طوال الأيام الماضية لم تكن تغادرها .. حتى القليل من الطعام الذي كانت تعيش عليه، تتناوله على سريرها..
حالتها كانت سيئة جدا ولازمت المستشفى وقتا طويلا، و كنا نتناوب أنا و سامر على رعايتها...
ألا أنها تحسّنت في الآونة الأخيرة.. و أحضرناها إلى هنا.. و الحمد لله
فلو أصابها شيء..هي الأخرى، فسوف أموت فورا لا محالة...لن يقوى قلبي على تحمّل صدمة أخرى..
و خصوصا للحبيبة رغد..لا قدّر الله ..
طرقت الباب و ذكرت اسمي، ثوان، ثم أذنت لي بالدخول...
دخلت، فرأيتها جالسة على السرير، كالعادة، ألا أنها ترسم شيئا ما في كراستها...
اقتربت لألقي نظرة على ما ترسم، كانت صورتين وهميتين لوالدي ّ رحمهما الله.. مرسومتين بالقلم الرصاصي،
و بمعالم غامضة مبهمة...
" كيف أنت صغيرتي؟ "
لم ترفع عينيها عن الرسمة، قالت :
" كما أنا "
و هو جواب يقتلني...إن كنتم لا تعلمون...
قلت :
" أنت بخير، الحمد لله .."
قالت :
" نعم ، بخير.. يتيمة مرتين، وحيدة و بلا أهل.. و لا من يتولى رعايتي .. عالة على ابن عمّي ... "
مزقتني كلماتها هذه، قلت :
" عالة على خطيبك !؟ "
قالت مصححة :
" ابن عمّي.. فأنا لن أتزوّجه.. ما لم يحضر والداي و يباركا زواجنا.."
كادت الدمعة تقفز من عيني... اقتربت منها أكثر.. و قلت محاولا المواساة :
" حتى لو لم تتزوجيه، يبقى ابن عمّك و مسؤولا عنك.. فلا تأتي بذكر كلمة عالة هذه مرة أخرى "
الآن، قامت بالخربشة على الصورتين بخطوط عشوائية حادة، ثم ..
نزعت الورقة من الكراسة، ثم مزّقتها..
أخيرا نظرت إلي :
" لم لا ترسلاني إلى دار لرعاية الأيتام ؟ "
" رغد بالله عليك.. لم تقولين ذلك ؟؟ "
" نعم فهو المكان الأنسب لي، سامر يريد العودة للعمل و أنا أعيقه "
قلت بألم :
" و أنا ؟ "
رمقتني بنظرة مبهمة ، ثم قالت :
" و أنت ستعود إلى عملك، و فتاتك..، و دانة تزوجت و استقرت مع زوجها في الخارج..، بلا بيت و لا والدين ..
و لا أهل.. إما أن ترسلاني لبيت خالتي، أو لدار الأيتام "
اغتظت، و قلت بعصبية :
" كفّي عن ذلك يا رغد، بالله عليك... أتظنين أنني سأتخلى عنك بهذه السهولة ! "
رغد حدقت بي، متشككة مرتابة...
قلت :
" أبدا يا رغد ! لا تظني .. أنه بوفاة والدي رحمه الله.. لم يعد لك ولي مسؤول.. إنك من الآن فصاعدا، لا ..
بل من يوم وفاته فصاعدا بل و من يوم وفاة والديك الحقيقيين فصاعدا.. تحت مسؤوليتي أنا.."
لا تزال تحملق بي بريبة..
قلت :
" و من هذه اللحظة، اعتبريني أمك و أباك و أخاك و كل شيء.. "
شيء من التصديق ظهر على وجهها.. أرادت التحدث ألا أنها منعت نفسها .. قلت مؤكدا :
" نعم صغيرتي، و لتكوني واثقة مائة بالمائة.. من أنك ستبقين ملازمة لي كعيني هاتين..
و لسوف أفقأهما قبل أن أبعدك عني مترا واحدا ! "
المفضلات