((بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))
قال الإمام العسكري (ع) في روايته المشهورة
فأما الحوادث الواردة فارجعوا فيها لرواة حديثنا فهم حجة الله عليكم وأنا حجة الله عليهم
نتحدث هنا في هذا الموضوع عن مسألة طالما دار النقاش والبحث الطويلين فيها وهي مسألة الأعلمية بين الفقهاء كيف يكون المرجع أعلم ومن الذي يميز الأعلم
المعروف بين فقهائنا أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم في مسألة تقليد الأعلم إما الفتوى بوجوب تقليد الأعلم أو الاحتياط به
ولا بأس هنا بالإشارة إلى أنه قد ذكرت عدة تعاريف للأعلم وبيان المراد منه مما يوحي للناظر في تلك التعاريف بوجود خلاف بين الفقهاء في تشخيص هذه الحقيقة ومعرفة هذا المفهوم إلا أن الصحيح خلاف ذلك حيث أن الظاهر أنهم لا يختلفون في حقيقته نعم قد يناقشون ويختلفون في كيفية إبراز هذه الحقيقة وهذا المفهوم .
تعريف الأعلم :
نذكر هنا تعريف الأعلم الذي ذكره الفقيه الكبير السيد اليزدي صاحب كتاب "العروة الوثقى " التي علق عليها العلماء المتأخرين والذي من خلال التعليق عليها يثبتون اجتهادهم
المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر إطلاعا لنظائرها وأجود فهما للأخبار وهو الأقدر على استنباط الأحكام بأن يكون أكثر إحاطة من غيره بحيث يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى فتوى غيرة والحاصل أن يكون أجود استنباطا و الأعرف في تعيينه أهل الخبرة وهم المجتهدون وهناك تعاريف أخرى تختلف معه ظاهرا ولكنها توافقه مضمونا كما ذكرنا .
ومن المعلوم أن الأعلمية موضوع من الموضوعات العرفية التي لا تحتاج إلى كثير من البيان إلا أنه من باب زيادة الإيضاح وتبيين حقيقة هذا الموضوع الذي كثر الكلام والسؤال عنه ففكرت بالحديث عنه من جانبين :
الجانب الأول:
في حكمة تقليدالأعلم من المعلوم أن الشارع المقدس يريد الخير الصلاح للمكلفين دائما وأبدا ولهذا أرسل الرسل وأقام بعدهم الأوصياء هداة للناس ومعلمين لهم كي لا يقعوا في طريق الظلال ولا ريب في أن الأجيال المتأخرة بعيدة عن وقت نزول القرآن وصدور النصوص التشريعية الصادرة عن المعصومين (ع) كما أنهم قد حرموا معاشرة اللقاء بالمعصوم بغيبة الإمام الحجة ((أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)) فهل يحرمون أيضا من الهداية والمعرفة والوصول إلى براءة الذمة من التكاليف التي وجهت لهم خصوصا وأنه ليس لكل مكلف المقدرة على معرفة وظيفته الشرعية والوصول إلى كيفية تطبيقها كما أن من الصعب على جميع الناس أن يكونوا علماء وفقهاء في الدين فمن هنا جاء طرح باب التقليد كحل للمكلفين بحيث جعل الأئمة الرجوع للفقهاء طريقا لأخذ الحكم الشرعي ففي الرواية عنالإمام العسكري (ع)
" فأما من كان من الفقهاء صائنا لدينه حافظا لنفسه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فعلا الناس أن يقلدوه فإنه حجة الله عليكم وأنا حجة الله عليهم "
والغاية من إتباع المكلف للمرجع هي الوصول إلى براءة الذمة المطالب بها.
الجانب الثاني:
كيفية تحقق الأعلم إن المحتملات في معنى الأعلمية وكيفية تشخيصه عدة أمور :
الأول:
أن يكون المراد منه هو الشخص الذي يكون أكثر علما من غيره فيكون التركيز على كثرة المعلومات فمن يكون صاحب معلومات أكثر يكون هو الأعلم وهذا التفسير بعيد حيث أنه لا دخل لهذه الجملة في عملية الاستنباط وعلى هذا يكون الناتج لا دخل لكثرة المعلومات في الأعلمية .
الثاني:
أن يكون المدار فيها على كثرة استحضار الفروع الفقهية بمعنى أن يكون صاحب ذاكرة كبيرة ولا ينسى أي شيء وبعبارة أخرى الأعلم هو الأكثر إحاطة بالفروع وأقوال العلماء في المسائل الفقهية كما أن لدية القدرة على كل مسألة ترد عليه ولو كانت من الفروع النادرة أو التي لا يبتلى بها الشخص عادة
وهذا التفسير بعيد أيضا لأنه قديوجد شخص غير مجتهد ولكنه يكون أكثر حفظا للمسائل والفروع من غيره بل وحتى من المجتهد أحيانا وهو في الواقع ليس مجتهدا.
الثالث:
المراد منه هو الذي يكون قوله الأقرب لإصابة الواقع في الحكم الشرعي وهذه هي الحكمة من تقليد الأعلم لا أنها ضابط تحديد الأعلم وحقيقته .
الرابع :
أن يكون الأعلم هو الأجود فهما والأحسن تعيينا للوظائف الشرعية وبعبارة أخرى هو الأشد مهارة من غيره في تطبيق القواعد على الفروع وأقوى استنباطا وأقوى استنتاجا للأحكام من مبادئها وأدلتها وهذا التعريف هو المتداول بين الفقهاء لتعريف الأعلم وهذا المعنى يتوقف على علم المجتهد بالقواعد والكبريات وحسن سليقته في تطبيقها على الصغريات فكل مسألة فقهية يحتاج الفقيه للوصول لحكمها عن طريق الاستنباط إلى عدة علوم وهي بمثابة المقدمات لعلم الفقه ومن أهمها :
الأول:
علم الرجال الذي يبحث عن أحوال الرجال والرواة والذي يبحث عن أصلهم وفصلهم ومنشأهم وتفاصيل حياتهم لأنهم الذين ينقلون الرواية للناس فنتعرف على كل شيء عن حياتهم هل كانوا صادقين أم كاذبين بل وأضاف بعض المراجع شرط أخر وهو هل أنهم موالين أي من شيعة أهل البيت أم لا وهو أية الله العظمى السيد السيستاني .
الثاني:
علم الأصول المشتمل على تعريف الألفاظ وتعريف الأصول العملية لفهم وتطبيق القاعدة على الفرع .
الثالث:
الإحاطة بتفسير آيات الأحكام بمعنى يكون على علم بتفسير كل الآيات التي نزلت توضح حكما شرعيا .
ولكن السؤال المهم هنا أن كل شخص قلد مجتهدا بحسب ما وصل إليه مندليل على أنه هو الأعلم وغيره لم يكن هو الأعلم سواء كان التفكير من المرجع أم من المقلدين هل هذا التقليد صحيح كل الفقهاء يقولون هذا التقليد صحيح ولا غبار عليه وهو مجزئ ومبرئ للذمة باعتباره قد أستند على دليل شرعي وهو البينات وبعبارة أوضح هو لم يقلده تشهيا ولكن قلده على حسب ما وصل له من شهود وهم على أقل تقدير مجتهدان عادلان لا يكذبان ولا يميلان للدنيا فيكون تقليده صحيح والكل على هذا الترتيب يكون تقليدهم صحيح
دمتم بألف خير
المفضلات