الفصل الأولما هي الرعاية ؟
أتساءل عن معنى هذه الكلمة التي تنفذ إلى قلب كل إنسان قد وضع لها جانباً كبيراً من حياته ..
أنا التي أعيش بلا رعاية ! ... بلا حنان ! ... بلا كلمات حب ! من أم حنونة وأب عطوف ... هل يا ترى الرعاية هي الحب والحنان ؟! ... أم التربية الصالحة والمستقيمة بلا ميل ولا فساد ؟!
أسمع ضجيجاً وصراخاً وبكاءً ! وأرى أطباءً وممرضاتٍ !
نعم , حانت ساعة الولادة , ووالدتي أراها تتلوى من شدة الألم الجارح في أعماقها , والممرضات يحاولون أن يهدئوها , أنهم لا يشعرون بما تشعر به والدتي وتحس , إنها مريضة وأي مرضٍ هذا , إنه مرض السل !
ورغم أوجاعها ومعاناتها أرادت أن تنجبني , بصدرٍ رحب ومقبل لحياة تملؤها السعادة والهناء لتخفف من عصبية أبي ومعاملته الخشنة وسوء أخلاقه مع الجميع.
تستحثها الطبيبة أن تدفع بقوة , فأخذت والدتي تدفع ما بها من قوة لأخرج أنا إلى حياة لا أريدها بما فيها من ظلمٍ وتعدٍ وكبرياء وأنانية ...
نعم .. خرجت باكية رغماً عني أصرخ ... وانتحب لأرى أين وضعني القدر في هذه الدنيا , خرجت ولم أشم رائحة والدتي ! ... ولم أسمع صوتها ! ... خرجت لحياة تقابلني بخبث ! .. ومكر ! .. بعدما أُخذت مني والدتي ! ... يا لي قسوة هذه الدنيا تأخذ منا متى تشاء ولا تعطينا ما نحتاج إليه.
رغم محاولات الأطباء لم يستطيعوا إنقاذ والدتي .. من براثن الموت !
والدتي التي حملتني في بطنها تسعة أشهر لتموت في لحظة واحدة ! ... وأبقى أنا هكذا وحيدة ! ... غريبة ! ... يتيمة.
خرجت الطبيبة إلى والدي لتبشره بقدومي وتعزيه بموت والدتي , ليصرخ والدي في وجهها ...
أنتم أيها الأطباء لم تستطيعوا إنقاذها وإعادتها للحياة , فما فائدتكم ؟! أليس إنقاذ المرضى وإعادتهم للصحة والشفاء من اختصاصكم ؟ أم أنها أصبحت تلوذ بكم وتستغيث وأنتم لن تُعيروها أي اهتمام ورعاية ؟ .. هكذا أنتم أيها الأطباء ! .. هكذا أنتم ولن تتغيروا أبداً !
لتجيبه الطبيبة بكل برود وبلادة حس :
أنه قضاء الله تعالى وقدره , وأنت مؤمن فتسلح بالصبر والسلوان , فأمامك فتاة جميلة ترعاها وهي بحاجة لك أعطها الحب والحنان , وكن أنت لها الأم والأب معاً , والله يعوضك خيراً إن شاء الله تعالى.
مضى والدي وهو سارح في فكرة ، اليأس بدأ يظهر على لمحات وجهه , وضحكات والدتي ونصائحها تمر في مخيلته , كأنها ريحٌ عاصفة ثم بدأت تهدأ شيئاً ... فشيئاً إلى أن تلاشت , وخلفت ورائها الدمار والانهيار والأحزان والذكريات.
وصل إلى المنزل أخرج المفتاح , دفع الباب بقوة ليُفتح وإذا له صوت أزيز مرعب ! ... يبث فيَّ الخوف والألم من المستقبل , لا حركة في المنزل , ولا رائحة طعام , ولا صوت تلفاز أو مذياع ينادي والدتي في أنحاء المنزل , ليرتد إليه صوته خائباً منكسراً ذليلاً ليبكي ألماً ولوعةً على زوجته وحبيبته.
لقد أحبها رغم نصائحها إليه في أيام فشله ! .. وتعكر مزاجه .. ليصرخ في وجهها أصمتي ويصعد لغرفته, وقد أحمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب , إنه لا يحب النصائح والحقيقة المرة , لكنه يتمرغ في ثوب الخدع والكذب والعنف ليستلقي على سريره , قد خانه التعب والإرهاق بعد يوم طويل وشاق دون أن يخلع ملابسه الوسخة والقذرة من شدة عمله كميكانيكي تصعد إليه والدتي لترى حاله ويتناكس يوماً بعد يوم.
إنها لا تحب أن توقظه من نومه رغم وحدتها ومرضها الذي يقتلها , فتحس بتعبه وكده ليعيل هذه الأسرة التي ستأتي بمولود ذات يوم.
إلى أن حان اليوم لتلدني والدتي فيه وتتركني خائبة ! .. منكسرة ومذنبه ! .. بسبب موتها .. ولا دنيا تحنو عليَّ.
شوفوا تفاعلوا زين ... ولا تحطمونااااااااااااا ياناس ..
المفضلات