" أنصح بنقلها إلى مستشفى حيث يتم إدخالها و إعطائها الجرعات اللازمة من الأدوية الضرورية لفترة من الزمن
ذهلت و تملكني الهلع ، فقلت :
" لم يا دكتور ؟ ما بها ؟؟ "
قال :
" الجرح ملتهب بشكل سيء .. نحن نظفناه
و عقمناه جيدا و حقناها بمضادات السموم و لكنها بحاجة إلى أدوية أخرى لإتمام العلاج "
زاد قلقي
" هل هناك خطر عليها ؟ أخبرني رجاء ؟ "
" الخشية من أن ينتشر الالتهاب أعمق من ذلك . جرح عميق .. قدم حافية .. شارع طويل .. خطورة أكبر "
فيما بعد ، نقلت رغد إلى غرفة للملاحظة.. فإضافة إلى جرحها الملتهب ، هي مصابة بجفاف
و انخفاض في سكر الدم ..
كانت غرفة صغيرة حاوية على سريرين تفصل بينهما ستارة قماشية
لم تحس رغد بالدنيا من حولها مذ حقنت بالمخدر.. وضعناها على السرير
و استبدلت الممرضة قارورة السائل الوريدي الفارغة بقارورة أخرى أكبر حجما..
ثم انصرف الجميع تاركينها نائمة
و أنا جالس على مقعد إلى جوارها...
كانت هادئة جدا.. و غارقة في النوم لأبعد الحدود.. كطفل بريء..
رؤيتها هكذا قلبت في رأسي ذكريات الماضي...
كم و كم من المرات... كنت أتسلل خلسة إلى غرفة طفلتي ألقي عليها نظرة و هي نائمة بسلام...
و أحيانا أجلس بقربها .. و أداعب خصلات شعرها الأمس...
و في أحيان أخرى.. كنت أطبع قبلة خفيفة على جبينها و أهمس في أذنها :
" أحلاما سعيدة صغيرتي "
لم أحتمل ألم هذه الذكرى ...
انطلقت دموعي رغما عني .. شاقة طريقها النهائي إلى الموت..
لو كان الزمان يعود للوراء تسع سنين فقط.. تسع سنين فقط.. لكنت اقتربت من صغيرتي أكثر..
و أخذتها بين ذراعي .. و ضممتها إلى صدري بقوة .. بقوة.. أواسيها .. أشجعها..
أشعرها بالأمان و الطمأنينة.. و الحنان و الحب.. بالدفء و الحرارة..
آه لو يرجع الزمان للوراء ...
آه لو يرجع ...
و فيما أنا أبكي في نوبة الذكرى الجنونية هذه ، طرق الباب ثم أقبلت إحدى الممرضات تقول :
" معذرة هل اسمك السيد وليد شاكر ؟؟ "
مسحت دموعي بسرعة و هببت واقفا مجيبا :
" نعم "
قالت و هي تنظر إلى بشيء من الاستغراب :
" هناك رجل عجوز يسأل عنك في الخارج "
و تذكرت لحظتها إلياس و اتفاقي معه !
خرجت معها فرأيت العم إلياس يقف عند الممر ..
ما أن رآني حتى بادر بسؤالي عن حال قريبتي ..
" الحمد لله.. ستتحسن "
قال :
" هل تحتاج للبقاء هنا ؟ "
" أنا آسف لأنني عطّلت مشاغلك يا عمي ، إنها تتلقى سائلا وريديا الآن..
و قد يطول هذا لساعة أو ربما أكثر ... "
قال :
" لا بأس عليكم . أ هناك ما تود مني فعله يا بني ؟؟ "
" شكرا لك عمّاه ، فعلت الكثير .. أرجوك انه مشاغلك و أنا سأبقى معها لحين تحسنها..
سأستقل سيارة أجرة أو أتصل بكم حين فراغنا "
و على هذا افترقنا . عمدت إلى هاتف وجدته أمامي فاتصلت بمنزل نديم
و اطمأننت على دانة، و التي كما أخبرت كانت لا تزال نائمة !
عدت من ثم إلى صغيرتي فوجدتها كما تركتها ، نائمة كالملاك...
غير أنها رفعت ذراعها فوق الوسادة ، في وضع اعتقدت أنه يعيق جريان السائل الوريدي إلى عروقها..
لذا اقتربت منها و ببطء و هدوء و حذر شديد حرّكت يدها و مددت ذراعها إلى جنبها ..
المفضلات