أبدأ بإعتذار للقارئ الكريم على عنوان هذا المقال - لخدشه الذوق والأدب - والذي كان عنواناً لخبر صحفي كبير بجريدة الوطن الكويتية يستعرض أحداث مشادات كلامية تمت بين عضوين بالبرلمان الكويتي (مجلس الأمة) خلال جلسته الأخيرة .. وإن كان جلياً أن المشادة كانت نتيجة احتقان طائفي تسرب داخل البرلمان ويكشف عن احتمالية وجود احتقان بالجماهير، إلا أن ذلك لا يبرر الخطأ ..
إن لغة الحوار مؤشر هام على مستوى الوعي بالمجتمع وقد حث ديننا الحنيف على استخدام الكلمات الطيبة وقد صورها القرآن الكريم أنها كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها بالسماء تؤتي أكلها كل حين .. أي أن مفعول الكلمة الحسنة مستمر ومتنامي عكس الكلمة الخبيثة ..
.. لقد كان في خلاف أمير المؤمنينوحروبه دروس عظيمة تدل على الإيثار وتقديم مصلحة الأمة والمجتمع على المصلحة الخاصة .. وقد كان
يسطر أروع نماذج الحوار المتحضر وقبول الإختلاف .
من أخطائنا التي نرتكبها بإستمرار وقد تتسبب في خصومات حادة، هي ربط نقد الرأي والفكرة بأنه مساس بالشخصية، بينما يفترض أننا نسعى دائما لتهذيب أفكارنا وتصويب آرائنا والتي لطبيعة عقولنا البشرية تحتاج دائما إلى التصويب والتمحيص والتقويم المستمر، وعليه فإننا نشعر نتيجة هذا الربط الخاطئ بأن المستهدف هو حامل الفكرة وليست الفكرة نفسها، وهذا بالطبع لا يعني أن كل نقد لا يستهدف صاحبها ! .. نعم .. قد يكون ولكن ينبغي ألا ننجر معه إلى اسلوب متدني بل وأن نحرص ألا نتجنى عليه بظنٍ خاطئ .. فنصبح أسارى ظنوننا الشيطانية والتي تجعلنا نعرض عن النصيحة والرأي المسدد لرأينا ..
.. لطبيعة الثقافة العربية ولطريقة بناء العقلية العربية فإننا ننمو وفي داخلنا ينمو شعور بالعزة والإباء وعدم تقبل الذل والهوان .. ولكن ديننا الحنيف دائما يهذب من تلك المشاعر فينهانا أن " تأخذنا العزة بالإثم " .. بل وأن نستمع للقول فنتبع أحسنه .. كذلك هي أخلاق أهل البيت.
هذا الشعور المتنامي يصبح طاغياً في فترات لاحقة .. فلا نستطيع الاعتراف بخطأ أو أن نقبل بتشكيك في فكرتنا أو حتى مناقشة بعض معتقداتنا .. ونبينا محمدقد نشر الدين بلغة الحوار والاقناع ولم يستخدم القوة أو حتى الإرهاب النفسي تجاه الكفار والمشركين واليهود الذين كانوا يرفلون من خيرات الدولة الاسلامية .. وهذا ما جعلهم - بعدها - يقتنعون بفكرة الاسلام السامية ويعتنقوه بإيمان وتصديق .
إن الحوار المتحضر الراقي كان وما زال إحدى القيم الإسلامية الرفيعة وقد أولاه الإسلام إهتماما بالغا لما يمثله من حلقة تواصل وتفاعل بين البشر وبدونه تصبح الحياة بينهم مستحيلة .
كما علينا أن نتجنب النقد الخاطئ .. ولا أقول الهدام لأن بعض النقد البناء يساء استخدامه عن غير قصد .. ولقول إمامنا علي- ما مضمونه - : " ما كل ما يعرف يقال وما كل ما يقال حان وقته وما كل ما حان وقته حان أهله " .. لذا قد نتلقى نقداً جيدا وبناء، ولكن بطريقة او بوسيلة خاطئة يتوجب حينها ان نستخلص الحكمة منه كما تستخلص النحلة رحيق الزهر ..
.. تواجه الأمة الأسلامية أزمة حقيقية في ممارسات الحوار .. وليس في مفاهيمه .. ذلك أني أدعى أن الجميع قد توعى - نظرياً - بما يكفي ليعرف المفاهيم الصحيحة للحوار البناء .. ولكن التطبيق او الممارسة العملية له هو المعضلة .. لذا تجدنا لا نطيق الاختلاف والتعدد بل ونعتبر أن أي تعدد أزمة بحد ذاتها بينما في أحيانٍ كثيرة ( وليس كلها بالطبع) هو حالة حضارية وصحية للمجتمع ..
.. وإنه لمفجع ومؤلم أن تجد أتباع أهل البيتوالذين قال لهم إمامنا جعفر الصادق
- ما مضمونه - : " كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا " .. تجدهم ينجرون في تلك المهاترات، بل وأن تظهر أصوات من هنا وهناك تشكك وتتهم وتقذف بسوء ظن أو بسوء تقدير وعقلنة للأمور فلم يسلم من هذه الأزمة صغير او كبير والدامي أنها قد طالت بعض المرجعيات الدينية .. وهذا موضوع طويل قد نفتحه لاحقاً .
.. الاختلاف ليس أزمة .. بل الأزمة ممارسة هذا الاختلاف !!!
.. ومن شواهد هذه الأزمة الحادثة التي كانت انطلاقة هذا المقال .. والتي أوردها لكم نقلاً عن جريدة الوطن الكويتية، كما يلي:
فقد انطلقت شرارة الحادثة بتفوه النائب حسين القلاف على النائبين عادل الصرعاوي وجمال العمر ومطالبتها بالخروج من القاعة حتى يتسنى له الحديث، وجاءت الملاسنة على النحو التالي:
حسين القلاف: انتوا ليش ما تسكتون اذا موعاجبكم الكلام وتبون اتهاوشون طلعوا بره من القاعة.
عادل الصرعاوي: انت شفيك هذه مو اول مرة لك يا اخي وجه كلامك للرئاسة.
حسين القلاف: ليش ما تسمعونعادل الصرعاوي: يا اخي ما نبي نسمع لك ومو مجبرين نسمع اللي تقوله وعلى كيفنافيصل المسلم: هل هذا معقول ان يطرد نائب زملاءه من المجلس.. وين قاعدين.. الحديث له اصول..الرئيس: اخ فيصل انت ليش واقف اهنيه.. اقعد مكانك.فيصل المسلم: ليش تطلب مني الجلوس والقلاف يغلط على النواب ويطردهم من المجلس وانت ما تقول شي.حسين القلاف للمسلم: انت مو شغلك انا ما كلمتك اناكلمت الصرعاوي... منو اللي حاطك محامي تدافع عنه.. اعرف حدودك ولا تدخل نفسك فيما لا يخصك.اقعد مكانك... ولا كلمة.فيصل المسلم: هل هذا اسلوب عضو مجلس في مخاطبة زملائه؟.حسين القلاف: انت شكو وشدخلك، احترم نفسك، لعنة الله عليك.فيصل المسلم: لعنة الله عليك انت واحترم نفسك.حسين القلاف: اقعد مكانك... انت منو الاخ الرئيس خل هذا يسكت ولا يدخل نفسه فيما لا يعنيه.فيصل المسلم: انا فيصل المسلم واحترم نفسك في مخاطبة زملائك.حسين القلاف: يعني شنو بتسوي، اللي ما تطوله بيدك طوله برجلك.. اقعد مكانك.فيصل المسلم: شوف الأخ الرئيس أسلوب كلام عضو مجلس الأمة كيف يكلم زملاءه النواب بهذا الأسلوب الفظ.حسين القلاف: الى متى نسكت عنك.. اسكت يا حيوان يا قليل الحيا...د. وليد الطبطبائي: هل هذا مستوى جلسة مجلس الأمة.. ارفع الجلسة الأخ الرئيس ما يصير يستمر هذا الوضع.الرئيس: يا سيد... سيد خلاص.. خلاص
وهنا تدخل النواب لتهدئة النائبين وانهاء المشادة بعد ان حاول كلا النائبين الاندفاع نحو الآخر.
- النص منشور كاملا بجريدة الوطن الكويتية.
المفضلات