
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد واله الطيبين الطاهرين
أ ـ النبيُّ والنبوَّة:
النبوَّة في اللُّغة: ألرفعة وعلّو المنزلة، وورد النبيُّ في قوله تعالى في سورة آل عمران:
(ما كانَ لِبشرٍ أَنْ يُؤتيَهُ اللّهُ الكتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ ثَمَّ يَقُولُ لِلنّاسِ كُونُوا عِبادا لي مِن دُونِ اللّه...) (الاية 79).
نظَيرا لمن أتاه اللّه الكتاب والحكم وقسيما لهما.
اذا فالنبُّوَّةُ مَنْزِلَةٌ خَاصَّةٌ فُضِّل النبيُّ بِها بِما آتاهُ اللّهُ مِنَ العِلْمِ وقُرْبِ المنزلِة مِنَ اللّهِ، وعليه فإنَّ النبيَّ من أُوتِيَ تلك المنزلة، وهي المقصودة في خطابه تعالى لنبيّه وقوله في سورة الاحزاب:
(يا أيُّها النَّبيُّ إنّا أرسَلناكَ شاهِدا وَمُبَشِّرا وَنذيرا وَداعيا إِلى اللّهِ بِإذنِهِ وَسِراجا مُنيرا) (الاية 45).
فإنّ المعنى: ياذا المنزلة الرفيعة، إنّا أرسلناك:... الخ.
وكذلك في قوله تعالى في سورة الاحزاب:
(النَّبِيُّ أولى بِالمؤمنينَ مِن أَنفسِهِم) (الاية 6).
والنبي يُوحى إليه، كما قال سبحانه وتعالى في سورة النساء:
(إنّا أَوْحَيْنا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنَّبِّيينَ مِن بعدِه...) (الاية 166).
اذا فالنبي مصطلح اسلامي بمعنى: انسان ذي منزلة رفيعة عند اللّه يوحى إليه وقد يبعث اللّه الربُّ النبيِّين رسلا مبشّرين ومنذرين لهداية الناس، كما قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
(كانَ النّاسُ أُمَّةً واحدةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأُنْزَلَ مَعَهُمُ الكتاب) (الاية 213).
وَأَنزَلَ معهم الكتابَ أي: إنّ اللّه الربّ أنزل الكتب مع من كان من النبَّيين، وليس المقصود أنَّ الربَّ أنزل مع كل نبيٍّ كتابا.
ثمّ إنَّ الربَّ فضَّل بعض النبيَّين على بعض كما قال سبحانه في سورة الاسراء:
(ولَقَد فضَّلنا بَعضَ النبيِّين على بَعض) (الاية 55).
وأرسل رسله إلى الناس من النبيِّين كالاتي بيانه:
ب _ الرّسول:
الرسول: حامل الرسالة، وهو وسيلة هداية الربِّ للناس، وله شرف الوساطة بين الربَّ والمربوبين من البشر، ومرسل برسالة خاصة إليهم، ويختاره اللّه ممَّن أُرْسِلَ إليهم ومن أهل لغتهم كما قال سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم:
(وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إلاّ بِلِسانِ قَومِهِ ليُبَيِّن لَهُم...) (الاية 5).
وفي قوله تعالى:
(وَإلى عادٍ أَخاهُم هُودا) (في سورتي الاعراف 65، وهود 45).
وفي قوله تعالى.
(وَإلى ثَمُودَ أَخاهُم صالِحا) (في سور: الاعراف 73، وهود 61، والنمل 45).
وفي قوله تعالى:
(وَإلى مَدْيَنَ أَخاهُم شُعَيْبا) (في سور: الاعراف 85، وهود 84، والعنكبوت 36).
وانّ الحكمة في ذلك واضحة: ليتقوَّى برهطه في أداء التبليغ كما حكى اللّه تعالى في سورة هود عن قوم شعيب أنهم قالوا لشعيب:
(وَلَولا رَهْطُكَ لَرَجَمناك) (الاية 91).
ويرسل الربُّ الرسل لهداية الناس وإتماما للحجّة عليهم كما قال سبحانه في سورة النساء:
(ورُسُلا مُبَشّرينَ وَمُنذِرينَ لِئلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل) (الاية 165).
وقال تعالى في سورة الاسراء:
(ومَا كُنّا مُعَذّبينَ حتّى نَبعثَ رَسُولا) (الاية 15).
وقال عزّ اسمه في سورة يونس:
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فإذا جاء رَسُولُهم قُضِيَ بينَهُم بِالقِسطِ وَهُمْ لا يُظلَمون) (الاية 47).
وتستحق الاُمم التي تعصي الرسول عذاب الدنيا والاخرة كما أخبر سبحانه عن فرعون ومن قبله وقال في سورة الحاقة:
(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِم فَأَخَذَهُم أَخذَةً رابِيةً) (الاية 10).
وتكون معصية الرسول معصية اللّه الربّ، كما قال سبحانه في سورة الجن:
(وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهنَّمَ خَالدينَ فِيها أبدا) (الاية 23).
وَاخْتارَ اللّه الرسل من الانبياء وكان عدد الرسل أقلَّ من عدد الانبياء كما ورد ذلك في ما رواه أبو ذر وقال:
[... فقلت: يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)! كم هي عدّة الانبياء؟
قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر، جمّا غفيرا»](1) .
وبناء على ما ذكرناه فإنَّ كلَّ رسول نبيٌ، وليس كل نبي رسولا مثل اليسَعَ (ع) فإنّه كان نبيّا ووصيّا للكليم موسى بن عمران (ع).
ومن الرسل من جاء بشريعة ناسخة لبعض ما في الشريعة السابقة من المناسك، كما كان شأن شريعة موسى (ع) بالنسبة إلى الشرائع السابقة على شريعته، ومنهم من جاء بشريعة متمِّمة مجدِّدة للشريعة السابقة كما كان شأن شريعة خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة إلى حنيفية إبراهيم الخليل (ع) كما قال سبحانه وتعالى في سورة النحل:
(ثُمَّ أوحَينا إليكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إبراهيمَ حَنيفا...) (الاية 123).
وقال تعالى في سورة المائدة:
(أَليومَ أكملتُ لكم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عليكمْ نعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسلامَ دِينا) (الاية 3).
أمّا الاوصياء من الانبياء فأخبارهم كالاتي:
الوصيّ والوصيّة:
الوصيّ في الكتاب والسنّة: هو الانسان الذي أوصى إليه غيره أن يقوم بعد وفاته بأمر يهمّه، سواء في ذلك أن يقول الموصي لوصيّهِ:
أُوصيك أن تفعل كذا وكذا من بعدي، أو يقول: أعهد إليك أن تفعل كذا وكذا من بعدي، وكذلك الشأن في إخباره الاخرين الوصيّة، فإنّه سواء في ذلك أن يقول: فلان وصيِّي من بعدي، أو يقول: فلان يقوم بعدي بعمل كذا وكذا، وما شابهها من الالفاظ الدالّة على الوصيّة.
ووصّي النبيّ: هو الانسان الذي يعهد إليه النبيّ بأمر شريعته وأُمته من بعده(2) .
وممّا بلغنا من أخبار الاوصياء من الانبياء ما رواه الطبري عن ابن عباسَ وقال ما موجزه:
ولدت حوّاء لادم هبة اللّه واسمه بالعبرانية: شيث، وإليه أوصى آدم.
وولد لشيث أنوش، ولمّا مرض أوصى لابنه أنوش ومات.
ثمّ ولد لانوش ابنه قينان ونفر كثير، وإليه الوصيّة.
وولد قينان مهلائيل اليرد ونفرا معه، وإليه الوصيّة.
فولد يرد أخنوخ، وهو أدريس ونفرا معه، وإليه الوصيّة.
فولد أخنوخ متوشَلخ ونفرا معه، وإليه الوصيّة.
وروى ابن سعد في ذكر ادريس النبيّ (ع) بسنده عن ابن عبّاس، وقال:
أوّل نبّي بعث بعد آدم إدريس وهو خنوخ بن يرد... فولد خنوخ متوشلخ ونفرا معه، وإليه الوصيَّة. فولد متوشلخ لملك ونفرا معه، وإليه الوصيَّة، فولد لمك نوحا(3) .
وروى المسعودي في أخبار الزمان وقال ما موجزه:
ولمّا أراد اللّه سبحانه وتعالى أن يتوفى في آدم أمره أن يسند وصيته إلى ابنه شيث ويعلِّمه جميع العلوم التي عُلِّم بها ففعل.
وقال: وأوصى (شيث) إلى ابنه قينان، وقد كان علَّمه الصحف وبيَّن له قسمة الارض، وما يكون فيها، وأمره بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج، وبجهاد ولد قابيل. ففعل ما أمره به أبوه، ومات قينان وله سبعمائة سنة وعشرون سنة.
وأوصى إلى ابنه مهلايل ووصّاه بما أوصاه به، وكان عمر مهلايل ثمانمائة سنة وخمسة وسبعين سنة.
وأوصى إلى ابنه بوارد وعلَّمه الصحف وعلّمه قسمة الارض، وما يحدث في العالم، ودفع إليه كتاب سرِّ الملكوت الذي علَّمه مهلاييل(4) الملك لادم (عليه السلام)، وكانوا يتوارثونه مختوما لا ينظرون فيه.
وولد لبوارد ابنه خنوخ، وهو ادريس النبي (ع) ونبّأه اللّه تعالى وسمي إدريس لكثرة درسه لكتاب اللّه عزّ وجلّ، وسنن الدين، وأنزل اللّه سبحانه وتعالى عليه ثلاثين صحيفة فكملت الصحف المنزّلة يومئذ ثلاثين صحيفة، وعهد بوارد إلى خنوخ ورفع إليه وصيّة أبيه وعلّمه العلوم التي كانت عنده ودفع اليه مصحف السرِّ فلم يدفعه بعد شيث غير ادريس (عليهما السلام).
أمّا اليعقوبي فقد أورد أخبار الاوصياء بالتسلسل نفسه وبتفصيل أكثر من الطبري وابن الاثير، وأورد أخبارا اُخَرَ عن أمر الوصيّة، وقال مثلا:
ولما حضرت آدمَ الوفاةُ جاءه شيث ابنه وولده وولد ولده فصلّى عليهم ودعا لهم بالبركة وجعل وصيّته إلى شيث.
وقال: وقام بعد موت آدم ابنه شيث وكان يأمر قومه بتقوى اللّه سبحانه والعمل الصالح... إلى قوله: فلمّا حضرت وفاة شيث أتاه بنوه وبنو بنيه وهم يومئذ أنوش وقينان ومهلائيل، ويرد، وأخنوخ، ونساؤهم وأبناؤهم، فصلَّى عليهم ودعا لهم بالبركة، وتقدّم إليهم وحلَّفهم... ولا يختلطوا بأولاد قابيل الملعون، وأوصى إلى أنوش أبنه.
وهكذا سلسل أخبار الوصيّة مع ذكر ما وقع في أيّامهم إلى قوله في خبر وصيّة نوح:
ولمّا حضرت وفاة نوح إجتمع إليه بنوه الثلاثة: سام وحام ويافث وبنوهم فأوصاهم، ثمّ ذكر تفصيل وصيّة نوح لسام، وكذلك ذكر تسلسل أخبار الاوصياء وصيّا بعد نبي إلى آخر أنبياء بني إسرائيل وأوصيائهم، وقد اكتفينا منها بما أوردناه موجزا إلى هنا(5) .
وانتشر على عهد نوح عبادة الاصنام في ولد قابيل.
وأوصى إدريس إلى ابنه متوشلخ، لانّ اللّه أوحى إليه أن اجعل الوصيّة في ابنك متوشلخ فاني سأخرج من ظهره نبيا يرتضي فعله. ورفع اللّه إدريس (ع) إليه وانقطع الوحي بعده.
فكثر الاختلاف بعده والتنازع وأشاع عليه ابليس أنّه هلك، وأنّه كان كاهنا أراد الصعود إلى الفلك فأُحرق، وحزن عليه ولد آدم المتمسّكون بدينه حزنا شديدا، وأظهر أنّ صنمهم الاكبر أهلكه فزادوا في عبادة الاصنام وتحليتها والذبائح لها، وعملوا عيدا لم يبق أحد إلاّ حضره، وكانت لهم يومئذ من الاصنام يغوث ويعوق ونسر(6) وود وسواع.
ولمّا حضرت متوشلخ الوفاة أوصى إلى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع، وعهد إليه أبوه ودفع إليه الصحف والكتب المختومة التي كانت لادريس (ع)، وكان عمر متوشلخ تسعمائة سنة.
وانتقلت الوصيّة إلى لمك (وهو أبو نوح (عليهما السلام»، وقد كان رأى أنّ نارا خرجت من فيه، فأحرقت العالم، ورأى وقتا آخر كأنّه على شجرة في وسط بحر لا غير.
وكبر نوح (ع) فنبّأه اللّه عزّ وجلّ وهو ابن خمسين سنة وأرسله إلى قومه الذين كانوا يعبدون الاصنام، وهو من أهل العزم من الرسل.
وفي بعض الاخبار أن عمره ألف ومائتان وخمسون سنة، وأنّه لبث في قومه يدعوهم إلى الايمان ألف سنة إلاّ خمسين عاما كما قال اللّه تعالى، وكانت شريعته التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة أعداء اللّه من ولد قابيل، وأمر بالحلال ونهى عن الحرام، وأُمر أن يدعو الناس إلى اللّه تعالى، ويحذّرهم عذابه، ويذكِّرهم آلاءه.
وقال المسعودي:
إنّ اللّه جعل لسام بن نوح الرئاسة والكتب المنزلة من الانبياء، ووصيّة نوح في ولده خاصّة دون إخوته(7) .
إلى هنا ينتهي الموجود بأيدينا اليوم من كتاب «أخبار الزمان» للمسعودي، وكذلك سلسل المسعودي في كتاب «اثبات الوصية»(8) ذكر الاوصياء من آدم (ع) إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم). هذا ما كان في مصادر الدراسات الاسلامية عن الرسل وأوصيائهم.
منقول من كتاب ( عقائد الاسلام في القرآن الكريم )
وهو من تأليف ( السيد مرتضى العسكري ) الجزء الاول
المفضلات