مشكورين

الإمام الصادق عليه السلام


الاسم: الإمام جعفر الصادق (ع)
اسم الأب: الإمام محمد الباقر (ع)

اسم الأم: فاطمة

تاريخ الولادة: 17 ربيع الأول سنة 83 للهجرة

محل الولادة: المدينة المنورة

تاريخ الاستشهاد: 25 شوال سنة 148 للهجرة

محل الاستشهاد: المدينة المنورة

محل الدفن: المدينة (البقيع)

ما قبل الإمامة


باسمه تعالى

بعد ثلاث وعشرين سنةً من واقعة كربلاء، رزق أهل بيت رسول الله (ص)،

وليداً ذكراً أسموه جعفر، وأبوه هو الإمام محمد الباقر (ع)، أمّا أمه فهي

السيدة فاطمة. وجده هو الإمام زين العابدين (ع)، وهو كما نعرف، الرجل

الوحيد الذي بقي من أهل البيت على قيد الحياة بعد فاجعة كربلاء.

عاش جعفر مع أبيه وإلى جانب جدّه زين العابدين، وحين بلغ الثالثة عشرة

من عمره، توفّي جدّه العظيم بعد حياةٍ مليئةٍ بالتقوى والعمل الصالح.

نشأ جعفر نشأةً صالحةً في بيت طاهر، تلّقى فيه أصول الصدق والإيمان، وقد

لقّب فيما بعد بـ «الصادق»، أي الذي يقول الحقّ والصدق دائماً، وصار

يعرف بـ « جعفر الصادق ».
[ 5 ]

في تلك الأيام كان عبد الملك بن مروان حاكماً في بلاد المسلمين، وكان ممثله

يدعى الحجاج بن يوسف، وهو رجل قاسي القلب عديم الرحمة، أنزل أشدّ

العذاب والأذى بأصحاب وأهل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، فكان يلقي بهم

في السجون، وينكّل بهم، وكان بيت الإمام زين العابدين (ع) موضوعاً تحت

مراقبة شديدة، وقد حظر على الجميع أن يقربوا هذا البيت الكريم، وفي الوقت


الذي كان فيه أعداء آل البيت أحراراً يقولون ما شاءوا، فقد حرم أهل بيت

الرسول من هذه الحرّيّة.

وبعد موت عبد الملك بن مروان استلم الحكم ابنه الوليد، وكان هذا أشدّ من

أبيه ظلماً وجرأةً على آل بيت رسول الله (ص)، كما كان يجهر بعدائه للإسلام

وأحكامه، لكنّ حكمه لم يطل كثيراً، فتسلّمه من بعده عمر بن عبد العزيز.

كان الإمام الصادق عليه السلام، في تلك الفترة من الزمن قد تجاوز أيّام

شبابه، وكان أبوه الباقر عليه السلام إماماً وقائداً للأمّة. وفي عهد عمر بن

عبد العزيز لقي أهل البيت (ع) معاملةً أفضل من
[ 6 ]

السابق، واستعادوا شيئاً من حرّيّتهم، وصار بمقدور الإمام الباقر عليه السلام

أن يجلس إلى الناس، يحدّثهم ويعلّمهم أحكام الإسلام والقرآن الكريم، إلى

جانب علوم أخرى كثيرةٍ. لكنّ حكم عمر بن عبد العزيز كان قصيراً جدّاً.

وخلفه في الحكم هشام بن عبد الملك.

كان هشام رجلاً شديداً وقاسياً، لا يكتم بغضه لأهل البيت، وقد عانى الإمام

الباقر كثيراً من شدة هشام، لكنّ قسوته - على أي حالٍ - لم تصل إلى درجة

أسلافه. ويذكر أنّ هشاماً استدعى الإمام الباقر مرّةً، وطلب منه أن يسأله

حاجةً يقضيها له، لكنّ الإمام طلب منه أن يدعه ليرجع إلى أهله في المدينة،

ليتابع عمله في الوعظ والإرشاد. فوافق هشام، وعاد الإمام إلى المدينة، كما

عاد إلى دروسه ومجالسه في مسجد جدّه الرسول (ص). وقد اجتمع حوله

خلق كثير من طلاب العلم، والتحق بدروسه الشباب والشيوخ، ومنذ ذلك

الحين، أصبحت عائلة الرسول (ص) موضع اهتمام كبير من الناس، وكان

الباقر على درايةٍ بعلومٍ كثيرةٍ، يتلقّاها عنه تلاميذه فينتشرون
[ 8 ]

في كلّ اتّجاه نحو المدن والقرى، يجلسون إلى الناس ويعلمونهم ما تعلموه

من الإمام، حتى انتشرت أحكام الإسلام وعلومه ومعارفه انتشاراً كبيراً.

شعر أعوان هشام بالخطر الذي تشكّله مجالس الإمام في توعية الناس،

وكشف الحقائق أمامهم، ولكن لم يكن بمقدورهم عمل شيءٍ، لأنّ حكم بني

أميّة كان قد بدأ يتّجه نحو الضعف، وصار الناس في كل مكانٍ يجابهون عمّال

هشامٍ ويتمردون على أوامرهم، وهكذا تمكّن الإمام (ع) من الاستمرار في

دروسه، كما استمرّ تلاميذه بالازدياد والانتشار.


جامعة أهل البيت (عليهم السلام)


توفّي الإمام الباقر (ع) سنة 114 للهجرة، بعد أن أوصى بالإمامة لابنه

جعفر الصادق (ع)، وقد ازداد خوف هشام بن عبد الملك من الإمام الصادق

عن ذي قبل، لأنّه انصرف إلى متابعة أعمال أبيه، بهمّة ونشاط شابٍّ في

الحادية والثلاثين، ممتلئ نشاطاً وحيوية، فاهتمّ بجامعة أهل البيت، التي

أسّسها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، ورعاها من بعده أبناؤه

الأطهار، وخاصة أبوه الإمام الباقر عليهم جميعاً أزكى السلام، وشملت

نشاطات هذه الجامعة كافة العلوم والمعارف، وكان لها دور كبير في صون

الإسلام من الانحراف والتشويه، ونشر تعاليمه وأحكامه.

بعد موت هشام سنة 125 للهجرة، ازداد ضعف الحكم الأمويّ، وقامت في

ذلك الوقت جماعتان تناهضان الحكم و تطالبان بالخلافة، والتحق بهما كل
المعارضين للحكم.

كانت إحدى هاتين الجماعتين بقيادة أحد أبناء الإمام الحسين (ع)، أمّا الثانية

فكانت بقيادة أحد أبناء العباس، عمّ الرسول (ص)، قامت تطالب بالثأر لدماء

الشهداء، وادّعت الولاء لآل بيت الرسول (ص).

كان كلّ هذا يجري في وقت انصرف فيه الإمام الصادق إلى العمل على نشر

العلوم و المعارف عن طريق إقامة المجالس، التي كان يحضرها كل الذين

ينازعون بني أمية الحكم، حتى أنّ العباس السفّاح والمنصور وغيرهما من


كبار بني العباس، كانويحضرون دروس الإمام،

متظاهرين بالولاء لأهل البيت عليهم السلام.


الإمام (عليه السلام) في مواجهة الأحزاب


في خضم هذه الأحداث كانت كل من الجماعتين تسعى للتقرّب من الإمام

الصادق (ع) والدعوة إليه، كي تضمن بذلك النجاح لدعوتهما هي.

أمّا آل الحسن فلم تكن دعوتهم قد استكملت نضوجها بعد، على النقيض من

بني العباس، الذين كانوا أكثر تعطشاً للملك، فقد نجحوا في جمع الأنصار

حولهم، وحول دعوتهم، لما كان الناس يعانونه من ظلم بني أمية، ولأنّ الناس

كانوا يرون في حركتهم الأمل بالخلاص من هذا الظلم. كما أنّ بني العباس

رفعوا شعار الثأر لدماء آل بيت الرسول (ص) وشعار تحرير السجناء من

سجون بني أمية، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.

وكان ممّن التحق بحركتهم رجلان من أصحاب النفوذ والقوّة في تلك الأيام،

وهما أبو مسلمٍ الخراساني وأبو سلمة الخلاّل، وكانا يدعوان الناس

إلى مناصرة بني العباس ومحاربة بني أميّة، وكان لهما تأثير كبير في مجرى

الأحداث. لكنّهما سرعان ما اكتشفا أنّ بني العباس لا يختلفون عن بني أميّة

في شيءٍ، وأنّ ادّعاءاتهم بالثأر للشهداء والولاء لآل البيت كانت كاذبةً، تخفي وراءها أطماعهم.

عند ذاك وجّه أبو مسلم وأبو سلمة كتاباً للإمام الصادق عليه السلام، يعرضان

عليه فيه أن يكون قائداً للتحرّك ضد الحكم الأموي، كما يعرضان عليه البيعة

بالخلافة. لكنّ الإمام ما إن تسلّم كتابهما حتى أحرقه أمام الحاضرين في

مجلسه، وكان تصرّفه هذا أبلغ رد على دعوة الرجلين، لأنّه يعلم حقّ العلم


أنّهما يسعيان وراء مصالحهما الشخصيّة، وليس وراء مصالح المسلمين.

وكنتيجةٍ لرفض الإمام لعرضهما، فقد التحقا بالسفاح والمنصور العباسيين،

على أن يكونا وزيرين لديهما.

وأخيراً وبعد معركة كبيرة هزم فيها مروان بن الحكم آخر الحكّام الأمويين،

وتسلّم الحكم أبو العباس السفاح، واسمه يغني عن وصفه. فعيّن أبا سلمة

وزيراً له، وكانت نهاية أبي سلمة على يدي
[ 15 ]

رفيقه أبي مسلم فيما بعد.

كان السفاح يدّعي الميل إلى أهل بيت الرسول (ص)، وقد رفع شعار الثّأر

لشهداء كربلاء، ولهذا كان مجبراً في أول عهده أن يسلك مسلك المداراة

واللّين مع الإمام الصادق (ع)، ولكن إلى حين . .
«الخمس» عامل استقلال

في تلك الأيام كان الفقهاء والعلماء يتقاضون حقوقهم من الدولة، وكانوا

يرافقون الحكّام في تحرّكاتهم إلى المساجد وغيرها، ويحرصون على رضاهم

وتبرير تصرّفاتهم، أولئك هم وعّاظ السلاطين، وكان الناس يدفعون إلى الدّولة

أموال الخمس والزكاة والخراج، فتدفع الدولة حقوق عمّالها وموظّفيها، ومن

جملتهم الفقهاء والعلماء، من هذه الأموال.

أمّا الإمام الصادق وأصحابه، فكانوا بعيدين كلّ البعد عن هذه الزمر من

المنتفعين، لأنّ الإمام كان يعتبر الحاكم مغتصباً للخلافة، وأنّ التّعامل معه هو

تعامل مع الطّغاة والظالمين. وكان أصحاب الإمام، وخاصّةً البعيدون منهم عن

رقابة الحكّام، يؤدّونالخمس والزكاة إلى الإمام،

فينفقها في وجوهها الشرعية، وهكذا حفظ الله

سبحانه وتعالى آل بيت رسوله من أي ارتباطٍ بأجهزة الحكم الظالم.


أدرك السفّاح العباسي أنّه لا يملك أي سلطةٍ على الإمام الصادق (ع). كما

أدرك أنّ حسابات الإمام في تحصيل الحقوق وفي وجوه إنفاقها، تختلف كثيراً

عن حسابات الفقهاء والعلماء المرتبطين بأجهزته، فكان يستدعيه أحياناً إلى

مقرّه في الأنبار قرب الكوفة، فيعاتبه حيناً بلهجةٍ لا تخفي مشاعره الحقيقيّة

نحوه، أو يحاول استمالته أحياناً أخرى، غير أنّه لم يكن يجرؤ على إيذائه

علناً، لأن هذا يتناقض مع ادّعائه الولاء لآل بيت الرسول (ص) .
وفي سنة 136 للهجرة هلك السّفّاح، وحلّ محلّه أخوه المنصور