تقول كريمتُهُ: فجئتُ إلى أخي الحسن فقلت: يا أخي قد كان مِن أمرِ أبيك الليلة كذا وكذا وهو قد خرج في هذا الليل الغَلِس فالحقهُ ... فقام الحسن بن علي
وتبعَهُ فلَحِقَ به.. قَبلَ أن يدخُلَ المسجد فسلَّم عليه وقال ..
أبة ما الذي أخرجَك في هذا الوقت ؟ فقال رؤيا رأيتُها أهـــالتني وأزعجتني ‘
فقالَ الحسَن ُ أبة خيراً رأيت وخيراً يكون أنشا ء الله ‘
فقال أمير المؤمنين رأيت ُ....كأنَّ جَبرئَيل قد نزلَ مِنَ السماء على جَبل أبي قُبَيس .. فأخذَ منهُ حَجَريين كبيرين وجاءَ بهما الى سطحِ الكعبةِ
فضربَ أحدُ هما بالآخر فصيَّرهُما رَميماً ثم ذَرّى ذلكَ الرميم في الهواء فلم يبقَ بيتْ في مكةَ ولا في المدينة الاّ ودخلهُ من ذلك التراب شيء ‘ فقال الحسَنُ .. أبة وما تأويلُ رؤياك ؟ فقال يابُني إنْ صَدَقَت رؤياي ... فإنَّ أباكَ مقتول .. ولا يبقى بيتْ في مكةَ ولا في المدينة الاّّ ودَخلَهُ من أجلي
همٌّ وغمٌ ومصيبة ... فقال الحسن مكتئباً .. أبة ومتى يكون ذلك

فقال يا بُنيَّ إن الله تعالى يقول ..
{ وما تدري نفسٌ ماذا تكسِب غداً وما تَدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت}(1)
ولكنْ عَهِدَ اليَّ حبيبي رسولَ الله أنَّ ذلك يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان ‘ فقال الحسن سلام الله عليه ..
أبة ومن الذي يقتلُك ؟ قال يقتُلُني عبد الرحمن ابن ملجم المرادي .. فقال الحسن.. أبة وهل من سبيلٍ للوقوف أمامَه .. فقال نعم .. القتلُ يابُني ‘
ولكن يا أبا محمد { أنت تعلم أنه لا يجوز القِصاص قبلَ وقوع الجناية .. }
فقال الحسن سلام الله عليه إذَن يا أبة دعني أمضي معك ... فقال عليٌّ ‘
روحي فداه .. بُنَي بحقي عليك الاّ ما رجِعت الى بيتك ‘
فرجع الحسَنُ سلام الله عليه إلى الدار .. وإذا بزينب وأم كلثوم وبنات
أمير المؤمنين قد اجتمعن في الدار محزونات مكروبات ‘
وأما عدو الله عبد الرحمن بن ملجم فقد جاء تلك الليلة ‘ وبات في المسجد
ينتظر طلوع الفجر ‘ ومجيء الإمام أمير المؤمنين علي ابنِ أبي طالب للصلاة ‘
وهو يفكر بالجريمة العظمى التي جُنِّدَ لها من زمرة الغدر والنفاق الخارجين على إمام زمانهم.. وكان معه شخصان من الخوارج هما :
شبيب بن بَحرة .. و وردان بن مُجالد .. يساعدانه على إغتيال وليد الكعبة و نفسُ الرسول ، وزوج الزهراء البتول، و سيفُ اللّه المسلول و أميرُ البررة، و قاتلُ الفجرة، وصاحبُ اللواء ، و سيِّدُ العَرب والعجم، و كاشف الكَرْب،و الصِدِّيق الأكبر، والفاروق الأعظم أبو الريحانتين، الحسن والحسين سبطي رسولِ الله
وأقبل الأمام حتى دخل المسجد فصلَّى ساعةَ حتى طلع الفجر ، فصَعِدَ المأذنة رافعاً صوته بالأذان فلم يبقَ في الكوفةِ بيت إلا اخترقهُ صوتُه
ثم نزل عن المأذنة وهو يسبِّحُ الله ويُكَبِّرُه، ويُكثرُ من الصلاةِ على سيد الكونين ومولى الثقلين محمدٍ وكان يتفقَّد النائِمين في المسجد ويقول: الصلاة، الصلاة
يرحمُكم الله ‘ ثم يتلوا { إنَّ الصلاةَ تنهى عَن الفحشاء والمنكر}
ولم يزل يفعل ذلك إلى أن انتهى إلى ابنِ ملجم وهو نائم على وجهِهِ وقد أخفى سَيفَهُ تحت إزاره
فقال له الإمام : يا هذا قُم من نومِكَ هذا فإنها نومةُ يَمْقُتُها الله‘
وهي نومَة الشيطان، ونومة أهلِ النار ... بل نَم على يمينك فإنها نومةُ العلماء ،
أو على يسارك فإنها نومة الحُكماء ، أو نَم على ظهرك فإنها نومةُ الأنبياء
ثم قال له : لقد هَمَمْتَ بشيءٍ تكادُ السماوات يتفَطَّرن منه وتنشقُ الأرضُ وتخِرُّ الجبال هداً ، ولو شِئت لأنبأتك بما أخفيتَ تحت ثيابك ، فتحرَّك الشقي موهِماً كأنَّهُ يريدُ القيام ولكنَّهُ لم يَقُم فتركه الأمام وأقبل حتى وقف في محرابه ، فأذَّن للصلاة وأقامَ وكبَّر ، وقد اصطفَّت الصفوف خلفَهُ ..
وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود ، فقام الشقي لعنهُ الله وأقبلَ مُسرِعاً يمشي حتى وقف بإزاء الاسطوانة التي كان يصلي عندها الإمام ، فأمهلَهُ حتى صلَّى الركعةَ الأولى وسجدَ السجدة الأولى ورفع رأسَهُ منها ، فشَدَّ عليهِ اللعين ابنَ ملجِم ‘ فضَرب الإمام على رأسِهِ ضربةً شَقَّتْ هامتَهُ الشريفة ، الى موضعِ سجودِه‘
فوقعَ وليد الكعبة في المحراب قد خُضِّبتْ شيبتُه من دمِ رأسه ..

وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملَّةِ رسول الله ؛ ثم قال َ{ فزت ُوربِّ الكعبة}
فاصْطفقَتْ أبوابُ المسجد‘ وضجَّتْ الملائكةُ في السَّماء ‘وهبَّتْ ريحُ عاصفٌ سوداء مظلمة