بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم

أولا الموضوع مو أنا كاتبنه ناقلنه من موقع للكتب الإسلامية

ثانيا: ارجو تثبيت الموضوع





تأليف العلامة الخطيب

السيد محمد كاظم القزويني





المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما يرضى، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله سادات الورى.

وبعد: كم أنا معجب بحياة أولياء الله الذين كانوا المظهر الصحيح الكامل للانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى وإرادته وإني لا أعرف في قاموس اللغة العربي ألفاظاً كافية في التعريف والتعبير عن شخصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لا أكتب هذا بقلم العاطفة والغلو ولا طمعاً في ربح مادي للجائزة الدنيوية بل بقلم الواقع والحقيقة، أنظر إلى الحقائق وأذكر انطباعاتي عنها وسيظهر صدق هذا الكلام من خلال سطور الكتاب، ويتجلى الحق الواضح لكل من يقرأ هذا الكتاب مجرداً عن الاتجاهات.

كلمة العظيم لا تكفي لبيان عظمة الرجل، وخاصة بعد أن استعملت هذه الكلمة في الكثير ممن يستحق ذلك أو لا يستحق، مع العلم أن العظمة تتفاوت من حيث القلة والكثرة والضعف والشدة وكذلك سائر الصفات الحميدة التي يُعبّر عنها بالفضائل ويُنعت بها الرجال.

فكيف أستطيع أن أصف الإمام حق الوصف، وأؤدي واجب المقام حق الأداء، وكلما حاولت أن أطير بقلمي إلى أرفع مستوى في البيان وأعلى درجة في الأداء مع ذلك كله فالعجز عن التعبير لا يفارقني، والأفضل أن نذكر حياة الإمام بكل بساطة، ونحيل إدراك الموقف وأهمية الحال إلى فكرة القارئ وذهنه وفهمه الفطري، وهذا أولى من تنميق الألفاظ وتنضيدها وتكوين كتلة من الألغاز أو الكنايات التي تشبه كتب اللغة ولكن من غير تبويب وتنظيم!! هناك صفات تميل إليها النفوس وتحبها وتحب من يتصف بها ويقال لها: الفضائل كالعلم والشجاعة والكرم وغيرها.

وهناك أيضاً صفات تنفر منها الطباع وتكره من يتصف بها ويقال لها: الرذائل كالجهل والجبن والبخل وغيرها، وهي أضداد الفضائل والصفات الحمية، كلتا الطائفتين من الصفات تقل في النفوس وتكثر، وتضعف وتشتد، فقد يبلغ الكرم القمة، وقد ينتهي البخل إلى الحضيض وهكذا الكلام في باقي الفضائل والرذائل، ونحن حين نراجع ترجمة حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) نجدها حافلة بالفضائل بأقصى درجة ممكنة وأرفع مستوى يُتصور، منزهة عن كل ما يمس ويحط ويشوه (بجميع معنى الكلمة) بقدسية الإمام وجلالته، وليس هذا ادعاء أجوف، بل محتويات الكتاب كلها شواهد وبراهين على ما نقول، بل التاريخ الصحيح أقوى دليل وكتاب الله أقوى حجة ومن أصدق من الله قيلاً وأختم مقدمتي هذه بكلمتي الوجيزة:

أقول: إن الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء شاء أن يظهر لعباده الفرد الكامل من خلقه ليريهم قدرته على الإبداع في الصنع ويبرهن لهم على أن من الممكن أن يقرب الله البشر إلى أعلى درجة من الشرف يمكن للموجود أن يبلغها، فخلق الله محمداً (صلّى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ليكون كل واحد مثالاً كاملاً للقدرة الإلهية، وشاهداً حياً لأرقى موجود في مراتب الصعود.

وكثيراً ما كنت أحدث نفسي بتأليف كتاب يتضمن الإشارات إلى بعض مواهب هذا الإمام، المقتدى لقوافل الإنسانية عبر القرون والأجيال والدهور، ولكن التفكير حول أهمية هذا العبء الثقيل وخطورة الموقف وضآلة وضعف البيان وسعة البحث كلها كانت موانع تحول دون الخوض في هذه المعركة العلمية الفكرية!

حتى إذا اقترب شهر رمضان المبارك من سنة 1386هـ وثارت في النفوس ثورة العبادة ونهضة الدين وانتبهت غرائز الإقبال على فعل الخير واستعد إخواننا الشباب لإعادة مجلسهم السنوي في ليالي شهر رمضان وكان لي شرف الخدمة والتكلم في ذلك المجلس الذي كانت الحياة تنفجر من نواحيه، وينبعث النشاط من جوانبه، ففكرت حول اختيار حديث إسلامي متسلسل، لله فيه رضى وللمستمعين فيه أجر وثواب.

وأخيراً: تقرر أن نتحدث حول شخصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ونجعلها محور كلامنا، وندور في فلكها لما في ذلك من فوائد دينية، علمية، روحية، تربوية، تنفع العباد والبلاد.

فالتحدث عن أمير المؤمنين يشمل التكلم عن الإسلام الصحيح في جميع مجالاته وخاصة في دور التكوين والتأسيس وعن مدى تأثير التربية الإسلامية في النفوس وتبلورها ببركة تلك التعاليم وتكهرب النفوس بنفسية النبي (صلّى الله عليه وآله) تلك النفسية القوية بالمبدأ الأعلى.

نذكر في هذه الصحائف شيئاً عن حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ظل الإسلام وبعض مواقفه في المواطن الخطرة التي قل أن يثبت لها أحد، باستقبال الأخطار التي ارتعدت منها الفرائض وخفقت عندها القلوب خفقان الطير.

تبدأ تلك الحوادث المتسلسلة من أيام بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله) والشروع بالدعوة الصامتة، والناطقة والسرية والعلنية وأدوار تلك الدعوة وتطورها في مكة، وتنتهي بهجرة النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة.

وهنا يتطور الموقف إلى العمل بصورة أوسع وأصعب، ويبدأ دور الحروب والغزوات والمجازر التي أجج الكفار نارها، فارتوت الأرض من الدماء وانقلبت البوادي إلى مقابر.

نذكر مواقف الإمام (عليه السلام) في تلك المراحل المذهلة، واستعداده للتضحية في سبيل المبدأ بحيث ما كان يقف في طريقه شيء يغير اتجاهه وانطباعه عن الدين.

وتنتهي فترة الجهاد بوفاة الرسول الأعظم، فيتطور الجهاد بنوع من السكوت والصبر أو الكلام بما يقتضيه الحال وما تفرضه المصلحة العامة للإسلام والمسلمين.

ينقضي ربع قرن والإمام جليس بيته، مسلوب الإمكانيات فاقداً قدرة النهوض بأعباء الخلافة وما هناك من لوازم ومتطلبات ومسؤولية أمام الله والتاريخ لأن المسؤولية تابعة للقدرة والقوة ونفوذ الكلمة وجوداً وعدماً.

وتنتهي تلك الفترة المؤلمة بمقتل عثمان وانتقال الخلافة إلى الإمام مرة ثانية بعد انتزاعها منه إثر واقعة الغدير.

فيبدأ دور المسؤولية وبيان مسؤوليات الحكم في القانون الإسلامي، وتطبيق أحكام الله في جميع المجالات، والاصطدام بالنزعات والاتجاهات المخالفة وما هناك من مشاكل وعراقيل ومواقف حرجة.

نسير مع التاريخ حيث سار الإمام حتى ينتهي البحث بشهادة الإمام (عليه السلام)، وما هناك من نماذج من العدالة الإلهية ونفسيات طيبة تتجلى في وصايا الإمام عندما أحس بخطر الوفاة.

نتمم هذا البحث بما تيسر من كلمات الإمام وتعاليمه القيمة وفضائله ومكارم أخلاقه.

وبذلك ينتهي الكتاب إن شاء الله.

ونضطر أن نقتطف من كل حادثة جملة ترتبط بالإمام، ومن كل غزوة جانباً يتعلق بالذات بموقف الإمام فيها، رعاية لأسلوب الكتاب.

وأنا على يقين أن الإحاطة بجميع مزايا هذا الإمام خارج عن نطاق البشر وقدرة البيان، لأنه (عليه السلام) كالبحر لا يدرك طرفاه ولا يبلغ جانباه ولا يمكن الغوص إلى عمقه.

فالمتحدث عن شخصية الإمام يجد أمامه عوالم غير متناهية، يطير في فضائها وأرجائها، ومهما أوتي من حول وقوة فإن التعب يدركه قبل أن يدرك مداها.

ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فلنذهب إلى المجلس المنعقد في الجامع المعروف بجامع الصافي مقابل صحن سيدنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) لنستمع إلى ما يلي:






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الكرام البررة.

وبعد: لقد اتفقنا أن نجعل حديثنا وبحثنا في هذا الشهر عن أكبر شخصية عرفها التاريخ بعد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله).

وهي شخصية سيدنا ومولانا الإمام المرتضى أبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه آلاف التحية والثناء، ونبدأ حديثنا بولادة الإمام (عليه السلام) في الكعبة.

ولا بأس قبل الخوض في بيان الواقعة، بذكر مقدمة تمهيدية فنقول: نحن بصفتنا مؤمنين بالله وبالقرآن العظيم لا محيص لنا عن قبول الأمور الخارقة للعادة والتي هي ما وراء الطبيعة، المذكورة في القرآن الكريم، ويقال لها: (الماورائيات) أو (الميتافيزيقيا).

فإن القرآن الكريم يتضمن أكبر كمية من الحوادث الماورائيات، ولا نستطيع (بصفتنا مسلمين) أن نرفضها أو نتردد في قبولها، وخاصة بعد أن آمنا أن القرآن كتاب من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

مثلاً: طبيعة النار هي الإحراق، وإسناد الإحراق إلى النار من الأمور البديهية الثابتة، والقرآن الحكيم يحدثنا عن إبراهيم وأنه لما كسر الأصنام حكم المشركون عليه بالإعدام فقالوا: (حرّقوه) فأضرموا ناراً عظيمة اشترك جميع طبقات الناس في جمع الحطب لها، فوضعوا إبراهيم الخليل في آلة تسمى (المنجنيق)، وقذفوه من مكان بعيد في وسط تلك النار العظيمة.

قال تعالى: (وقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)(1) في الحديث ـ في تفسير هذه الآية ـ : لما خاطب الله النار بقوله: (كوني برداً) كاد إبراهيم أن يموت من البرد فقال تعالى: (وسلاماً) فسلم إبراهيم من الموت بالبرد.

وكذلك عصا موسى (عليه السلام) وانقلابها إلى ثعبان وابتلاعه الحبال والعصي التي كانت يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى، ثم عادت العصا كما كانت.

وهكذا ما قام به عيسى بن مريم (عليه السلام) من إبراء الأكمه (الذي ولد أعمى) والأبرص، وإحياء الموتى حتى الذين انقضت على وفاتهم مئات السنوات، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعجزة في ثلاثة مواضع.

وهكذا وهلم جراً، من القضايا والحوادث الخارقة للعادة والطبيعة المستندة إلى إرادة الله وقدرته، ويسهل الإيمان بهذه الأمور كلها إذا حصل الإيمان بأن الله قادر على كل شيء، وأن جميع الموجودات خاضعة ومطيعة لإرادة الله تعالى.

إذا ثبت هذا فلا مانع لدى العقل من قبول انشقاق جدار الكعبة لدخول فاطمة بنت أسد حتى تضع ولدها الإمام في جوف الكعبة، وإليك الواقعة:



علي وليد الكعبة


أحست السيدة فاطمة بنت أسد بوجع الولادة وهي في الشهر التاسع من الحمل، وأقبلت إلى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة، ثم وقفت للدعاء والتضرع إلى الله تعالى ليسهل عليها أمر الولادة، قائلة: يا رب إني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته...

ومصدقة بكلامك وكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وقد بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق أنبياءك المرسلين، وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي..

إلا يسرت عليّ ولادتي.

انتهى دعاء السيدة، وانشق جدار الكعبة من الجانب المسمى (بالمستجار) ودخلت السيدة فاطمة بنت أسد إلى جوف الكعبة، وارتأب الصدع، وعادت الفتحة والتزقت وولدت السيدة ابنها علياً هناك(2).

من المعلوم: أن للكعبة باباً يمكن منه الدخول والخروج، ولكن الباب لم ينفتح، بل انشق الجدار ليكون أبلغ وأوضح وأدل على خرق العادة، وحتى لا يمكن إسناد الأمر إلى الصدفة.

والغريب: أن الأثر لا يزال موجوداً على جدار الكعبة حتى اليوم بالرغم من تجدد بناء الكعبة في خلال هذه القرون، وقد ملأوا أثر الانشقاق بالفضة والأثر يرى بكل وضوح على الجدار المسمى بالمستجار، والعدد الكثير من الحجاج يلتصقون بهذا الجدار ويتضرعون إلى الله تعالى في حوائجهم.

روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة ـ في أماليه ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام): كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق بني عبد العزى إزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، فوقفت إزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، ورمت بطرفها نحو السماء وقالت...

إلى آخر كلامها الذي تقدم.

ووصل الخبر إلى أبي طالب، فأقبل هو وجماعة وحاولوا ليفتحوا باب الكعبة حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنها على أمر الولادة، ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب، فعلموا أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى.

وحدثت السيدة فاطمة بما جرى عليها في الكعبة، قالت: فجلست على الرخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب ولم أجد وجعاً ولا ألماً.

وبقيت السيدة في الكعبة ثلاثة أيام، وانتشر الخبر في مكة، وجعل الناس يتحدثون به حتى النساء، وازدحم الناس في المسجد الحرام، ليشاهدوا مكان الحادثة، حتى كان اليوم الثالث، وإذا بفاطمة قد خرجت ـ من الموضع الذي كان قد انشق لدخولها ـ وعلى يدها صبي كأنه فلقة قمر وأسرعت الجماهير المتجمهرة إليها فقالت: معاشر الناس، إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً، ومريم بنت عمران، حيث هانت ويسرت ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً وإن الله تعالى اختارني (فضلني) عليها وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها...الخ(3).

وبعد هذا كله لم يبق مجال للشك في هذه الحادثة والاستبعاد من قدرة الله تعالى وإرادته، وما المانع أن يختار الله لمولد وليه أشرف بقاع الأرض حتى يكون مولده في ذلك المكان من مزاياه التي تفرد بها عن الخلق أجمعين؟؟ وما المانع أن يمنح الله عباده المقربين هذه العطايا والمنح كي تكون لهم دليلاً على كرامتهم عند الله.

فقد ذكر الشيخ المفيد (ره) المتوفى سنة 431هـ في الإرشاد مولد الإمام في البيت الحرام، وكذلك من جاء بعده كالشيخ الطوسي والنسابة علي بن أبي الغنائم والشهيد في مزاره والسيد ابن طاووس في المصباح والعلامة الحلي المتوفى سنة 736هـ في كتابه كشف الحق وكشف اليقين.

وتطرق السيد الحميري في نظمه إلى هذه المفخرة وهو من شعراء القرن الثاني وهو قوله:

ولدته في حرم الإله وأمنــــه والبيت حيث فناؤه والمسجـد

بيضاء طاهرة الثـياب كريمـة طابــت وطاب وليدها والمولد

ما لف في خرق القوابل مثله إلا ابن آمنة النبي محمــــــــد

وكذلك الشاعر محمد بن منصور السرخسي، وهو من شعراء القرن السادس أشار إلى هذه الفضيلة بقوله:

ولدته منجبة وكان ولادهـــــا في جوف كعبة أفضل الأكنان

ولم ينفر أساطين الشيعة وعلماؤهم بذكر هذه المأثرة، بل شاركهم الكثير من علماء السنة، كالمسعودي في مروج الذهب وإثبات الوصية وعبد الحميد خان الدهلوي، في سيرة الخلفاء وغيرهما من المحدثين.

وأشار عبد الباقي العمري وعبد المسيح الأنطاكي أيضاً إلى هذه الحادثة وأنها من الأمور المتفق عليها، وأنها من خصائص الإمام ولم يشاركه أحد قبله ولا بعده في هذه المكرمة، حتى قال محمود الآلوسي في شرح قصيدة عبد الباقي العمري ما هذا نصه: (وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة...

ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه، وأحرى بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، سبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين).

استقبل سيدنا أبو طالب السيدة فاطمة بنت أسد مهنئاً، وأخذ أبو طالب وليده الحبيب وضمه إلى صدره ثم رده إلى أمه، وأقبل رسول الله وذلك قبل أن يبعث فلما رآه علي جعل يهش ويضحك كأنه ابن سنة، من حيث المشاعر والإدراك فأخذه النبي (صلّى الله عليه وآله) وقبله وحمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم أنه سيكون له أحسن وزير وخير أخ وأول مؤمن به، وتتحقق به آمال رسول الله وأمانيه بنشر دينه الذي سيبعث به فسلم علي على رسول الله ثم قرأ هذه الآيات: (بسم الله الرحمن الرحيم.

قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)(4) إلى آخر الآيات، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أفلحوا بك.

وقرأ تمام الآيات إلى قوله (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)(5).

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.

وأذن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلموا إلى وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتخذوا وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس، ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعاً سبعاً، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه(6).

وهنا سؤالان: الأول كيف تكلم علي وهو ابن ثلاثة أيام، والسؤال الثاني كيف قرأ آيات القرآن والقرآن بعد لم ينزل على النبي؟

أما الجواب عن السؤال الأول: إن القرآن الكريم يصرح بتكلم عيسى لما حملته أمه مريم وجاءت به إلى قومها، فسألها قومها عن عيسى (فأشارت إليه) أي سلوا الطفل فإنه يخبركم عن الحقيقة.

قال اليهود: كيف نكلم من كان في المهد صبياً؟ قال (عيسى): (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً) فإذا أمكن أن يتكلم عيسى في المهد صبياً فما المانع أن يتكلم علي وهو طفل فإن كان عيسى نبياً فعلي خليفة نبي ووصيه وليس ذلك على الله بعزيز، وليس هذا بمستحيل أمام قدرة الله تعالى فإن الله على كل شيء قدير.

والجواب عن السؤال الثاني: أن القرآن الحكيم يقول: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)(7) مع العلم أن القرآن نزل على النبي (صلّى الله عليه وآله) في خلال ثلاث وعشرين سنة، من يوم مبعثه إلى أيام قبل وفاته، فما المقصود من هذه الآية المباركة التي تصرح بنزول القرآن في ليلة القدر؟

هناك أحاديث متواترة عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية مفادها: أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ومن السماء الدنيا نزل تدريجياً ومن هنا يستفاد أن القرآن كان موجوداً في السماء قبل نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله).

فالطفل الذي اختار الله له الكعبة مولداً وأنطق لسانه يوم ولادته لا مانع عند العقل أن يلهمه الله شيئاً من كتابه المخلوق الموجود في السماء.

وكانت ولادته يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، بعد مضي ثلاثين سنة من عام الفيل.

وقيل: أقل من ذلك، والله العالم.




(1) سورة الأنبياء، الآية: 69

(2) البحار ـ ج9.

(3) نفس المصدر.

(4) سورة المؤمنون، الآيتان: 1 و2.

(5) سورة المؤمنون، الآيتان: 10 و11.

(6) البحار ـ ج9.

(7) سورة القدر، الآية: 1.

يتبع