بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم .

و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .

و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .



عندما نقرأ دعاء مروياً عن أهل البيت – عليهم السلام- , قد تكون هناك فقرات في الدعاء لا تنطبق على الداعي أو على ما يريده الداعي فهل نقرأ الدعاء كما ورد بلا تغيير؟ أو نقوم بتغيير بعض العبارات لتنطبق على المتكلم والحال والمراد؟
مثال (1) : يقول الإمام المعصوم – عليه السلام- في دعائه (أنا عبدك وفي قبضتك), وكلمة (العبد) تطلق في اللغة العربية على الرجل, وأما المرأة فتسمى (أمة) . وهنا يأتي السؤال السابق: عندما تقرأ المرأة هذا الدعاء هل تتمسك باللفظ الوارد, أو تبدل كلمة (عبدك) إلى (أمتك)؟
مثال (2) : يقول الإمام السجّاد – عليه السلام- في الدعاء (ارحم شيبتي ونفاد أيامي), والسؤال: الشاب في سن العشرين هل يقرأ الدعاء هكذا, أو يبدله إلى قوله – مثلاً (ارحمني وارحم نفاد أيامي)؟
مثال (3) : جاء في الدعاء ( ارزقني وارزق عيالي) فماذا يقول من ليس لديه عيال أساساً؟
وهكذا الكثير من الأمثلة, وقد تعرّض العالم الرباني ابن طاووس – عليه الرحمة- إلى هذه المسألة وذكر لها أمثلة أخرى, واختار أن يتم تغيير عبارة الدعاء لتنسجم مع حقيقة الداعي وما في قلبه ومراده. وإليك نص ما قاله ابن طاووس:

قال ابن طاووس ((وكذا قد تضمن هذا الدعاء وكثير من أدعية شهر رمضان طلب الحج ، فلا ينبغي أن يذكر الدعاء بالحج إلا من يريده ، وأما من لا يريد الحج أصلاً، ولو تمكن منه، فإن طلبه لما لا يريده ولا يريد أن يوفق له، يكون دعاؤه غلطاً منه، وكالمستهزئ الذي يحتاج إلى طلب العفو عنه، بل يقول: اللهم ارزقني ما ترزق حجاج بيتك الحرام من الإنعام والإكرام .
أقول : ولقد سمعت من يدعو بهذا الدعاء على إطلاقه في طلب ليلة القدر من أول يوم من الشهر إلى آخر يوم منه ويقول في آخر يوم ، وهو يوم الثلاثين : [وإن كنت قضيت في هذا الليلة تنزل الملائكة والروح فيها] وما بقي بين يديه على اليقين ليلة واحدة من شهر رمضان، بل هو مستقبل ليلة العيد، وما يعتقد أن ليلة العيد تنزل الملائكة والروح فيها، وإنما يتلو هذه الألفاظ بالغفلة عن المراد بها والقصد لها، ولسان حال عقله كالمتعجب منه، ولا يؤمن أن يكون الله جلّ جلاله معرضاً عنه، لتهوينه بالله جلّ جلاله في خطابه بالمحال، ومجالسته لله جّل جلاله بالإهمال .
أقول : وربما يطلب في هذا الشهر في الدعوات ما كان الداعون قبله يطلبونه، وهو لا يطلب حقيقة ما كانوا يطلبونه ويريدونه، مثل قوله : ( وأدخلني في كل خير أدخلت فيه محمد وآل محمد ). وقد كان من جملة الخير الذي أدخلهم الله جلّ جلاله فيه الامتحان بالقتل والحبوس والاصطلام وسبي الحرم وقتل والأولاد، واحتمال أذى في كثير من أذى الأنام ، وأنت أيها الداعي لا تريد أن تبتلي منه بشيء أصلاً. ومن جملة الخير الذي أدخلهم فيه الإمامة ، وأنت تعلم أنك لا ترى نفسك لطلب ذلك أهلاً. فليكن دعاؤك في هذه الأمور مشروطاً بما يناسب حالك، ولا تطلق بقلبك ولفظك ظاهر معاني اللفظ المذكور، مثل أن تطلب في الدعاء القتل في سبل المراضي الإلهية ، وأنت ما تريد نجاح هذا المطلوب بالكلية . فليكن مطلوبك منه أن يعطيك ما يعطى من قتل في ذلك السبيل الشريف من أهل القوة والمعرفة بذلك التشريف، وإن لم يكن محارباً في الله مجاهداً، بل بفضل الله المالك اللطيف.
ومثل أن يطلب في الدعاء أن يجعل رزقه قوت يوم بيوم ، ويعني ما يمسك رمقه أو يشعبه وعياله، وهو لا يرضى بإجابته إلى هذا المقدار، ولو أجابه الله جلّ جلاله ، كان قد استعاد منه كثيراً مما في يديه من زيادة اليسار. فليكن قصدك في أمثال هذه الدعوات موافقاً لما يقتضيه حالك من صواب الإرادات ، واحذر أن تكون لاعباً ومستهزئاً وغافلاً في الدعوات)).
المصدر: إقبال الأعمال ج 1 - ص 200.