والعدالة لا تعني عدم التفضيل بين الاطفال ، فبعض الاطفال يكونون أكثر جاذبية من بعض من قبل الوالدين ، فعن رفاعة الاسدي قال : (سألت أبا الحسن ـ موسى بن جعفر عليه السلام ـ عن الرجل يكون له بنون وأُمهم ليست بواحدة ، أيفضل أحدهم على الآخر ؟ قال عليه السلام : «نعم ، لا بأس به ، قد كان أبي عليه السلام يفضلّني على أخي عبدالله») (5) والتفضيل يجب أن يكون مستوراً لا يظهره أمامهما ويحتفظ به في مشاعره القلبية ، أمّا في الواقع فلا يعمل إلاّ بالعدالة والمساواة ، كما قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «قال والدي : والله لاَصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأكثر له المحبّة ، وأكثر له الشكر ، وانّ الحق لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوته» (1) لاَن عدم العدالة له تأثيره السلبي على نفسية الا طفال تؤدي إلى زرع روح الكراهة والبغضاء بينهم وتؤدي بهم في النتيجة إلى العداء المستحكم ، واتخاذ الموقف غير السليم كما فعل اخوة يوسف به حينما ألقوه في البئر .
وقد كانت السيرة قائمة على أساس إشاعة العدالة بين الاطفال سواء كانوا أخوة أو أرحام ، فعن عبدالله بن عبّاس قال : (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى فخذه الايسر إبنه ابراهيم وعلى فخذه الايمن الحسين بن علي ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا) (2).
فإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين ابن بنته ، ومع كلِّ هذهِ الاختلافات في الروابط فانه صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرّق في المعاملة بينهما .
وفي رواية (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه ، فلما رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً فلمّا عاد عادا ، فلما انصرف أجلس هذا على فخذه الاَيمن وهذا على فخذه الاَيسر) (3).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين
يمشيان ويعثران (فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه) (1).
ومن مصاديق العدالة والمساواة هو عدم إقامة المقارنة بين الاطفال ، في صفاتهم الجسمية والمعنوية والنفسية ، فلا يصح ان يقال فلان أجمل من فلان ، أو أذكى منه أو أكثر خُلقاً منه لانّها ستكون منبعاً للحقد ، لانّ المقارنة بين الاطفال تؤدي إلى (الغيرة من بعضهم وإلى التنافس) (2).
والمقارنة تؤدي إلى فقدان الثقة بين الاشقاء والعكس صحيح (عدم التفرقة في المعاملة هو أكبر دعامة لخلق جو من الثقة المتبادلة بينه وبين سائر أفراد العائلة) (3).
ونلاحظ عند كثير من الآباء مواقفَ غير مقصودة بأن يقول : ان ابني فلان يشبهني ، وفلان لا يشبهني ، فحتى هذه المقارنة تعمل عملها في الغيرة والتنافس ، والافضل اجتنابها .
ومن العدالة هو عدم التمييز بين الولد والبنت ، لانّ التميز يؤثر تأثيراً سلبياً على نفسية البنت ، وعلى زرع العداوة والحقد بين الاخت وأخيها ، وهذه ظاهرة شائعة في أغلب البلدان ، حيثُ يميل الابوين إلى الابن أكثر من ميلهما إلى البنت ، ويلبيّان مطاليب الولد أكثر من مطاليب البنت ، ولغرض التقليل من شأن هذهِ الظاهرة جاءت الروايات لتعطي للبنت عناية استثنائية وتمرّن الابوين عليها كما جاء عن ابن عباس عن رسول ً
الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج ، وليبدأ بالاناث قبل الذكور..» (1).
والبدء بالاناث لا يوّلد أي تأثير سلبي على الطفل الابن ، لانّه يراه أمرا طبيعياً فلابدّ من تقديم أحدهم ، وغالباً ما يسكت الطفل ولا يلتفت إلى التمييز إنْ حصل على عطاء والديه ، سواء كان العطاء أولاً أو ثانياً .
والعدالة بين الاطفال لا تعني ان لا نتخذ اسلوباً للتشجيع بان تخصص هدية إضافية لمن يعمل عملاً صالحاً ، فان ذلك ضروري لتشجيع الطفل على السلوك الصالح ، وقد ينفع في إقامة المنافسة المشروعة بين الاطفال لا تؤثر على نفسياتهم بصورة سلبية ، بل يجدونها أمراً مشروعاً وحقاً طبيعياً ، وعلى الوالدين التعامل بحذر في مثل هذه الحالة بالتعرّف على نفسية أطفالهم ، وابتكار الاساليب الناجحة في التشجيع المنسجمة مع حالاتهم النفسية التي لا تؤدي إلى الشعور بعدم العدالة .
ومهما تحققت العدالة والمساواة بين الاطفال فانّها لا تستطيع إنهاء بعض المظاهر السلبية كالشجار والصراع بين الاطفال ، وهي ظاهرة طبيعية تحدث بين الاطفال في كلِّ أو أغلب الاسر ، فتحدث حالات من النقاش الحاد أو الاشتباك بالايدي بين الاطفال ، ويتهم أحد الاطفال أخاه أو اخته بانه المقصر في حقه أو البادىء في العدوان عليه ، وفي مثل هذه الحالة على الوالدين ان يدرسا المشكلة دراسة موضوعية وان ينظرا إلى الشجار والصراع بانّه حالة طبيعية ، فاذا كان سهلاً وبسيطاً ومحدوداً ، فالافضل عدم التدخل في إنهائه ، وان يترك الاطفال يعالجون أمورهم بأنفسهم
لانهاء الشجار ، وليس صحيحاً ان يدخل الوالدان أو أحدهما كقاضي في الحكم بينهما ، لانّ الحكم لاَحد الاطفال دون الآخر لا ينسجم مع مبدأ تطبيق العدالة والمساواة مع الاطفال ، امّا اذا تكرر الشجار والصراع عدة مرّات أو كان مستمراً طول النهار ، أو كان قاسياً وخطراً على الاطفال ، يأتي دور الابوين في التدخل لانهائه ، باصدار الاوامر لكليهما بالتوقف السريع عن الاستمرار به ، أو إلفات نظرهم إلى موضوع آخر ، واشغالهم به، أو التدخل لابعاد أحدهم عن الآخر ، واذا تطلبّ الاَمر استخدام التأنيب أو العقوبة المعنوية فالافضل ان تكون موجهة لكليهما انسجاماً مع تطبيق العدالة بين الاطفال .
تحياتي للجميع
أختكم
عيون لاتنام![]()
المفضلات