا.. يخصني أنا.. إنه لي أنا... أنا.. أنا..."

    ****************************
    كنت قد حدثت سامر عن أمر عودتي إلى الجنوب مع رغد.. وألححت عليه كي يرافقنا.. وأعدت عرض فرصة العمل الكبيرة في مصنع أروى..
    سامر كان في السابق يرفض الفكرة أما الآن فقد قبل العرض.. وطلب مهلة كي يرتب أموره..
    اتفقنا على أن أمهله بضعة أيام أخرى لينجز مهامه ويستعد للسفر...
    وضع سامر ووحدته في هذه المدينة وبعده عني لم يكن يروق لي منذ البداية.. ولكن الظروف لم تساعد على لم شملنا في بيت واحد كما هم الأخوة الأشقاء..
    ودعته وذهبت إلى المزرعة لأقابل أروى وأهلها, وأقضي معهم بعض الوقت قبل السفر..
    في المزرعة طبعا كانت تنتظرني مشكلتي الكبرى.. مع أروى...
    كنا أنا وهي نجلس بين الأشجار.. بعيدا عن مرأى أو مسمع أي إنسان.. نتحدث بشأن كلامها الجنوني في لقائنا الفائت..
    اعتقدت إنه كان انفعالا مؤقتا, غير أنني وجدتها على نفس الموقف هذا اليوم وقد تجلى الإصرار الشديد عليها..
    أروى كانت على غير سجيتها... غاية في التوتر والعصبية...
    "اسمعني يا وليد.. لا أريد أن نضيع الوقت والجهد في محاولة تغيير المواقف.. كل ما عليك اتخاذه الآن وبشكل حاسم هو القرار المصيري.. إما أن تأخذني أنا معك, وللأبد... أو تأخذها هي معك.. وللأبد".
    كنت قد استنفذت طاقتي في محاولة إقناعها بالتخلي عن حلها الجنوني هذا.. لكن دون جدوى..
    قلت منفعلا:
    "الهراء الذي تتفوهين به لن أحمله محمل الجد.. أجد نفسي مضطرا لأن أتركك هنا مؤقتا وأعود معها هي إلى أن تنتهي موجة الجنون الذي أودت بعقلك... بعدها نناقش بعقل كل أمورنا".
    أروى هتفت:
    "لا تتهرب يا وليد.. أنا أحدثك بكل جدية... إما أنا أو هي, ولا خيار ثالث مطلقا".
    الاصرار كان يندلع كالنار من عينيها.. والنار لم تحرق عيني ورأسي فقط.. بل وأشعلت الآلام التي لم بالكاد هدأت قليلا في معدتي..
    شهقت شهيقا طويلا لأملأ صدري بالهواء وأضغط على معدتي... ثم استدرت للوراء وخطوت مبتعدا عنها..
    "وليد إلى أين؟"
    لم أرد.. وخطوت خطوة أخرى فقالت:
    "هل أفهم من هذا.. أنك قررت اختيارها هي؟"
    توقفت لحظة ولم أستجب.. ثم خطوت خطوتين أخريين فسمعتها تقول بانفعال:
    "إذا قررت الذهاب إليها فلا تفكر بالعودة إلي ثانية".
    عند هذا الحد واستدرت إليها مذهولا وهتفت بغضب:
    "ماذا تعنين؟ أروى... أخرجي من رأسي في هذه الساعة.. أكاد أنفجر.. بالله عليك ماذا تعنين بهذا الجنون؟؟"
    أروى حمبقت برهة بي ثم قالت:
    "ننفصل".
    فجأة... أصيب رأسي بارتجاج حاد إثر هذه الكلمة الفظيعة وانفغر فوهي وانفتحت حدقتاي أوسعهما...
    ذهلت... صعقت... تصلبت في موضعي... غير مصدق!!
    نطقت وأنا لا أجرؤ على التفوه بالكلمة من شدة فظاعتها:
    " ماذا؟؟ تقولين ننـــ...ننـــــ... ماذا؟"
    أجابت أروى بكل ثقة:
    "ننفصل يا وليد".
    ولم يزدني برودها إلا ذهولا فوق ذهول...
    بقيت أحملق فيها لوقت ما كان أطوله.. ثم أخرجت عبارات عشوائية من لساني:
    "كيف تجرأت يا أروى؟ لا بد أنك بالفعل قد جننت...!... ماذا...؟؟ كيف أطاعك لسانك على التفوه بها؟؟ تقولين.. ننفصل؟؟"
    صمتت أروى فسرت حتى صرت أمامها وقلت غير مصدق:
    "ننفصل يا أروى؟؟ هل قلت ننفصل؟"
    أروى قالت وقد تغير صوتها وجاء مبحوحا:
    "نعم.. فنحن.. لن نستطيع العيش.. أنا.. وأنت.. وابنة عمك.. سوية... لقد خيرتك.. وأنت من اختار التخلي عني من أجلها".
    مددت يدي إلى ذراعها وهززتها بقوة وصرخت:
    "أنا؟؟"
    وتابعت:
    "بل أنت يا أروى من قرر كل شيء بجنونك.. أنت من يرفض العودة معي.. تعرفين كم هي ظروفي حرجة هذه الفترة وعوضا عن حمل الهم معي تزيدين عاتقي أثقالا.. تريدين مني ترك رغد في بيت خالتها للأبد؟؟ هذا المستحيل بعينه.. أنا لن أتخلى عن مسؤوليتي عن ابنة عمي هذه تحت أي ظروف ومهما كان".
    قالت أروى بغضب:
    "إذن تخل عني واحتفظ بابنة عمك المدللة الغالية... لأناية.. حبيبة قلبك التي لا تخجل من الاحتفاظ بصورتها تحت وسادتك".
    هنا.. فار التنور..
    رفعت يدي وأوشكت على تسديد لكمة قوية إلى وجهه أروى, غير أنني توقفت عند آخر جزء من الثانية.. وتركت يدي معلقة في الهواء..

    أروى صارت تحملق بي بذهول فائق.. وتحول لونها إلى الأصفر من شدة الفزع.. ولو كنت قد سددت ضربتي إلى وجهها لكنت قد فصلت فكها الأسفل عن رأسها كليا..
    تراجعت بقبضتي الثائرة والتفت يمينا فرأيت الشجرة التي نقف إلى جوارها تراقبنا بسلام..
    وكامجنون ضربت أحد أغصانها بعنف فخر مكسورا على الأرض..
    ابتعدت مسرعا عن أروى لئلا تنالها يدي ببطش شديد.. ذهبت أبحث عن العم إلياس فألفيته والخالة يجلسان عند مدخل المنزل يصنعان السلال السعفية ويتبادلان كرة الحديث..
    حين رأياني رحبا بي ودعياني للجلوس معهما.. ولكنهما سرعان ما رأيا الشرر يتطاير من عيني والعرق يتصبب من جبيني..
    العم إلياس وقف وقال قلقا:
    "ما الخطب يا بني؟؟"
    هتفت بغضب:
    "عمي أريد أن أحدثك عن شيء".
    وقد خرج صوتي مرعبا ما جعل الخالة ترفع يدها إلى صدرها...
    قال العم:
    "اهدأ يا بني.. رجاء".
    قلت منفعلا:
    "يجب أن تتدخل وتفعل شيئا يوقف جنون ابنة أختك هذا".
    الخالة وقفت بدورها هي الأخرى وقالت:
    "ماذا يحصل؟؟"
    العم إلياس خاطبني:
    "اجلس يا بني هداك الله.. تبدو منفعلا جدا".
    والتفت إلى الخالة وطلب منها:
    "احضري بعض الماء يا أم أروى باركك الله".
    الخالة دخلت إلى المنزل على مضض لتحضر الماء, أما العم إلياس فحملق بي متسائلا وأمسك بذراعي محاولا تهدئتي, غير أنني سحبت ذراعي وشددت على قبضتي وقلت:
    "عمي... أروى.. فقدت عقلها.. تهددني.. إما أن أترك ابنة عمي في بيت خالتها للأبد.. أو.."
    ولم أقو على إتمام الجملة.. فسأل العم:
    "أو ماذا؟"
    قلت أخيرا منفعلا:
    "أو ننفصل يا عم".
    العن ذهل ونظر نحوي بدهشة فائقة.. فقلت:
    "يجب أن تكلمها... إنها مجنونة منذ عرفت أنني قتلت من كان ابن عمها..والآن تريد مني إخلاء مسؤوليتي عن مكفولتي اليتيمة.. التي هي أمانة في عنقي إلى يوم الدين.. وإلا سوف لن تستمر معي بعد الأن".
    العم كان ينظر إلي بمنتهى الدهشة التي طغت على أي قدرة اه على التعبير...
    قلت بحدة بالغة:
    "تتعامل مع رباطي بها أو برغد وكأنهما لعبة يمكن تغييرها إن لزم الأمر... أفهمها يا عم.. أنه لا يحق لها وضعي بين خيارين عابثين كهذين.. ولا الاستهانة برباطنا بهذا الشكل المخزي..وإنني لست من الاستهتار لدرجة أن.. أرمي بوصاية ابنة عمي على غيري.. أو أنفصل عن زوجتي.. فقط لأنهما لا تطيقان التعايش مع بعضهما البعض".
    واستدرت منصرفا قبل أن أعطي العم فرصة للاستيعاب...

    ********************************

    مازلت واقفة عند الشجرة... أنظر إلى الغصن المرمي على الأرض... الذي كسره وليد عن جذعها قبل قليل...
    كنت غارقة في الدموع... لا أعرف ما أفعل أو كيف أفكر... وقد انصرف وليد غاضبا جدا مني... وسيسافر وموضوعي معه معلق وشديد الالتهاب...
    أحسست بحركة من حولي فنظرت في الاتجاه الذي سلكه وليد مغادرا وكلي لهفة أن يكون عاد... رأيت أمي وخالي يقبلان نحوي يكسو وجهيهما القلق الشديد...
    كانت أمي تمسك بكأس مليء بالماء في يدها وقطرات منه تنسكب مع خطواتها المضطربة.
    قبل أن تصبح في مواجهتي سبقها سؤالها:
    "ماذا حصل؟؟ أروى ماذا حصل مع وليد؟؟"
    نظرت من بين دموعي إلى عينيها وعيني خالي... وقلت:
    "لق... طلبت منه... أن... ينفصل عني".
    وأجهشت بالبكاء واستدرت إلى الشجرة التي ضربها وليد. لم أكن أسمع غير صوت بكائي إلى أن سمعت صوت خالي يهتف:
    "ليندا... تماسكي".
    استدرت إلى أمي فرأيت الكأس يقع من يدها ورأيتها تضغط على صدرها وتتنفس بصعوبة... ثم تترنح وتخر على الأرض.

    *******************************
    استقبلتني ابنة خالة رغد الصغرى وقادتني إلى مدخل المجلس الجانبي.. لم يكن حسام ولا أبوه موجودين ساعة وصولي.. وعند المدخل وجدت أم حسام تقف في انتظارنا...
    كنت أعرف أنها غير راضية عن سفر رغد وخشيت أن تعود لفتح موضوع اعتراضها في هذه الساعة... والصداع مشتد على رأسي بعد شجاري مع أروى, ولا ينقصني الآن أي جدال... وبعد تبادل التحية دخلنا إلى الداخل واتخذنا مجالسنا وأخبرتني أن أبا حسام في الطريق إلينا.. ثم سألتها:
    "هل رغد مستعدة؟"
    أجابت وفي نبرتها شيء من عدم الرضا:
    "نعم.جمعت أشياءها بمساعدة ابنتيّ.. إنها بالكاد تتحرك.. يشق السفر عليها مع هذه الإصابة".
    أرجوك! لا تفتحي الموضوع ثانية الآن!
    قلت لئلا أدع لها الفرصة للبدء من جديد:
    "إذن هلا أخطرتها بوصولي من فضلك؟ لا يزال أمامنا مشوار طويل".



  4. #4
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    الفتاة الصغيرة خرجت من الغرفة فورا... ذاهبة لاستدعاء رغد.. أما أم حسام فسألت:
    "وأين زوجتك ووالدتها؟"
    استغربت السؤال وأجبت:
    "في المزرعة".
    قالت مستغربة:
    "حسبت أنك قادم من هناك".
    قلت:
    "نعم, كنت هناك".
    سألت باستغراب أشد:
    "ولمَ لم تحضرا معك مباشرة؟"
    قلت مستغربا:
    "ولمَ؟؟"
    بدا القلق على وجه أم حسام مع بعض الحيرة ثم قالت:
    "ألن تصطحبوهما معكما؟؟"
    قلت:
    "كلا.. إنهما لن تسافرا معنا الآن".
    اتسعت حدقتا أم حسام واكفهرت ملامحها وقالت:
    "لن تسافرا معكما؟؟ ماذا تقصد يا وليد؟؟"
    قلت موضحا:
    "لن تسافرا حاليا.. لكن.. ستلحقان بنا بعد فترة.. تودان البقاء في المزرعة أياما أخرى".
    تعبيرات وجه أم حسام ازدادت توترا واضطرابا وقالت:
    "و... رغد؟؟"
    فهمت منها إنها قلقة بشأن من سيعتني بالصغيرة وهي مصابة هكذا.. فقلت:
    "لدينا خادمة لتساعدها".
    أم حسام قالت فجأة وبانفعال مهول:
    "أتريد القول.. إنك.. ستسافر مع الفتاة.. بمفردكما؟"
    ألجم السؤال لساني.. وفي ذات اللحظة رأيت أم حسام تهب واقفة وقد تناثر الشرر من حولها وتقول بصوت حاد:
    "هل جننت يا وليد؟؟ تريد أن تأخذ الفتاة بمفردها إلى الجنوب؟"
    وقفت تباعا وقد أصابني الذهول من أمر الخالة وأردت أن أتحدث غير أن كلامها اخترق المسافة الفاصلة بيننا بسرعة البرق وزلزلة الرعد...
    "كنت أظن أن خطيبتك ووالدتها سترافقانكما كما في السابق..."
    تدخلت بسرعة:
    "ستلحقان بنا عما قريب.. وكذلك سامر.. لا يمكنني ترك العمل أكثر من هذا".
    ردت أم حسام:
    "وتريد مني أن أترك ابنتي تسافر وتعيش هناك لوحدها معك؟؟ هل فقدت صوابك يا وليد؟؟"
    ارتبكت واضطربت كل ذرات كياني.. تحول لوني إلى الأحمر وتفجرت قطرات العرق على جسمي كله.. حاولت النطق:
    "خالتي".
    غير أنها قاطعتني بحدة وقالت صارخة في وجهي:
    "كفى.. هذا ما كان ينقصني... لم يبقى إلا أن نترك ابنتنا تقيم بمفردها مع رجل غريب.. من تظن نفسك يا وليد؟؟ كيف تجرؤ؟"
    تسمرت على وضعي مذهولا.. مكتوم النفس طائر الفؤاد محملق العينين... لا أكاد أفهم ما أسمع..
    "خــــالـــ... ما.. ماذا... رجل غريب؟؟ أنا؟"
    صاحت أم حسام بوجهي:
    "نعم رجل غريب.. أتظن أن الوصاية على الفتاة تجعلك أباها حقا؟؟ أفق يا هذا... أم لأنها فتاة يتيمة وحيدة تظن أنه بإمكانك التصرف بشأنها كما يحلو لك وأن أحدا لن يوقفك عند حدودك؟؟ اصح يا وليد... يا محترم".
    تلقيت الكلام كصفعة قوية نارية على وجهي... النار كانت تشتعل في عيني أم حسام وفي صدرها النافث بالصراخ.. حملقت بها مذهولا.. غير مصدق لما أسمع.. ما الذي تقوله هذه المرأة؟؟
    كان صدري لا يزال يحبس النفس الأخير الذي التقطته وسط النار.. أطلقت نفسي باندفاع وقوة وهتفت:
    "ما الذي تقولينه يا خالة؟"
    الغضب كان يتطاير من عينيها ومن عيني أنا تفجر بركان ثائر مدمر...
    "ما الذي تظنينه بي؟؟ إنني أنا وليد.. ابن شاكر وندى... ولست إنتاج وتربية شوارع.. أنا تقولين لي هذا الكلام؟؟ لقد تربيت بين أبناءك وتحت ناظريك.. وكأنك لا تعرفين من أكون؟؟ أم لأنني دخلت السجن بضع سنين تظنين أنني خرجت منه فاسقا قذرا لا يعرف حدوده ويتجرأ على حرمات الغير...؟؟ إنها ابنة عمي.. دمي وحرمتي أنا.. والأمانة العظمى التي في عنقي.. كيف تجرئين على الظن بي هكذا؟؟ لن أغفر لك هذه الإهانة.. أبدا".
    وسرت مبتعدا عنها متجها إلى الباب... وفي طريقي اصطدمت بطارلة فما كان مني إلا أن رفعتها وقلبتها رأسا على عقب ورميت بها بقوة بعيدا...
    فتحت الباب بقوة وصفعته بالجدار حتى كدت أكسرهما سوية.. ثم خرجت بسرعة مغادر المنزل... صادفت حسام عند البوابة... فدفعته بعيدا عن طريقي.. ثم ركبت سيارتي وانطلقت بأقصى سرعة.. نحو المطار..

    ونحن نسير نحو غرفة المجلس سمعنا صوت انغلاق باب قوي.. اقشعرت له الجدران والثريات!
    ابنتا عمي كانتا تتعاونان في حمل حقيبة سفري وأنا أسير بعكازي حاملة حقيبة يدي على كتفي إلى أن وصلنا إلى الباب.. الاثنتان عانقتاني وودعتاني وابتعدتا..
    طرقت الباب الداخلي لغرفة المجلس بهدوء ثم فتحته وأطللت بعيني في شوق لرؤية وليد قلبي..
    مسحت الغرفة بعيني وطولا وعرضا وارتفاعا.. ولم أعثر على وليد!
    لكني رأيت إحدى الطاولات مقلوبة والتحف الزجاجية مكسورة على الأرض!
    ورأيت خالتي تقف عند الباب الخارجي للمجلس, ثم رأيت حسام يدخل وهو يسأل:
    "ماذا حدث؟؟"
    وسمعت خالتي تسأله:
    "هل خرج؟"
    قال حسام:
    "ضربني بيده وخرج! ماذا حل بهذا الرجل بحق السماء؟"
    قالت خالتي وهي تغلق الباب وتقفله بعد دخول حسام:
    "لا أعرف ممن ورث هذا المتعجرف غلظته! لا ياسر ولا شاكر رحمهما الله ولا سامر يحفظه الله فيهم شيء من الفظاظة.. بل هم في منتهى التهذيب واللطف والهدوء.. أما هذا.. أعوذ بالله! متوحش وأخرق... انظر ماذا فعل؟"
    وهي تشير إلى الأرض...
    فتحت أنا الباب وتقدمت إلى الداخل في قلق وتساؤل... وأخذت أحدق في خالتي وأسأل:
    "ماذا حدث؟"
    وكان وجه خالتي يتقد احمرارا فرمقتني بنظرة صامتة ثم انحنت إلى الأرض ترفع قطع الزهرية المكسورة.
    عدت وسألت:
    "أين وليد؟"
    أجابت وهي لا تنظر إلي:
    "غادر".
    ماذا؟؟ غادر؟؟ ماذا تعنين بغادر؟؟
    سألتها:
    "غادر؟؟"
    قالت بغضب:
    "نعم غادر.. عسى ألا يعود".
    هتفت بقوة:
    "أعوذ بالله... لماذا ياخالتي؟؟.. ماذا حصل؟؟"
    قالت وهي ترفع نظرها إلي وتتكلم بعصبية:
    "إنه مجنون... لا يعرف حدود نفسه.. يظننا سنتركه يتصرف كيفما يريد.. متسلط فظ وعنيف.. من أين أتى بكل هذه العجرفة والوحشية؟"
    حسام عقب مباشرة:
    "من السجن قطعا".
    اشتططت غضبا وانفجرت بشدة:
    "لا تتحدثا عن وليد هكذا... لا أسمح لكما.."
    ثم تقدمت نحوهما وقلت:
    "أخبراني ماذا حصل؟؟"
    قال حسام:
    "ألا ترين؟"
    مشيرا للطاولة المقلوبة على الأرض.. والزجاج المتناثر حولها...
    قلت:
    "وليد فعل هذا؟"
    ووجهت خطابي لخالتي التي لا تزال جاثية على الأرض تلملم ما تبعثر..
    "لكن لماذا؟؟ ماذا حدث؟؟ هل تشاجرت معه؟"
    خالتي وضعت ما بيدها جانبا ووقفت وقالت:
    "نعم تشاجرت معه.. وغضب وصرخ في وجهي وقلب الدنيا رأسا على عقب وخرج ثائرا كالبركان".
    قلت بسرعة:
    "ماذا قلت له؟ هل أهنته ثانية؟؟ خالتي..!! إلى أين ذهب الآن؟"
    ردت بحدة:
    "إلى حيثما ذهب... بلا رجعة".
    هتفت منفعلة:
    "بعد ألف شر... خالتي لا تقولي هذا ثانية يكفي أرجوك".
    وعمدت إلى حقيبة يدي واستخرجت هاتفي واتصلت بهاتف وليد..
    كان الهلع ينخر رأسي بشراسة وما إن رن الهاتف حتى كان قد أتى على قواي الذهنية كاملة...
    الهاتف رن مرة ثم مرة أخرى ثم انقطع الاتصال.. عاودت الاتصال فوجدت الهاتف مغلقا.. كررت الاتصال عدة مرات.. الهاتف ظل مغلقا..
    قلت أخاطب خالتي:
    "أغلق هاتفه".
    ثم سرت نحو هاتف المنزل الموضوع على منضدة في الجوار واتصلت برقم وليد مرات أخرى.. دون جدوى..
    قلت بعصبية:
    "الهاتف مغلق يا خالتي ماذا قلت له؟"
    خالتي تنهدت ثم قالت:
    "اعترضت على سفرك معه".
    صدمت.. حملقت فيها مندهشة وسألت:
    "ماذا؟؟ لكن لماذا؟؟ تعرفين أنه آتٍ لأخذي فماذا تغير؟"
    قالت خالتي وقد عاد الانفعال على وجهها:
    "لن أسمح له بأخذك معه يا رغد... ستبقين معي وتحت عيني.. سأضع حدا لجنون هذا المتسلط".
    تركتني خالتي في إعصار الحيرة والهلع واشتغلت بتنظيف وترتيب الطاولة وما حولها متجاهلة تساؤلاتي... مما زادني يقينا فوق يقين بأن ما حصل كان أمرا خطيرا...
    "خالتي أرجوك أفهميني ماحدث؟؟ ماذا فعل؟ ماذا قلت له؟؟ بالله عليك أخبريني".
    وهذه المرة حسام ساندني وقال:
    "أخبرينا بما حدث يا أمي؟"
    خالتي قالت أخيرا:
    "تصورا.. كان يريد أخذ رغد بمفردها إلى بيته! دون خطيبته ولا والدتها..! يظن أن الوصاية كافية لتجعله مثل أبيها.. يقيم معها بمفرده أينما يريد".
    هتف حسام مستنكرا:
    "ماذا ماذا؟؟ يقيم معها بمفرده هكذا بكل بساطة؟؟ يا سلام! من يظن ذلك المعتوه نفسه ؟؟"
    خالتي قالت:
    "وبكل جرأة يخبرني بأن خطيبته لن تسافر معه.. بلا حياء ولا لياقة.. ولما اعترضت ثارت ثائرته وزلزل المنزل.. وقلب الطاولة بالتحف... المجنون!"
    تسمرت في مكاني مصعوقة بما أسمع.. ثم قلت:
    "لكن.. لكن.. إنه.. إنه الوصي علي".
    قالت خالتي بغضب:
    "الوصي عليك شيء وأن يقيم معك بمفردكما في بيته شيء آخر..."
    قلت مذهولة:
    "خالتي!! إنه ابن عمي".
    ردت مقاطعة:
    "وحتى لو كان ابني... مجنونة أنا كي أدعك تقيمين بمفردك مع رجل غريب؟ حتى لو كان حسام أو أبا حسام.. هذا ما كان ينقصنا.
    قلت وأنا في ذهولي:
    "ألا... تثقين به؟"
    ردت:
    "أثق بمن؟؟ بهذا؟؟"
    وهي تشير إلى موضع الطاولة... ثم أضافت:
    "المتوحش المتعجرف خريج السجون؟؟"
    عندها صرخت من أعماق قلبي:
    "يكفي... يكفي... لا تتحدثي عنه هكذا... لا أسمح لكم بإهانته... لا أقبل أن تصفوه بهذا... أنتم لا تعرفون شيئا..."
    والتقطت السماعة واتصلت من حديد وللأسف كان هاتف وليد مغلقا... أعدت الاتصال مرة ومرتين ومئة.. والهاتف لا يزال مغلقا...
    ياإلهي.. وليد قلبي غاضب ولا يريد التحدث معي؟؟
    نظرت إلى الساعة.. الوقت يمر ومن المفترض أن نكون في الطريق إلى المطار...
    اتصلت بهاتف سامر ولما رد علي قلت باضطراب:
    "هل وليد معك أو اتصل بك؟؟"
    استغرب سامر السؤال فسألني:
    "لا! غادر منذ الظهيرة... أليس في المزرعة؟؟"
    قلت بتوتر:
    "كان هنا في بيت خالتي ليصطحبني إلى المطار, لكنه غادر من دوني.. أتصل به ولكنه مغلق هاتفه.. أرجوك حاول التصال به وبالمزرعة واطلب منه مهاتفتي فورا..."
    سألني وقد تجلى القلق في نبرته:
    "هل حدث شيء يا رغد؟؟"
    نظرت نحو خالتي وأجبت:
    "تشاجر مع خالتي.. لكن أرجوك قل له أن يتصل للضرورة".
    صمت سامر لحظة ثم قال:
    "حسنا".
    وأنهيت المكالمة وبقيت جالسة على الجمر المتقد أنتظر اتصال سامر, وهاتف المنزل وهاتفي المحمول كلاهما في حظني... فيما عيناي محملقتان في ساعة يدي...
    مرت الدقائق تلحق بعضها بعضا... والهاتفان لا يرنان...
    لم أطق صبرا حاولت الاتصال بوليد دون جدوى واتصلت بسامر فقال إنه لم يجده في المزرعة وأن هاتفه المحمول مغلق طوال الوقت...
    في هذه اللحظة حضر زوج خالتي وعلم بما حصل وبدوره صار يحاول الاتصال بوليد عبر هاتفه بلا فائدة...
    مضى الوقت.. ولا من خبر من أو عن وليد..
    نبضات قلبي آخذة في التباطؤ.. أطرافي ترتجف خوفا وقلقا..
    أنظاري متمركزة على الهاتفين وعلى الساعة.. والآن لم تعدعيناي بقادرتين على الرؤية... الضباب كثيف.. لا بل هي قطرات الندى.. لا بل الدموع... تريد الانطلاق من محجري...
    وبعد ما يفوق الساعة... رن هاتفي المحمول... نظرت إلى الشاشة فرأيت اسم سامر...
    أجبت بسرعة:
    "نعم سامر هل كلمته؟؟"
    قال:
    "كلا.. إنني الآن عند باب المنزل".
    "المنزل؟"
    "أعني منزل خالتك... هل حسام هناك؟"
    وطلبت من حسام الذهاب لاستقبال سامر... غادرت خالتي المجلس وعاد حسام مع سامر... والأخير بدأ التحية والسؤال عن الأحوال ثم سألني مباشرة:
    "ماذا حدث؟؟"
    قلت بشكل غير مرتب:
    "خرج غاضبا... إنها خالتي... إنه موعد إقلاع الطائرة... هل سافر بدوني؟؟"
    رآى سامر اضطرابي فحاول تهدئتي ثم قال:
    "لن يفعل ذلك... لكن أخبريني ما الذي حدث بالضبط؟"
    قلت منفعلة:
    "خالتي تشاجرت معه... إنها يقسون عليه ولا يحترمونه ولا يثقون به".
    أبو حسام قال مدافعا:
    "ليس الأمر كذلك لا سمح الله.. أنه ابننا مثل حسام ومثلك يا سامر ولكن أم حسام جن جنونها مذ رأت الفتاة بالعكاز والجبيرة... تعرف كم تحب ابنة أختها وتقلق عليها ولا تريدها أن تبتعد عنها".
    قلت بغضب:
    "لكن لا ذنب لوليد فيما حصل لي... لماذا تنظرون إليه هكذا؟؟ إنه يعتني بي جيدا ويعاملني بكل احترام وحنان وأدب... وأنا لا أسمح...لا أسمح.."
    وأخذت شهيقا باكيا ثم زفرت نفسي مع دموعي:
    "لا أسمح لأحد بأن يهينه... ولا أقبل بأن ينعته أحد بالمجرم... أنتم كلكم قساة... كلكم بلا مشاعر... كلكم ظالمون".
    انخرطت في بكاء لم أبك مثله أمام أحد مسبقا... غير نهلة...
    الثلاثة... سامر وحسام وأبوه التزموا الصمت للدقائق الأولى... ثم تحدث سامر مخاطبا الآخرين:
    "بعد إذنكما... هل لي بحديث خاص مع ابنة عمي؟"
    وشعرت بهما يغادران... ثم شعرت بسامر يقترب مني وسمعته يناديني...
    مسحت دموعي ونظرت إيه فقال:
    "أفهميني يا رغد... ما الذي يدور ها هنا؟؟"
    قلت مقاطعة:
    هل تعتقد أنه سافر؟"
    سامر قال:
    "لا. كيف سيسافر ويتركك؟"
    قلت:
    "إذن لماذا أقفل هاتفه؟؟ انظر إلى الساعة.. لا شك أن الطائرة قد أقلعت منذ فترة..."
    ولمعت في رأسي فكرة فقلت:
    "اتصل بالمطار وأسأل عنه".
    وأنا أراقب سامر وهو مشغول بطلب الرقم تلو الآخر... سمعته أخيرا يتحدث إلى الطرف الآخر باهتمام, ثم شكره وأغلق الهاتف...
    نظر إلي وعيناي متعلقتان به بلهفة... ثم قال:
    "يبدو... أنه سافر بالفعل يا رغد".
    "سافر؟!"
    قال سامر:
    "الموظف أكد لي أن اسم وليد شاكر جليل... أدرج مع قائمة أسماء المسافرين الذين ركبوا الطائرة المتجهة إلى الجنوب".
    نظرت إليه بتشتت... بضياع بعدم تركيز.. بعدم تصديق.. بانهيار..
    "لا!"
    سامر كان ينظر إلي بقلق وخوف...
    قلت:
    "وأنا؟؟"
    لا زال سامر ينظر إلي.. والتعاطف ينبثق من نظراته...
    كررت:
    "وأنا؟؟ ماذا عني أنا؟"
    سامر قال:
    "وليد لن يفعل شيئا كهذا لسبب تافه... أخبريني ماذا حصل بالتفصيل يا رغد".
    قلت وأنا أنهار:
    "لا أعرف.. أخبروني بأنه وصل.. فأتيت إلى هنا ولم أجده.. رحل فجأة.. تشاجر مع خالتي في دقائق معدودة.. وغادر غاضبا.. خالتي أهانته.. لا أعرف ما قالت بالضبط لكنها عارضت سفري معه بدون الشقراء.. لا بد أنها رمته بألفظ قاسية.. إنها تكرهه ولا تثق به.. تعيّره بالمجرم.. وتنعته بالمتوحش وخريج سجون.. وكلمات جارحة ومهينة... آه يا إلهي.. وليد لا يستحق هذا.."
    وأخفيت وجهي خلف يدي اليسرى من مرارة الموقف.. وعصرت عيني دموعا شجية...
    أحسست بشيء يلامس يدي ففتحت عيني ورأيت منديلا تمده يد سامر نحوي..
    "هوني عليك يا رغد".
    قال سامر مواسيا..
    أخذت المنديل ومسحت دموعي ثم قلت:
    "ماذا أفعل الآن؟"
    قال سامر مطمئنا:
    "عندما يصل إلى المنزل سنهاتفه... لا بد أنه كان غاضبا... لكنه سيهدأ".
    قلت بلهفة:
    "هل تظن أنه سيعود؟"
    قال:
    "بل أنا على يقين من ذلك.. اطمئني.."
    ثم أطرق برأسه إلى الأرض وشرد قليلا... ثم قال:
    "لم أكن أعلم بأنهم يسيئون إلى أخي..."
    نظرت إليه فإذا بالاستياء البالغ يعشش على قسمات وجهه وإذا بكفيه ينقبضان بشدة غضبا...
    نظر إلي وألقى علي سؤالا:
    "أأنت من أخبرهم عن سجنه؟؟"
    أطرقت برأسي... وأومأت نفيا... وكانت نظرات الاتهام تشع في عينيه... وقبل أن أتكلم سمعنا صوت خالتي تلقي بالتحية وهي تطل علينا عند الباب... التفتنا إليها فإذا بها تقبل يتبعها حسام يحمل صينية أكواب الشاي...
    وبعد حوار سريع وسطحي سألت:
    "هل رد عليكم؟"
    قال سامر:
    "ليس بعد فهو في الطائرة الآن".
    قالت:
    "إذن فقد سافر".
    ثم أضافت:
    "رافقته السلامة".
    لم أحتمل ذلك.. هببت واقفة هامة بالانصراف... فإذا بسامر يهب واقفا هو الآخر ويستأذن للمغادرة...
    ناداه حسام:
    "والشاي؟؟"
    فرد مقتضبا:
    "في مناسبة أفضل".
    وغادر المكان...
    في الردهة... رأيت حقيبة سفري لا تزال واقفة قرب الباب.. تنتظرني.. أشحت بوجهي بعيدا عنها فاستقبلتني أعين ابنتي خالتي اللتين تقفان على بعد تراقبانني...
    وبعد عناق الأعين جاء دور عناق الأذرع والأحضان...
    وليد قلبي... سافر ليس فقط من دوني.. بل ودون وداعي.. ودون أن يكلمني.. ودون أن تقع عيناي عليه ولو لنظرة أخيرة..

    تسع ساعات وأنا أحاول الاتصال بشقيقي من حين لحين وبجميع الأرقام التي لدي دون نتيجة..أخذ القلق يتفاقم في صدري, خصوصا وأن رغد تتصل بي مرارا وتهول الأمر.. حتى أنها أقترحت علي مهاتفة صديقه سيف غير أنني عارضت الفكرة وطلبت منها الانتظار حتى صباح اليوم التالي.
    وفي الصباح اتصلت بهاتفه فوجدته لا يزال مغلقا, وبالمنزل فلم يجبني أحد, ثم بهواتفه المباشرة في مكتبه في مقر عمله, فأخبرت وبأنه قد اتصل بهم قبل فترة وأبلغهم عن عودته من السفر...
    على الأقل أعرف الآن أنه وصل إلى المدينة الساحلية بسلام..
    اتصلت برغد وأخبرتها بالجديد وكنت أظن أنها سترتاح للخبر غير أنها انزعجت وحزنت كثيرا...
    كان أخي قد قضى في شقتي عدة أيام وقد كانت أياما جميلة أنعشت في صدري الذكريات الماضية التي لن تعود.. الجميلة والمؤلمة معا.. وكان أشدها إيلاما هي ذكريات والدينا رحمهما الله...
    لم تمض سنة بعد على مصرعهما.. والنار لا تزال تتأجج في صدري.. ولن تخمد أبدا..
    وهو السبب الأول الذي كان يمنعني من العودة إلى المدينة الساحلية والعيش في بيتنا القديم المليء بالذكريات.. مع شقيقي الذي ما فتىء يطلب مني هذا..
    أما الثاني فهو بلا شك رغد...
    وفي هذه المرة ألح علي شقيقي للسفر معه وأبلغني بأن خطيبته لن ترافقه وبأنه لا يستطيع ترك رغد في بيت خالتها فهي بحاجة لمتابعة العلاج وكذلك الدراسة..
    وقد خططت جديا للحاق به عما قريب.. خصوصا وأنا أرى أنه من الأفضل لي الابتعاد عن هذه المدينة لبعض الوقت..
    أثناء وجودي في مقر عملي في المدينة التجارية عاودت الاتصال بهاتف شقيقي وللمفاجأة كان مفتوحا.
    رن عدة مرات قبل أن يجيب وليد أخيرا:
    "السلام عليكم".
    "مرحبا سامر... وعليكم السلام ورحمة الله".

  5. #5
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    وكان صوته منهكا:
    "كيف حالك؟ وحمدا لله على سلامة الوصول".
    "سلمك الله".
    يرد بجمل قصيرة وعلى عجل.
    سألته:
    "ما هذا يا وليد! ألف مرة أتصل بك وهاتفك مغلق؟"
    "نعم. لقد تركته مغلقا منذ الأمس".
    سألت:
    "أقلقتنا.. ماذا حصل؟ هل أنت بخير؟"
    "نعم.. نعم".
    قلت:
    "تبدو مشغولا".
    أجاب:
    "أجل.."
    قلت:
    "حسنا.. سأتصل لاحقا.. أرجوك لا تغلق الهاتف.."
    "حسنا".
    وانهينا المكالمة ومباشرة هاتفت رغد وأخبرتها فأبلغتني بأنها ستتصل فورا.
    بعد قليل اتصلت بي وأخبرتني بأن وليد لا يجيب. أبلغتها بأنه مشغول واقترحت عليها الاتصال بعد ساعة أة أكثر.. واتصلت بي بعد ساعة ثم بعد ساعة أخرى تخبرني بأنها كلما اتصلت بهاتف وليد وجدته مفتوحا ولكنه لا يجيب.
    على هذا النحو مر ذلك النهار وفي الليل اتصلت به ودار بيننا حديث قصير امتنع فيه وليد عن ذكر ما حصل يوم أمس. أظهر لامبالاة غريبة عندما حدثته عن رغد.
    باختصار.. شقيقي كان غاضبا جدا من عائلة الخالة أم حسام بما فيهم رغد ولا يرغب في الإتيان بذكر أي منهم.. على الاطلاق..
    كان هذا غريبا لكن الأغرب.. أنه وبعد يومين بعث إلي بظرف عبر البريد الجوي الموثق... يحوي وثائق هامة... طلب مني الاحتفاظ بها... وأخبرني بأنه مسافر إلى خارج البلاد للاستجمام.
    الظرف كان يحوي تقريرا طبيا مفصلا عن إصابة رغد.. وصورا لبطاقته العائلية الشاملة لاسم رغد.. وشيكا مصرفيا بمبلغ كبير.. وتوكيلا مؤقتا باسمي لأتولى الوصاية على رغد..خلال الفترة التي سيقضيها في الخارج...
    هكذا سافر وليد قبل أن يترك لنا المجال للاستيعاب...
    ويمكنكم تصور وقع نبأ كهذا على الفتاة التي كانت تحترق رمادا من أجل مهاتفته.. والتي تتلوى شوقا لعودته.. وتتصل بي عشرات المرات من السؤال عنه..
    عندما رأيت ما حل بها.. تقلبت في مخيلتي ذكريات قديمة أخرى.. كانت مركونة بإهمال في إحدى نتوءات دماغي.
    حدث ذلك قبل تسع سنين عندما كنا في المدينة الساحلة في بيتنا القديم.
    بعد أن غادر وليد المنزل, أصيبت رغد بحالة افتقاد مرضية إله.. في تلك الفترة رفضت الذهاب إلى المدرسة وصارت تلازم والدتي كالظل حتى في النوم وتراودها الكوابيس المفزعة وتصحو من النوم مفزوعة وتصرخ (أريد وليد.. أريد وليد)
    كانت أشبه بالمذعورة وقد أدخلناها للمستشفى بسبب رفضها للطعام وزاد الأمر سوءا الحرب والتدمير الذي تعرضت له مدينتنا وجعل الناس جميعا يعيشون حالة ذعر هستيري.
    ومن سيء إلى أسوأ تدهورت حالتها حتى قرر والدي رحمه الله الهجرة إلى الشمال الذي كان ينعم بأمان حتى العام الماضي..
    ومن سيء إلى أسوأ تدهورت نفسية رغد بعد سفر وليد المفاجىء هذا ووجدت نفسي أعاصر إحدى أسوأ الفترات العصبية التي عاشتها من جديد...

    منذ ذلك اليوم المشؤوم... الذي رحل فيه وليد بعد شجاره معي... ووالدتي طريحة الفراش في المستشفى والأطباء قرروا إجراء عملية جراحية لقلبها المريض.. أخيرا...
    كان خالي يواضب على الاتصال بوليد الذي لم يكن يجيب... حتى رد اليوم وأبلغ خالي بأنه مسافر إلى خارج البلدة لبضعة أسابيع.
    تدهورت صحة والدتي لما علمت بالخبر من خالي.. وها نحن نجلس إلى جانبيها في غرفة العناية القلبية المركزة.. والطبيب يبقي كمامة الأوكسجين على وجهها ويمنعها عن بذل أي مجهود يتعب قلبها.
    أنا أمسكبيدها أضمها إلى صدري وأقبلها وأدعو الله أن يشفيها عاجلا...
    التفت والدتي إلي وسألتني:
    "ألم تتصلي بزوجك؟"
    فأجبتها:
    "كلا".
    فقالت:
    "هل يعلم بأنني في المستشفى؟"
    فقلت:
    "نعم. فقد أخبره خالي بذلك".
    ونظرت إلى خالي الذي حرك رأسه مؤيدا. فقالت أمي:
    "إذن لماذا لا يحضر لزيارتي؟ ليس من عادته التخلف في موقف كهذا".
    أجاب خالي:
    "لأنه مسافر حاليا".
    فنظرت إلي وشدت على يدي وقالت:
    "يا ابنتي.. هل تخفين عني شيئا؟"
    فقلت:
    "كلا".
    ولكنها بدت متشككة واستدرت إلى خالي وسألت:
    "هل تخفون عني شيئا يا أخي؟"
    فقال أخي:
    "ربما حصل شيء.. بعد ذلك الشجار... ربما وليد نفذ ما طلبته أروى... لا أريد أن أرحل وأنا غير مطمئنة على ابنتي".
    قربت رأسي من رأس أمي وأخذت أحضنها وأقبلها وأقول:
    "لا تقولي هذا يا أمي أرجوك".
    وهي تتابع:
    "الأعمار بيد الله.. نسأله حسن الخاتمة".
    فلم أتمالك نفسي وفاضت الدموع في عيني.. وقلت:
    "أرجوك يا أمي لا تتحدثي هكذا.. شفاك الله ومد في عمرك.. أنا من لي غيرك في هذه الدنيا؟"
    وأحسست بيدها تمتد وتلامس يدي ثم سمعتها تقول:
    "لا زوجك.. وخالك.. يرعاكم الله".
    ثم التفتت إلى خالي وقالت:
    "أخي يا قرة عيني.. أحضر وليد وصالحهما أصلح الله لك آخرتك.. الشاب جيد ومن خيرة الرجال وأنا ما كدت أصدق أنني وجدت من أستأمنه على ابنتي مهجة قلبي".
    خالي مسح على رأس أمي وقال:
    "لا تشغلي بالك بهذه الأمور يا أم أروى هداك الله.. إنه شجار عابر يحصل بين أي زوجين وينتهي".
    لكن أمي أبدت عدم التصديق مخاطبة خالي:
    "لا تدعه يذهب يا إلياس.. ما كان نديم ليطلب من شخص عادي أن يهتم بعائلته".
    ثم التفتت إلي وقالت:
    "لو لم يكن رجلا بمعنى الكلمة.. لما تمسك بالمسؤولية عن ابنة عمه اليتيمة بهذا القدر".
    وشددت على يدي وقالت:
    "تمسكي به يا أروى.. لا تفرطي به.. يهديك الله".

    حصلت على أقرب موعد ممكن مع أحد أطباء العظام في إحدى المستشفيات الكبيرة في المدينة الصناعية واليوم سآخذ رغد من أجل المعاينة ومتابعة العلاج.
    استخرجت الظرف الذي أرسله لي شقيقي قبل سفره وقلبت الأوراق لاستخراج التقرير الطبي.
    وأثناء ذلك اطلعت على مجمل الأوراق وبشكل أخص على ورقة التوكيل.
    كانت ورقة رسمية وموثقة من قبل مكتب المحامي يونس المنذر وهو شخص سبق لوليد وأن أخبرني بأنه يعمل معه في المصنع.
    ذكر في هذا التوكيل أمورا كثيرة يفوضني لتوليها وفي الأسفل ذكرت جملة الاستثناءات.. وفي الواقع لم يكن هناك غير استثناءين اثنين...
    الزواج والسفر!
    ويحك يا وليد!
    وهل تظن مثلا بأنني سأستخدم هذا التوكيل وأعيد رغد إلى ذمتي وأهرب بها بعيدا؟؟
    ليتني أستطيع ذلك..
    أخذت أوراق التقرير الطبي وذهبت إلى بيت أبي حسام.
    تمنيت أن أقابل رغد بحالة أفضل ولكنها كانت بحالة يرثى لها..
    "لا أريد أن أذهب إلى أي مكان... ومن فضلك يا سامر لا تضغط علي..."
    هذا ما استقبلتني به فقلت:
    "بربك رغد! لا بد من معاينة إصابتك ومتابعة علاجك. بل إنني أخشى أن نكون قد تأخرنا ويصيب قدمك أو يدك شيء لا قدر الله".
    قالت بلا مبالاة:
    "لا فرق عندي".
    لن أبذل الجهد في محاولة تشجيعها فنبرتها أشد كآبة من أن تتغلب كلماتي عليها...
    لكنني قلت برجاء:
    "يا رغد.. يجب أن نزور الطبيب حتى تتخلصي من هذا العكاز وهذه الجبيرة.. هل يعجبك أن تظلي معاقة عن الحركة الطبيعية وحتاجة لمساعدة الآخرين في أبسط الأشياء؟"
    وكانت الآنسة نهلة تجلس معنا وسترافقنا إلى المستشفى, فقالت مشجعة رغد:
    "على العكس. أنها تريد التخلص من هذين بسرعة. أليس كذلك؟ اشتاقت إلى الرسم ونتوق لفنها الرائع! هيا بنا عزيزتي".
    لكن ردة فعل رغد جاءت عنيفة!
    انفجرت صارخة:
    "قلت لكما اتركاني وشأني... لا أريد الذهاب إلى أي مكان... إلا إذا شئتما حملي إلى المقبرة ودفني تحت الأرض... لأرتاح وأريحكم جميعا..."
    قالت الآنسة نهلة بعد الدهشة:
    "بعد ألف شر! لا تتكلمي هكذا يا رغد".
    فردت رغد بانفعال:
    "ما لم يعجبكم كلامي فحلوا عني... لماذا تضغطون علي؟؟ أتركوني وشأني... أتركوني وشأني.."
    وهمت بمغادرة المجلس حيث كنا هي وأنا والآنسة نهلة جالسين... في ذات الوقت دخلت الخالة أم حسام الغرفة وهي تنظر نحو رغد ويظهر أنها سمعت صوتها الصارخ وكلامها الزاجر...
    لما رأت رغد خالتها تصرفت بعصبية أكبر وغيرت اتجاه سيرها واستدارت نحو الباب الخارجي للمجلس وخرجت إلى الفناء...
    أم حسام لحقتها بسؤال:
    "إلى أين يا رغد؟"
    والأخيرة ردت بحدة:
    "إلى حيث ألقت".
    وهذه إجابة وبأسلوب لم أعهده على رغد. فهي لطالما كانت تحب خالتها وتعاملها بكل احترام ومودة كما وأن رغد فتاة مهذبة وهادئة الطباع وراقية الأسلوب.
    هذا تحول غريب في شخصيتها صبغها به حزنها وغضبها بسبب سفر وليد.
    وبعد أن انصرفت رغد خاطبتني الخالة متسائلة:
    "هل وافقت؟"
    فأجبت إجابة مخيبة:
    أبدا. لم تعرني أذنا صاغية. جل ما أخشاه هو أن تتطور إصابتها للأسوأ لا قدر الله".
    فقالت الخالة آسفة:
    "إنها لا تستمع إلي وترمقني بنظرات الاتهام وتشعرني بأنني ارتكبت جريمة عظمى في حقها. أيرضيك أن ندعها تسافر مع وليد بمفردهما؟؟ هل هذا يليق؟؟"
    ولم أشأ فتح المجال لها لإدارة موضوع هكذا الآن, وفي خاطري نقمة على المعاملة السيئة التي عومل بها شقيقي من قبلها وآثرت أن أصرف الاهتمام إلى إصابة رغد فقلت:
    "سألحق بها وأحاول إقناعها... على الأقل ولو بزيارة واحدة للطبيب الآن".
    ونهضت واستأذنت وخرجت إلى الفناء أتعقب رغد.
    فوجدتها تسير ببطء بعكازها متغلغلة في الحديقة حتى وقفت عند إحدى الأشجار الباسقة فاستندت إليها وأطلقت بصرها نحو الأعلى.
    توقفت على بعد مترين أو أكثر منها ثم سألتها:
    "أيمكننا التحدث؟"
    ردت بضيق:
    "أرجوك لا تتعب نفسك وتتعبني... لن أذهب إلى المستشفى ولا يهمني ما يحل برجلي ولا بيدي... لن أخسر شيئا إن فقدتهما أيضا إزاء كل ما فقدت".
    الحزن بلغ بها لهذا الحد... وحزنها يعصرني... قلت بلطف مشجعا:
    "أنت لم تخسري شيئا يا رغد..."
    فرمتني بنظرة قوية وقالت:
    "ما حجم الخسارة التي تريدون مني فقدها حتى يمكنكم رؤيتها؟؟"
    رددت:
    "لا أحد يريد لك خسارة شيء... رغد لا تنظري للأمر هكذا".
    وضغطت على أعصابي وأضفت:
    "إنه سافر مؤقتا ولم يرحل عن الدنيا لا سمح الله".
    وأخذت تعبيرات وجهها تنهار شيئا فشيئا... وتابعت:
    "وسيعود حتما بإذن الله."
    أطرقت برأسها وقالت نافية:
    "لن يعود... لقد تخلى عني... أخلف بوعده... إنه دائما يخلف بوعوده.... لطالما كان يتركني ويسافر بعيدا... يظن أنني سأبقى حية لحين عودته ذات يوم... لا يعرف أنني سأموت عاجلا بسببه".
    عضضت على أسناني بمرارة وتحملت الألم وقلت:
    "بعد ألف شر وشر... لا تكوني متشائمة هكذا... لقد أخبرني بأنه سيقضي بضعة أسابيع للاستجمام هناك ثم سيعود".
    قالت مصرة:
    "لن يعود إلي... ألم ينقل كفالتي إليك؟ تبرأ من مسؤوليتي... انتهينا".
    وكم ألمت لألمها وتجرعت مرارتها. عقبت:
    "الوصاية التي أسندها إلي جزئية ومؤقتة. لا تخشي... ستعودين إلى كنفه ورعايته فور مجيئه".
    ولكن رغد أومأت برأسها عدم التصديق وبأسى قفلت:
    "بلى... ولكن... هل أنا سيء لهذا الحد؟؟"
    هنا حملقت بي وكأنها للتو تدرك أنني سامر خطيبها السابق والذي يحبها كثيرا...
    تبدلت سحنة وجهها وقالت بصوت كئيب:
    "أنت... أعز إنسان على قلبي... سامحني..."
    وكانت تقول بمرارة وندم... وقد تكون اللحظة الأولى التي تكتشف فيها رغد كم قست علي وجرحتني وإلى أي عمق طعنت قلبي...
    تابعت رغد:
    "ليته لم يظهر في حياتي من جديد... ليتني لم أقترب منه... كم أنا حمقاء... حمقاء وغبية وواهمة... أتعلق بالأوهام... والخيالات المستحيلة... وواقعي... فتاة يتيمة وحيدة بائسة معدمة..."
    وضربت بعكازها جذع الشجرة وتابعت:
    "ومعاقة وعاجزة وعالة على الآخرين".
    قلت معترضا:
    كفى يا رغد... لا تصفي نفسك بهذا وأنت العزيزة الغالية وكلنا رهن إشارتك".
    لكنها واصلت بكآبة:
    "ما الذي كنت أتوقعه لنفسي؟؟ البلهاء... ما الذي كان سيجعله يختارني؟؟ ما الذي لدي ويستحق العودة من أجله؟؟ ماذا أملك أنا ليعجبه؟؟ أنا لم أثر لديه إلا الإزعاج والقلق والمشاكل..."
    وأضافت:
    "وبعد كل هذا... تأتي خالتي وعائلتها ويهينونه في بيتهم وعلى مرأى ومسمع مني... كيف أنتظر منه أن يعود من أجلي؟؟ يا لي من حمقاء... غبية".
    قلت:
    "هوني عليك أرجوك... لم كل هذا؟؟ بالله عليك... إن هي إلا فترة مؤقتة ويعود ونصلح الشروخ الحاصلة بين الجميع.. ليس شقيقي من النوع الذي يهرب من المسؤوليات والشدائد بل هو أهل لها".
    فقالت منفعلة:
    "إذن لماذا لا يرد على اتصالاتي؟؟ لماذا قاطعني؟؟"
    أجبت محاولا تحسين الموقف وتبريره:
    "تعرفين... إنه غاضب ولا يحسن المرء التصرف في ثورة الغضب. عندما يهدأ سيتصل بك".
    فقالت:
    "ما ذنبي أنا؟؟... لماذا يشملني في غضبه ومقاطعته؟"
    قلت:
    "أعذريه يا رغد... ربما كانت خالتك بالغة القسوة عليه".
    قالت:
    "كلهم قساة... وليد أشرف وأرقى منهم جميعا... سوف لن أغفر لهم إهانتهم له... وإذا لم يعد ويأخذني معه فسوف لن أبقى في هذا المنزل... وسأعود إلى بيتي المحروق وأدفن نفسي تحت أنقابه".
    يتضح لكم مدى الاكتئاب الذي ألم برغد جراء سفر وليد... لم أفلح يومها في إقناعها بالذهاب إلى المستشفى وحالما عدت إلى شقتي هاتفت شقيقي وأبلغته عن هذا فوبخني وألقى بالمسؤولية علي وقال لي بالحرف الواحد:
    "أنت المسؤول عنها الآن ويجب أن تتصرف ولا تدع عنادها يتغلب عليك. أرحني من همها بضعة أسابيع لا أكثر فأنا قرحتي تكاد تمزق أحشائي".
    وفهمت من كلامه بأن وضعه الصحي متدهو وقلقت كثيرا... وربما يكون الطبيب هو من نصحه بالسفر والاستجمام بعيدا عن المشاكل والمسؤوليات من أجل صحته...
    خصوصا وأنني لاحظت إكثاره من تناول الأدوية خلال فترة مكوثه في شقتي...
    واهذا تحاشيت في المكالمات التالية وقدر الإمكان إبلاغه بالتفاصيل المزعجة عن وضع رغد وادعيت بأنها في تحسن بينما هي عكس ذلك...

  6. #6
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    إلى أن حل يوم احتد الجدال فيه بين رغد وخالتها واتصلت بي هي بنفسها وطلبت مني أخذها إلى المستشفى.
    لم يكن هدفها هو المستشفى بل الابتعاد عن خالتها...
    زرنا الطبيب وعاينها واطلع على تقاريرها وأجرى لها بعض الفحوصات ثم أخبرنا بأنه لا يزال أمامها أسابيع أخرى قبل أن يمكنها الاستغناء عن الجبيرة والعكاز...
    وهذا خبر لم يزد رغد إلا كآبة ما كان أغناها عنها... فانزوت على نفسها في غرفتها بقية اليوم.
    اتصلت بشقيقي مساءً وأعلمته بأننا زرنا الطبيب أخيرا وأخبرته بما قال, كما أوصاني مني مسبقا.. ولكنني أخفيت عنه مسألة الإحباط الشديد الذي ألم برغد وطمأنته على صحتها... وأذكر أنه يومها سألني بتشكك:
    "لأا تخفي عني شيئا؟؟ هل حقا تقبلت النبأ؟"
    فقلت له:
    "أسألها بنفسك لتتأكد!"
    قال:
    "سأفعل, في الوقت المناسب".
    والله الأعلم متى يحين الوقت المناسب حسب معادلة وليد...!
    ومرت أيام أخرى... والحال كما هي.
    وليد غائب ويتابع أخبار رغد عن بعد ويرفض التحدث معها أو أقاربها أو عن شجاره معهم... وهي في كآبة مستمرة لا تعرف حتى البسمة السطحية إلى وجهها طريقا... إلى أن طلبت مني الخالة أن أزورهم ذات مرة...
    "لا أفعل هذا إلا من أجل رغد... الفتاة تذبل يوما بعد يوم وأخشى أن تموت بين يدي... معاملتها ونظراتها لي كلها اتهام ونفور شديدين... وأنا لا أقوى على مواجهتها خشية أن يزداد الموقف حدة ولا أستطيع تحمل وضعها هذا... قلبي منفطر عليها ويكاد الشعور بالذنب يمزقني... أريد أن نتصالح مع وليد لأجلها وأن أفهمه أنني لم أقصد إهانته شخصيا بل توضيح حدود علاقته برغد... قل له أن يعود وإلا أنها ستموت أن بقيت على هذه الحال..."
    قلت وأنا أعلم كم يرفض وبشدة الحديث عن أو مع عائلة الخالة:
    "سأخبره عن رغبتك في محادثته حينما أتصل به".
    فقالت:
    "اتصل به الآن يا سامر رجاء ودعني أكلمه".
    أحرجني الطلب فأذعنت له كارها واتصلت بشقيقي وبعد تبادل التحيات أخبرته بأنني في منزل أبي حسام وأن الخالة أم حسام ترغب وبشدة في التحدث معه, وبدوره أيضا وليد أحرجني جدا حيث قال:
    "لا أرغب في التحدث مع أحد يا سامر.. البتة.. أرجوك أنهِ المكالمة".
    قلت ووجهي يحمر حرجا:
    "ولكن.."
    فقال:
    "آسف يا سامر سأغلق الهاتف رجاء لا تكرر هذا ثانية. اعذرني ومع السلامة".
    وقطع الاتصال.
    أبعدت الهاتف عن أذني وعيناي تطئان الأرض خجلا وأم حسام تراقبني ثم قالت:
    "لم يشأ التحدث معي أليس كذلك؟"
    قلت محرجا:
    "إنه.. أعني.."
    وطبعا أم حسام فهمت الأمر. قالت مستنكرة:
    "ولكن ما هذا الطبع في أخيك؟ يجب أن يكون أرحب صدرا وأوسع بالا وأرقى ذوقا من هذا".
    في ذات اللحظة أقبلت رغد تدخل الغرفة سائرة بعكازها وعلى وجهها أمارات القلق والفضول...
    لا بد أنها كانت تنتظر المكالمة بصبر نافذ... وبعد تحيتي سألت عما إذا كنا قد أفلحنا في الاتصال بوليد... فأطرقنا برأسينا... وفهمت رغد ما جرى... فطأطأت رأسها حزنا... وتراجعت للوراء...
    أم حسام حاولت أن تطيب خاطر رغد فقالت:
    "ربما لا يزال ناقما علي... سيبلغه سامر اعتذاري ويطلب الصفح بالنيابة عني... لا أظنه سيرفض اعتذاري هذه المرة".
    ولم تعر رغد الكلام أهمية واستدارت لتغادر يائسة... فقالت أم حسام مخاطبة إياي:
    "أعد الاتصال به وأخبره بأن رغد هي من يرغب بالحديث معه".
    والتفت إلى رغد... موقفي صار غاية في الحرج... واتصلت فلم يرد.
    وبقيت أنظار رغد وأم حسام تراقبان وتترقبان بأمل يائس... وضعت الهاتف أخيرا في جيبي وقلت:
    "ربما انشغل".
    وهو مبرر ندرك زيفه ثلاثتنا... أم حسام قالت:
    "بل ربما ينوي قطع الصلة بيننا نهائيا".
    فالتفتت رغد إليها وتكلمت منزعجة:
    "يقطع صلته بنا؟ ماذا تعنين؟؟ كيف يقطع صلته بي أنا؟؟ إنني ابنة عمه... ومكفولته... لا يجوز له.."
    قالت أم حسام:
    "كما ترين, لا يريد أن يعطينا فرصة للتصالح معه بتاتا... فبماذا تفسرين هذا؟"
    قالت رغد وقد علا صوتها واشتد احمرار وجهها واشتعل الغضب في عينيها:
    "أنت السبب ياخالتي.. أنت السبب".
    ولم تعقب الخالة فاستمرت رغد في الاتهام:
    "دفعته لأان يتركني ويرحل.. ماذا سيحل بي الآن؟"
    قالت أم حسام بلطف محاولة تهدئة رغد:
    "ستسير حياتك طبيعية بيننا والله يغنينا عنه وعن وصايته... سريع الغضب عنيف الرد..."
    وفي الواقع لم يكن يجدر بها قول هذا على مسامعنا وفيما رغد على أهبة الانفجار...
    اشتطت رغد غضبا وانتفخ وريد جبينها وهتفت بعنف:
    "قلت لك لا تتحدثي عن وليد هكذا.. إذا لم يكن يعني لكم أنتم شيئا فأنا لا أستغني عنه.. ولا أريد وصيا غيره.. وسألحق به أينما ذهب.. ولا أحد له الحق في توجيه حياتي غيره هو.. وليس لأنني يتيمة الأبوين ستعبثون بي كما تريدون.. وإذا تخلى عني كليا فسوف لن أبقى معكم.. سوف لن أسامحكم أبدا لأنكم أنتم السبب.. وما لم تعيدوه إلي فسأخرج بنفسي للبحث عنه.. عسى ألا أعود حية بعد خروجي".
    وسارت نحو الباب وغادرت ثائرة...
    خين الصمت بيننا أنا والخالة لبعض الوقت ثم إذا بها تقول:
    "جن جنونها!!"
    وبقيت صامتا.. فواصلت:
    "لم أكن أتوقع أنها.. لا تزال مولعة به لهذا الحد.. حتى بعد كل تلك السنين"ز
    أثارت الجملة جل اهتمامي وركزت النظر إلى عيني الخالة يعلوني التساؤل..
    فقالت هي:
    "عندما كانت صغيرة كانت مهوسة به للغاية, حسبناه تعلق طفولي لطفلة يتيمة تبحث عن الحنان.. وكان شقيقك يدللها كثيرا معه أينما ذهب.. والتك رحمها الله كانت قلقة بهذا الشأن.. وكانت تعتقد أنهما حين يكبران قد تتطور علاقتهما...
    مع فلرق السن... لكن عندما غاب تلك السنين توقعنا أن تكون قد نسيته وانتهى كل شيء".
    ثم أضافت:
    "لكن يبدو أن الحنين إلى الماضي قد اجتاح كل عواطفها ولا أعرف... إن كان الآن يعني لها وليد السابق أم أن الأمر قد تخطى ذلك بكثير..."
    هنا وقفت شاعرا بالحرج والجرح معا... لم يكن ليخطر ببالي أن لهذا علاقة بالماضي البعيد... وقد أذهلني كلام الخالة وأرسلني إلى غياهب الأفكار...
    لكن... ماذا عني أنا؟؟ لا يبدو أن أحدا يكترث لمشاعري أو يقيم لها اعتبارا...
    يتحدثون معي عن رغد وكأنها لم تكن خطيبتي لسنين ولم أكن على وشك الزواج منها حين فقدتها فجأة...
    "أستأذنك للانصراف الآن".
    ذهبت إلى شقتي كئيبا مكسور الخاطر... مشوش الأفكار...
    لم يكن كلام خالتي يفارقني... ولم أستطع لا تصديقه ولا تكذيبه... كانت رغد طفلة صغيرة فكيف يمكن أن تكون قد أحبت وليد هذا النوع من الحب في ذلك الزمان؟؟
    و... ماذا عن وليد؟؟ هل يعقل أن شيئا ما... كان بينهما حقا؟؟ هل يمكن أن يكون وليد... هل يمكن أن يكون هو أيضا...؟؟؟
    يا للسخف...
    تحاشيت التفكير قدر الإمكان إلى أن اتصلت بأخي لا حقا... في البداية عاتبته على إحراجي مع أم حسام فلم يكترث..
    ثم نقلت إليه تحيات رغد وأشواقها الشديدة إليه وأنا أدوس على قلبي وأتصرف كالرجل الآلي تماما... ودققت في كلامه وردوده جيدا باحثا عن أي دليل يؤدي إلى تأكيد أفكاري أو نفيها... غير أن أخي كان يتحدث ببلادة شديدة.. لم تكشف لي أي شيء...
    وأخيرا... داهمتني رغبة ملحة في توجيه سؤال مباشر إليه... غير أنه قال فجأة إنه يتلقى اتصالا آخر وأنهى المكالمة عاجلا...
    قررت بعد ذلك مواجهته في الاتصال التالي لتتضح حقائق الأمور...
    ولكن... وفي اليوم التالي مباشرة وفيما كنت أجلس في شقتي بكسل في عطلتي الأسبوعية رن جرس الباب وإذا بي أفاجأ بأخي يقف خلفه!!!
    اهتز قلبي واصفر لوني وسألت وأنا بالكاد أخرج الحروف صحيحة من فمي:
    :وليد!!!... مــــ... ماذا حصل؟؟"
    فمد وليد يده وربت على كتفي وقال والخشوع والحزن يكسوان وجهه العريض:
    "البقاء لله.. توفيت خالتي أم أروى بالأمس.. إنا لله وأنا إليه راجعون".

    *************

  7. #7
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    الحلقة السادسة والأربعون

    عد إلـــــيّ
    انقضت فترة العزاء وقد شاركت في التعزية مع بقية أفراد عائلة خالتي, وعندما جاء دوري ووقفت أمام الشقراء لأواسيها لم أستطع مصافحتها بسبب يدي المصابة واكتفيت بعبارة مخنوقة خرجت من فمي ببطء.
    والشقراء بدورها ردت بشكل عابر دون أن ترفع نظرها إلي.. لكن الحزن جليا على وجهها.
    السيدة ليندا كانت طيبة وقد أحسنت معاملتي وسهرت إلى جانبي في المستشفى ورعتني بكل مودة ولطف... رحمها الله... وغفر خطاياها...
    متى سيحين أجلي أنا أيضا؟؟...
    أنتظر الموت.. ليأخذني كما أخذ أحبابي... ويخرجني من شقايا الدنايا وما فيها...
    كنت أعرف أن وليد موجود في القسم الآخر من قاعة التعازي.. وكنت أعرف أنه أبعد ما يكون عن التفكير بي في هذه الفترة.. لكنني كنت في شوق منجرف لرؤيته ولو لدقيقة واحدة... ولو لنظرة بعيدة عاجلة... أعانق فيها عينيه ولو لآخر مرة في حياتي...
    ولخيبة الأمل وتحالف الأقدار ضدي, عدنا إلى المنزل دون أن ألتقي به ولا حتى صدفة..
    ومرت الأيام... ونخر الشوق عظامي.. وأتلف الحنين ذهني...
    ولم أعد بقادرة على الانتظار يوما آخر.. كيف... وأنا أعرف أن ما يفصلني عنه هي أميال قليلة لا أكثر...؟؟ وأن هو لم يأت إلي... فسأذهب أنا إليه... فقط لألقي نظرة...
    "هل أنت مجنونة!؟"
    قالت نهلة معترضة على فكرتي وليدة اللحظة.. فقلت:
    "نعم مجنونة.. لكني أريد أن أراه بأي شكل يا نهلة..أكاد أختنق.. لا أحد يحس بي هنا".
    قالت:
    "تخيلي كم سيكون وضعك حرجا ومدعاة للسخرية عندما تذهبين فجأة إلى المزرعة الآن... هيا رغد.. تخلي عن هذه الفكرة السخيفة... توفيت أم زوجته قبل أيام وأنت تفكرين في هذا؟؟"
    قلت:
    "سألقي عليه التحية وأعتذر منه وأعود... حتى لو لم يرد علي... المهم أن تكتحل عيناي برؤيته... ويبرد صدري بتقديم الاعتذار..."
    فقالت:
    "ماذا سيقول عنك يا رغد؟؟ هو في محنة عظيمة وأنت تذهبين لتقديم الاعتذار! سيستحقر موقفك... ليس هذه وقته.. انتظري أسبوعين على الأقل".
    هتفت:
    "لا أقوى على الانتظار... ألا تفهمين؟؟ أنتِ لا تشعرين بالنار المضرمة في صدري..."
    أشاحت نهلة بوجهها عني وقالت:
    "لقد حذرتك... افعلي ما تشائين".
    وغادرت المكان...
    خرجت بعد ذلك إلى الحديقة...طلبا لبعض الهواء النقي... والتقيت بحسام صدفة وهو مقبل نحو المنزل... فلمعت الفكرة في بالي كمصباح قوي أعشى عيني عن رؤية ما هو أعمق من ذلك...
    "مرحبا حسام".
    حييته فرد مبتسما:
    "مرحبا رغد.. ماذا تفعلين هنا؟؟ تدربين رجلك على المشي؟؟"
    قلت وآمالي تتعلق به:
    "حسام.. هلا أسديت إلي معروفا؟"
    قال وعلى وجهه الاستغراب:
    "بكل سرور!"
    فقلت بلهفة:
    "أريدك أن.. أن تصطحبني في مشوار.."
    فسأل:
    "إلى أين؟"
    ازدردت ريقي وقلت:
    "إلى... مزرعة أروى".
    سأل متعجبا:
    "مزرعة أروى؟؟"
    "نعم.. أرجوك".
    ففكر قليلا ثم سأل:
    "لماذا؟؟"
    ترددت في الإجابة.. عرفت أنني لو قلت من أجل مقابلة وليد فإنه لن يوافق.. فقلت:
    "سأتفقد أحوالهم.. وألقي التحية".
    وبدا مبررا معقولا بعد عدة أيام على وفاة السيدة ليندا.. وسألني إن كنت قد أعلمت خالتي بهذا فأقنعته بأن الأمر لا يستدعي... وبعد تردد قصير وافق على اصطحابي, وخرجنا مباشرة...
    حين بلغنا المزرعة لم يكن وليد موجودا وأخبرنا العجوز والذي كان يجلس كعادته قرب باب المنزل بأن وليد قد ذهب في مشوار وسيعود قريبا.. ودعانا للدخول لكننا آثرنا البقاء في الخارج وانتظاره.. وذهب العجوز لاستدعاء الشقراء فعلاني التوتر.. أنا لم آت من أجلها كما أنها لا تنتظر مني زيارتها.. لكني وضعت نفسي في هذا الموقف وعلي التصرف الآن..
    أبدى حسام إعجابه بالمزرعة وراح يتحدث عن انبهاره بما يرى غير أنني لم أكن مركزة السمع معه.. بل في انتظار لحظة ظهور الشقراء..
    وأخيرا ظهرت...
    ملفوفة في السواد الحزين, كما هي حالي.. وكأن عدوى اليُتم والبؤس قد انتقلت مني إليها...
    وقد اعتدت في الماضي رؤيتها ملونة بشتى ألوان قوس قزح.. مثل سرب من الفراشات أو إكليل من الزهور...
    عندما اقتربت زممت شفتي ترددا ثم ألقيت عليها التحية وسألتها عن أحوالها.. وأنا متأكدة من أنها تدرك أنني لم أكن لأقلق على أحوالها أو أترث لها.. ولا بد أنها تدرك أن سبب حضوري هو... وليد...
    ساعد وجود حسام في تلطيف الجو.. وتشتيت الكآبة وصرف أذهاننا إلى الحديث عن المزرعة وشؤونها..
    ذهبت الشقراء لإعداد القهوة فوجدتها فرصة للاسترخاء من عناء الموقف المصطنع.. وبقي حسام والعجوز يتحدثان أحاديث عادية... أما أنا فعيناي ظلتا ترقبان البوابة إلى أن رأيت أخيرا سيارة تقف عندها ومنها يخرج مجموعة من الرجال... يقودهم الرجل الطويل العريض.. بهي الطلعة قوي القسمات ثاقب النظرات.. مضرم ناري وحارق جفوني وسالب عقلي وشاغل تفكيري.. حبيبي الجافي.. وليد قلبي..
    الأرض لم تكن أرضا والسماء لم تكن سماء... حين عانقت عيناي عينيه.. والتحمت نظراتي بنظراته..
    آه.. كيف لي أن أصف لكم؟؟
    لحظتها خلا الكون من كل الخلائق... سوانا... لا وجود للأرض ولا السماء... ولا النور ولا الهواء... ولا الجماد ولا الأحياء... فقط... أنا وهو... وعيون أربعة متشابكة متلاحمة... ذائبة في بحور بعضها البعض... أيما ذوبان...

    وليد قلبي... آه... كم اشتقت إليك... لو لا إعاقتي... لربما... ركضت إليه بجنون وغطست في حضنه الواسع...
    اقترب وليد يتقدم بقية الرجال فوقفنا جميعا... ورأيت الدهشة تنبثق في وجهه وهو يحط ببصره الهابط من العلا علي وعلى حسام..
    بادر حسام بإلقاء التحية فرد وليد دون أن يحاول إخفاء عجبه.. ودوى صوته في كهف أذني فتطايرت خفافيش حسي تلتقط وتحتضن ذبذبات صوته وتخبئها في أعماق الكهف... ككنز من الذهب...
    بعد التحيات السريعة استأذن وليد وسار مع الرجال إلى قلب المزرعة ولحق العجوز بهم... ولحقت بهم عيناي ركضا... وهوَتا متعثرتين لهفة عند مفترق الطرق...
    وبعد قليل عاد وليد فتسابقتا لاحتضانه بسرعة... تكاد الواحدة تفقأ الآخرى... لتنفرد بالحبيب الغائب... وتذوب في أعماق صدره...
    وليد كان وجهه محمرا ويعلوه الاستياء فوق التعجب.. انغمست في ترجمة تعبيرات وجهه وطلاسم عينيه... فتهت... وظللت طريقي... وفقدت أي قدرة لي على النطق والتعبير.. وقفت أشبه بشجيرة ظئيلة لا جذع لها تمد أغصانها محاولة تسلق الشجرة الضخمة الواقفة أمامها.. بكل شموخ...
    لاحظ حسام صمتي وتوتري فتولى الكلام:
    "جئنا نلقي التحية نسأل عن الأخبار".
    ولم يتحدث وليد.. فقال حسام متظاهرا بالمرح:
    "ألن تدعونا للجلوس؟"
    فتكلم وليد أخيرا قائلا:
    "أنتما بمفردكما؟"
    فأجاب حسام بعفوية:
    "نعم".
    وازداد الاستياء على وجه وليد... ثم قال:
    "منذ متى وأنتم هنا؟"
    فرد حسام مستغربا:
    "منذ دقائق.. ولكن.. هل يزعجكم حضورنا؟"
    قال وليد:
    "أنا آسف ولكن لدي ما أقوم به الآن.. إنهم في انتظاري".
    مشيرا إلى قلب المزرعة..
    كل هذا وعيناي ملتحمتين بوجهه منذ أن وقعتا عليه أول وصوله... لكن..
    ماذا يا وليد؟ ألن تتحدث معي.. وتسأل عن أحوالي..؟؟ إنك حتى لا تنظر إلي.. أنا هنا وليد هل تراني؟؟ هل تميزني؟؟ لماذا كل هذا الجفاء؟؟ أرجوك.. التفت إلي لحظة.. دع عيني تخبرانك كم اشتقت إليك.. دعهما تعاتبانك على جفاك.. أو تعتذران لأرضائك.. وليد..إنك حتى.. لم تتحسن الترحيب بنا كأي ضيوف..
    انتبهت على صوت حسام يقول:
    "لا بأس.. نعتذر على الزيارة المفاجئة.. كانت فكرة رغد"
    ولذكر اسمي.. اخيرا تكرم على وليد بنظرة.. لكنها لم تكن أي نظره.. كانت حادة وساخنة جدا لسعتني وكادت تفقدني البصر..
    حاولت التحدث فلم تسعفني شجاعتي المنهارة بمرآى الحبيب.. تأتأت ببعض الحروف التي لم أسمعها أنا..
    التفت إلى حسام وقال:
    "هل نذهب؟"
    نذهب..؟؟ وهل أتينا؟؟ هكذا بهذه السرعة؟؟أنا لم أكد أراه.. انتظر.. أنا لدي عشرات بل الآلاف المشاعر لأعبر عنها.. دعني استرد أنفاسي.. دع لساني يسترجع قدرته على النطق.. دعني واقفة قرب وليد أستمد دعمه وأستشعر حنلنه!
    قال وليد وهو يشيح بوجهه حنانه!
    قال وليد وهو يشيح بوجهه عني:
    "سأرافقكما"
    فقال حسام معتقدا وليد يقصد مرافقتنا إلى السيارة المركونة في الخارج:
    "لا تكلف نفسك.. نعرف الطرق.. شكرا"
    فازداد احمرار وجه وليد وقال:
    "أعني إلى المنزل"
    فضربنا الاستغراب.. ونظرنا أنا وحسام إلى بعضنا البعض!! لماذا يريد وليد مرافقتنا إلى المنزل؟؟ هل هذا يعني.. سيأتي معنا؟؟ هل حقا سيأتي معنا؟؟
    "هيا فأنا لا أريد التأخر على ضيوفي"
    قال هذا وسار يسبقنا نحو سيارة حسام.. وسرنا خلفه كتلميذين مطيعين.. أبلهين.. حتى ركبنا السيارة والتي بالكاد حشر وليد جسده فيها.. وانطلقنا عائدين إلى منزل خالتي..
    كنت أجلس خلف حسام,إذ إن وليد كان قد دفع بمقعده إلى الوراء لأقصى حد ليمد رجليه.. فسيارة حسام صغيرة جدا..
    الصمت خيم علينا طوال الطريق.. الذي انقضى وأنا أحاول تهدئة نبضات قلبي وإعادتها إلى معدل سرعتها الطبيعي... ولم يقطع الصمت غير جمل قصيرة عابرة من طرف حسام.. وجملة(خفف السرعة) من لسان وليد.. فقاد حسام السيارة بسرعة عادية على عكس عادته...وطال المشوار.. خصزصا وأننا اضطررنا للتوقف مرتين عند مركزي تفتيش بوليسي...
    وفي كلا المرتين يطلب رجال الشرطة رخصة القيادة والبطاقات الشخصية.. ولحسن الحظ أو ربما لحسن العادة كان وليد يحمل صورة بطاقته العائلية والتي تشمل هويتي...
    لذلك قال وليد بعدما قادرنا نقطة التفتيش الثانية مخاطبا حسام:
    "ماذا لو لم أرافقكما؟"
    فقال حسام:
    "لم نواجه أي نقاط في طريق الحضور".
    عندما وصلنا إلى المنزل هبط وليد من السيارة أولا وتبعناه...
    قال حسام:
    "تفضل".
    داعيا إياه للدخول إلى المنزل من باب اللياقة... غير أن وليد قال:
    "شكرا, لدي ضيوف كما تعلم سأعود إليهم".
    فقال حسام:
    "هل.. أوصلك؟"
    فأجاب وليد:
    "سأتدبر أمري".
    ثم فجأة أدار وجهه نحوي وقال:
    "في المرة القادمة إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فاطلبي ذلك من سامر فقط.. مفهوم؟"
    هل هو يخاطبيني؟؟
    هل يعنيني أنا؟؟
    هل ينظر إلي أنا؟؟
    كان حسام يوشك على فتح بوابة المنزل ولما سمع هذا استدار ونظر إلى وليد وقال مستاء:
    "وهل ستظن أنني سأختطفها مثلا؟ إنها ابنة خالتي كما هي ابنة عمك".
    وبدا أن الجملة قد استفزت وليد فقال غاضبا:
    "أنا لم أتحدث معك.. هذا أولا.., أما ثانيا فلا تقارن نفسك بي.. إنني الوصي هنا ومن يقرر مع من أسمح أو لا أسمح لابنة عمي بركوب السيارة".
    شعر حسام بالإهانة فقال حانقا:
    "هكذا..؟؟.. من تظن نفسك؟"
    فرد وليد:
    "لا أظن نفسي بل أنا على يقين ممن أكون... وإذا سمحت.. افتح الباب ودع الفتاة تدخل عوضا عن الوقوف في الشارع هكذا".
    هنا... اجتاحتني شجاعة مفاجئة فتدخلت ناطقة أخيرا:
    "وليد أنا..."
    وقاطعني وليد فجأة قائلا بفظاظة:
    "ادخلي".
    نظرت إليه شاعرة بالانكسار... وليد... كيف تخاطبني هكذا؟؟ وليد هل نسيت من أكون؟؟ لماذا تغيرت إلى هذه الدرجة؟؟ دعني أتحدث..
    وأصررت على النطق... أريد أن أفهم وليد لماذا ذهبنا إلى المزرعة وما مقدار لهفتي إليه... وحاجتي للتحدث معه...
    "وليد..."
    نطقت باسمه فإذا به يقاطعني مكررا بفظاظة أشد وهو يعض على أسنانه ويبث الشرر من عينيه:
    "قلت إلى الداخل... هيا".
    انكمشت على نفسي... تقلصت حتى أوشكت على الاختفاء... من رد وليد...
    حسام فتح الباب وقال بصوت خافت:
    "ادخلي يا رغد".
    فدخلت خطوة, وتوقفت عند فتحة الباب وانقلبت على عقبي ورأيت وليد يولي ظهره إلينا ويسير مبتعدا...
    اقترب حسام ووقف أمامي مباشرة حائلا دون رؤية وليد... فتراجعت للوراء ودخلنا إلى الداخل... وأغلق هو البوابة وسار مبتعدا وبقيت عيناي معلقتين على بوابة السور أحملق فيها... نظرت إليه فرأى تعبيرات الأسى المريرة على وجهي.. فأقبل نحوي وأظهر التعاطف قال:
    "إنه... لا يكترث بك يا رغد".
    نظرت إليه والعبرة تكاد تختفي... فقال:
    "لا أعرف ما الذي يعجبك في رجل كهذا؟ إنك تضيعين مشاعرك هباء".
    صعقت.. وأخذتني الدهشة من كلام حسام.. الذي واصل وهو يرى سحنتي تتغير:
    "أتظنين أنني لا أعرف أنك تحبينه؟ أنا أعرف يا رغد".
    وتضاعف ذهولي وحملقت به غير مصدقة لما أسمع...
    قال حسام:
    "سارة لفتت انتباهي لهذا ذات مرة.. والآن تصرفاتك كلها فاضحة.."
    مازلت أحملق فيه بذهول... عاجزة عن التعليق...
    تابع هو:
    "لكنني لن أقف مكتوف اليدين يا رغد.. سبق وأن وافقت على الزواج مني.. وهي الآن مسألة وقت.. إياك والتلاعب معي... إياك..."
    وأشار إلي بسبابته مهددا... ثم استدار وواصل طريقه داخلا إلى المنزل...

    ***********
    أما وليد فعندما جاء لزيارتي في شقتي... أخبرني عما حصل ووبخني بشدة وأثار معي شجارا حاميا..
    "لقد كلفتك أنت وأعني أنت... بأن تهتم بشؤونها في غيابي.. فلماذا تدعها تخرج مع حسام في سيارته مهما كان المشوار؟؟"
    قلت مستنكرا:
    "يا وليد! أنت تتكلم عن حسام وكأنه شخص غريب... إنه ابن خالتها وثل أخيها ومثلي ومثلك تماما ولطالما كان يصطحبها سابقا في المشاوير إذا اقتضى الأمر.. ليس لها ملجأ غيره وغيرنا ولذلك هي تعتمد عليه..."
    غضب أخي كثيرا وقال صارخا:
    "كان ذلك في السابق.. في عهد أبي رحمه الله.. لكن أنا لا أسمح لها بالخروج معه.. وفي عهدي أنا يجب عليها أن تلتزم بما أقوله أنا".
    قلت مستاء وساخرا:
    "لكنك لم توصيني بألا أسمح لها بالخروج معه.. ولم تذكر أسماء المسموح لهم في توكيلك السامي ذاك".
    فاشتط أخي غضبا وضرب الجدار بيده فجاءت ضربته على لوحة معلقة وأوشك أن يكسرها... وللعلم فإن لشقيقي هذا قبضة فتاكة جربتها أكثر من مرة..
    ولا تزال أمامي تجارب أخرى... كما سترون....
    أثار غضبه شيئا من الروع في نفسي وإذا به يزمجر:
    "أنا لا أمزح هنا يا سامر... أحدثك بمنتهى الجدية والمسؤولية... فلا تستفزني..."
    فقلت مدافعا:
    "وما أداني أنا أن هذا سيغضبك وإلى هذه الحد؟ لماذا لم تنبهني مسبقا؟"
    فقال:
    "هي تعرف هذا جيدا وسبق وأن حذرتها.. مرارا وتكرارا... لكنها تضرب بكلامي عرض الحائط.. قل لها... أن تتوقف عن عنادها هذا وإلا..."
    وهو يشير بسبابته نحوي مهددا... فهتفت معترضا:
    "وإلا ماذا يا وليد؟؟"
    ولم يرد وكأنه لا يجرؤ على النطق بما يدور بخلده من شدة فظاظته... فأعدت السؤال:
    "وإلا ماذا بعد؟ لماذا كل هذه القسوة والصرامة في معاملتها؟"
    رد أخي بحدة:
    "أعاملها كيفما يحلو لي".
    فاعترضت مستنكرا:
    "كلا... كلا يا أخي ليس كما يحلو لك... أنت قاس وفظ للغاية... وتصب جام غضبك على من لا ذنب لهم في الإساءة إليك... رغد كانت مستميتة لأجل لقائك أو التحدث معك والاعتذار لك على خطأ لم تقترفه هي من أجل تطييب خاطرك, وأنت عاملتها بمنتهى الغلظة والرعونة... معاملة لا يحتملها رجل شديد فكيف بفتاة رقيقة؟؟"
    هتف وليد بغضب:
    "سامر!"
    فقلت مسترسلا:
    "نعم يا وليد.. أزل الغشاوة عن عينيك... وميز مع من تتعامل... إنها فتاة حساسة ولا يليق بك أن تعاملها كهذا".
    وعوضا عن أن تثير كلماتي الندم وتأنيب الضمير في نفس شقيقي, إذا بي أراه ينظر إلي والشرر يتطاير من عينيه ويقول:
    "وهل ستعلمني كيف أعامل فتاتي؟"
    أذهلتني كلمة وليد هذه وحملقت به متفحصا... وقفزت كلمات خالتي أم حسام إلى رأسي...
    قلت:
    "فتاتك؟؟"
    ورأيت تعبيرات وجه أخي تتغير... وكأنه انتبه للتو للكلمة... فقال محاولا تغيير أو تصحيح المعنى:
    "الفتاة التي تحت وصايتي أنا".
    وأضاف ليصرف الانتباه عن الكلمة:
    "وما دامت تحت وصايتي أنا فأنا من يحدد ويقرر كل شيء يخصها... ولا أسمح لأحد بالتدخل... فهل هذا واضح؟؟"
    حيرني أمر أخي... ولم أعرف بم أفسر موقفه من رغد... أهو الحرص عليها أم التسلط عليها أم شيء آخر..؟
    قلت:
    "حسنا... إنما أريد أن ألتفت انتباهك لما قد غضبك قد أغفلك عنه... أنت لا تدرك حجم المعاناة التي تخلفها مواقفك القاسية في نفسيتها... إنها من البشر وليست قطعة من الحديد... كل تلك الفترة وهي تحاول الاتصال بك لتقدم لك كلمة اعتذار عن شيء لم تقترفه لترضيك أنت بصفتك ولي أمرها وفي مقام الأب وأكثر لديها... وأنت لاه في الخارج لا تكترث لشيء.. وبعد هذا تلومها إن هي حضرت بحثا عنك في المزرعة؟؟ على الأقل.. استمع لما تود قوله ثم افعل ما تشاء... أي قلب تملك أنت؟"
    فجأة أمسك وليد بقميصي وأخذ يهزني بقوة ويهتف:
    "أنا لا أملك قلبا.. أنتم قتلتموه.. إنكم السبب.. كلكم السبب.."
    ودفع بي إلى الجدار... ثم جعل يصرخ في مهددا:
    "إياك... ثم إياك... ثم إياك يا سامر... والسماح لهذا بالتكرر... هل فهمت؟"
    وأبعد يده عني ثم سار مغادرا الشقة... مخلفا بصمات جمله الأخيرة مطبوعة على طبلتي أذني...

    *********
    في اليوم التالي حضر سامر لزيارتي وأخبرني عن زيارة وليد له البارحة وعن شجاره معه بسبب خروجي مع حسام وبين لي مدى الغضب الذي اكتسحه والتهديد الذي رماه به, وطلب مني:
    "لا تكرري ذلك ثانية.. إذ أن وليد على ما يبدو ولا يولي حسام ثقة كبيرة, أو لنقل إنه مستاء منه بسبب الشجار العائلي..."
    وأنا أعرف بحقيقة الأمر وقلت تلقائيا:
    "إنه لا يطيقه منذ زمن".
    فظهر التعجب على سامر وسأل:

  8. #8
    عضو نشط الصورة الرمزية لبنه كيري
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    166
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    223

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    مشكورررررر اخوي ساقي العطاشا اني هاذي الجزاء قريتها اتمنى اقرا النهايه في هذا المنتدى

    الله يعطيك العافيه

  9. #9
    عضو فيروزي الصورة الرمزية همسة ألم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    الدولة
    في كل من حفر أسمي على فؤاده
    المشاركات
    4,894
    شكراً
    47
    تم شكره 33 مرة في 30 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    2512

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    هذي الروايه فضيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ييعه
    بجد بجد رووووووووووووووووووووووعه
    أنا قريتها إلين النهاية في كتاب
    وطبعا نهايتها ولا أروع
    اقول بصرااحة إذا في في الحقيقة رجاال مثل وليد أنا أريده
    وأبدا لا أتخلى عنه
    تسلم أخوووووووووووووووي على النقل الرااائع
    التعديل الأخير تم بواسطة همسة ألم ; 01-15-2009 الساعة 08:57 PM

    ** ذكر علـــــــــــــــي عبـــــــــــــــــاد **
    من قول الإمام علي عليه أفضل الصلاه والسلام ‘‘عجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ,, ثم غذا هو جيفه ‘‘

    شكرا خاص للمبدع أبـ أحمد ـو للتوقيع الحلووو

  10. #10
    عضو ذهبي الصورة الرمزية ورد الياسمين
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,417
    شكراً
    1
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    3399

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    بالفعل روايه رائعه ونهايتها كذلك

    والاجزاء المتبقيه ليست كثيرة

    اذا ما يقدر اخوي ساقي العطاشا يكملها بتبرع اكمل الاجزاء الباقيه



    اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ،
    وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ،
    حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ,
    وتُصيِر ارَواحنَا مُعلقةُ بعزِّ قُدسِكً.



    [ يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني]






  11. #11
    عضو نشط الصورة الرمزية كياني حبك
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    106
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    211

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    ورده الياسمــــــــــــــــين
    كمليها بليـــــــــــــــــــــــــــــــز
    رجيتك رجــــــــــــــــــــاء
    لان اخر رد لساقي العطاشا
    شهر 10من العام الماضي
    اذا ماعيك امر كمليها



    دمتي بود

  12. #12
    عضو ذهبي الصورة الرمزية ورد الياسمين
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,417
    شكراً
    1
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    3399

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    هلا بك خيتي كياني حبك

    ولا يهمك بكملها

    اتمنى لك قراءة ممتعة


    دمت بجمال روحك
    اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ،
    وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ،
    حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ,
    وتُصيِر ارَواحنَا مُعلقةُ بعزِّ قُدسِكً.



    [ يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني]






  13. #13
    عضو ذهبي الصورة الرمزية ورد الياسمين
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,417
    شكراً
    1
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    3399

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    سمعت سامر يطرق على الباب وهو يقول:
    "أين أنت يا رغد... أرجوك... افتحيه"
    فقلت:
    "لا أستطيع"
    قال:
    "لماذا؟؟"
    فأجبت:
    "وليد..."


    وقبل أن أتم الجملة قاطعني قائلا بحنق:
    "وليد لا يعرف الحقيقة... إنه سيندم كثيرا حينما يكتشفها... لا وقت لأوضح لك يا رغد... أرجوك افتحيه وخلصيني"
    قلت:
    "انتظر حتى يأتي وليد وبين له الحقيقة... ثم... ثم إن المفتاح معه هو"
    فقال:
    "ستجدين مجموعة المفاتيح الاحتياطية في درج مكتبه كما يتركها عادة... هاتي المجموعة وفتشي عن المفتاح المناسب. بسرعة يا رغد... أرجوك"
    قلت وأنا أبعد يدي خلف ظهري:
    "لا أستطيع يا سامر... وليد حذرني"
    فإذا به يقول فجأة:
    "طبعا ستطيعينه هو"
    فوجئت من كلامه, وسحبت يدي نحو صدري ثم قلت مبررة:
    "لأنه... قال... إن هذا خطر على حياتك"
    فرد سامر بعصبية:
    "غير صحيح... إنه مخطئ... بقائي هنا خطر على حياتي وحياة أصدقائي"
    ثم أضاف:
    "أنت تشاركين في تعريض حياتنا للخطر... هل هذا يرضيك؟؟"
    قلت:
    "لا"
    فقال:
    "إذن افتحي الباب... وأنا أضمن لك بأننا سنكون بخير وممتنين لك على إنقاذنا"
    "أحقا؟؟"
    "أجل يا رغد... هيا الآن افتحيه... وأنا سأتصل بوليد وأشرح له كل شيء... عجلي أرجوك"
    احترت في أمري... فسامر يبدو صادقا جدا فيما يقول... وكان يقنعني بأنني أعرض حياته للخطر بإبقائه حبيسا... لكن نظرات وليد المهددة... وهو يخاطبني قبل خروجه مباشرة تجعلني أتردد... وأبتعد عن الباب...
    "رغد... الآن"
    قال سامر... غير أنني أجبت حاسمة الأمر:
    "لا أستطيع يا سامر... سامحني"
    وسمعت على أثرها ضربة قوية تصدع الباب لها...
    عدت إلى غرفتي وبدأت أحاول جمع أهم حاجياتي في حقيبة صغيرة... وبعد نصف ساعة سمعت ضربا على باب غرفة المجلس, وصوت سامر يناديني...
    توجهت إليه مسرعة وقلت:
    "نعم سامر أنا هنا"
    فقال:
    "رغد هل لي ببعض الماء من فضلك؟؟"
    ولما لاحظ صمتي قال بنبرة رجاء:
    "أكاد أموت عطشا... اجلبي لي قارورة كبيرة رجاء"
    قلت بتردد:
    "لكن..."
    فقال بنبرة أشد رجاء... تذوب لها الصخور الصلبة:
    "لكن ماذا يا رغد؟؟ سألتك بالله... حلقي تجرّح من شدة الجفاف... تكاد دمائي تتخثر في عروقها... أرجوك ولو كأسا واحدا"
    انفطر قلبي لكلامه... لم أتحمل... ألقيت بثقل جسدي على الباب وقلت بنبرة توشك على البكاء:
    "لا تخدعني يا سامر... أرجوك"
    فقال:
    "أخدعك؟؟ أقول لك إنني أكاد أموت عطشا... تبخرت سوائل جسمي في العراك مع ابن عمك... ألا ترحمين بحالي؟؟"
    وللألم المرير الذي أحسسته, عزمت على أن أقدم له الماء... ولكنني ما كدت أبتعد بضع خطوات حتى سمعت صوت جرس المنزل يقرع...
    كان قرعا متواصلا مربكا... شعرت بالخوف, وعدت أدراجي إلى الباب أخاطب سامر:


    --------------------------------------------------------------------------------
    "جرس الباب يقرع"
    قال:
    "أسمعه"
    قلت:
    "من يكون؟؟ ولماذا يقرع بهذا الشكل؟؟"
    فقال سامر:
    "تجاهليه... إياك وأن تجيبيه"
    وزادت الجملة فزعي... فقلت:
    "من هذا؟؟ لا أشعر بالطمأنينة... أنا خائفة"
    فقال:
    "اسمعي يا رغد... اتصلي بوليد وأخبريه عن هذا وقولي له أن يتوخى الحذر"
    فقلت وقلقي يتفاقم:
    "هل تعرف من يكون؟؟"
    فأجاب:
    "لا ولكن الحذر واجب"
    توقف القرع وأنا أتصل بوليد...
    أخبرته فحذرني من الإجابة على أي طارق وأمرني بأن أبقى ساكنة لحين عودته.
    سألني عن سامر فأخبرته بأنه يشعر بالعطش ويطلب الماء فنهاني عن تصديقه وأكد علي بألا أقترب من الباب نهائيا, وأخبرني بأنه سيعود بعد قليل...
    وهذا القليل استمر قرابة الساعة... ولم تكن كأي ساعة...
    جلست قرب عتبات متصلة بالممر المؤدي إلى غرفة المجلس... في منتصف المسافة ما بين باب المدخل الرئيسي للمنزل وباب المجلس... وألصقت أذنا على كلا البابين...
    الأذن اليمنى كانت تسمع سامر وهو يسأل بمرارة:
    "أين الماء يا رغد؟؟"
    والأذن اليسرى تترقب عودة وليد... وأخيرا التقطت هذه الأذن صوت باب المدخل يفتح...
    هببت واقفة ويممت أنظاري شطر المدخل... متلهفة لرؤية وليد يدخل... فيسكن قلبي...
    إن مجرد الإحساس بوجوده فيما حولي... يشعرني بالطمأنينة والأمان... "لم تقفين هنا؟؟"
    سألني بقلق وهو ربما يلحظ التعبيرات المتلهفة على وجهي, قلت:
    "تأخرت"
    فقال:
    "توخيت المزيد من الحذر..."
    فقلت بشيء من الاندفاع:
    "سامر عطشان... عجل إليه بالماء أرجوك"
    ورأيت عضلات فكه تنقبض ثم عقب:
    "لعن الله الظالمين"
    وسار مباشرة إلى المطبخ, وحمل قارورة ماء وكأسا فارغا واتجه بهما إلى غرفة المجلس...
    "سامر... جلبت لك الماء"
    قال وليد بعد أن طرق الباب واستخرج المفتاح من جيبه... ثم أضاف:
    "أرجوك... لنتصرف كراشدين"
    وبعد تردد قصير, فتح الباب ودخل...
    اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ،
    وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ،
    حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ,
    وتُصيِر ارَواحنَا مُعلقةُ بعزِّ قُدسِكً.



    [ يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني]






  14. #14
    عضو ذهبي الصورة الرمزية ورد الياسمين
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,417
    شكراً
    1
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    3399

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    رأيت شقيقي جالسا على أحد المقاعد... مبعثر الشعر والملابس, وعليه إمارات الإعياء... وتصبغ ألوان الطيف وجهه المجروح... اقتربت منه وأنا أحمل القارورة الماء وكأسا... ملأته بالماء ثم قربته إليه وقلت:
    "تفضل"
    رمقني أخي بنظرة حادة... وبدا كأنه متردد... ثم حرك يده باتجاه الكأس.
    تناول الكأس مني, وألقى علي نظرة, ثم... إذا به يسكب محتواه فجأة نحو وجهي...
    وقف بسرعة وألقى بالكأس وهرول نحو الباب. وضعت القارورة جانبا وركضت خلفه مسرعا وأمسكت به وجررته إلى الداخل, ثم دفعت به بقوة نحو المقعد وجريت نحو الباب وخرجت وأقفلته على الفور.
    سمعت صوت أخي يصرخ:
    "افتح يا وليد... أنا لست حيوانا لتحبسني هكذا"
    فرددت بانفعال:
    "ستبقى حبيسا هنا يا سامر إلى حين موعد السفر. لن أسمح لأي مخلوق بأن يصل إليك. أتسمعني؟؟ سأخرجك من البلد بعد الغد"
    فصرخ سامر:
    "ومن قال لك أنني أريد أن أخرج؟؟"
    فقلت بعصبية:
    "ستخرج يا سامر. ستفعل ما أطلبه منك حرفيا.. أفهمت؟؟ أنا دبرت كل شيء... لا فكرة لديك عما فعلته وما بذلته لأجل ترحيلك... مهما صرخت ومهما قاومت ومهما تعاركت.. ستفعل ما أريده أنا... شئت أم أبيت ستنفذ خطتي"
    هاج سامر من جديد, وأخذ يضرب الباب حتى خشيت أن ينجح في اقتلاعه... التفت إلى رغد فرأيتها تنظر إلي نظرات ذعر واتهام...
    لا أنقصك الآن يا رغد... أرجوك...
    ابتعدت عن الممر وقلبي يعتصر لحالة شقيقي... ذهبت إلى مكتبي لأخذ بعض الأشياء ثم صعدت إلى الطابق العلوي لأعد حقيبة سفري...
    كانت الأشياء مبعثرة في غرفة نومي... فقد قلبها أخي رأسا على عقب وهو يفتش عن السلاح...
    استخرجت حقيبة سفر صغيرة وبدأت أجمع فيها أهم الحاجيات... وفي ذات الوقت أحاول إعادة النظام إلى الغرفة ولو قليلا...
    فجأة... رأيت شيئا لم أكن أتمنى أن أراه آنذاك... شيئا أسطواني الشكل... مرميا مع مجموعة من الأشياء المبعثرة على الأرض...
    صندوق أماني رغد!
    وصدقوني... لم أنتبه ليدي وهي تضعه في الحقيبة خطأ... كنت شاردا... ولم أكتشف ذلك إلا لاحقا...
    بعد أن انتهيت من إعداد تلك الحقيبة, أقفلت باب غرفتي ثم ذهبت لتفقد غرفة سامر... وأخذت منها هاتفه وحقيبته اليدوية والتي كانت تحتوي وثائق مهمة, وأشياء أخرى... ثم أقفلتها وبقية الغرف, وحملت الحقيبتين إلى الطابق السفلي, ثم ذهبت إلى رغد واستلمت منها حقيبتها, ونقلت الحقائب الثلاث إلى السيارة المركونة في المرآب... عندما عدت للداخل وجدت رغد تقف في انتظاري, وطبعا ألف علامة استفهام تدور حولها... لكنها لم تسألني عن شيء... ربما من هول الموقف... ألقت علي نظرة... وعادت أدراجها إلى غرفتها.
    يدرك كلانا أن المأزق خطير وأنه ليس بالوقت المناسب للكلام...
    اقتربت من باب غرفة المجلس, تحسسته... وداهمني ألم فظيع في معدتي... فانسحبت إلى غرفة المعيشة وابتلعت قرصين من دوائي لم يأتيا بمفعول يذكر وبقيت أتلوى على المقعد لوقت طويل...
    الساعة الرابعة فجرا يرن منبه هاتفي المحمول, يوقظني لتأدية الصلاة...
    أنهيت صلاتي وتلاوتي لآيات الذكر الحكيم ودعائي للرب الرحيم... ثم ذهبت إلى المطبخ ولا شيء يشغل تفكيري غير أخي...
    وضعت بعض الطعام والماء على صينية, وتوجهت بها إلى غرفة المجلس...
    كان نائما بكل هدوء على الأرض, وقد توسد إحدى الوسائد التابعة للمقعد... وتلحف بأخرى... رق قلبي له... أردت أن أربت عليه بحنان... لكني ربت بقوة أشد قليلا لأوقظه للصلاة...
    استيقظ سامر وأخذ ينظر إلى ما حوله بهلع... يبدو أن تربيتي كان أقوى مما تصورت... قلت مطمئنا إياه:
    "بسم الله... لا تفزع... إنه وقت الصلاة"
    نظر إلي أخي ولم يكلمني... ثم نهض وجعل يمدد أطرافه بإعياء... وتوجه إلى دورة المياه التابعة للغرفة. أسرعت وجلبت سجادتي وفرشتها على الأرض... خرج أخي بعد قليل وقال:
    "أريد أن أستحم"
    ترددت قليلا... ثم خرجت وأقفلت الباب وعدت مجددا أحمل إليه ملابس نظيفة... وبقيت في الغرفة إلى أن أنهى حمامه وأدى صلاته... وعيني ترقبه من كل الزوايا...
    قلت:
    "تقبل الله"
    فأجاب دون أن ينظر إلي:
    "منا ومنكم"
    ثم رأيته يضطجع على المقعد... قلت:
    "جلبت لك بعض الطعام... أرجوك تناول شيئا"
    ولم يلتفت أخي إلي...
    قلت:
    "سننطلق قبل طلوع فجر الغد... أخبرني إن كنت تحتاج شيئا لنأخذه معنا"
    ولم يرد...
    اقتربت منه وتحدثت إليه بكل عطف... بقلب يحمل كل الحب والقلق... إذ قلت:
    "أخي... يا نور عيني... أنا لن أسألك لماذا فعلت هذا... ولا يهمني أن أعرف أي تفاصيل... إنني أريد فقط أن تنجو بحياتك وتبتعد عن الخطر بأسرع ما يمكن"
    وتابعت:
    "إنني عشت تجربة السجن... وقد كان معي في زنزانتي مجرمو سياسة وأمن بلد... ورأيت كيف عاملتهم السلطات وكيف عذبتهم أشد التعذيب وقتلتهم أمام ناظري"
    قال أخي أخيرا:
    "نحن لسنا مجرمين"
    تفحصت رده ثم قلت:
    "السلطات تعتبركم مجرمين. تصف كل من يعارضها علنا ويثير الشغب والفوضى بأي شكل من الأشكال تحت اسم مجرمي أمن"
    التفت إلي أخي وكأنه يبدي إلي شيئا من الاهتمام لكلامي أخيرا... فتابعت:
    "كانوا يعذبوننا أشد التعذيب... حتى أنا ورغم أنني لا أنتمي لتلك المجموعة, نلت نصيبي من الضرب المبرح المتوحش... لحبسي في الزنزانة الخطأ"
    وأضفت وأنا أكشف عن صدري وظهري:
    "انظر... كل هذا... وأكثر..."
    مشيرا إلى الندب التي خلفتها يد التعذيب على جسدي... ثم أشرت إلى أنفي وتابعت:
    "حتى أنفي كسروه كما ترى..."
    وتابعت:
    "وصديقي... والد أروى... عذبوه شر تعذيب حتى قضى نحبه وهو على ذراعي..."
    وتخيلت صورة نديم... في آخر لقطة له قبل أن يسلم الروح... وانتفض جسدي وامتقع وجهي وعصرت عيني لأمحو الصورة الفظيعة...
    قلت:
    "بعد كل هذا... كيف تظن بأنني سأسمح لهم بأن يقبضوا عليك؟؟ أبدا... أبدا"
    هنا جلس أخي ورد منفعلا:
    "أنا لا يهمني الموت ولا التعذيب..."
    ارتعدت من رده... وسألت:
    "ما الذي يهمك إذن؟؟"
    فقال:
    "لا شيء... لاشيء يهمني في هذه الدنيا التعيسة... لا شيء"
    وصمت قليلا ثم أضاف:
    "لا شيء... بعد كل من فقدت... انتهى كل معنى للحياة في نظري... فأهلا بالموت..."
    وجذب نفسا ثم تابع:
    "لكنني لن أموت قبل أن أنتقم منهم"
    تضاعف هلعي وسألت:
    "ممن؟؟"

    -----------------------------------------------------

    فأجاب بعصبية:
    "من الأوغاد الخونة الغدارين... الذين قتلوا والديّ..."
    فحملقت به مندهشا, فإذا به يقول:
    "هل تظن أنهما قتلا برصاص العدو؟؟"
    تفاقم تحديقي به, وأضاف:
    "بل هي السلطات الخائنة... التي لم تبذل جهدا لتحمي مواطنيها... وسمحت للمعركة أن تنشب عند الحدود وبالتحديد عند الشارع الذي كانت تعبره حوافل المدنيين الأبرياء العُزّل..."
    ووقف أخي من شدة انفعاله وهتف وهو يضغط على قبضته:
    "جعلوا من الحجيج الآمنين مسرحا لجرائمهم النكراء... لن أسامحهم أبدا وسأجعلهم يدفعون الثمن"
    ثم رأيته يحني رأسه ويخفي عينيه خلف يده... ويصمت برهة... ثم يبكي...
    "سامر"
    ناديته بنبرة ضعيفة حانية... فأزاح يده عن عينيه وقال يخاطبني وسط الدموع:
    "أنت لم تر كيف كان جسداهما... لم تر شيئا... الجبين الذي كنت أعكف عليه تقبيلا وإجلال... مثقوب برصاصة اخترقت رأس أبي... والصدر الذي لطالما احتضننا... وفيه تربينا ومنه تغذينا... صدر أمي... منبع العواطف والمحبة والأمان... ممزق إلى أشلاء... حتى قلبها كان يتدلى خارجا منه... آآآآآآآآآه.... كيف لي أن أنسى هذا آآآآآآآآه"
    وجثا أخي على الأرض وهوى بجبينه عليها وراح يبكي بصوت عال منفلت متألم... ويضرب الأرض بقبضته منهارا...
    لم أقو على تحمل ما سمعت... أطلقت آهة ألم من صدري وسالت دموعي أنا الآخر...
    كان سامر يضرب الأرض وهو يهتف:
    "يا أبي... يا أمي"
    ومع هتافه يتشقق قلبي وينطحن...
    كنت ألاحظ منذ وفاتهما رحمهما الله, أن سامر كان أطولنا حزنا... وأكثرنا تذكرا لهما وتألما على الذكرى... لقد كانا أقرب إليه مني وكان أقرب إليهما مني... بحكم الفترة الزمنية الطويلة التي قضيتها في السجن بعيدا عنهما ومحروما منهما...
    مددت يدي إلى كتفي أخي وشددت عليهما... إلى أن توقف عن البكاء والتفت إلي... ثم بدأ الشرر يتطاير من عينيه وقال:
    "أو تظن أنني سأهرب... دون أن أنتقم؟؟"
    قلت:
    "تنتقم ممن؟؟"
    قال:
    "من أي شيء يتعلق بالسلطات... إنهم هم المسؤولون عن مقتل والديّ... وبهذه الطريقة البشعة"
    وهب واقفا فشددت عليه أكثر فقال:
    "دعني أطفئ النار المتأججة في صدري"
    فقلت:
    "وهل سيعيدهما للحياة... أن ترتكب أي عمل جنوني؟؟"
    فقال:
    "لكنّ غليلي سيشفى قليلا"
    فقلت:
    "وتدفع حياتك أو حريتك ثمنا؟؟ سامر إنهم لن يعتقوك"
    فقال:
    "لا أهاب الموت.. لا يهمني... وليس في حياتي ما يستحق العيش من أجله"
    شعرت بالمرارة من جملته... فقلت مستدرا عطفه:
    "كيف تقول هذا؟؟ سامر أنت لا تزال شابا صغيرا... لديك شبابك وصحتك... وعملك ومستقبلك... وعائلتك... كيف تضحي بكل هذا؟؟"
    فأجاب وهو يرمقني بنظرة حادة...
    "أي عائلة؟؟ الوالدان... قتلا... الشقيقة... رحلت بعيدا... الخطيبة... هجرتني... والشقيق..."
    وأمال زاوية فمه بسخرية وأضاف:
    "منافق.. متبلد.. لا يشعر.. لا يفهم... ولا يكترث..."
    وأضاف:
    "من بعد؟"
    جرحني ما قاله عني... أبعدت يدي عنه ونظرت إلى الأرض برهة... ثم أعدت بصري إليه وقلت:
    "بل أنا أحس يا سامر... أنت أخي... دماؤك هي دمائي... أكترث لك كثيرا... وإلا لما حبستك هنا وفعلت المستحيل من أجل سفرك"
    قال سامر:
    "ثم ماذا؟؟"
    فقلت:
    "ثم ماذا؟؟؟"
    وأجبت على السؤال:
    "ثم تبدأ حياتك من جديد في الخارج... المهم أن تخرج من الخطر الآن... وبعدها سأفعل من أجلك أي شيء"
    فنظر إلي نظرة تشكك... ثم إذا به يسأل:
    "هل ستعيد إلي والديّ؟؟"
    وانتظر ردة فعلي التي لم تكن أكثر من النظرات الحائرة... ثم تابع:
    "أم... هل ستعيد إلي خطيبتي؟؟"
    هنا تصلب جسمي... وتجمدت نظراتي وفقدت القدرة على تحريكها...
    ظل أخي يحملق بي وكأنه ينتظر الجواب... وطال الانتظار...
    ابتسم أخي ابتسامة ساخرة واهية بالكاد لامست طرف شفتيه... ثم أولاني ظهره وجلس على المقعد معلنا نهاية الحوار...
    انسحبت من الغرفة وأقفلت الباب... واستندت عليه وأغمضت عيني بمرارة...
    فهمت.. أن موضوع عارف المنذر... هو الشرارة التي فجرت برميل الوقود...
    هي رغد...
    هل هذا هو الثمن الذي تطلبه لقاء حياتك يا سامر...؟؟
    أتريد أن تخطف قلبي مني من جديد؟؟
    أتريد أن أتنازل لك عن... أول وأكبر وأهم وأعظم حلم في حياتي؟؟
    المخلوقة التي هي جزء لا يتجزأ مني... التي هي أنا... بروحي بقلبي بتفكيري بمشاعري بكياني بماضيّ بحاضري بكل معاني الأنا فيّ...
    إنها ذاتي... كيف أكون... بدون ذات؟؟!!
    آه... يا رب...
    عندما فتحت عيني... خيل إلي أنني رأيت شبح رغد يقف في نهاية الممر... هل الإضاءة ليست كافية... أم أن غشاوة علت عينيّ من هول ما أنا فيه؟؟ أم... أم أنها خرجت من شريط أحلامي وظهرت أمامي كالطيف العابر..؟؟
    أغمضت عيني مجددا... محاولا ابتلاع جرعة الشبح القوية هذه... التي ظهرت لي في أتعس لحظات حياتي... وعندما فتحت عيني من جديد... لم أر شيئا...
    اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ،
    وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ،
    حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ,
    وتُصيِر ارَواحنَا مُعلقةُ بعزِّ قُدسِكً.



    [ يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني]






  15. #15
    عضو ذهبي الصورة الرمزية ورد الياسمين
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,417
    شكراً
    1
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    3399

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    الحادية عشرة صباحا... استيقظت على رنين هاتفي المحمول الموضوع على المنضدة إلى جانبي... في غرفة المعيشة...
    مددت يدي والتقطت الهاتف وأجبت مباشرة:
    "نعم؟"
    فسمعت صوت الطرف الآخر... والذي لم يكن سوى أبي حسام, والذي كنت على اتصال به أولا بأول أبلغه ويبلغني بكل جديد... وكنت قد أبلغته عن عودة أخي وحبسي له في المنزل...
    "مرحبا وليد... اسمعني جيدا..."
    وبدا من نبرة صوته أهمية وخطورة ما سيقوله, وسرعان ما أفصح:
    "الشرطة في طريقها لتفتيش منزلكم... تصرف بسرعة"
    نهضت فجأة... فتبعثرت قصاصات صورة رغد التي كانت نائمة على صدري منذ الفجر.. سألت وقد اجتاحني الفزع والقلق فجأة:
    "ماذا؟؟"
    فكرر أبو حسام:
    "الآن يا وليد... أنا أراهم أمامي في الطريق المؤدي إلى منزلكم. اخف الأمانة بسرعة داخل المنزل... في الحال... في الحال"
    قفزت بسرعة من مقعدي وركضت نحو غرفة المجلس... فتحت الباب وولجتها باندفاع وأنا أهتف:
    "سامر بسرعة... الشرطة قادمة"
    كان أخي نائما ولكنه سرعان ما انتبه على صوتي... أمسكت بذراعه وأنا أشده وأقول:
    "تعال... يجب أن تختبئ في مكان آخر"
    سامر سحب ذراعه من بين يدي وهو يقول:
    "حُلّ عني"
    فهتفت بعصبية:
    "أقول لك الشرطة قادمة... ألا تفهم؟؟"
    فأجاب ببرود:
    "لا يهمني ذلك. سأسلم نفسي وننتهي من هذه المهزلة"
    قلت صارخا:
    "يبدو أنك لا تريد أن تفهم"
    ثم أطبقت على ذراعه وجررته معي إلى خارج الغرفة أسير متخبطا لا أعرف أين أخبئه... ظهرت رغد في الصورة أمام باب المطبخ ورأت المنظر فهلعت وسألت:
    "ماذا هناك؟؟"
    فقلت وأنا أجر أخي رغما عنه نحو المطبخ:
    "الشرطة... يجب أن نخبئه... لن أسمح لهم بأخذه ولو اضطررت لقتلهم جميعا"
    سرت على غير هدى... مرسلا نظراتي لكل ما حولي... مفتشا عن مخبأ...
    خرجت من الباب الخلفي للمطبخ... وسحبت أخي رغم مقاومته إلى الحديقة الخلفية المهجورة...
    نظرت يمنة ويسرة... ولم أجد أمامي سوى قطع من الأثاث القديم الذي أخرجناه للفناء عندما أتينا للعيش في المنزل, أنا ورغد وأروى والخالة, رحمها الله...
    وهناك... على مقربة من أدوات الشواء القديمة... التي أحرقت أخي ذات مرة... كانت مجموعة من قطع السجاد الملفوفة والمكومة على بعضها... كنا قد سحبناها إلى هذا المكان في ذلك الوقت...
    لم تخطر إي فكرة في بالي... أصلا كان دماغي مشلولا عن التفكير... أريد فقط أن أخفي هذا الشقيق عن أعين الشرطة إلى أن أسفره للخارج...
    دفعته حتى وقع أرضا... وجلست عليه حتى لأعيقه عن الحركة ومددت يدي إلى إحدى قطع السجاد الملفوفة ودفعتها لتنفتح...
    سحبت أخي إلى طرف السجادة وجعلت ألفه بها كما تلف الحشوة بالورق... وهو يصرخ:
    "ما الذي تفعله يا مجنون؟؟"
    إلى أن أخفيته تماما في جوف اللفافة. سحبتها بعد ذلك بكل طاقات عضلات جسمي... وركنتها إلى جانب كومة اللفائف الأخرى... ثم أهلت عليها التراب لتبدو وكأنها مركونة هنا منذ سنين...
    "إياك أن تصدر أي صوت يا سامر... لا تضع جهودي هباء... وإذا حاولت شيئا فسأستخدم سلاحك وأقتلهم جميعا... هل تسمع؟؟ لن أسمح لهم بأن يصلوا إليك أبدا"
    وعمدت إلى الرمال أخفي أثار أقدامنا عنهم... ثم قربت وجهي من فتحة اللفافة وقلت:
    "تحمل قليلا... سأخرجك فور ذهابهم... أرجوك اصمد وأنا سأحقق كل ما تتمناه... دعنا نسافر وافعل بعدها ما تريد... أرجوك يا سامر... أنا أرجوك"
    وقمت مهرولا إلى الداخل...
    كانت رغد واقفة عند باب المطبخ الخارجي تراقبنا مفزوعة, وكان جرس المنزل يقرع قرعا متواصلا.
    سحبت الفتاة إلى الداخل وأقفلت باب المطبخ وقلت:
    "إياك وفعل أي شيء يكشفنا يا رغد... أرجوك... حياة أخي رهن تصرفنا"
    أسرعت إلى غرفة مكتبي... والتقطت سلاح أخي الذي كنت أخبئه هناك, وأخفيته في ملابسي...
    جذبت نفسا عميقا ثم توجهت إلى باب المنزل الرئيسي ثم إلى الفناء الخارجي ثم إلى البوابة الرئيسية وفتحتها...

    ************
    كنت في المطبخ أتناول فطوري بهدوء... إلى أن سمعت صوت باب يفتح ووقع خطوات تجري بارتباك على الأرض... قفز إلى ذهني الظن بأن سامر قد خرج من الغرفة بطريقة ما ويحاول الفرار... وسمعت صوت وليد بعدها يهتف:
    "سامر بسرعة... الشرطة قادمة"
    انتفضت ذعرا ووقف متكئة كليا على عكازي كعجوز طاعنة في السن... ثم جررت رجلي جرا نحو الباب... ورأيت وليد يقبل باتجاهي وهو يجر سامر قسرا... فسألت بفزع:
    "ماذا هناك؟؟"
    فرد باضطراب شديد:
    "الشرطة... يجب أن نخبئه... لن أسمح لهم بأخذه ولو اضطررت لقتلهم جميعا"
    أخرج وليد سامر إلى الفناء الخلفي ودفنه في جوف قطعة سجاد ملفوفة... مغمورة بالرمال والغبار...
    إنه سيختنق إن بقي هكذا لبضع دقائق... بدون أدنى شك...
    كانت عيناي معلقتين على لفافة السجاد وفوهي مفغور من الخوف والفزع... ولم أشعر إلا ويد وليد تسحبني إلى داخل المطبخ... ثم إذا به يختفي... لبضع ثوان... ثم يعود ومعه رفقة...
    رأيت وليد يقبل نحو فتحة باب المطبخ ويطرقه بيده ويتحدث إلي بينما عيناه تراقبان شخصا آخر:
    "بعد إذنك يا ابنة عمي... لدينا زوار"
    ثم يدخل إلى المطبخ ويتبعه شرطي يرتدي الزي العسكري... شعرت بالقشعريرة تهز بدني ورأيت نظرة خاطفة أرسلها وليد إلي مليئة بالتحذير...
    عبر الشرطي في المطبخ وهو يدوس بحذائه على الأرضية... وسار نحو المخزن وتفقده... ثم اتجه نحو الباب الخارجي وأمسك بقبضته وأدارها...
    كنت حينها أتصبب عرقا وأكتم أنفاسي... وأقف مختبئة خلف وليد...
    سمعت الشرطي يسأل:
    "أين المفتاح؟؟"
    فأجاب وليد:
    "مفقود منذ زمن"
    فسأل الشرطي:
    "ماذا يوجد خلف الباب؟"
    فأجاب وليد:
    "الفناء الخلفي للمنزل"
    فسار الشرطي متراجعا نحو باب المطبخ الداخلي... وغادره...
    استدار وليد إلي ولم ينبس ببنت شفة... وبقينا نركز سمعنا على حركة رجال الشرطة وهم يفتشون في أرجاء المنزل...
    أقبل أحدهم بعد ذلك إلينا وسأل:
    "الغرف في الطابق العلوي مقفلة... أين المفاتيح؟؟"
    فرد وليد:
    "أجل... إننا لا نستخدم معظمها لذلك نبقيها مقفلة"
    فكرر الشرطي:
    "أين المفاتيح؟؟"
    فقال وليد:
    "سأجلبها لكم"
    ثم التفت إلي وقال:
    "تعالي معي"
    وسرنا جنبا إلى جنب إلى غرفة مكتب وليد... حيث استخرج المفاتيح وسلمها للشرطي فقال الأخير:
    "رافقنا للأعلى"
    فقال وليد:
    "الفتاة مصابة كما ترى..."
    مشيرا إلى عكازي. فسلم الشرطي المفاتيح لرفقائه وأمرهم بتفتيش جميع الغرف... وبقي هو واثنان من أتباعه معنا في المكتب...
    قال الشرطي:
    "إذن... هل تقيمان بمفردكما هنا؟؟"
    فأجاب وليد:
    "تقيم معنا خادمة بشكل متقطع. وزوجتي مسافرة للحداد على والدتها المتوفاة مؤخرا"
    سأل الشرطي:
    "لمن ملكية هذا المنزل؟؟"
    فقال وليد:
    "ملكية مشتركة بيني وبين أخوتي وابنة عمي"
    فقال الشرطي:
    "والسيد سامر آل شاكر... ألا يقيم هنا؟؟"
    فأجاب وليد:
    "كلا.. إنه يقطن الشمال منذ سنين"
    واستمر الشرطي بطرح عدة أسئلة, أجاب عنها وليد بتماسك مصطنع... إلى أن أقبل رجال الشرطة وقالوا:
    "لا أحد في الطابق العلوي"
    فقال الشرطي القائد:
    "فتشوا الفناء"
    وهنا أحسست بيد وليد تنتفض... ولو لم يكن الشرطي ينظر نحو أتباعه لحظتها للاحظ ما لاحظت... واكتشف سرنا...
    أخذت أبتهل إلى الله في أعماقي أن يعمي أبصارهم عن مكان سامر... دعوته بكل جوارحي وأنا متأكدة من أن وليد يلهج بالدعاء مثلي...
    يا رب إننا لا نملك إلا قلوبنا لتتضرع إليك... لا تخيّب رجائنا المتعلق بوجهك الكريم...
    غادر الشرطي القائد المكتب لاحقا بأتباعه... التفتُ إلى وليد والذعر يملأ وجهي فنظر إلي نظرة حمراء مرعبة... وقد تحول بياض عينيه إلى بحر من الدماء المغلية... ثم رأيت يده تتحرك نحو أحد جيوبه... ويخرج منه... مسدسا!!!
    شهقت فزعا فوضع وليد يده الأخرى على فمي يكتم شهقتي... وقال:
    "سأقتلهم إن لمسوه يا رغد"
    حاولت أن أتنفس ولم أستطع... احتقنت الدماء في وجهي واحتبس الهواء في صدري... كدت أقع مغشية من الذهول والفزع... سمعنا وقع أقدام تقترب... فخبأ وليد المسدس خلف ظهره واقترب من باب المكتب... ووقف على أهبة الاستعداد لأن يصوب المسدس نحو رجال الشرطة...
    أقبل الشرطي القائد وخلفه بعض من أتباعه, ووقف إزاء وليد ثم قال:
    "إذا جاء إلى هنا أو عرفتم له طريقا فمن الخير له ولكم أن تبلغونا. إنه مجرد مشتبه به وليس متهم. سنطلق سراحه بعد استجواب دقيق وينتهي كل شيء"
    ثم أشار إلى جنوده بالانصراف, وغادروا الجميع المنزل...
    اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ،
    وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ،
    حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ,
    وتُصيِر ارَواحنَا مُعلقةُ بعزِّ قُدسِكً.



    [ يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني]






صفحة 36 من 39 الأولىالأولى ... 26 34 35 36 37 38 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حركات ومهارات رائعه جداً للاعب البرتغالي $كرستيانو رونالدو $
    بواسطة الحـوووت في المنتدى منتدى الرياضة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 09-24-2009, 05:51 AM
  2. طموح وآمال وأنشطة وبرامج مستمرة
    بواسطة رعاية المكفوفين في المنتدى أخبار المجتمع
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-28-2009, 08:45 PM
  3. تكتب لك حسنات و تمحى عنك سيئات و بصورة مستمرة!!!!
    بواسطة علي عبد الباري في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-30-2008, 09:35 PM
  4. من أنــت بـيــن النـــاس ..!!
    بواسطة amerah في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-07-2008, 01:19 AM
  5. رساااااااااااالة هامة جداً جداً جداً ..
    بواسطة توأم الفرح في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-13-2004, 04:50 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •