بسم الله الرحمن الرحيم
ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
اللهم صلي وسلم وزد وبارك على محمد وال محمد
الجبر والتفويض والاختيار
أ ـ الجبر في اللغة
جَبَرَهُ على الأمر وأجْبَرَهُ: قَهَرَهُ عليه، وأكْرَهَهُ على الإتيان به.
ب ـ الجَبْرُ في مصطلح علماء العقائد الإسلامية
الجَبْرُ: إجيارُ الله تعالى عبادَه على ما يفعلون، خيراً كان أو شراً، حسناً كان أو قبيحاً، دون أنْ يكون للعبد إرادة واختيارُ الرفض والامتناع، ويرى الجبرية الجبر مذهباً يرى أصحابُه أنّ كلّ ما يحدث للإنسان قُدّر عليه أَزَلا، فهو مُسيّر لا مُخيّر، وهو قول الأشاعرة(1).
ج ـ التفويض في اللغة
فَوَّضَ إليه الأمرَ تفويضاً: جَعَلَ له التَّصَرُّفَ فيه.
د ـ التفويض في مصطلح علماء العقائد الإسلامية
هو أنّ الله تعالى فوّض أفعال العباد إليهم، يفعلون ما يشاؤون، على وجه الإستقلال، دون أن يكون لله سلطان على أفعالهم، (وهو قول المعتزلة)(1).
هـ ـ الاختيار في اللغة
خيّره: فوّض إليه الاختيار بين أمرين أو شيئين أو أكثر.
و ـ الاختيار في مصطلح علماء العقائد الإسلامية
إنّ الله سبحانه كلّف عباده بواسطة الأنبياء والرسل ببعض الأفعال ونهاهم عن بعض آخر، وأمرهم بطاعته في
ما أمَرَ به ونهى عنه بعد أن منحهم القوّة والإرادة على الفعل والترك وجعل لهم الاختيار في ما يفعلون دون أن يجبر أحداً على الفعل، وسيأتي الاستدلال عليه بحوله تعالى.
القضـاء والقـدر
أ ـ معاني القضاء والقدر
تستعمل مادّتا القضاء والقدر لعدّة معان.
منها في ما يخصّ البحث من مادّة القضاء:
أ ـ قضى أو يقضي بين المتخاصمين، كقوله تعالى: (إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيـمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )(يونس/93) و (الجاثية/17).
ب ـ قضى الله الأمر: أَنْبَأه به، كقوله تعالى في ما أخبر به لوطاً عن مصير قومه في سورة الحجر/66 : (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الاَْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ).
أي أنبأناه.
ج ـ قضى الله الشيء، وبه: أوجبه، أمر به، كقوله تعالى في سورة الإسراء/23 : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ).
أي أمر ربّك وأوجب عليكم ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه.
د ـ قضى الله الأمر أو الشيء: تعلّقت إرادته به، قدّره، كقوله تعالى في سورة البقرة/117 : (وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
أي إذا أراد أمراً.
وقوله تعالى في سورة الأنعام/2 : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلا).
أي قدّر لكلّ انسان مدّة يحيا فيها.
ومنها فيما يخصّ البحث من مادّة القدر:
أ ـ قدر على الشيء أو العمل: استطاع أن يفعله، يتغلّب عليه فهو قادر، والقدير: ذو القوّة، كقوله تعالى:
1 ـ في سورة يس:
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (الآية81).
2 ـ في سورة البقرة:
(وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) (الآية20).
أيْ ذو القدرة على فعل كلّ شيء على قدر ما تقتضي الحكمة.
ب ـ قَدَرَ:
1 ـ قَدَرَ الرِّزق عليه ويَقْدِر: ضيّقه، كقوله تعالى في سورة سبأ:
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (الآية36).
2 ـ قدر الله الأمر بقدره: دبَّره أو أراد وقوعه، كقوله تعالى في سورة المرسلات:
(فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (الآية23).
ج ـ قدّر:
1 ـ قدّر الله الأمر: قضى به أو حكم بأنْ يكون، كقوله تعالى في شأن زوجة لوط، في سورة النمل/57: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ).
أي حكمنا، أو قضينا عليها بأن تكون من الهالكين.
لعلّ تعدّد معاني ما يُنسبُ إلى الله من مادَّتَي القضاء والقدر، قد أدّى إلى لبسِ معنى ما ورد منهما في القرآن والحديث، واعتقاد بعض المسلمين بأنّ الإنسان يسيّر في حياته، في كلّ ما يعمل من خير أو شرّ وفق ما قضى الله عليه وقدّر قبل أنْ يخلقَ.
ويطلق في الأخبار لفظ القدري على الجبريّ والتّفويضي كليهما(1)، وعليه فإنّ القَدَرَ اسمٌ للشيء وضدّه كالقُرْء، اسمٌ للحيضِ والطُّهر معاً.
ب ـ روايات من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في القضاء والقدر
أولا: عن أوّل أئمة أهل البيت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، روي في توحيد الصدوق بسنده إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، وفي تاريخ ابن عساكر بسنده إلى ابن عبّاس واللفظ للأوّل قال:
دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): "أجل يا شيخ، فو الله ما علوتم تلعةً ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر"، فقال الشيخ: عند الله أحتسبُ عنائي(1) يا أمير المؤمنين، فقال: "مهلا يا شيخ، لعلّك تظنُّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً(2)، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزّجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مُسيء لائمةٌ ولا لمحسن محمدةٌ، ولكان المحسن أولى باللاّئمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من الُمحسن(3)، تلك مقالةُ عبدةِ الأوثانِ وخُصماءِ الرحمن وقدريّة هذه
الاُمّة ومجوسها. يا شيخ إنّ الله عزّ وجلّ كلّف تخييراً، ونهى تحذيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مُكرهاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)"(1).
قال: فنهض الشيخ وهو يقول:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعتهيوم النّجاة من الرحمن غفراناًأوضحْتَ من ديننا ما كان مُلتبساًجزاك ربّك عنّا فيه إحساناًفليس معذرةً في فعل فاحشةقد كُنْتُ راكبها فسقاً وعصياناً(2)
ثانياً: عن السادس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
"إنّ الناس في القَدَرِ على ثلاثة أوجه: رجلٌ يزعمُ أنّ
الله عزّ وجلّ أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله في حُكمه فهو كافر.
ورجلٌ يزعمُ أنّ الأمر مفوّضٌ إليهم، فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر.
ورجل يزعمُ أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلِّفهم ما لا يُطيقون وإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلمٌ بالغ"(1).
ثالثاً: وعن الثامن من أئمة أهل البيت الامام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:
أ ـ "إنّ الله عزّ وجلّ لم يُطَعْ باكراه، ولم يُعصَ بغلبة، ولم يُهمل العباد في مُلكه، هو المالك لما ملّكهم والقادرُ على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العبادُ بطاعته لم يكن الله منها صادّاً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاءَ أنْ يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإنْ لم يَحُلْ وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه"(2).
يعني أنّ الإنسان الذي أطاع الله لم يكن مجبراً على الطاعة، والإنسان الذي عصاه لم يغلب مشيئة الله، بل الله شاء أن يكون العبد مختاراً في فعله.
ب ـ قال:
"قال الله تبارك وتعالى:
يا ابن آدم بمشيئتي كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاءُ، وبقوَّتي أدَّيتَ إليَّ فرائضي، وبنعمتي قويتَ على معصيتي، جعلتُك سميعاً بصيراً قويّاً، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك"(1).
وفي رواية: "عملت بالمعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك"(2).
وعن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:
أ ـ "لا جبرَ ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أمرين". قال: قلت: وما أمر بين أمرين؟ قال: "مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينْتَهِ بتركته ففعل تلك المعصية، فليس
حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية"(1).
ب ـ "ما استطعت أنْ تلوم العبد عليه فهو منه وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله.
يقول الله للعبد: لِمَ عصيت؟ لم فسقتَ؟ لم شرِبتَ الخمر؟ لمَ زنيت؟ فهذا فعل العبدِ، ولا يقول له: لم مرضتَ؟ لم قصُرتَ؟ لم ابيضضْتَ؟ لم اسودَدْت؟ لأنّه من فعل الله تعالى"(2).
شرح الروايات
إنّ للجبر والتفويض جانبين:
أ ـ ما كان منهما من صفات الله.
ب ـ ما كان منهما من صفات الإنسان.
فما كان منهما من صفات الله فينبغي أخذه منه بوساطة الأنبياء، وأوصياء الأنبياء عن الأنبياء، وما كان من صفات
الإنسان فإن قولنا: أفعل هذا أو لا أفعله دليل على أنّا نَفْعَل ما نفعله باختيارنا، وقد عرفنا ممّا سبق أنَّ سير الإنسان في حياته لا يشابه سير الذرّة والكواكب والمجرّات المسخّرات بأمر الله في كلّ حركاتها وما يصدر منها من آثار.
ولم يفوّض الله إليه أمر نفسه وكلّ ما سخّر له ليفعل ما يشاء كما يُحبُّ، وكما تهوى نفسه، بل إنّ الله أرشده بوساطة أنبيائه كيف يؤمن بقلبه بالحقّ، وهداه إلى الصالح النافع في ما يفعله بجوارحه، والضارِّ منه، فإذا اتبع هدى الله، وسار على الطريق المستقيم خطوة أخذ الله بيده وسار به عشر خطوات ثُمَّ جزاه بآثار عمله في الدنيا والآخرة سبعمائة مرّة أضعاف عمله، والله يضاعف لمن يشاء بحكمته ووفق سُنَّتِه.
وقلنا في المثل الذي ضربناه في ما سبق، بأنّ الله أدخلَ الإنسانَ المؤمن والكافر في هذا العالم في مطعم له من نوع (سلف سرويس)، كما قال سبحانه في سورة الإسراء/20 : (كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً).
فلولا إمداد الله عبيده بكل ما يملكون من طاقات فكرية وجسديّة، وما سخَّر لهم في هذا العالم لما استطاع المؤمن أن يعمل عملا صالحاً، ولا الضالّ الكافر أن يعمل عملا ضارّاً فاسداً، ولو سلبهم لحظة واحدة أيّ جزء ممّا منحهم من الرؤية والعقل والصحّة و... و... لما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، إذاً فإنّ الإنسان يفعل ما يفعل بما منحه الله بمحض اختياره، وبناءً على ما بيّنّاه، أنّ الإنسان لم يفوّض إليه الأمر في هذا العالم، ولم يجبر على فعل بل هو أمر بين الأمرين، وهذه هي مشيئة الله وسنّته في أمر أفعال العباد، ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين
تحياتي للجميع
نسألكم الدعاء
اختكم ام محمد
المفضلات