الحمد لله وكفى .. وسلام على عباده الذين اصطفى .. ثم أما بعد ..
يعترض النصرانى على القرآن ، ببعض آياته التى أتت على غير الشائع نحوياً ، يظن واهماً أن ذلك ينقص من شأن الكتاب العزيز .
فكيف يكون رد المسلم على ذلك ؟
عادة ما يلجأ المسلم إلى أقوال علماء النحو واللغة ، وفيها تخريجات نحوية للإشكال المتوهم فى الآية ، وغالباً ما يشير ـ العالم ـ إلى أن الإشكال المتوهم هو لغة جائزة عند العرب .
كل هذا جميل ورائع ، لكن هناك أمراً قبله علينا أن نعيه أولاً ، ثم نعلمه للنصارى ثانياً .
إن النصارى يظنون أن القواعد النحوية حاكمة على القرآن !
إن علم النحو ليس علماً عقلياً ، بمعنى أن سيبويه ـ مثلاً ـ لم يعتمد على التفنن العقلى فى تقرير قواعد النحو .
إن علم النحو مبنى على الاستقراء .
فسيبويه ـ مثلاً ـ أخذ يحلل كل النصوص الواردة عن العرب ، من شعر وخطابة ونثر وغير ذلك ، فوجد أنهم ـ العرب ـ دائماً يرفعون الفاعل فى كلامهم ، فاستنبط من ذلك قاعدة " الفاعل مرفوع " .. وهكذا نتجت لدينا " قاعدة نحوية " تسطر فى كتب النحو ، ليتعلمها الأعاجم فيستقيم لسانهم بالعربية إذا جرت عليه .
أفلو كان سيبويه وجد العرب ينصبون الفاعل ، أكنا سنجد كتاب القواعد النحوية فى الصف الثالث الإعدادى ، يخبرنا بأنه يجب علينا نصب الفاعل كلما وجدناه ؟
بلى قارئى الكريم !
إن علم النحو مبنى على الاستقراء .. " القواعد النحوية " مستنبطة من " استقراء " صنيع العرب فى كلامهم .
إذا فهمت هذه النقطة قارئى الكريم ، سيسهل عليك ـ إن شاء الله ـ فهم ما بعدها .
وهو أن العرب لم تكن كلها لهجة واحدة ، ولم تكن كلها تسير على نفس القواعد النحوية ذاتها ، ولم تكن تلتزم كل قبيلة منها بنفس المعاملات النحوية .
وليس معنى ذلك أنه كان لكل قبيلة " نحوها " الخاص بها .. كلا .. وإنما اشتركت كل قبائل العرب فى " معظم " القواعد النحوية المشهورة الآن .. لكنها ـ أبداً ـ لم تجتمع على " كل " تلك القواعد بعينها .
لعلك أدركت الآن ـ قارئى الكريم ـ أن دائرة الخلاف فى التعاملات النحوية بين القبائل العربية كانت صغيرة ، لكنها واقعة لا سبيل إلى إنكارها .
لكن لا تنتظر أن يخبرك واضعو المناهج النحوية فى المدارس بكل الاختلافات النحوية فى كل مسألة ، إنما هم يخبرونك فقط بـ " الشائع " و " الأعم " و " الأغلب " .. ثم يتوسع من شاء فى دراسته الجامعية ، لأنها أكثر تخصصاً .
وكل طالب مبتدئ فى قسم للغة العربية فى أى جامعة يدرك جيداً ما قلته سابقاً .
هنالك ـ فى المرحلة الجامعية ـ يدرس " الاختلافات " النحوية ، ويعرف ما هو الفرق بين " المذاهب " النحوية ، وبم تتميز " مدرسة الكوفة " عن " مدرسة البصرة " .. إلى آخر هذه الأمور .
إذن .. وضع العلماء القواعد النحوية بناء على استقراء كلام العرب ، وما وجدوه من اختلافات أثبتوه .
هل بقى ما يقال ؟
بالطبع بقى .
بقى أن تعلم أن " أهم " مصادر العلماء التى اعتمدوا عليها فى الاستقراء هو القرآن العظيم نفسه !
لأن القرآن أصدق صورة لعصره ، ليس فقط عند المسلم ، ولكن عند الجميع مسلمين وغير مسلمين ، فحتى أولئك الذين لا يؤمنون بمصدره الإلهى ، يؤمنون بأن القرآن أصدق تمثيل لعصره فى الأحداث التاريخية والعادات الجارية .. واللغة وقواعدها .
إن علماء النحو يستدلون على صحة قاعدة نحوية ما بورودها فى القرآن ، ليس فى قراءة حفص عن عاصم فقط ، بل يكفى ورودها فى أى قراءة متواترة أخرى .
أى أن القرآن ـ عند النحاة ـ هو الحاكم على صحة القاعدة النحوية ، وهى التى تسعى لتجد شاهداً على صحتها فى أى من قراءاته المتواترة .
القرآن هو الحاكم على النحو وليس العكس .
علينا أن نعى هذه الحقيقة جيداً ، وعلينا أن نعلم النصارى ما جهلوه منها .
أرجو أن أكون قد أوضحت بعض الحقائق الغائبة فى موضوعنا .
اللهم ارزقنا حبك ، وحب من يحبك ، وحب كل قول وعمل يقربنا إلى حبك
منقول باختصار عن شبكة الجامع
نسألكم الدعاء وفي أمان الله
المفضلات