بسم الله الرحمن الرحيم
" ..... السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه الأعظم, السلام عليك يا أكرم مصحوبٍ من الأوقات ويا خير شهرٍ في الأيام والساعات, السلام عليك من شهرٍ قَربت فيه الآمال ونُشرت فيه الأعمال وزُكِّيت فيه الأموال, السلام عليك من قرين جلَّ قدره موجوداً, وأفجع فقده مفقوداً ومرجوٍ آلم فراقه, السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فسرَّ وأوحش منقضياً فمض, السلام عليك من مجاورٍ رقت فيه القلوب وقلت فيه الذنوب ..... "
هكذا كان الإمام السجاد عليه السلام يودع شهر رمضان المبارك.
إخواني الفضلاء / أخواتي الفاضلات :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقبل الله صيامكم بأحسن القبول وجزاكم أوفر الجزاء.
كل عام وأنتم بخير, بمناسبة إطلالة عيد الفطر السعيد, أعاده الله عليكم باليمن والخير والسعادة..
هاهي ذي أيام شهر رمضان المبارك قد رحلت، لتنتهي معها أيام هذا الشهر المبارك المتدفق بشآبيب الرحمات الإلهية المتواصلة.
انتهت هذه الأيام ليطل علينا عيد الفطر السعيد حاملا معه فرحة التوفيق لأداء عبادة الصوم ذات القداسة وذات المعاني العظيمة.
بنهاية شهر رمضان المبارك, ينبغي أن نكون قد أنهينا مراجعة حساباتنا خلال الأيام السالفة لنبدأ حياة جديدة أكثر صدقا مع النفس, وأكثر ارتباطا بمن وما حولنا.
ليلة القدر ينبغي أن تكون ليلة المراجعة النهائية لسلوكنا وتصوراتنا, فقد يكون لدينا خطأ في طريقة تفكيرنا وطريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين.
هؤلاء الآخرون هم آباؤنا أو أبناؤنا أو إخواننا في النسب أو الدين.
هؤلاء الآخرون هم أمهاتنا أو بناتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا أو أخواتنا في النسب أو الدين.
هل سألنا أنفسنا : من نحن مع قدوم شهر رمضان المبارك, ومن نحن في نهايته؟
إذا كان الجواب, نحن نفس الشيء في الحالتين, فقد خسرنا وفاز الآخرون الذين لم تتعادل لديهم الكفتان.
وإذا كان الجواب أننا الآن نختلف عما سبق, فبقدر الفارق تكون مدى الاستفادة من جوانب العطاءات المتدفقة في شهر رمضان.
يقول الإمام علي عليه السلام :
" ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له : أنا يوم جديد, وأنا عليك شهيد, فقل في خيراً, واعمل خيراً فإنك لن تراني بعد أبدا"
" من كان غده شراً من يومه فهو محروم"
" من اعتدل يوماه فهو مغبون"
" العاقل من كان يومه خيراً من أمسه"
" اللهم إني صائم" ليست كلمة تلوكها الألسن, بل سلوك عملي يجسده الإنسان تفكيرا وسلوكا في تعامله مع الأحداث من حوله, وفي تعامله مع الآخرين.
لو أمعنا النظر, لوجدنا الكثير من المغالطات في سلوكنا التي نحن عنها غافلون أو متغافلون, وعدونا هو من يرشدنا إلى مواقع الخطأ, أما صديقنا فهو من يكيل لنا المدح ويرفعنا إلى قداسة المبرئين من الخطايا, وكأننا لسنا بشر.
إخواني الأعزاء/ أخواتي الكريمات :
اعتقد أنه قد آن الأوان لنعيش لحظات من " محاسبة النفس" لنرى بعين البصيرة أن الصواب قد جانبنا في كثير من المواقف التي كنا نتوهم أن الباطل لا يأتيها من بين يديها أو من خلفها.
هاهي إشعاعات شموس شهر رمضان تبحث عن منفذ تعبر منه لتنير معالم في الروح مظلمة, تغمرها بضياء التأمل والانطلاقة نحو نشدان الكمال.
في هذه الأيام لا ينبغي أن تكون هناك شحناء تغمر النفوس بسوادها الحالك, وتحجب عنها أنوار الألفة والمحبة, هذه الألفة التي تتجاوز حدود المكان والزمان.
الألفة في البيت مع الأبوين ومع الأبناء ومع الأصدقاء, مع من التقينا بهم ومع من لم نلتق بهم.
إن الجانب السلوكي جانب مهم من جوانب الشخصية ومنه يتحدد كثير من معالمها.
إن الإنسان في جوهره يتكون من ثلاثة جوانب الأول هو الجانب الفكر أو ما يسمى بالتفكير, والثاني هو جانب المشاعر أو الوجدان, والثالث هو [الجانب السلوكي, هذه المشاعر التي نعيشها ينبغي أن تكون تابعة للتفكير ومنقادة له لا التفكير تابعا لها, لأن الحالة الثانية تعني انقياد التفكير للمشاعر ذات السيادة غير الحقيقية.
إن المشاعر يحكمها الحب حينا والكراهية حينا آخر ولا مجال للاعتدال أو الوسطية فيها, ولذلك نجد ردود الفعل العنيفة هي النتيجة المرتقبة في مثل هذه الحالات.
إن هناك وسيلة علاجية لعلاج حالات سيطرة المشاعر على العاطفة تسمى " العلاج المعرفي" وهذا يستند إلى العلاج بجعل التفكير هو المسيطر على الانفعالات والعواطف, وبإمكان أي شخص أن يروض نفسه بأن تكون تابعة للعقل لا العاطفة, التي تسرف فيمن تحب وفيمن تكره.
أيها الأخوة / أيتها الأخوات :
كما أن المشاعر والعواطف رحمة, ووسيلة نعبر من خلالها عن حبنا للآخرين, فإنها قد تكون كارثة تزج بصاحبها في أتونها الملتهب, عندما تفتقد الاحتكام إلى العقل.
إن كثيرا من المشاكل الاجتماعية سببها هو سيطرة الجانب الانفعالي على الجانب العقلي.
للبلبل ذات خاصة وللوردة ذات خاصة, فالبلبل يغرد يشدو بصوته الجميل حتى في المقابر, والوردة يفوح أريجها حتى عندما نضعها في المزبلة. ولكل منا ذات خاصة, فلنعش هذه الذات كما ينبغي أن تكون.
قد تواجه النفس صاحبها بشعور الاستعلاء والكبرياء أثناء عملية التغيير, ولكن ذلك يكون سهلاً عند استحضارنا الدستور النفسي الذي أبانه الإمام علي عليه السلام : " أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه"
وليكن منهجنا الأخلاقي هو ذلك البيان الذي عبر عنه الإمام السجاد عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق :
" اللهم صل على محمد وآله وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح, وأُجزي من هجرني بالبر, وأثيب من حرمني بالبذل, وأكافىء من قطعني بالصلة, وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر, وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة"
وكما قال الإمام علي عليه السلام :
" من استبد برأيه هلك, ومن شاور الرجال شاركها عقولها"
" من استقبل الآراء عرف مواقع الخطأ"
" الفكرة تورث نورا, والغفلة تورث ظلمة"
" لاحسب كالتواضع ولا شرف كالعلم ولا قرين كحسن الخلق"
" لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءاً, وأنت تجد لها في الخير محتملاً"
" من لان عوده كثفت أغصانه"
لقد طل علينا العيد ها نحن نقول لبعضنا " كل عام وأنتم بخير" ولكن هل توقفنا عند معاني الخير في هذه الجملة التي سيكثر ترديدنا لها؟
هل تأملنا وجهها المشرق بالحب, حيث لا شحناء ولا فرقة ولا خصومة؟.
هل أدركنا أن الحب للجميع هو أحد مقاصد تلك الجملة, فالحب خير؟.
هل أدركنا أن جمال النفس الداخلي أكثر أهمية من جمال الثياب الجديدة التي صرفنا وقتاً كثيراً في اختيارها؟.
هل عزمنا النية بأن ترحل مع غروب الشمس كل المظاهر التي تشوه جمال أنفسنا؟.
في يوم العيد ينبغي أن نعيش الشعور بالقدرة على تغيير الذات أكثر من القدرة على تغيير الثياب بأخرى جديدة.
المفضلات