استيقظ محمد في يومٍ من الأيام ولأول مرة متأخراً ، نهض فزعاً من فراشه ، غسل وجه ، توجه إلى الدولاب لإخراج الملابس التي قام بتجهيزها من البارحة ، لبسها وهو في عجلة من أمره ، وعينه لا تفارق الساعة فلم تبقَ إلا ربع ساعة من الوقت قبل بدء الدوام ، خرج مهرولاً إلى السيارة ، وما أن أدخل المفتاح انطلق فوراً إلى المؤسسة التي يعمل بها ، ولكن صادف في أثناء ذهابه إلى عمله أن لقي الطريق مزدحماً بالسيارات والباصات ، فتساءل : ما سبب الازدحام ؟ هذا ليس وقته ، إني أريد الوصول إلى عملي بدون المرور على مكتب المدير الذي سيتساءل عن سبب تأخري ومن ثم توبيخي حيث إني لم استيقظ مبكراً ، لم يعُر موضوع التأخير أهمية ولم يكترث بما سيفعل به المدير ولكنه حتماً سيعذره لأنها أول مرة .
َمل الانتظار ، وضع يده على الراديو ليفتحه وكان الصوت مرتفعاً ، وإذا بها أغاني أجنبية جعلته يهتز ويرتعش وبسرعة خاطفة َمد يده على الصوت ليخفضه ، ثواني وإذا بالأغنية تنتهي ، ويتبعه برنامج يتكلم عن الوقت ، وتنظيمه ، ووجوب الاستفادة منه ، مما زاد في قلقه وخوفه .
ومع الوقت أصبح ازدحام السيارات يقل ، وهو يتقدم ليكتشف أن هناك شرطيان يعطلان حركة السير بحجة التفتيش ، وما أن تقدم وإذا بالشرطي يقول : الرخصة والاستمارة ؟
- بالطبع . سلمه محمد الرخصة والاستمارة ، فنظر إليها الشرطي ملياً , وقال : ما أسمك ؟
- فأجابه محمد في شدة غضب : لماذا ؟ أوليس مكتوباً فيها .
أعطني الرخصة و الاستمارة لقد تأخرت كثيرا عن الدوام ، وببرود وبدون اكتراث يعطيه الرخصة والاستمارة ويردد : الدوام لله .
أكمل طريقه إلى العمل ، وهو يلعن الشرطة ، وبعد نصف ساعة وصل المؤسسة ، وكالعادة رتب هندامه ودخل ، ألقى السلام على زملائه ، جلس على مكتبه ، رفع سماعة الهاتف ، طلب كوباً من القهوة ، دقائق حتى جاء أبو أحمد يركض والقهوة بيده ، وضعها على مكتبه ، وقفز راحلاً ، تعجب من مظهر أبو أحمد , لأول مرة يراه هكذا لعله يكون سعيداً ، أمسك كوب القهوة وأرتشفها بهدوء لقد كانت ساخنة ، وإذا بالهاتف يرن مما جعله يرتجف خَلعاً لتنسكب القهوة على ثيابه ، وتبدأ في الاتساع ، أصبحت بقعة كبيرة باللون البني الفاتح باتجاه البطن ، وضع بعض المنديل على ثوبه ، ورفع سماعة الهاتف ، وإذا بالمدير يريده حالاً وفي المكتب ، شعر بالخجل كيف له أن يدخل على المدير وثيابه متسخة ونحن للتو في الصباح .
تمالك نفسه ، وطرق الباب ودخل المكتب ، أشار المدير له بالجلوس ، فجلس ، وبعدما أنهى توقيعه للأوراق . قال المدير :
- لقد أتيت متأخراً اليوم يا محمد فما السبب ؟
- محمد : ساعة في ازدحام السيارات ( تفتيش ) حظي العاثر .
- نظر المدير إلى عيني محمد يحاول قرأتها ، ولكنه لم يستطع .
قال المدير : لقد كنت يا محمد نِعم الرجل ، تعمل وتجتهد ، وتنهي عملك في اليوم نفسه ، لذا أردت أن أمنحك ترقية ! فما شعورك ؟
- أجابه وهو فاغراً فاهه : الحمد لله ، شكراً لك ، شكراً لك .
عاد إلى مكتبه أعاد النظر فيما قاله للمدير ، وقال : عجباً لأول مرة أتأخر في الاستيقاظ و أكذب (( فأنال ترقية ))!
المفضلات