ملحق
تمهيد الأرضية لخروج المهدي المنتظر
عَجّل اللَّه فَرَجَه
حسين العبداللَّه
بسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ
كيفية خروج المهدي المنتظر عَجّل اللَّه فَرَجَه
هناك عدة أُطروحات حول كيفية خروج المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وإليك ذلك:
1. أن يخرج المهدي (ع) بطريق الإعجاز الإلهي كيفما كان وضع العالم ايديولوجياً وسياسياً واقتصادياً وتكنلوجياً، مع وجود الطائفة المؤمنة بوجوده وبظهوره.
2. أن يخرج بعد ذهاب ثلثي العالم، كما لوفرضنا نشوء حرب عالمية ثالثة تتحطم فيها الحضارة المعاصرة ولا يبقى من البشر إلا ثلثه، وهذا الثلث من العالم البشري يبقى يعيش في حالة مبعثرة، فالثلة من المؤمنين هم جمهور حركة المهدي (ع)، فيخرج المهدي ليقيم دولة الحق العالمية. ورد في الحديث:" لا يخرج حتى يذهب ثُلثا العالم ".
3. أن يخرج المهدي بعد فشل التأريخ، بمعنى أن أغلب الأمم قد طرحت خلال مسيرتها التأريخية عدة أيديولوجيات وسنت عدة قوانين، وهذه الايديولوجيات لم تُلَبِّ حاجة فطرة الانسان التي جُبل عليها، وهذه القوانين لم تؤدِ حقوق الإنسان، وكنتيجة حتمية تبوء تلك الايديولوجيات والقوانين بالفشل الذريع، كما فشلت الاشتراكية الشيوعية في اطروحاتها في وقتنا الحاضر، وتبقى أغلب الأمم تنشد طريقها للخلاص، فلا تجد أمامها غير طريق الإسلام الحق، فتتلهف إليه، وتتشوق إلى معرفة أيديولوجيته وتشريعاته، فعلى أقل تقدير تكون نفوسهم متشوقة إلى الإسلام، فعندئذ يخرج المهدي (ع) كقائد للمسيرة الإسلامية فيجد أغلب النفوس مشتاقة إلى الإسلام، بالإضافة إلى الطائفة المؤمنة حقاً، والتي تعتقد بإمامته من الإساس، والتي كانت دائماً بانتظاره. بحيث يكون جمهور الحركة المهدية مستعداً لصدِّ أي هجوم من أعداء الحركة.
4. أن يخرج المهدي(ع) بعدما يوجد الجمهور الكافي لنصرته، وبعدما تمَّ بناء حضارة إسلامية يستعين بها الإمام لنشر مذهب أهل البيت (ع) كما أراد اللَّه، ويستعين بها على صدِّ أي هجوم من قبل الحضارات المناوئة لحركته يومذاك. وبذلك يتمكن من السيطرة على العالم بأسره بإذن الله.
إن بناء حضارة إسلامية هو إعمار الأرض، وهو نوع من أنواع الأمر بالمعروف، لأن ذلك يوفر الأمن والطمأنينة للأفراد والجماعات، والمحافظة على حياتهم، وطرد العدوان عنهم، ولقد أشار القرآن الكريم، والمعصومون (ع) إلى ذلك: قال تعالى:{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور }. الحج: 40
عن النبي (ص):" من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب البهي، والولد الصالح ".
قال الإمام الصادق (ع):" لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجاً: فقيه عالم ورع، وأمير خير مطاع، وطبيب بصير ثقة ".
ولا تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا إذا تحقق ذلك.
لا شَكَّ أن الأمر يحتاج إلى جهود جبّارة، وتحقيق الأمر ممكن لا ممتنع، فينبغي السعي إلى تحقيقه، فلا بُدَّ من توفير الوسائل في إنجاح ذلك، ومنها ما يلي:
· تكثيف عدد رجال الدين، وذلك باختيار عدد لا بأس به من طلاب الثانوية أو الجامعات، ممن تظهر عليهم سمات الورع، والتقوى، والذكاء، والنبوغ، وتوضيح الأمر إليهم بشكل جلي بأن المطلوب منهم الوصول إلى درجة الاجتهاد والمرجعية، مع الإنفتاح على الساحة السياسية العالمية وما يجري فيها من أحداث، والإطلاع على مؤامرات الإستعمار في خططه لإحباط التقدم الإسلامي، فمن أستطاع تشخيص المرض، سيتطيع تعيين الدواء المناسب في الوقت المناسب،
· وأن يكونوا قريبين من المجتمع كما أشار " عدي بن حاتم " في وصفه للإمام علي (ع) في مجلس معاوية ضمن أحاديثه عنه (ع) بقوله:" وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه، ... ".
· حثُّ طلاب المدارس المؤمنين على مواصلة الدراسات العليا، والإنضمام في حقل التعليم الجامعي لمواصلة الإبحاث العلمية التي ستكون منطلقاً وأساساً لحضارة الإسلام المنشودة، في أغلب المجالات العلمية والتقنية، من طب، وكيمياء، وفيزياء، وهندسة، ورياضيات، وذرة، وغير ذلك.
· الإستفادة من الحضارة المعاصرة، إنطلاقاً من قول الإمام علي(ع):" الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق".
لقد ضرب الشعب الياباني أروع مثالٍ في ذلك. قال مالك بن نبي المفكر الجزائري:" إن اليابان وقفت من الحضارة الغربية موقف التلميذ، ووقفنا منها موقف الزبون، إنها استوردت الأفكار بوجه خاص، ونحن استوردنا الأشياء بوجه خاص".
" قصة " تاكيو اوساهيرا " كما رواها " وليام هارت "، ونقلها عنه الاستاذ حسين مؤنس في مقالة له نشرتها مجلة اكتوبر المصرية بالعدد 224 وتأريخ 14 يونيه ( حزيران ) 1981م نقلاً عن " مجلة القافلة الصادرة عن شركة أرامكو السعودية، رمضان 1413ه ":
يقول اوساهيرا الياباني الذي أسهم في بناء نهضة وطنه، وكان في ذلك الوقت مبعوثاً من قبل حكومته للدراسة في جامعة هامبورج بألمانيا:" لو أنني اتبعت نصائح استاذي الالماني، لما وصلت إلى شيء، كانت حكومتي قد ارسلتني لأدرس اُصول الميكانيكا العملية وبدلاً من أن يأخذني الاستاتذة إلى معمل، أو مركز تدريب عملي، أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها، وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها، ولكنني بقيت أمام المحرك، أيّاً كانت قوته، وكأنني أقف أمام لغز لا يحل، وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات ايطالية الصنع، كان ذلك أول الشهر، وكان معي راتبي، وجدت في المعرض محركاً، قوة حصانين، ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جداً، وذهبت إلى حجرتي، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر إليه، وكأنني أنظر إلى تاج من الجواهر. وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة اوربا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا، لغيّرت اتجاه تأريخ اليابان.
وطاف بذهني خاطر يقول: إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى.... لو أنني استطعت أن اُفكك قطع هذا المحرك. واُعيد تركيبها، بالطريقة نفسها التي ركبوها بها، ثم شغلته فاشتغل، أكون قد خطوت خطوة نحو سرِّ الصناعة الاوروبية.
وبحثت في رفوف الكتب التي عندي، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات، وأخذت ورقاً كثيراً، وأتيت بصندوق أدوات العمل، ومضيت أعمل: رسمت منظر المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاءه، ثم جعلت افككه، قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة، رسمتها على الورق بغاية الدقة، وأعطيتها رقماً، وشيئا فشيئا فككته كله، ثم أعدت تركيبه، وشغلته فاشتغل، عندها كاد قلبي يقف من الفرح، استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة، ولا اُصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل.
وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال: حسناً ما فعلت، الآن لا بد أن أختبرك، سآتيك بمحرك لا يعمل، وعليك أن تفككه، وتكشف موضع العطل، وتفحصه وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة أيام، عرفت خلالها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة، صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد، وديني يحترم العمل، فأنا أتعبد حين أعمل.
بعد ذلك قال لي رئيس البعثة وكان بمثابة الكاهن يتولى قيادتي روحيا قال: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك، ثم تركب منها محركاً، ولكي أستطيع أن أفعل ذلك، التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس، والالمنيوم، بدلا من أن أعد رسالة دكتوراه، كما أراد مني استاتذتي الالمان، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء، وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر المعادن، كنت اطيع أوامره كأنه سيد عظيم، حتى كنت اخدمه وقت الأكل، مع أنني من أُسرة ساموراي، ولكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء.
قضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات، كنت أعمل خلالها ما بين عشر ساعات وخمس عشرة ساعة في اليوم. بعد انتهاء يوم العمل، كنت أخذ نوبة حراسة، وخلال الليل، كنت اراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة.
وعلم الميكادو بأمري، فأرسل لي من ماله الخاص، خمسة آلاف جنيه انجليزي ذهب، اشتريت بها ادوات محركات كاملة، وادوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان، كانت النقود قد نفدت، فوضعت راتبي وكل ما ادخرته، وعندما وصلنا إلى " ناكازاكي " قيل لي: إن الميكادو يريد أن يراني، قلت: لن استحق مقابلته إلا بعد أن انشئ مصنع محركات كاملاً.
استغرق ذلك تسع سنوات، وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات صنعت في اليابان، قطعة قطعة، حملناها إلى القصر، وضعناها في قاعة خاصة، بنوها لنا قريباً منه، وأدرناها ودخل الميكادو، وابتسم، وقال: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي، صوتي محركات يابانية خالصة.
ويختم اوساهيرا قصته قائلاً: هكذا استطعنا صناعة المحرك وهو سرُّ قوة الغرب، نقلناها إلى اليابان، نقلنا قوة اوروبا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب.
وبعد ذلك نُمْتُ عشر ساعات كاملة لأول مرة في حياتي منذ خمس عشرة سنة ".
أيها المسلمون، يا أبناء محمد (ص)، وأبناء المؤمنين الأوائل من بُناة الحضارة الإسلامية، إن الشعب اليهودي الذليل الذي عاش حياة التقتيل والتشريد استطاع أن يخرِّج مهندسين من أوساط بيوته، حتى أصبح اليوم يمتلك كوادر علمية عالية، وتقنية راقية، ورؤوس أموالٍ طائلة.
إنني لا زلت أتذكر أُستاذ مادة الجغرافيا بالجامعة، وقد خصص وقتاً كل يوم ولمدة خمس أو عشر دقائق ليتطرق إلى أحداث الساحة السياسية، وذات يوم جاء ذكر " اسرائيل " فقال بما معناه: أتظن أن حضارة أو مدنِيَّة قائمة في " تل أبيب " يتركها اليهود ويسلمها إلى الشعب الفلسطيني بسهولة!".
إنني لا أظن ولا أتصور ذلك؛ إلا بالقوة؛ فيما إذا وحدَّ المسلمون صفوفهم تحت كلمة " لا إله إلا الله، محمد رسول الله "، أو بخروج المهدي المنتظر عجّل الله فرجه.
إننا ندعو كل يوم بهذا الدعاء:" اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزُّ بها الإسلام وأهله، وتذّل بها النفاق وأهله، ... ".
إننا نشير إلى الدولة التي سيقودها الإمام المنتظر(ع)، وأن ظهوره سيكون عن طريق الإعجاز الإلهي وإن شاء الله يكون ظهوره قريباً .
أما إذا أشرنا إلى ظهوره حسب الاطروحة الرابعة فسيأتينا الجواب بصيغة السؤال التالي:
" أين الأرضية التي مهدتموها لاستقبال قائد دولة الحق العالمية المستقبلية ؟ ".
والحمد للَّه رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين
حسين العبدالله
رجب 1414ه
بعض المصادر:
1 القرآن الكريم.
2 أجوبة الشبهات السيد عبدالحسين دستغيب.
3 كلمة بعنوان " حب الوطن " نشرت في مجلة التوحيد للدكتور: السيد زهير الأعرجي.
4 مكارم الأخلاق نقلاً عن " الطفل بين الوراثة والتربية " ج1 ص52.
5 تحف العقول عن آل الرسول، نقلاً عن " الطفل بين الوراثة والتربية " ج1 ص110.
6 سفينة البحار نقلاً عن " الطفل بين الوراثة والتربية " ج1 ص391.
7 نهج البلاغة للإمام علي (ع) ضبط نصه الدكتور: صبحي الصالح.
8 دور المسلم ورسالته مالك بن نبي.
يتبع
المفضلات