فدخل الحسن ولم يلبث أن خرج فقال له: أدخل يا أصبغ ‘
قال الأصبغ فدخلتُ على أمير المؤمنين فإذا هو معصب الرأس‘ بعمامة صفراء ، وقد علَت صُفرة وجهِه على لون تلك العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت ..
فقال لي لا تبكي يا أصبغ .. فانها والله الجنة ...
فقلت له .. جُعِلتُ فداك إني اعلم والله انَّك تصير إلى الجنة وإنما ابكي لفقدِك
يا أميرَ المؤمنين ...
فقال لي: يا أصبغ أما سمعت قول الحسن عن قولي ؟
قلت: بلى يا أمير المؤمنين، ولكني رأيتُك في حالة ‘ أحببت أن أتزوَّد منك ، وأن أسمع منك حديثا فقال لي: اجلس ، فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا
إعلم يا أصبغ: أني أتيتُ رسول الله عائداً كما جئت الساعة فقال: يا أبا الحسن أُخرج فنادِ في الناس: الصلاة جامعة، واصعد المنبر وقُم دون مقامي بمرقاة، وقل للناس:
ألا من عقَّ والديه فلعنةُ الله عليه،
ألامَن أبِق مواليه فلعنة الله عليه،
ألا مَن ظلم أجيراً أُجرتَه فلعنة الله عليه
يا أصبغ: ففعلت ما أمرني به حبيبي رسولَ الله، فقام من أقصى المسجد رجل
فقال: يا أبا الحسن تكلمت بثلاث كلمات أوجزتهن فلم أرد جواباً حتى أتيتُ رسولَ الله فقلت ما كان من الرجل .. قال الأصبغ: ثم أخذ بيدي وقال: يا أصبغ أبسط يدَك، فبسطتُ يدي، فتناول أصبع من أصابع يدي وقال: يا أصبغ كذا تناول رسولُ الله إصبعاً من أصابعِ يدي كما تناولتُ إصبعاً مِن أصابعِ يدك ثم قال يا أبا الحسن
ألا وإني وأنتَ أبوا هذه الأمة، فمن عَقَّنا فلعنة الله عليه،
ألا وإني وأنتَ مَوليا هذه الأمة فعلى من أبِق عنا لعنة الله عليه،
ألا: وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا أجرَنا فلعنة الله عليه، ثم قال: آمين فقلت آمين قال الأصبغ: ثم أُغمي على ألإمام ولما أفاق قال لي:
أجالسُ أنت يا أصبغ؟ قلت: نعم سيدي
قال: أأزيدك حديثاً آخر؟ قلت نعم زادك الله من مزيدات الخير،
قال: يا أصبغ: لقيني رسول الله في بعض طرقات المدينة وأنا مغموم، قد تبين الغم في وجهي ‘ فقال لي: يا أبا الحسن أراك مغموماً
ألا أحدِّثك بحديثٍ لا تغتم بعده أبداً؟؟
فقلت: نعم يارسول الله قال: إذا كان يومُ القيامة
نصب الله منبراً يعلو منبرَ النبيين والشهداء ثم يأمُرُني
عزوجل أن أصعد فوقه.. ثم يأمرُكَ الله تعالى أن تصعد دوني بمِرقاة
ثم يأمُرُ الله تعالى مَلكَين فيجلسان دونَك بمِرقاة، فإذا استقللنا على المنبر لا يبق أحد من الأولين والآخرين إلا حضر، فينادي الملك الذي دونك بمِرقاة:

معاشر الناس ألا: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أعرِّفه بنفسي: أنا رضوان خازن الجنان ... ألا إنَّ الله بمنه وكرمه وفضله وجلاله قد أمرني أن أدفع مفاتيح الجنة إلى حبيبه محمد ،
وأنَّ محمداً أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب، فاشهدوا لي عليه
ثم يقوم الذي تحت ذلك الملك بمرقاة منادياً يسمَعُهُ أهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أُعرِّفهُ بنفسي: أنا مالك (خازن) النيران، ألا: أن الله عزوجل بمنه
وكرمه وفضله وجلاله قد أمرني أن أدفع مفاتيح النار إلى حبيبه محمد وإن محمداً قد أمرني أن أدفعها إلى علي بنِ أبي طالب فاشهدوا لي عليه
فآخذ مفاتيحَ الجنان والنيران، يا علي فتأخذ بحُجزتي ،
وأهلُ بيتك يأخذون بحُجزتك . وشيعتُك يأخذون بحُجزةِ أهلَ بيتِك
قال الإمام: فصفقت بكلتا يدي ... وقلت: وإلى الجنة يا رسول الله ؟
قال: { إي وربُّ الكعبة }
ثم التفت أمير المؤمنين إلى أولاده وهم مجتمعون عنده يبكون فجرت دموعه
على خدَّيه ..
وقال أما أنت يا أبا محمد ستُقتلُ مظلوما مسموما ...
واما انت ياأبا عبد الله شهيد هذه الأمَّة
وسوف تذبح ذبح الشاة مِن قفاك وتُرضُ أعضاؤك بحوافر الخيل ويطاف برأسك وتسبى حريم رسول الله
وأن لي ولهم موقفا يوم القيامة