عَليٌّ (عليه السلام)
وَليدُ الكَعْبَة ِوَشهِيدُ المِحْراب


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ...
والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين..
أبي القاسم محمد .. وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ..
واللعن الدائم على أعدائهم والناصبين لهم العداوة والبغضاء إلى قيام يوم الدين. وبعد :
من جوف الكعبة الشريفة ومن أقدس بقعة على وجه الأرض كلِّها سطع نور سيد
الأوصياء وفتح عينيه برؤية الحياة محاط بجدران الكعبة المقدسة وحينما خرجت أمه الطاهرةفاطمة بنت أسد (عليها السلام) تحمله بين ذراعيها من تلك الفتحة التي سميت بالمستجار وقع نظره في وجه الصادق الأمين رسول إله العالمين فكان حديث البدء أانطقه مليك السماوات والأرض فقال وليد الكعبة ما لم يقل قبله إنس ولا جان :
( قَدْ أَفلَحَ المؤمنون * الذِّينَ هُمْ في صلاتهم خاشِعون )
فكانت تلك الكلمات القرآنية هي التي أوضحت نهج إمام المتقين
علي ابن أبي طالب منذ ولادته


و في ذلك يقول السيد ألحميري :
ولدتـْهُ في حَرَمِ الإلهِ و أمنِهِ ,,والبيتُ حَيث فِناؤهُ والمَسِجـِدُ
بَيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمـةٌ ,, طابتْ و طابَ وليدُها والمولد
في ليلةٍغابتْ نحوسُ نُجومِها ..وبَدتْ مع القَمرِ المنير الأسعُدُ
مـا لُفَّ في خِرَقِ القوابلِ مِثلُهُ.. إلاّ ابنُ آمنـةَ النَّبيُّ محمــدُ

فكانت حياته سلام الله عليه منذ اللحظات الأولى قد أشرف عليها أبو طالب مؤمن قريش و شيخ البطحاء و الدرع الواقي للرسول الأعظم ( ص) وأمُّهُ فاطمة بنت أسد بن هــاشم وبعد رحيل أبو طالب اشرف حبيب إله العالمين على تربيته ولـم يبلغ الخامسة من عمره بعد، حمله نبي الرحمة إلى داره، وعُني بتربيته، ولازمه منذ طفولته، حتى شبَّ ‘ فكانت كل صفاته الكريمة
من علم وإيمان وورع و حزم وزهد وتقوى وشجاعة وسخاء وتواضع وعدالة وعبودية وخشوع لله تعالى ثمرة جهود النبي في تربية تلك الذات التي تميزت بطهارة الروح ونزاهة الوجدان فكان وليد الكعبة معجزة رسول الله الثانية بعد القرآن الكريم ... حتى كانت الرسالة والرسول.. فكان أول المؤمنين إيمانا وأخاً للرسول و المدافع والمبيِّن لأحكام الرسالة في مرحلة الدعوة المكية حتى انجلت مليئة بالأحزان والآلام وقد أفصح عن هويته يوم نام مضحياً بنفسه في فراش رسول الله ليلة هجرته إلى المدينة المنوَّرة فأنزل الله تبارك وتعالى
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ

وكان عليٌ يعتز بذلك ويقول
وقيتُ بنفسي خيرَ مَن وطىءَ الحصى.. ومــَن طافَ بالبيتِ العتيقِ وبالحَجر ِ
مُحمـــدٌ لمّا خافَ أن يَمكـــروا بــه .. فوقـاه ربــــــي ذو الجَلال من المَكر
وبتُّ أراعـيهــم متـــــى ينشرونَني .. وقد وَطَّنْتُ نفسي على القتلِ والأسرِ
وباتَ رســـولُ اللّهِ فـــي الغارِ آمـناً.. هـُنـاك وفــي حفظِ الإله وفــــي سِتر
أقامَ ثلاثاً ثـــُمَّ زَمـَّــــتْ قَلائــــــصٌ ..قَلائـــِصُ يَفرينَ الحصى أينما تَفـري
أردتُ نــــَــــــــــــصرَ الإلهَ تبَتُلاً ..وأضمرتُهُ حتّى أوسَّــــــــدَ في قبْري

ثم كان العهد المدني ووليد الكعبة له الدور الأبرز في الانتصارات التي حققها رسول الله (ص )والمسلمون في كلّ الغزوات التي خاضها ضدّ أعدائهم
فكان يجاهد بين يدي رسول الله( ص) ممتشقا سيف ذي الفقار مقاتلا على التنزيل لا تأ خذه في الله لومة لائم ‘ فجندل صناديد العرب وشجعانهم وناوش ذؤبانهم وقطع أوصالهم حتى قالوا لا اله إلا الله
ونعم قول الشاعر
إن كُنتَ، لِجهلكَ، بالآياتِ.. جَحدتَ مَقام َ أبِي شُبَّرْ
فاسألْ بَدرا ً واسألْ أُحُداً.. وسَلِ الأحزاب َ وسَل ْ خَيبرْ
مَنْ دبَّرَ فيها الأمرَ ومن ْ.. أردى الأبطال َ ومن ْ دَمَّرْ
من هدَّ حُصون َ الشّركِ ومَن.. شادَ الإسلامَ ومنْ عَمّـَرْ
من قدَّمَـه ُ طه و على .. أهلِ الإيمان لـهُ أَمَّرْ
أحييت َ الدّين َ بأبيضِ ِ قد .. أودعت َ به الموت َ الأحمر
قُطباً للحرب ِ يُديرُ الضرب ..ويجلو الكربَ بيوم الكَرْ
فاصدع ْ بالأمر فناصِرُكَ الـ .. ـبَتَّارُ وشانِئـُكَ الأبتـرْ
مَن غيركَ من يُدْعى للحربِ ..وللمحرابـــــــــــــــــــــِ وللمنبَـرْ
فلما كانت حجة الوداع وانتهت مناسك الحج وانطلق الحجيج بمسيرة العودة مائة وعشرون ألف مسلم يتوسطون خير خلق الله

في حجة الوداع وعند غدير خم هبط الأمين جبرائيل بهذا النداء ....
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
فاذا بالنبي يقف خطيبا على منبر صُنع له من أحداج الإبل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمدُ لله ونستعـينه ونؤمن به ونتوكل عليه‘ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‘ الذي لا هادي لمن أضل‘ ولا مضل لمن هدى‘ واشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده و رسوله
أما بعدُ : أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير : انه لم يُعمِّر نبي إلا مثل نصف عمر قبله واني أوشك أن أُدعى فأجيب
وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيراً
إلى أن يقول ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى
ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رئي بياض آباطيهما وعرفه القوم أجمعون فقال :
(مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه واُنصر من نصره وأخذل من خذله، وأدِر الحقَّ معه حيثما دار ألا فليبلغ الشاهد الغائب)

و لما فرغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خطبته نزل وأمر المسلمين أن يبايعوا علياً بالخلافة ويسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين فتهافت عليه الناس يبايعونه، وجاء الشيخان: أبو بكر وعمر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالا: هذا أمر منك أم من الله؟ فقال النبي: وهل يكون هذا عن غير أمر الله؟ نعم أمر من الله ورسوله فقاما وبايعا، فقال عمر: السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ...
فقال بن عباس : وجبت والله ِ في أعناق القوم .
وبذالك يقول شاعر الرسول حسان بن ثابت:
يا رسول الله أقول في علي شعراً؟ فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): افعل، فقال:
يناديهـــمُ يومَ الغديرِ نبيُّهـــــــم.. بخُمٍ وأسْمِع بالنبــــي مناديــــــا
وقد جاءَهُ جبريلُ عَن أمرِ ربــه ..بأنَّكَ معصومٌ فلا تــَــكُ وانيــــــا
وبلّغهمُ ما أنزلَ اللهُ ربُّهم .. إليكَ ولا تخش هناك َ الأعاديا
فقامَ به إذ ذاك رافــــــعَ كفِّــــه.. بكفِّ عــليٍّ مُعلنَ الصوتِ عاليــا
فقال: فمن مولاكمُ ووليّكــــــم؟ ..فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميـــــا
إلهــُـكَ مولانـــا وأنت وليُّنـــــا ..ولن تَجِدنْ فينا لك اليوم عاصـيـا
فـقــال لـــه قُم يا عليُّ فإنَّنــي ..رضيتُك من بعدي إماماً وهاديـــا
فَمـَن كنـتُ مـولاه ُفهذا وليـُّـــه ..فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليـــا
هـناك دعا: اللهــم والِ وليـــُّـه ..وكـُـن للذي عادى عـلياً مُعـاديـــا
فيا ربِّ أنصر ناصريه لنَصرِهِم.. إمامَ هدىً كالبدرِ يجلو الديـــاجيا