///يتبع//
2- ما كان محرما(31).
فالتحريم من وجهة النظر الاسلامية، هو ما كان مخالفا للشرع والعقل لانهما لا يتخلفان عن بعضهما، ويقع التحريم في غير الاسلام، ما كان مخالفا لقوانين كل بلد، والناس ملزمون العمل بما التزموا به، وتقييد الحرية وان كان في ظاهره تقييد لحرية الفرد لكنه تنظيم لها، والتنظيم مقدم شرعا وعرفا وعقلا على الفوضى واللانظام، من قبيل منع صيد السمك في فترة الاخصاب، صحيح ان هذا المنع خلاف حرية الصياد، لكنه يقع ضمن دائرة تنظيم الثروة المائية لهذا العام والقابل من الاعوام، وفي الوقت نفسه محافظة وصيانة للبيئة المائية، لان منفعة الصياد في ظرف معين هي مضرة للثروة المائية، وهذه الثروة ملك الجميع الان وفي المستقبل، فحرية الصياد في ظرف زماني أو مكاني، تزاحم حرية المجتمع والبيئة، وتنظيم فترة الصيد منفعة أعم، وهي مقدمة على غيرها، فالحدود انما وضعت لتنظيم امور الحياة واحترام حرية كل انسان لا الحد منها او بترها دون وجه حق، وتنظيم الحريات اشبه بالنهر الجاري الذي يوضع اعلاه سد لتنظيم حركة المياه بما يخدم المزارع والراعي وكل من يعيش على خيرات النهر، او اشبه بالقنوات التي تشق على ضفافه لصب المياه في الحقول والمزارع، فالسدود او القنوات لم تحد من تيار المياه او تنقص من جمال النهر، وانما نظمت حركة سيره بما يخدم الجميع، وهكذا الامر في تنظيم جميع الحريات.
كما ان للمكان والزمان تأثيرا كبيرا في حجم الحرية سعة او تضييقا، فعلى سبيل المثال، ان لعب الكرة يدخل في سياق الحرية الفردية والجماعية، فللانسان كامل الحرية والتصرف في لعب الكرة في ساحة مخصصة للعب، ولكن هذه الحرية تضيق عندما يكون المكان وسط حارة للسكن، فلا يستطيع الملعب ان يفتح ابوابه في كل وقت، لان في ذلك تضييق لحرية الاخرين، كما ان الفرد لا يستطيع ان يلعب الكرة في حارة مفتوحة لان ذلك يعيق حركة السير وحركة الناس ويزاحم راحة السكان، فاننا نلاحظ في حرية الشخص المكان والزمان والمجتمع، فالحرية لا تلغى تماما، وانما تقلص الى الدرجة التي لا تؤثر على حرية المحيط الاجتماعي، وهكذا بالنسبة لبقية الحريات، على ان البعض يرى ان لعمر الانسان دخلا في حجم الحرية: "فالانسان العاقل البالغ، حريته أكمل من حرية الشاب الذي لم يبلغ، والانسان الذي ليس عليه دَين حريته أكمل من انسان مدين وهكذا"(32)، ومثل هذا قال به البستاني (1819-1883م) ذلك ان: "للحرية درجات فهي في الانسان البالغ أكمل مما هي في الولد، وقد تضعف بالسكر والمرض والجنون، وربما فقدت تماما"(33).
وهذا امر مسلم به، يدركه كل انسان، فمراحل العمر وتقادمه على سبيل المثال تحد من حجم الحرية الشخصية، كما ان الحالة المادية تدخل عنصرا في تحديد حرية كل انسان، ربما اعتبر البعض الفقر من باب المثال، حاجزا دون الحرية الذاتية للمرء في دخول مدرسة خصوصية او السفر هنا وهناك، ولكنه في واقع الامر قد حد من الحرية الشخصية ولم ينقص من ذاتية الحرية، صحيح ان للمرء حرية الدراسة أو السفر أو الأكل او الملبس ولكن هناك امورا وأوضاعا منعته من تحقيق حريته، فالحرية من حيث هي ارادة ذاتية قائمة، ولكن الظروف هي المانعة، فالفقير اذا استغنى فانه سيُعمِل حريته في السفر أو الملبس وغير ذلك.
وهذه الحرية مقاسة بحجم الحقوق المعتبرة لكل انسان ضمن حقل سنه او ماله او غير ذلك، على ان البعض لا يفرق بين مفهوم الحرية ومفهوم الحق، ويرى ان: " الحق والحرية مفهومان لمعنى واحد"(34)، ولما كانت الحقوق تتصاعد طرديا مع عمر الانسان، مثلا ان الانسان في عمر معين لا يستطيع ان يمارس حريته في البيع والشراء، ويمارسها اذا وصل الى عمر معين كالقاصر المالك اذا بلغ او اذا ظهر من تصرفاته انه وصل مبلغ الرشد، من هنا وقع الاختلاف في مناسيب الحريات، يقول الباحث الهندي الدكتور اختر: "ان جميع افراد البشر ليسوا على درجة واحدة من القابلية على تقبل الحرية وممارستها، وهذا يعني ان كل فرد قد اعطي من الحرية بقدر وسعه، ان ما يقوله الملا هادي السبزواري بشأن التشكيك يمكن توجيهه هكذا: كل مرتبة لها قابلية مناسبة لتقبل الحرية، فالناس يختلفون بعض عن بعض من حيث استعدادهم لنيل الحرية. الضعفاء منهم دافعهم الى الحرية أضعف، بينما الاقوياء منهم دافعهم الى الحرية اقوى. ان هذا الاختلاف هو السبب في ان ما هو مفروض في أرفع مرتبات الأفراد كالأنبياء والأئمة والأولياء والعارفين، ليس متوقعا من الافراد العاديين: {لا يكلف الله نفسا الا وسعها} سورة البقرة: 286"(35).
والواضح من سياق الكلام، ان القوة المعنية في كلام الملا هادي بن مهدي بن هادي السبزواري (1212-1290هـ)، ليست خصوص القوة البدنية، وانما هو يعني القوة الروحية والنفسية والمعنوية وقوة القرب من علة الوجود، والا فان العبيد بشكل عام أقوى بدنيا وجسديا، ومع هذا فانهم يعيشون العبودية في جانبها السلبي، فيصح عندئذ ان الانسان كلما اقترب من الخالق جل وعلا تطلع الى الحرية في منتهاها، ومن هنا يختلف الناس في مراتبهم من حيث الحرية وتقبلها والتطلع اليها.
وهذا هو الرابط ( http://www.iraqalkalema.com/article.php?id=1567 (
المفضلات