المرجعية الدينية
بسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المرجعية الدينية
الكلمة التي القيت بالمسجد الجامع في قرية المنصورة الأحساء بمناسبة رحيل مرجع عصره آية الله السيد ابو القاسم الخوئي " قدس سره".
قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...}.
ما من مجتمع إلا ويحتاج لاستقراره إلى قانون ينظم حياته الفردية والاجتماعية.
وعلى مرِّ التاريخ ما من مجتمع إلا وبعث الله تعالى إليه نبياً ينظم حياته ويهديه سواء السبيل، قال تعالى: { وإن من اُمة إلا خلا فيها نذير }، إلا أن تمرد تلك الامم على أنبياء الله ورسله أدّى إلى انحراف المجتمع عن طريق الحق، فانتشرت الخرافات والعادات المخالفة لفطرة الانسان، وسُنت قوانين وضعية من شأنها خدمةُ الاقوياء والمترفين وهدر حقوق الآخرين.
وفي ظل تلك الاوضاع بزغ نور الاسلام من شبه الجزيرة العربيه حاملاً بين جنبيه ايديولوجية جديدة موافقة لفطرة الانسان وشريعةً تحفظ للفرد والمجتمع كرامتهما وحقوقهما بقيادة النبي محمد(ص).
وبفضل قيادة النبي(ص) الحكيمة وتوجيهات السمآء استطاع النبي(ص) من إيجاد مجتمع رسالي يحمل ايديولوجية وشريعة مصدرهما الوحي وحضارة مبنيّةً على أساس الإيمان بالله.
وعلى ذلك وطَدَّ الرسول (ص) دعائم دولته.
وحتى تبقى تلك الدولة الاسلامية مدى الدهر بعده (ص) كان لا بُدَّ من تعيين قائد جدير بالقيادة ومستوعب لكل أبعاد الرسالة الاسلامية حتى يقود الامة إلى حيث السعادة والرخاء، ويقوم بصيانة الدستور الاسلامي عن التحريف أو التفسير الغير صحيح، فكان الامام علي(ع) أول قائد ومرجع للأمة الاسلاميه عيّنه الرسول(ص) ومن بعده الأئمه من ولده عليهم السلام. ورد في الحديث عن رسول الله(ص) أنه قال: " إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابداً: الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتابَ الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهلَ بيتي. ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض }. وهذا الحديث اتفقت الرواية عليه من طرف أهل السنه والشيعة ".
ولكنّ الاحداث التي وقعت بعد وفاة النبي (ص) تمخضت عن إقصاء الامام علي(ع) عن القيادة، إلا أن مرجعيته لم يستغنِ عنها المسلمون، فكان (ع) المرجع اليهم وقت الشدائد، حتى قال قائلهم" لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن".
واختصاراً، حتى جاء دور الامام المهدي (ع) وكان في وقت تترقب الدولة العباسية الفرصةَ لإلقاء القبض عليه، ولكنَّ تخطيط السماء فوّت عليها ذلك، فكانت غيبته.
وابتدأت الغيبة الصغرى للإمام (ع) ودامت 70 سنة. وفي هذه المده اتخذ الامام (ع) اربعة سفراء ترجع الشيعة اليهم مباشرة، والسفير بدوره يرجع الى الإمام(ع) شخصياً لتوضيح حُكم الاسلام فيما أستجدَّ على الساحة من احداث وما غَمُض عليهم فهمه.
السفير الاول: ابوعَمرو عثمان بن سعيد العمري (ت:280ه).
السفير الثاني: ابو جعفر محمد بن عثمان العمري ( ابن السفير الاول (ت:305ه).
السفير الثالث: ابو القاسم حسين بن روح النوبختي (ت:326ه)
السفير الرابع: ابو الحسين علي بن محمد السُمري (ت:329ه).
وقبل وفاة السفير الرابع بستة أيام أعلن الامام (ع) عن غيبته الكبرى والتي أبتدات مباشرة بعد وفاة السفير الرابع سنة 329ه. وحَمَّلَ الامام (ع) الاُمة الاسلامية مسؤولية المرجعية الدينية والقيادة، والاُمة هي سبب إبعاده عن الساحة آنذاك.
هذا وقد عين الامام (ع) المرجع الديني للأمة تعييناً لا شخصياً بقوله: " فأما الاحداث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله."
واعتبر الاسلام المرجعية والفقاهةَ في الدين واجباً كفائياً، قال تعالى: { فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طآئفةٌ ليتفقهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون}
وأعطى أهلُ البيت المرجعَ الديني الجامع للشرائط مكانة سامية، فهو نائب الإمام (ع) حال غيبته، "... وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه رادٌ على الإمام والرادٌ على الإمام رادٌ على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق أهل البيت عليهم السلام" .
"...[فالفقيه] مرجع فكري وتشريعي من الناحية الايديولوجية ويشرف على سير الجماعة وانسجامها ايديولوجياً مع الرسالة الربانية التي يحملها ومسؤول عن التدخل لتعديل المسيرة أو إعادتها الى طريقها الصحيح إذا واجه انحرافاً في مجال التطبيق." على حد تعبير الشهيد الصدر ".
وأخيراً وليس آخراً، من هم الفقهاء الذين تصدوا للمرجعية منذ غيبة الإمام (ع) ؟
ذكر سماحة العلامة السيد محمد حسين الجلالي في كتاب (نصير الدين الطوسي) ثمانية واربعين فقيهاً، من عظماء فقهاء الشيعة وممن اشتُهرت مرجعيتهم:
أولهم: ابو القاسم جعفر بن محمد، المعروف بابن قولويه (ت:369ه)
وآخرهم: المرجع الأعلى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي.
وفي هذه الأيام تعيش الامة الاسلامية حالة حزن لفقد هذا السيد الإمام العظيم الذين بذل حياته في سبيل خدمة الاسلام والمسلمين، ولكن مما يهون الخطب الخلف الذي تركه هذا السيد.
ورد في الحديث:" إذا مات الفقيه المؤمن ثلم في الدين ثلمة لا يسدها شيء إلا خلف منه ".
وهذا الخلف: هو مؤلفاته وتلامذته من فضلاء ومجتهدين.
وبهذا اختم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
حسين العبدالله - 20 صفر 1413ه
تم بحمد الله
المفضلات