تكملة البحث السابق


أصل الإنسان :
تختلف الآيات القرآنية من جهات حول خلق الإنسان فيعرض بعضها لخلق أول إنسان وبمعرفة ذلك سوف يتضح مبدأ جميع أفراد الإنسان الآخرين من الناحية التاريخية فإذا قلنا أن ادم خلق من طين صح عندها القول بان جميع الناس خلقوا من التراب ومعنى هذا الكلام أن كل إنسان قد خلق من نطفة والنطفة مخلوقة من مواد غذائية والمواد الغذائية مخلوقة من التراب وجميعها يعود إلى الأرض فيكون مبدأ خلق الإنسان من التراب باعتبار كل فرد من أفراده هو التراب ثم إن هذا الاختلاف ليس تناقضا لان كل فئة من الآيات تنظر إلى جهة لا تلحظها الآيات الأخرى .


من أي شيء خلق الإنسان :
الملاحظ من كيفية تناول القرآن الكريم لمبدأ وجود الإنسان قد يبدوا لأول وهلة وجود اختلاف بين آياته إذ نراه يقول في آية
((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً)) وفي آية ثانية يقول ((خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)) إلا أنه بعد التعمق في الآيات يتعرف القارئ للتفاسير على أنه لا اختلاف بين النطفة والماء الدافق فكلها ماء ويمكن الجمع بينها وقد أطلقت كل منها جهة خاصة وعليه يتضح أن الماء باصطلاح القرآن ليس منحصرا في خصوص السائل المركب من الهيدروجين والأكسجين بل هو معنى واسع يشمل حتى النطفة لكن الذي يوجب توهم الاختلاف في أصل مبدأ الإنسان وخلقه ما ورد من التعبيرات المتنوعة وهي الطين - التراب- الحمأ المسنون -
الصلصال وأمثالها من التعابير الواردة
وهذا أيضا يمكن علاجه بالجمع بين هذه الآيات المتفرقة لذلك فالتراب إذا أضيف إليه الماء فأصبح طينا وإذا جف ماؤه صار صلصالا ويعبر عن الطين في سواحل البحار والأنهار بالحمأ وإذا كانت فيه لزوجة يعبر عنه بالطين اللازب فكل هذه الكلمات ناشئته من التراب فكأن كل آية من الآيات تعرضت لمرحلة من المراحل لخلق الإنسان نعم يبقى الاختلاف بين الآيات التي تشير إلى التراب وبين الآيات المؤكدة على الماء فكيف يجمع بينهما فيجاب على ذلك بأن الاختلاف المذكور يتصور في حالة أصل الخلق في خصوص الماء أو التراب وأما لو كان المقام عبارة عن ذكر بعض العناصر المكونة لا جميعها فعندها يكون الجمع ممكنا حيث أن الآيات الناصة على أحدهما دون الآخر تكون متعرضة لبيان بعض العناصر المكونة ولا بأس بإشارة لبيان بعض الآيات التي تعرضت إلى الحديث عن أصل الإنسان وعن مواد خلقه وعناصر تركيبه
الأول : الأرض والتراب توجد بعض الآيات التي تشير إلى منشأ الإنسان هو الأرض مثل قوله تعالى (( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )) وهذه الآيات تتشابه مع الآيات التي تعد التراب هو منشأ لوجود الإنسان وهو قسم من الأرض مثل قوله تعالى ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ))
الثاني : الماء وقد ورد في عدة آيات منها قوله تعالى ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً )) ويوجد في هذا المعنى احتمالان :
الأول :أن يكون بحسب معناه الاصطلاحي المتعارف فتكون هذه الآية كبقية الآيات التي تعتبر الموجودات الحية كلها مخلوقة من الماء كقوله تعالى ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
الثاني :أن يكون الماء بمعنى النطفة وهذا الاحتمال هو الأقوى فيكون المقصود منه أن النطفة هي المبدأ القريب للإنسان ويشهد لذلك الآيات التي تعبر عن النطفة بالماء المهين أو الماء الدافق ثم إن هذه الآية وأمثالها تشير إلى بيان الطريق الطبيعي لخلق الإنسان فحسب فلا عموم فيها لأن نبي الله آدم وكذلك عيسى لم يخلقا من نطفة .
ولي عودة للتكملة إن شاء الله