صفحة 23 من 40 الأولىالأولى ... 13 21 22 23 24 25 33 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 331 إلى 345 من 588

الموضوع: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

  1. #331
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    و هذه المرّة صرخت في وجهه بشدّة :
    " لا تفكّر في شيء و ابق حيث أنت "
    الاثنان تبادلا النظرات المتعجّبة ... و المستنكرة
    ثم نطق حسام :
    " و لتبق رغد معي أيضا، فأنا أرغب في الزواج منها بأسرع ما يمكن
    و بما أنك هنا.. يمكننا أن ... "
    و في هذه المرة، و بأسرع ما يمكن ، و بعد انفلات أعصابي تماما
    تفجرت اللكمة الدفينة في يدي، نحو وجه حسام ، بعنف و قسوة...
    ربما الصدمة مما فعلتـُه فاجأت حسام أكثر من الضربة نفسها
    فوقف متسمرا محملقا في ّ في دهشة و ذهول !
    كنت لا أزال أشعر بشحنة في يدي بحاجة إلى التفريغ !
    و ليتني أفرغتها فورا في أي شي.. حسام، الجدار، الأرض
    الشجر، الحجر ، الحديد ... أي شيء.. و لا أن أكبتها لذلك الوقت... ...
    عادت سارة، و معها أروى و أمها
    نقلت نظري بين الثلاث و لم أكد أسأل ، إذ أن الصغيرة قالت :
    " رغد تقول : ارحلوا ، فهي لن تأتي معكم أبدا ! "
    تحدّثت أروى الآن قائلة :
    " إنها مصرّة على البقاء هنا و اعتقد، أنها تشعر بالراحة و السعادة مع خالتها و ابنتيها ! "
    و استدارت إلى أمها متممة :
    " أليس كذلك أمي ؟ "
    قالت خالتي ليندا :
    " بلى، مسكينة ، لقد مرّت بظروف صعبة جدا، لم لا تتركها هنا لبعض الوقت يا وليد ؟ "
    عند هذا الحد، و ثار البركان...
    الجميع من حولي يقفون إلى صفها ضدّي، الكل يطلب مني ترك رغد هنا..
    و يرى أنه التصرف السليم، و قد يكون كذلك، و قد يصدر من إنسان عاقل ، أما أنا..
    في هذه اللحظة فمجنون، و حين يتعلّق الأمر برغد فأنا أجن المجانين...
    سألت الصغيرة سارة :
    " أين هي ؟ "
    أشارت إلى الغرفة التي كانت النساء يجلسن فيها
    قلت :
    " أ أستطيع الدخول ؟ "
    فنظرت إلي الصغيرة سارة ببلاهة ، أشحت بأنظاري عنها
    و نظرت إلى أروى محوّلا السؤال إليها ، و كررت :
    " أ أستطيع الدخول ؟ "
    قالت أروى :
    " أجل ... "
    و سرت ُ نحو الغرفة ، و أنا أنادى بصوت عال مسموع :
    " رغد ... رغد "
    حتى أنبهها و ابنة خالتها إلى قدومي..
    طرقت الباب، ثم فتحته بنفسي، و أنا مستمر في النداء...
    الجميع تبعني، و رموني بنظرات مختلفة المعاني، لا تهمني كما لا يهمكم سردها هنا
    وجدت صغيرتي واقفة و إلى جانبها ابنة خالتها، و على وجهيهما بدا التوتر و القلق...
    قلت :
    " رغد، هيا بنا ... "
    هزّت رأسها اعتراضا و ممانعة ، فقلت بصوت جعلته أكثر حدّة و خشونة :
    " رغد ، هيا بنا، سنرحل فورا "
    رغد تكلّمت قائلة :
    " لن أرحل معكم ، اذهبوا و اتركوني و شأني "
    رفعت صوتي أكثر و قلت بلهجة الإنذار الأخير :
    " رغد، أقول هيا بنا ، لأنه حان وقت الرحيل، و أنا لن أخرج من هنا إلا و أنت معي "
    قالت رغد بتحد ٍ :
    " لن أذهب ! "
    في هذه اللحظة، استخدمت بقايا الشحنة المكبوتة في يدي ..
    التي حدّثتكم عنها.. على حبيبة قلبي ، رغد
    أسرعت نحوها، و أمسكت بذراعها بعنف، و شددتها رغما عنها
    و أجبرتها على السير معي نحو الباب ...

  2. #332
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    من حولي كان الجميع يهتف و يستنكر و يعترض
    و لكنني أبعدت ُ كل من حاول اعتراض طريقي بعنف
    و دفعت حسام دفعة قوية صفعته بالجدار
    أم حسام حاولت استيقافي و صرخت في وجهي ، و مدّت رغد ذراعها الأخرى
    و تشبثت بخالتها، و بابنة خالتها ، و بكل شيء...
    ألا أنني سحبتها من بين أيديهم بقسوة
    أروى و أمها حاولتا ثنيي عما أقدمت عليه فكان نصيبها زجرة قوية مرعبة فجّرتها في وجهيهما كالقنبلة...
    نحو المخرج سرت و لحق بي حسام و البقية من بعده فأنذرته :
    " عن طريقي ابتعد لأنني لا أريد أن تصيبك كسور أنت في غنى عنها "
    " من تظن نفسك !؟ اترك ابنة خالتي و إلا .. "
    استخرجت المفتاح من جيبي و فتحت باب السيارة المجاور لمقعد السائق
    و دفعت رغد عنوة إلى الداخل ، و أقفلته من بعدها .
    و الآن.. علي ّ أن ألقّن حسام درسا ، ليعرف جزاء من يتجرّأ على خطبة حبيبتي منّي ...
    كنت أنوي إيساعه ضربا، ألا أن تدخّل من حولي جعلني أكتفي ببعض اللكمات التي لا تسمن
    و لا تغني من جوع، و لا تخمد بركانا جنونيا ثار في داخلي بلا هوادة .
    وسط المعمة و البلبلة و الصراخ و الهتاف، و استغاثة رغد و ضرباتها المتتالية لنافذة السيارة
    و الفوضى التي عمّت الأجواء، التفت أنا إلى أروى و الخالة ليندا و هتفت بقوة :
    " ماذا تنتظران ؟ هيا إلى السيارة "
    و توجّهت إليها باندفاع، فركبتها و فتحت الأقفال لتركب الاثنتان
    و أوصدها مجددا، و أنطلقت بسرعة ...
    قطعنا مسافة طويلة، و نحن في صمت يشوبه صوت محرّك السيارة
    و صوت الهواء المتدفق من فتحة نافذتي الضيقة، و صوت بكاء رغد المتواصل...
    لم يتجرّأ أحد على النطق بكلمة واحدة... فقد كنا جميعا في ذهول مما حصل..
    لم أتخيّل نفسي... أقسو على صغيرتي بهذا الشكل..ولكن ..
    جن جنوني لفكرة أنها باقية مع حسام، أو صائرة إليه...
    و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أسمح لأحد بأخذ رغد منّي مهما كان..
    و مهما كانت الظروف.. و مصيرك يا رغد لي أنا...
    " أما اكتفيت ِ بكاء ً ؟ هيا توقّفي فلا جدوى من هذر الدموع ... "
    قلت ذلك بأسلوب جاف ، جعل أروى تمد يدها من خلفي
    و تلامس كتفي قاصدة أن أصمت و أدع رغد و شأنها...
    صمت ّ فترة لا بأس بها، بعدها فقدت أي قدرة لي على التركيز في القيادة
    و أنا أرى رغد مستمرة في البكاء إلى جانبي...
    أوقفت السيارة على جانب الطريق، و التفت إليها ...
    كانت تسند رأسها إلى النافذة، في وضع تخشع له قلوب الجبابرة..فكيف بقلب وليد ؟؟
    " صغيرتي ... "
    ألقت علي نظرة إحباط و خيبة أمل أوشكت معها أن أستدير
    و أعود أدراجي و أوصلها إلى بيت خالتها ... ألا أنني تمالكت نفسي ...
    " رغد ... أنا آسف ... "
    لم تعر جملتي أية أهمية، و ظلت على ما كانت عليه...
    " أرجوك يا رغد.. قدّري موقفي، لا أستطيع تركك في مدينة
    و أسافر أنا إلى أخرى ! إنك تحت مسؤوليتي و لا يمكنني الابتعاد عنك ليلة واحدة "
    لم أر منها أي تجاوب، مددت يدي بعد تردد و أمسكت ُ بيدها ، فسحبت يدها بقوة و غضب :
    " اتركني ... "
    قلت :
    " لا أستطيع أن أتركك في أي مكان ... "
    رغد أجابت بانفعال :
    " و أنا لا أريد الذهاب معك ! أهو جبر ؟ أهو تسلّط ؟ لا أريد السفر معك ...
    أعدني إلى خالتي .. أعدني إلى خالتي .. "
    و أجهشت بكاء قويا ...
    قلت أنا :
    " سنعود لزيارتها حين ننهي مهمتنا ، و سنبقى هناك القدر الذي تريدين "
    صرخت رغد :
    " أريد العيش معهم مدى الحياة ! ألا تفهم ذلك ؟ "

  3. #333
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    اشتط غضبي من هذه الجملة، فأمسكت بيدها مجددا
    و شددت قبضتي عليها و قلت بحدة و أنا أضغط على أسناني
    كأني أمزّق حقيقة أكرهها بين نابي ّ :
    " لن أدع لك الفرصة لتحقيق ما يدور برأسك.. و أقسم يا رغد..
    أقسم بأنه ستمضي سنون خمس على الأقل، قبل أن أسمح لأي رجل بالزواج منك ..
    و إن كان ابن خالتك يطمع بك، فلينتظر هو بالذات عشر سنوات حتى أسمح له بطرح الفكرة
    و إن تجرأ على إعادة عرضه ثانية قبل ذلك .. فوالذي لم يخلق في داخلي قلبين اثنين
    لأقننه درسا يُنسيه حروف اسمه ... و دون ذلك، لن يبعدك شيء عني ّ غير الموت..
    الموت و الموت فقط "
    لم أدرك تماما خطورة ما تفوّهت به ، إلا بعد أن رأيت رغد تحملق بي بذهول شديد
    و قد تبخّرت الدموع التي كانت تجري على وجنتيها..
    و ألجم حديثي لسانها و منعها حتى عن التأوّه من شدة قبضي على يدها...
    ربما أكون قد كسرت أحد عظامها أو حرّكت أحد مفاصلها .. لقد كنت أضغط بقوة شديدة...
    أصابت عضلات يدي أنا بالإعياء...
    سكون تام خيّم علينا، ما عاد هناك صوت للمحرك، و لا للهواء ، و لا لرغد، و لا لأي شيء آخر..
    حررت يد رغد من قبضتي، فرأيتها محمرّة.. و بالتأكيد مؤلمة...
    ألا أن رغد لم يظهر عليها الألم، و لم تسحب يدها بعيدا عني
    كما لم ترفع عينيها المذهولتين عن عيني ...
    ~~~~~~~~
    طوال الأشهر الماضية، كنت أنظر إلى خطيبي وليد نظرة إعجاب شديد
    أكاد معها أجزم بأنه أفضل رجل على وجه الأرض، و لا أرى منه أو فيه أي عيب أو نقص...
    و كانت جميع خصاله و طباعه تعجبني، و سلوكه و تصرفاته كلها مثار إنبهاري ..
    و في هذا اليوم، رأيت شيئا أذهلني و فاجأني...
    لم أتصوّر أن يكون وليد بهذا التسلّط أو هذه القسوة !
    لم أتوقع أن يصدر منه أي تصرّف وحشي.. كنت أراه إنسانا هادئ الطباع و مسالما...
    و عظيم الخلق...
    الطريقة التي سحب بها رغد رغما عنها
    و الطريقة التي زجرنا بها حين حاولنا ثنيه عما كان مقبلا عليه
    و الطريقة التي لكم بها حسام بوحشية
    و الطريقة التي خاطب بها رغد و نحن في طريقنا الطويل إلى المدينة الساحلية
    كلها أثارت في قلبي الخوف و الحذر...
    و ذكّرتني، بأن خطيبي هذا قد قتل شخصا ما ذات يوم ... !
    كان الطريق إلى المدينة الساحلية طويلا جدا، و مملا جدا ...
    و قد سيطر الصمت الموحش علينا نحن الأربعة ...
    والدتي سرعان ما نامت، و بقيت أنا أراقب الطريق، و أحاول النظر إلى وليد
    ألا أنه كان مركزا في الطريق تركيزا تاما، و كان يسير بسرعة مخيفة !
    " هللا خففت السرعة يا وليد ! "
    طلبت منه ذلك، فقد شعرت بالخوف من انفعاله ... ألا أنه لم يخففها بل قال :
    " طريقنا طويل جدا ... أجدر بي زيادتها "
    ثم التفت إلى رغد، و التي كانت مشيحة بوجهها نحو النافذة و مسندة رأسها إليها
    و خاطبها قائلا :
    " اربطي حزام الأمان "
    لم أر من رغد أي حركة ، أهي نائمة ؟ أم لم تسمع ؟ أم ماذا ؟؟
    عاد وليد يقول :
    " رغد .. اربطي حزام الأمان "
    رأيتها تتحرك، ثم سمعتها تقول :
    " لماذا ؟ هل تنوي أن تصدمنا بشاحنة أو جبل ؟ "
    بدا على وليد ، من نبرة صوته ، نفاذ الصبر و الاستياء، إذ قال :
    " لا قدّر الله ، فقط اربطيه للسلامة "
    قالت رغد :
    " لا تخش على سلامتي ! مرحبا بالموت في أي وقت .. أنا انتظره بشوق "
    الجملة هذه أربكت وليد فانحرف في مسيره قليلا و أفزعنا !
    ثم خفف السرعة تدريجيا، حتى أوقف السيارة... و التفت إلى رغد قائلا :
    " توقّفي عن ذكر الموت يا رغد.. تجرّعت منه ما يكفي.. إياك و تكرار ذلك ثانية "
    لم تعقّب رغد، بل أسندت رأسها إلى النافذة من جديد...
    قال وليد :
    " اربطي الحزام "
    قالت :
    " لن أفعل ! "

  4. #334
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    " رغد ! هيا ! "
    " لن أربطه ! "
    " إذن، أنا سأربطه ! "
    و رأيت وليد يمد يده باتجاه الحزام، ثم رأيتها ترتد بسرعة إليه!
    أظن أن رغد دفعتها بعيدا ، ثم سمعت صوت اصطكاك لسان الحزام بفكّه !
    لقد ربطته بنفسها !
    ثم سمعت وليد يقول :
    " فتاة مطيعة "
    و يعاود الانطلاق بالسيارة بأقصى سرعة !
    بعد فترة، توقّف وليد عند إحدى محطّات الوقود، من أجل الوقود، و الطعام، و الصلاة...
    خاطبنا مشيرا إلى مبنى على جانبنا :
    " يوجد هنا مصلى للسيدات، حينما تفرغن عدن إلى السيارة ، ثم نذهب إلى المطعم "
    أنا و والدتي فتحنا البابين الخلفيين، و نزلنا...
    وليد فتح بابه.. ثم التفت إلى رغد...
    و التي كانت لا تزال جالسة مكانها لا تصدر منها أي حركة تشير إلى عزمها على النهوض ! ..
    " ألن تنزلي ؟ "
    سألها ، فسمعتها ترد بسؤال :
    " إلى أين ستذهب أنت ؟ "
    قال وليد :
    " إلى المسجد "
    و أشار بيده إلى نفس البناية، و التي تحوي مصلى صغيرا خاصا بالرجال
    و آخر بالنساء ، يفصلهما جدار، و يقع باباهما في الطرفين المتضادين ..
    يظهر أن الفكرة لم ترق لرغد ( هذه المدللة المدلّعة )
    و أبت إلا أن يقف وليد عند مدخل المصلى النسائي، حارسا على الباب !
    بعد ذلك، اقترح وليد أن ندخل إلى المطعم المجاور لتناول الطعام، فلم يعجبها الاقتراح
    فاقترح أن يذهب هو لإحضاره و نبقى نحن في السيارة، و أيضا لم يعجبها الاقتراح !
    يا لهذه الفتاة ... لقد بدأت أشعر بالضيق من تصرفاتها ! إنها بالفعل مجرد طفلة كبيرة !
    أتدرون ما فعلت في النهاية ؟
    أصرّت على الذهاب معه، و تركتنا أنا و أمي نعود للسيارة !
    ركبت أنا المقعد الأمامي، و أمي خلفي مباشرة، و قلت مستاءة :
    " إنه يدللها بشكل يثير سخطي يا أمي .. أستغرب..
    لم َ لم ْ يتركها في بيت خالتها كما أرادت و أصرّت ! إنه ينفذ جميع رغباتها بلا استثناء!
    فلم عارض هذه الرغبة ؟؟ "
    قالت والدتي :
    " هذا لأنه يشعر بالمسؤولية الكاملة تجاهها، لا تنسي يا ابنتي أنها يتيمة و وحيدة "
    قلت :
    " هل سمعت ِ ما قاله ؟ يبدو أن ابن خالتها يخطط للزواج منها
    بعدما انفصلت عن خطيبها السابق ! أظنه حلا ممتازا لمثل وضعها ! لم يعارضه وليد ؟ "
    قالت :
    " هو الأدرى بالمصلحة يا أروى، لا تتدخلي في الموضوع بنيّتي "
    و في الواقع، الموضوع كان يشغل تفكيري طوال الساعات الماضية...
    لقد قال وليد و هو في قمّة الثورة و العصبية
    مخاطبا رغد أنه لن يسمح لها بالزواج من أي رجل قبل مرور سنين ! ...
    هذه الجملة تثير في داخلي شكوكا و أفكارا خطيرة ...
    بعد قليل، أقبل وليد يحمل كيسا حاويا للطعام، و إلى جانبه تسير مدللته الصغيرة ..
    من خلال النافذة، ألقت رغد علي نظرة غيظ حادة لم أفهم لها سببا
    ثم ركبت السيارة إلى جوار والدتي...
    وليد بعدما جلس، أخذ يوزّع علينا حصصنا من الطعام، و الذي كان عبارة عن
    ( هامبرجر ) و بعض العصير...
    و حين جاء دور (المدللة) ، التفت إليها مادا يده، مقدّما علبة البطاطا المقلية ...
    " تفضلي رغد.. طبقك "
    الفتاة التي تجلس خلف وليد مباشرة قالت ببساطة :
    " لا أريد ! كله أنت ! "

  5. #335
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    وليد بدا مستغربا ! و قال :
    " ألم تطلبي بطاطا مقلية !؟ "
    قالت :
    " بلى، غيّرت رأيي، احتفظ به "
    وليد مدّ إليها بعلبة ( الهامبرجر ) الخاصة به...
    " خذي هذه إذن "
    قالت :
    " لا أريد ! شكرا "
    " و لكن هل ستبقين دون طعام ؟ ماذا تريدين أن أحضر لك ؟؟ "
    " لا شيء ! لا أشتهي شيئا و لا أريد شيئا ! "
    " و هذه البطاطا ؟؟ "
    " كلها ! أو ... أطعمها مخطوبتك ! "
    و أسندت رأسها إلى النافذة، معلنة نهاية الحوار !
    وليد أعاد علبتي البطاطا و الهامبرجر إلى داخل الكيس، و انطلق بالسيارة ...
    باختصار، أنا و أمي كنا الشخصين اللذين تناولا وجبتيهما !
    عدّة مواقف حصلت أثناء الرحلة الطويلة الشاقة، و رغد إذا خاطبتني
    تخاطبني بطريقة جافة و خشنة، كأنها تصب جم غضبها علي أنا !
    بعد مرور ساعات أخرى، و وسط الظلام، استسلمت أنا للنوم..
    حينما أفقت بعد مدة لم أحسبها، وجدت السيارة موقفة
    و وجدت وليد و رغد يجلسان في الخارج، على الرمال
    و أمي نائمة خلفي، و يتحدّثان فيما لا يعلم به إلا الله ...
    ~ ~ ~ ~ ~ ~
    لأن النعاس غلبني، كما غلب جميع من معي، أوقفت السيارة و في نيتي الخروج
    و الاسترخاء قليلا ، و تجديد نشاطي...
    استدرت للخلف، فرأيت رغد تنظر إلي مباشرة !
    " لماذا توقّفت ! ؟ "
    " ألم تنامي ؟ أشعر بالتعب، سأمشي قليلا ... "
    و ما إن سرت بضع خطوات، حتى تبعتني صغيرتي ...
    لم نتحدّث، و أخذت أسير ببطء... على الرمال مبتعدا عن السيارة عدّة أمتار...
    و أشعر بها تسير خلفي، دون أن ألتفت إليها...
    بعد مسافة قصيرة، استدرت قاصدا العودة، فوقعت عيناي على عينيها مباشرة...
    أعتقد أن الزمن توقّف عن السير تلك اللحظة... لو تعرفون ما الذي تفعله
    نظرة واحدة إلى عيني رغد بي ... لربما بررتم التصرفات الغريبة التي تصدر مني !
    إنها ترسلني إلى الجنون... فهل يلام مجنون على ما يفعل ؟؟
    بعد أن تابع الزمن سيره، تقدّمت نحوها... عائدا إلى حيث السيارة...
    رغد بقيت واقفة مكانها، إلى أن تجاوزتها ببضع خطوات، ثم أحسست بها تسير خلفي...
    مشاعر كثيرة شعرت بها و أنا أغرس حذائي في الرمال..خطوة بعد خطوة...
    الشعور بالقلق..لما يخبئه القدر لي، الشعور بالغيظ من رغبة رغد في البقاء مع خالتها..
    و ابن خالتها، و بالندم من قسوتي معها.. بالرغبة في الاعتذار..
    و بالشوق لأن أواسيها و أعيد إلى نفسها الطمأنينة و الأمان و الثقة بي..
    و بالحزن مما قد يكون الآن دائرا في رأسها حولي..
    و برغبة جنونية ، في أن أستدير إليها الآن و أهتف في وجهها :
    ( أنا أحبك ! ) ...
    ماذا سيحدث حينها ؟؟
    و أخيرا.. بشعور ٍ مسيطر...إن تمكّنت من السيطرة على جميع مشاعري و كبتها
    لا يمكنني الصمود في وجه هذا الشعور بالذات !
    إنه قارس و قارص !
    أنا جائع !
    صدر نداء استغاثة من معدتي، سألت الله عشر مرات ألا يكون قد وصل إلى مسامع رغد !
    حينما وصلت إلى السيارة، أسرعت الخطى إلى (نافذتي) المفتوحة
    فمددت يدي و استخرجت كيس الطعام، قبل أن تصل رغد

  6. #336
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    عدت ُ إلى الرمال، و جلست عليها..
    و فتحت الكيس و استخرجت العلب الثلاث المتبقية فيه، علبة البطاطا المقلية
    و الهامبرجر، و العصير !
    رغد وقفت على مقربة تنظر إلي ! لابد أنها متعجبة مني ! رفعت رأسي إليها و قلت :
    " تعالي و شاركيني ! "
    و قمت بتقسيم الشطيرة ( الهامبرجر) إلى نصفين...
    و مددت ُ يدي بأحدهما إليها..
    كانت لا تزال تنظر إلي باستغراب... قلت :
    " صحيح باردة ، و لكنها تبقى طيبة المذاق "
    ترددت رغد، ثم جاءت، و جلست إلى جانبي... و تناولت (نصف الشطيرة) من يدي...
    قرّبت منها علبة البطاطا، و كذلك العصير، فرفضتهما...
    بدأت أقضم حصتي من الشطيرة، و أبتلع أصابع البطاطا الباردة، و أشرب العصير، و أتلذذ بوجبتي هذه !
    إنه الجوع ، يصيّر الرديء لذيذا !
    قلت و أنا أمضغ إصبع بطاطا :
    " لذيذ ! جرّبيه ! "
    و أمسكت أحدها و قرّبته منها... كنت أنتظر أن تمد يدها لتمسكه بأصابعها
    ألا أنها مدّت رأسها و أمسكته بأسنانها ! و بدأت تمضغه، و يبدو أنه أعجبها لذلك ابتسمت !
    أن أراها تبتسم، و إن كانت ابتسامة خفيفة باهتة سطحية
    بعد كل الذي حصل، لهو أمر يكفي لأن يجعلني أنسى عمري الماضي...
    الماضي... آه ... الماضي...
    في الماضي، كنت أطعمها أصابع البطاطا بهذه اليد...
    نفس اليد كانت تمد إليها بإصبع البطاطا قبل ثوان...
    نفس اليد، التي تتوق لأن تمسح على رأسها و تطبطب على كتفيها و تضمها إلى صدري...
    نفس اليد، التي شدّتها بعنف وقسوة، و أجبرتها على ركوب السيارة رغم مقاومتها...
    إنها نفس اليد التي قتلت بها عمّار... و ضربت بها سامر ...
    و لكمت بها حسام... و سأذبح بها أي رجل يحاول الاقتراب منك يا رغد...
    و بهذه اليد ذاتها، سأبقى ممسكا و متمسكا بك لآخر نسمة هواء تدخل إلى صدري
    أو تخرج منه...
    يا رغد... ليتك تعلمين...
    " رغد ... "
    نظرت إلي، فبقيت صامتا برهة، بينما عيناي تتحدثان بإسهاب... ألا ليتك تفهمين...
    " نعم ؟؟! "
    " سامحيني..."
    جاء دورها الآن لتنظر إلي نظرة مليئة بالكلام... ألا أنني عجزت ُ عن ترجمته...
    قلت :
    " سامحيني.. أرجوك "
    لم ترد إيجابا و لا سلبا، ألا أنها مدّت يدها إلى علبة البطاطا، و تابعت أكلها...
    على الأقل، هي إشارة حسنة و مطمئنة...
    انهينا وجبتنا الباردة ، و في داخلي شعور غريب بالسعادة و الرضا، و الاسترخاء ، و الشبع أيضا !
    و عوضا عن تجديد نشاطي، تملّكتني رغبة عارمة في النوم !
    ( فرشت ) الكيس على الرمال، و تمددت واضعا رأسي فوقه.. و أغمضت عيني..
    أنا متأكد من أنني لو بقيت على هذا الوضع دقيقتين اثنتين
    لدخلت في سبات عميق و فوري...
    الذي حصل هو أن صغيرتي و بمجرد أن أغمضت عيني نادتني بقلق :
    " هل ستنام وليد ؟؟ "
    قلت و أنا أتثاءب :
    " أنا نعسان بالفعل ! سوف أسترخي لدقائق "
    " وليـــد ! اجلس ! "
    صدر هذا الأمر من صاحبة الدلال و السيادة ، جعلني انهض فورا ، و أصحو تماما !
    التفت إليها فوجدتها تنظر إلي بقلق...
    " دعنا نعود إلى السيارة و نم هناك "
    " حسنا... إذن هيا بنا "
    و نهضنا و عدنا إلى مقعدينا...
    " هل يضايقك أن أزيح مسند مقعدي للوراء يا رغد ؟ "
    " كلا .. خذ راحتك "

  7. #337
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    " شكرا "
    صمت برهة ثم عدت أقول :
    " أنا متعب بالفعل، قد أنام طويلا ! إذا نهضت ِ و وجدت ِ الشمس توشك على الشروق، فلتوقظيني "
    " حسنا "
    " نوما هنيئا، صغيرتي "
    " لك أيضا "
    ~ ~ ~ ~ ~
    لم ينته الأمر هنا...
    صحيح أن وليد قد نام بسرعة، ألا أن رغد ظلت تتحرك، و أشعر بحركتها لفترة...
    كنت أتظاهر بالنوم.. و من حين لآخر أفتح عيني ّ قليلا
    خصوصا إذا أحسست بحركة ما...
    هذه المرّة فتحتها فتحة صغيرة، فرأيت يد رغد تمتد إلى مقعد وليد
    و رأسها يستند عليه...
    هذا لا شيء...!
    فالشيء.. الذي أيقظ كل الخلايا الحسية و العصبية و الوجدانية في جسدي
    في ساعة كنت فيها في غاية التعب و النعاس، و أرسل أفكاري إلى الجحيم ...
    هو جملتها الهامسة التالية :
    " ( نوما هنيئا... يا وليد قلبي ...) "

    ---------------------------
    نهايه الحلقة الـ34

  8. #338
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    الحلقةالخامسةوالثلاثون
    ~ إلى موطن الذكريات ~

    لم أكن أريد أن يدركنا الظلام ، سرت بأقصى سرعة ممكنة
    لكن الشمس سبقتني بالغياب ...
    حين وصلت إلى المدينة الساحلية ، مسقط رأسي
    كان الظلام قد غطى الأجواء ...
    تسارعت نبضات قلبي و أنا أسير في الطريق المؤدي إلى بيتنا...
    كلما وقفت عند إشارة مرور ، توقفت الذكريات عند حدث معيّن ...
    شوارع المدينة لم تتغير... الكثير من الحفريات و الإصلاحات مبعثرة على الشوارع...
    لا تزال بعض المباني منهارة كما خلّفتها يد الحرب...
    و لا تزال المناظر تثير الرهبة في قلوب الناظرين...
    " هنا مدينتنا "
    قلت ذلك ، مخاطبا أروى التي كانت تشاهد المناظر من حولها...
    و كأنه واقع مخيف مرير أخشى تلقيه بمفردي...
    " إنها آثار الحرب ! "
    عقّبت أروى ، فقلت :
    " و أي آثار ... ! تحمل هذه المدينة من ألم الذكرى
    و بصمات الماضي ما يجعل قلبي يتصدّع من مجرد ذكر اسمها ... "
    و أي ذكرى أقسى من ... ذلك اليوم المشؤوم... الذي غيّر مجرى حياتي نهائيا ...
    كأني به يعود للوراء...
    كأني بعمار اللعين ... ينبعث من قبره...
    كأني أراه يبتسم ابتسامته الشرسة القذرة... و يرمي بالحزام في الهواء...
    كأني ... برغد تصرخ... تركض إلي... تتشبث بي...
    تخترق صدري ، و خلايا جسدي ... تمزّق قلبي ...
    تحرق أعصابي عصبا عصبا ... و تفجّر في داخلي رغبة عارمة مزلزلة ...
    منطلقة بعنف و سرعة ... ككتلة نارية قذفها بركان ثائر هائج...
    آبية إلا أن تنتهي بضربة بشعة فتاكة على رأس عمّار... خاتمة بها آخر أعماله القذرة ...
    لم أتمالك نفسي ، دست بقدمي بقوة ... انطلقت السيارة بشكل جنوني...
    كنت ُ أراه أمامي... و كنت أريد أن أدوسه و أسحقه تحت العجلات ...
    مرة بعد مرة ... بعد مرة ...
    " وليد ! خفف رجاء ً ! "
    هذه المرة كانت أم أروى هي المتحدثة ، أعادتني إلى الواقع
    فوجدت نفسي أقود سيارة في شارع داخلي لا يخلو من النتوءات و الحفر ...
    خففت السرعة ، و ألقيت نظرة على رغد من خلال المرآة ...
    كانت هي الأخرى مشغولة بمراقبة الطريق ...
    أتراها تذكر ؟؟
    الآن انتقل بصرها إلي ... أشارت إلى الخارج عبر النافذة و قالت :
    " إنها مدرستي ! "
    نعم إنها هي !
    نعم إنها تذكر ... حاولت أن استشف من عينيها مدى تأثرها...
    و إلى أين وصلت بها الذكرى...
    حدّقت في مبنى المدرسة... ثم حدّقت بي...
    كيف تشعرين يا رغد ؟؟
    هل يؤلمك شيء كما يؤلمني ؟؟
    هل تطوف في مخيلتك ذكريات ذلك اليوم النحس
    كما هي مسيطرة علي الآن ...؟؟
    لو أملك يا رغد ... لمحوت ذلك الماضي من ذاكرتك نهائيا ...
    لو أملك يا رغد ... لاستئصلت ذلك اليوم من عمرك ... و اقتلعته من أصل جذوره ...
    لو أملك يا رغد ... لقتلت عمّار قبل أن تلده أمه ...
    و ما تركت له الفرصة ليؤذي أغلى مخلوقة لدي ... بأبشع طريقة ....
    المسافة تقصر... النهاية تقترب ... المباني تمر بنا و تنصرف ...
    واحدا تلو الآخر... إلى أن ظهر أخيرا ... مبنى كبير قديم ...
    مهجور و غارق في الظلام ... موصد الأبواب و النوافذ ...
    كئيب ميت و مرعب... تحف به أشجار جافة بلا أوراق و لا ثمر ...
    أشجار ماتت واقفة... و بعثرت الريح أوراقها على المجرّة منذ سنين ...
    و ظلّت واقفة ... و قامت الحرب... و قعدت الحرب ...
    و ظلت هي واقفة ... في انتظار عودة سيدي المنزل ...
    لتنحني أمامهما ... محيية مرحبة ...
    يا أشجار بيتي العزيز ...
    ستظلين واقفة ما امتد بك الدهر ...
    لأن السيدين ... اللذين تنتظرين عودتهما... لن يعودا أبدا ...

  9. #339
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    عند الباب مباشرة ، أوقفت سيارتي أخيرا...
    بقيت قابعا في مكاني لا أجرؤ على الحراك ... مركزا بصري على البوابة...
    كأنني أستأذنها بالدخول ... كأنها تستغرب عودتي ... كأنها نسيتني !
    مرت لحظات ليست كاللحظات، و أنا في سكون شارد ...
    تحدّثت أروى قائلة بعد أن طال بنا البقاء :
    " أليس هذا هو المنزل ؟ ألن ننزل ؟؟ "
    التفت إليها و منها إلى الوراء ، حيث تجلس صغيرتي بتعبيرات وجهها المضطربة
    و نظراتها المتوجسة ...
    قلت بصوت يكاد يختنق في حنجرتي :
    " منزلنا يا رغد ! "
    رأيت يدها تمتد من موضعها على صدرها إلى عنقها ...
    كأنها تمنع صرخة من الانبثاق قهرا من أعماق حنجرتها الصغيرة ...
    تحدّثت خالتي أم أروى الآن قائلة :
    " هل سننزل هنا ؟ هل تملك مفاتيح للمنزل ؟؟ "
    أجبتها بتحريك المفاتيح المتدلية من مقود السيارة
    و التي تضم مفاتيح المنزل المهجور ...
    عدت بنظراتي إلى رغد ... فهي أهم ما يعنيني في الأمر ...
    لطالما كانت هي الأهم ... قلت :
    " هيا بنا ... توكّلنا على الله "
    بدا على صغيرتي المزيد من التوتر و القلق ، كانا جليين لي ...
    أخيرا فتحنا الأبواب و هبطنا أرضا ...
    صغيرتي وقفت و سارت شبه ملتصقة بي ، و كأنها تخشى شيئا ...
    فتحت البوابة الرئيسية أخيرا ... و سمحت لطوفان الذكريات باجتياحنا ....
    الحديقة الخارجية ... التي لطالما كانت غناء خضراء زاهية ...
    هي الآن مجرد صحراء موحشة تعذّر حتى على الأشواك البرية العيش في رحابها ...
    لم أكن أشعر بقدمي و هي تسير خطوة بعد خطوة نحو الداخل ...
    اقتربنا من الساحة المرصوفة بقطع الرخام ......
    في هذه الساحة ... كانت فيها رغد تقود دراجة سامر فيما مضى ...
    تجاوزنا الباب الخارجي للمنزل ، و سرنا متابعين طريقنا ...
    حتى بلغنا الساحة الخلفية للمنزل ... و من خلال بصيص خفيف للضوء
    وقعت أنظارنا على أدوات الشواء المركونة هناك في زاوية الساحة منذ سنين ...
    ما أن رأتها رغد ، حتى رفعت يدها اليمنى و أمسكت بذراعها الأيسر...
    كأنها شعرت بلسعة الجمر تحرق ذراعها ... مكان الندبة القديمة ...
    قلت بعطف :
    " رغد ! أأنت على ما يرام ؟؟ "
    و بالرغم من الظلام ، استطعت أن ألمح القلق المرسوم على وجهها الصغير ...
    قلت أخيرا :
    " دعونا ندخل إلى الداخل "
    و رأيت يد رغد اليمنى و هي تترك ذراعها الأيسر...
    و تقترب شيئا فشيئا من يدي ، و تلتحم بها !
    أظنها كانت للشعور ببعض الأمان ، فقد كان المكان موحشا
    عدا عن الذكريات الأليمة التي يثيرها ...
    تركت يدي أسيرة يديها حتى بلغنا الباب الداخلي
    و أردت استخدام يدي في فتح الباب ، إلا أنها لم تطلق سراحها ...
    بيدي الأخرى فتحت القفل و الباب ، و خطوت الخطوة الأولى نحو الداخل ...
    وظلت يدي اليسرى مسحوبة إلى الوراء ، مربوطة بيد رغد ...
    كان المنزل غارقا في الظلام ... مددت يدي نحو الجدار متحسسا المكابس
    حتى أضأت المصباح ... و لحسن الحظ ، بل للعجب ، كان يعمل ... !
    الإنارة سمحت لنا برؤية ذرات الغبار التي تغطي الأرضية الرخامية عند المدخل...
    شددت ُ يدي اليسرى و معها شددت ُ صغيرتي نحو الداخل و أنا أقول :
    " ادخلن ... "
    رغد خطت خطوة نحو الداخل و أخذت تدور برأسها في المكان ...
    و تشد ضغطها على يدي ، و على صدرها من فرط التأثر...
    إن قضيت الوقت في وصف المنزل فإنني لن أنتهي ...
    لكن ... و إن تجاهلت وصفي للمنزل و ذكرياته
    فهل أجسر على تجاهل وصف تعبيرات رغد ؟؟
    إنها وقفت على مقربة من الدرج ... و هي لا تزال ممسكة بيدي ، و قالت :

  10. #340
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    " يا إلهي ... إنه بيتنا ! لم يتغيّر يا وليد ! أنا أذكره ! "
    ثم قفزت الدموع من عينيها فجأة ...
    أتذكرين يا رغد ؟؟
    أتذكرين هذا المنزل ، الذي تربينا فيه سوية ؟؟
    أتذكرين حين كنت أحملك على كتفي
    و أجول بك أرجاء المنزل ، و أنت تضحكين بفرح ؟؟
    كم و كم و كم من الذكريات أحمل في صدري ...
    ذكريات طفلتي الحبيبة المدللة التي تركتها نائمة على سريرها ذات يوم
    و عدت ُ بعد 8 سنين ، و لم أجدها ...
    ثمان سنين يا رغد ... كان يمكن أن أعيشها معك لحظة بلحظة يوما بيوم و سنة بسنة ...
    قضيتها هناك في السجن ... برفقة المجرمين المذنبين
    أُضرب و أهان و يُكسر أنفي ، و آكل الطعام الرديء الممزوج بالحشرات
    و أنام على سرير خشبي قاس و وسادة أشبه بالحجر ، بينما أنت في حضن شقيقي ...
    تنعمين بالحب و الرفاهية !
    آه يا رغد ...
    آه ثم آه ثم آه ...
    قطع سيل الذكريات صوت أروى قائلة :
    " أين غرف النوم ؟ أود أن أستلقي فأنا مرهقة جدا "
    طبعا ، جميعنا مصابون بالإرهاق بعد سفر طويل و شاق ...
    قلت "
    " في الأعلى "
    وهممت بالصعود ...
    كلما صعدت ٌ خطوة تصاعدت الدماء إلى وجهي ، و تزايدت نبضات قلبي
    و كلما أنرت مصباحا تفجرت ذكريات أخرى في رأسي ...
    حتى إذا ما بلغت الردهة الرئيسية ... شعرت ُ بمفاصلي تتساقط أرضا من هول ما أنا فيه ...
    وجها لوجه ، أمام البابين المتجاورين ... لغرفتي أنا و غرفة رغد ...
    وجها لوجه ، و على بعد خطوات معدودة من بؤرة الذكريات ...
    لهذا الحد و توقفت كل شيء عن الحركة من حولي ...
    و تجمّد الكون ... و تصلّبت الأشياء ...
    وخز قوي شعرت به أخيرا في راحة يدي
    سببه ضغط أظافر رغد الشديد على يدي ...
    هنا ...التفت إليها ... رأيت نهرا من الدموع ينساب من بين رموشها ...
    و على شفتيها كلمة لا تكاد تنطلق ...
    " غرفتي ! غرفتي يا وليد ! "
    حاولت تحريك يدي ، و تقريب ميدالية المفاتيح من عيني لاختيار المفتاح المناسب
    ألا أن رعشة قوية سرت ببدني ..
    جعلت الميدالية تنزلق من بين أصابعي و تسقط أرضا
    محدثة رنينا تخلخل عظامي و زلزلها ....
    وقفت متسمرا في مكاني عاجزا عن الانثناء و التقاط المفاتيح
    رغد تحرّكت و التقطت المفاتيح بنفسها و مدّت يدها إلي ...
    تحشرج صوتي عن كلمة :
    " افتحيه "
    لا أعرف كيف ظهرت حروفها !
    نظرت رغد إلي بتردد ، ثم التفتت نحو باب غرفتها ، و تقدّمت خطوة ...
    و بدأت تجرّب المفاتيح ...
    و أخيرا انفتح القفل ... و حركت رغد الباب للأمام قليلا ، بتردد
    كانت الغرفة غاطة في السبات العميق المظلم ، منذ تسع سنين !
    لم تتحرك رغد ، بل توقفت في مكانها لا تملك من الشجاعة ما يكفي لأن تدخل
    أما أنا ، فقد أصاب ركبتي تصلب حاد عجزت معه تحريك أي منهما
    " أنا خائفة ! "
    قالت ذلك رغد و هي تلتفت نحوي ...
    " لا تقلقي ! لا يوجد أشباح ! "
    قلت ذلك ، و أنا أرتجف خوفا من أشباح الماضي ...
    و لما رأيت في عينيها التردد ... أجبرت قدمي على السير للأمام ...
    و وقفت إلى جانبها مباشرة ... أمام الباب
    دفعت ُ به بهدوء حتى فتحته ... و أنا مغمض العينين !
    من سأرى في الداخل ؟؟ لابد أنها طفلتي الصغيرة الحبيبة
    نائمة على سريرها ... كالملاك !
    فتحت عيني ... كانت الغرفة تسبح في الظلام ...
    مددت يدي و أضأت المصباح ... و أخيرا ... رأيت كل شيء ...
    و آه مما رأيت ...
    هناك ... إلى اليمين ، ترقد سرير رغد القديم ، تماما كما تركته منذ سنين ...

  11. #341
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    لقد كنت أنا من وضع السرير في مكانه ، كما رتّبت أثاث الغرفة بنفسي ...
    شمعت شهقة ضعيفة انطلقت من صدر رغد ... الواقفة إلى جواري
    لكنني لم التفت إليها ... لقد كنت مأخوذا بسحر الذكرى الماضية ...
    تقدّمت نحو سرير رغد ... أجر قدمي ّ جرا ...
    حتى إذا ما بلغته انثنيت عليه و أخذت أتحسسه ...
    طافت بي الذكرى ... و تخيلت رؤية رغد نائمة هناك ...
    و هيء لي أنني لمست شعرها الناعم ...
    و أحسست بأنفاسها القصيرة ... شعرت بجسمها الضئيل يتحرك !
    " رغد صغيرتي ! "
    انطلق الاسم من لساني عفويا ... كما انطلقت عبرة حارقة من مقلتي ...
    يا للأيام !
    بعد كل هذه السنين ... أعود إليك !
    داهمتني رغبة جنونية في أن أحتضن السرير برمته ...
    في أن أطوّقه بذراعي ... في أن أقبّل دعائمه ...
    " هل كانت هذه غرفتك يا رغد ؟ "
    كان هذا صوت أروى ، أيقظني من سبات الذكريات
    فهو صوت لم أعتد على سماعه في هذا البيت !
    " نعم "
    أجابت رغد و هي تتقدم نحوي ...
    التفت إليها فإذا بي أراها تحدّق في شيء ما و هي تقول :
    " وليد ! "
    التفت إلى ذلك الشيء ، فإذا به ورقة صغيرة ...
    ملصقة بالجدار بشريط لاصق ، مرسوم عليها صورة لشخص ما
    و قد امتد خط طويل تحت أنفه !
    إنها الصورة التي رسمتها لي رغد عندما كنا هنا ، قبل زمن !
    و هذا الخط الطويل ... هو ( الشارب ) الذي تخيلته ينبت لي ، عندما أكبر !
    مددت ُ يدي و انتزعت الورقة و نظرت إليها مليا ...
    رباه ! ألا تزال هذه الصورة حيّة حتى الآن !
    نظرت إلى رغد ... أعساها تذكرها ؟؟
    سمعتها تقول :
    " تشبهك ! أليس كذلك ؟ "
    و تبتسم !
    رفعت يدي إلى شاربي أتحسسه ، ثم قلت :
    " إلى حد ما ! "
    ثم نظرت إليها ...
    و تعرفون ما حصل ؟؟
    انفجرنا ضاحكين ...
    ذلك الضحك الذي أعاد الحياة فجأة إلى بيت ميّت منذ سنين ....
    بدت الأجواء الآن أكثر حيوية ، و جالت رغد في غرفتها بمرح تتحسس الأشياء من حولها
    و تنفض يديها من الغبار !
    " لا شيء تغيّر وليد ! "
    " لا شيء ! "
    سوى أن تسع سنوات قد أضيفت إلى عمرك ِ
    و منعتني من أن أحملك ِ على ذراعي و أدور بك في الغرفة كما كنت أفعل سابقا !
    " دعنا نرى غرفتك ! "
    قالت ذلك رغد فالتفت ّ إلى الباب ، و حينها فقط تذكرت أن أروى و أمها كانتا موجودتين معنا !
    بعد ذلك ، فتحت ُ باب غرفتي الملاصقة لغرفة رغد
    و ما إن أضأت المصباح حتى وقعت عيني مباشرة على ذلك الشيء المجعّد
    الملقى هناك عند تلك الزاوية !
    التفت إلى رغد ... أتراها رأته ؟ أتراها تذكّرته ؟؟ أتراها تذكر الأمنيات التي ...
    حبستها فيه قبل 11 عام أو يزيد ؟؟
    لكن رغد لم يبد ُ عليها أنها انتبهت لوجوده ، و هو محشور عند تلك الزاوية ...
    تسللت رغد إلى الداخل و جالت ببصرها في أنحاء الغرفة جولة سريعة
    ثم وضعت يديها على وجهها و تنهّدت ...
    " يا إلهي !! "
    و عندما رفعت يديها ، كانت الدموع قد بللتهما

  12. #342
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    مسحت دموعها و أعادت تأمل الغرفة ، ثم قالت :
    " لقد منعتني أمي من دخولها بعد رحيلك ! لا أصدق أنني دخلتها مجددا ! "
    ثم التفتت فجأة ناحية الباب و قالت :
    " لقد تركت ُ رسالة هاهنا ! "
    قلت :
    " نعم . لقد رأيتها ! لم أكن لأصل إليكم لولاها يا رغد ! شكرا لك ! "
    و كانت رغد قد كتبت رسالة وضعتها أسفل الباب
    تذكر فيها انتقالهم إلى المدينة الصناعية
    و اكتشفت أنا وجودها ليلة عودتي إلى المنزل
    بعد خروجي من السجن ، العام الماضي !
    رغد عادت تتأمل الغرفة إلا أنها لم تلمح ذلك الصندوق ...
    و يبدو أنه لم يكن ليخطر لها على بال ...
    بل و ربما لم تعد تذكره ...
    و هذا ، جعلني أتألم كثيرا ... و كنت سأنبهها إليه لولا أن الخالة ليندا قالت لحظتها :
    " أضنانا التعب يا بني ، أرنا أين يمكننا المبيت ؟ "
    قالت رغد مباشرة :
    " أنا سأنام في غرفتي ! "
    و رُتّب الأمر بحيث أنام أنا في غرفتي ، و ورغد في غرفتها
    و أروى و الخالة في الصالة ...
    كان التعب قد نال منا ما نال ، للدرجة التي
    و رغم كل ما أثارته الذكريات من الآلام ، نمت ُ فيها بسرعة ...
    أظن أنني كنت أحلم بشيء ما ... و أظنه كان شيئا جميلا ...
    و أظن أن رغد كانت هي مضمون حلمي ...
    فجأة سمعت نقرا على الباب ... استويت جالسا و أخذت أحدق في الظلام من حولي ...
    تذكّرت أنني أنام على سريري في منزلي القديم ...
    لم أصّدق أنها الحقيقة ... النقر كان يصل أذني ...
    أستطيع أن أسمعه جيدا ... إنه ليس بالحلم ...
    و حين أنهض ... و أفتح الباب ...
    سوف لن أجد خيال رغد الطفلة الصغيرة ... و أسمعها تقول ...
    " وليد أنا خائفة ! دعني أنام معك ! "
    تقدّمت نحو الباب و دقات قلبي تتسارع ...
    أحقا ستظهر رغد ؟
    أ أنت ِ خلف الباب يا رغد ؟
    أعدت ِ للظهور كما في السابق ؟
    هل رجع الزمن للوراء ... فقط تسع سنين ؟ ...
    أمسكت بمقبض الباب ... و أدرتها ...
    و أنا أنظر إلى الأسفل ... إلى حيث أتوقع أن أجد عيني صغيرتي الخائفة ...
    يا رب ... حقق حلمي و لو لحظة واحدة ...
    و لو لمرة أخيرة ... أرى فيها صغيرتي الحبيبة و آخذها إلي ...
    فتحت الباب ... فوقعت عيناي على اليد التي كانت تطرق الباب ...
    رفعتها للأعلى قليلا ... فإذا بي أرى وجها كالذي تمنيت رؤيته ...
    أغمضت عيني برهة و عدت أحدق بعينيها
    أأنا أحلم ؟ أم هذه حقيقة ؟؟
    " رغد !!! "
    همست بصوت لم أكد أن أسمعه ...
    ارتفعت يد رغد قرب عنقها ، و تنهّد صدرها ثم سمعتها تقول :
    " وليد ... أنا خائفة ... ابقني قربك ! "

    ------------------------

    نهايه الحلقه الـ35

  13. #343
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*


    -----------------------
    الحلقةالسادسةوالثلاثون
    ~ انفتح أيها الصندوق ! ~

    وقفت غير مصدّق لما أرى... متوهما أنه الحلم الذي لطالما راودني منذ سنين...
    لكن... بالتأكيد فإن الشيء الذي يقف أمامي هذه اللحظة ...
    يضم ذراعيه إلى بعضهما البعض ... و يقشعر بدنه إن خوفا و بردا ... هذا الشيء
    الملفوف في السواد ... هو بالتأكيد كائن بشري ...
    و ليس أي كائن ...
    تحديدا هي رغد !
    " وليد ... أنا خائفة ! أبقني معك "
    لا أعرف من الذي حرّك يدي ، نحو مكبس المصباح ، و أناره ...
    هل يمكن أن أكون قد فعلت ذلك بلا وعي ؟؟
    الإنارة القوية المفاجئة أزعجت بؤبؤي عيني ، فأغمضت جفوني بسرعة
    و من ثم فتحتها ببطء...
    رأيت وجه رغد بعينيها المتورمتين الحمراوين ، و اللتين تدلان على طول البكاء و مرارته ...
    " رغد ... أأنت على ما يرام صغيرتي ؟؟ "
    " أنا أشعر بالخوف ... وليد ... المكان موحش و ... ويثير الذكريات ... المؤلمة ! "
    و سرعان ما انخرطت رغد في بكاء أجش بصوت مبحوح ...
    " حسنا... عزيزتي يكفي ... لا تبكي صغيرتي ... تعالي اجلسي هنا "
    و أشرت إلى مقعد بالجوار ، فجلست رغد عليه ... و بقيت واقفا برهة ...
    ثم جلست على طرف سريري ...
    كنت في منتهى التعب و الإرهاق و أشعر برغبة ملحة جدا في النوم...
    لابد أن رأسي سيهوي على السرير فجأة و أغط في النوم دون شعور !
    نظرت إلى الفتاة الجالسة على مقربة جاهلا ما يتوجب علي فعله !
    سألتها :
    " صغيرتي ... ألا تشعرين بالنعاس ؟ ألست ِ متعبة ؟ "
    " بلى ... لكن ... لا أشعر بالطمأنينة ! لا أستطيع النوم ... أنا خائفة ! "
    و رفعت يدها إلى صدرها كمن يريد تهدئة أنفاسه المرعوبة
    قلت :
    " لا تخشي شيئا صغيرتي ... ما دمت ُ معك "
    و لا أدري من أين و لا كيف خرجت هذه الجملة في مثل هذا الوقت و الحال !
    و هل كنت أعنيها أم لا ... و هل كنت جديرا بها أم لا !
    لكن فتاتي ابتسمت !
    ثم تنهدت تنهيدة عميقة جدا
    ثم أسندت رأسها إلى المقعد و أرخت ذراعيها إلى جانبيها ...ا و أغمضت عينيها !
    و أظن ... و الله الأعلم ... أنها نامت !
    " رغد ! ... رغد ؟ "
    فتحت رغد عينيها ببطء و نظرت إلي ...
    " إنك بحاجة للنوم ! "
    ردت ، بشيء لا يتوافق و سؤالي البسيط :
    " غرفتك لم تتغير أبدا وليد ! كم أنا سعيدة بالعودة إليها ! "
    و أخذت تدور بعينيها في الغرفة ...
    كان الهدوء الشديد يسيطر على الأجواء ... فالوقت متأخر ...
    و العالم يغط في الظلام و السبات ...
    قالت و هي تشير إلى موضع في الغرفة :
    " كان سريري هنا سابقا ! هل تذكر يا وليد ؟ "
    ثم وقفت و سارت نحو الموضع الذي كان سرير رغد الصغير يستلقي فيه لسنين ...
    قبل زمن ...
    قالت :
    " و أنت كنت تقرأ القصص الجميلة لي !
    كم كنت أحب قصصك كثيرا جدا يا وليد ! ليت الزمن يعود للوراء ... و لو لحظة ! "
    عندها وقفت أنا ... و قد استفقت فجأة من نعاسي الثقيل ...
    و قفزت إلى قمة اليقظة و الصحوة ... و كأن نهرا من الماء البارد قد صب فوق رأسي ...
    التفتت إلي ّ صغيرتي و قالت :

  14. #344
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    " كنت ... كنت أحتفظ بالقصص التي اشتريتها لي في بيتنا الثاني ...
    لكن ... أحرقتها النيران ! "
    و آلمتني ... جملتها كثيرا ...
    رجعت بي الذكرى إلى البيت المحترق ...
    فإذا بالنار تشتعل في معدتي ...
    أضافت رغد بصوت أخف و أشجى :
    " تماما كما احترقت الصورة ... "
    " رغد ... "
    إنه ليس بالوقت المناسب لاسترجاع ذكريات كهذه ... أرجوك ... كفى !
    نظرت من حولها ثم قالت :
    " لا تزال كتبك منثورة ! أتذكر ... ؟ كنت تستعد للذهاب إلى الجامعة لإجراء امتحان ما !
    أليس كذلك ؟؟ أليس هذا ما أخبرتني به ؟؟ أتذكر ؟؟ "
    لا أريد أن أتذكّر !
    أرجوك أيتها الذكرى .. توقفي عند هذا الحد ..
    أرجوك ...
    لا تعودي إلى ذلك اليوم المشؤوم ...
    لو كان باستطاعتي حذفه نهائيا ... لو كنت ُ ... ؟؟؟
    كنت ُ أريد الهروب السريع من تلك الذكرى اللعينة ... لكنها كانت تقترب ... و
    تقترب أكثر فأكثر ... حتى صارت أمامي مباشرة ...
    عينان تحدّقان بعيني بقوة ... تقيّدان أنظاري رغم عني ...
    عينان أستطيع اختراقهما إلى ما بعدهما ...
    خلف تينك العينين ، تختبئ أمر الذكريات و أبشعها ...
    أرجوك يا رغد ...
    لا تنظري إلي هكذا ...
    لا ترمني بهذه السهام الموجعة ...
    لم لا تعودين للنوم ؟؟
    " وليد ... "
    " إه ... نعم ... صـ ... غيرتي ؟؟ "
    " لماذا ... لم تخبرني بالحقيقة ؟ "
    قلت بصوت متهدرج :
    " أي ... أي حقيقة ؟ "
    " إنك ... قتلته ! "
    آه ...
    آه ...
    إنه فأس يقع على هامتي ...
    لقد فلقتها يا رغد ...
    ما عدت قادرا على الوقوف ...
    نصفاي سينهاران ...
    أرجوك كفى ...
    " وليد ... لماذا لم تخبرني ؟؟ أنا يا وليد ... أنا... لم أدرك شيئا ...
    كنت ُ صغيرة ... و خائفة حد الموت ... لا أذكر ما فعلتَ به ... و لا ...
    و لا أذكر ... ما فعله بي ! "
    عند هذه اللحظة ... و فجأة ... و دون شعور مني و لا إدراك ...
    مددت يدي بعنف نحو رغد و انقضضت على ذراعيها بقوّة ... بكل قوّة ...
    انتفضت فتاتي بين يدي هلعا ... و حملقت بي بفزع ...
    لابد أن قبضتي كانتا مؤلمتين جدا آنذاك ، و لابد أنها كانت خائفة ...
    خرجت هذه الجملة من لساني كالصاروخ في قوّة اندفاعها ...
    مخلفة خلفها سحابة غبار هائلة تسد الأنوف و تكتم الأنفاس ... و تخنق الأفئدة ...
    كررت ُ بجنون :
    " ماذا فعل بك يا رغد ؟؟ ...
    حتى... حتى لو كان قد ... لامس طرف حزامك فقط ...
    بأطراف أظافره القذرة ... كنت سأقتله بكل تأكيد ... بكل تأكيد ..."

  15. #345
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    1,951
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    261

    رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*

    فجأة رفعت رغد يديها و غطّت وجهها ... و هي تطلق صيحة قصيرة ...
    كانت قبضتا يدي ّ لا تزالان تطبقان على ذراعيها بعنف ...
    و بنفس العنف انقضتا فجأة على يديها ... و أبعدتهما بسرعة عن وجهها
    فيما عيناي تحملقان بعينيها بقوة ....
    صرخت ُ :
    " ماذا فعل بك ؟؟ "
    كانت رغد تنظر إلي ّ بذعر ...
    نعم إنه الذعر ...
    أشبه بالذعر الذي قرأته في عينيها ذلك اليوم ...
    تملّصت رغد من بين يدي و ابتعدت بسرعة
    و اتجهت نحو المقعد الذي كانت تجلس عليه قبل قليل ... و ارتمت عليه ... و هتفت :
    " لا أريد أن أذكر ذلك ... لا أريد ... لا أريد "
    و عادت لإخفاء وجهها خلف كفيّها .
    دارت بي الدنيا آنذاك و شعرت برغبة شديدة في تمزيق أي شيء ... أي أي شيء !
    التفت يمنة و يسرة في اضطراب باحثا عن ضحية تمزيقي ...
    و بعض زخات العرق تنحدر من جبيني بينما أشعر باختناق ...
    و كأن تجويف حنجرتي لم يعد يكفي لتلقي كمية الهواء المهولة
    و الممزوجة بذلك الغبار و التي يرغمها صدري الشاهق على الاندفاع إليه ...
    تحركت خطوة في كل اتجاه ... و بلا اتجاه ...
    بعثرت نظراتي في كل صوب ... و بلا هدف ...
    و أخيرا وقع بصري على شيء مختبئ عند إحدى زوايا الغرفة ...
    يصلح للتمزيق !
    توجهت إلى ذلك الشيء ، و التقطته عن الأرض ... تأمّلته برهة ... و استدرت نحو رغد ...
    إنه صندوق الأماني القديم ... الذي جمع أمنيات صغرنا منذ 13 عاما !
    ها قد آن أخيرا ... أوان استخراج الأماني ...
    و لم علينا الاحتفاظ بها مخبأة أطول ما دامت الأقدار ... أبت تحقيقها ؟
    على الأقل ... أمنياتي أنا ...
    يجب أن يتمزّق أخيرا ....
    و الآن يا رغد ... جاء دورك !
    " رغد "
    ناديتها فلم تستجب مباشرة . اقتربت منها أكثر فأكثر حتى صرت ُ أمامها مباشرة
    هي جالسة على المقعد مطأطئة الرأس ... تداري الدموع
    و أنا واقف كشجرة بلا جذور في انتظار اللحظة التي تهب فيها الرياح ، فتقلعها ...
    " رغد ... أتذكرين هذا ؟ "
    و ازدردت ريقي ...
    إنها اللحظة التي لطالما انتظرتها ... سنين و سنين و سنين
    و أنا أتوق شوقا و أحترق لهفة لمعرفة أمنيتك يا رغد ...
    رفعت رغد رأسها و أخذت تنظر إلى الشيء المحمول بين يدي ...
    نظرت إليه نظرة مطوّلة ... ثم اتسعت حدقتا عينيها
    و انفغر فاها و شهقت شهقة مذهولة !
    إذن ، فأنت تذكرينه ؟؟
    إنه صندوق أمانيك يا رغد ... أيتها الطفلة العزيزة ... أنا صنعته لك منذ 13 عاما ...
    في ذلك اليوم الجميل ... حين قدمت ِ إلي ّ منفعلة و أنت ِ تحملين كتابك الصغير و تهتفين :
    " وليد ... وليد اصنع لي صندوقا "
    تحركت عينا رغد من على الصندوق إلى عيني ّ ...
    كانت آخر دمعة لا تزال معلقة على رموشها ، في حيرة .... أ تنحدر أم تتراجع ؟؟
    شفتاها الآن تحركتا و رسمتا ما يشبه الابتسامة المترددة ...
    و أخيرا نطق لسانها :
    " صندوقي !! "
    ثم هتفت متفاجئة :
    " صندوقي ! أوه ... إنه صندوقي ! "
    و هبّت واقفة و التقطته من بين يدي !
    " يا إلهي ! "

صفحة 23 من 40 الأولىالأولى ... 13 21 22 23 24 25 33 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حركات ومهارات رائعه جداً للاعب البرتغالي $كرستيانو رونالدو $
    بواسطة الحـوووت في المنتدى منتدى الرياضة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 09-24-2009, 05:51 AM
  2. طموح وآمال وأنشطة وبرامج مستمرة
    بواسطة رعاية المكفوفين في المنتدى أخبار المجتمع
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-28-2009, 08:45 PM
  3. تكتب لك حسنات و تمحى عنك سيئات و بصورة مستمرة!!!!
    بواسطة علي عبد الباري في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-30-2008, 09:35 PM
  4. من أنــت بـيــن النـــاس ..!!
    بواسطة amerah في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-07-2008, 01:19 AM
  5. رساااااااااااالة هامة جداً جداً جداً ..
    بواسطة توأم الفرح في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-13-2004, 04:50 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •