فلسـفة الانتـظار
السؤال الرابع:
ما هي فلسفة انتظارالإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف؟
قد وردت أحاديث كثيرة تؤكِّد على أنَّ انتظار الفَرَج هو أفضل العبادة وذلك لأهميته بين سائر العباد ات فلمعرفة السرّ في هذه الأهميَّة ينبغي أن نفصِّل في هذا الأمر فنقول:
الأحاديث الواردة في أهمية الانتظار:
قد وردت أحاديث كثيرة تبيِّن أهميَّة الانتظار نذكرها مع اختلاف متنها فقد ورد أنَّّه:
أفضلالأعمال ((بحارالأنوار ج10 ص99 و ج52 ص122))
أفضل عبادةالأمَّة ((بحارالأنوار ج52 ص122 و ج52 ص125))

وفي الحديث الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
((أفضل جهاد أمتيانتظار الفرج)) )) ((بحارالأنوار ج77 ص143، تحف العقول ص37))

ومن زاوية عرفانيَّة فإن الانتظار أيضاً مستوى رفيع من العرفان والروحانيَّة حيث صار "أحبَ الأعمال إلى الله " بمستوى الشهيد في سبيل الله .
((قال أميرالمؤمنين عليه السلام : انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل انتظار الفرج ... و المنتظرُ لأمرنا كالمتشحِّطِ بدمه في سبيل الله )) ((بحار الأنوارج52 ص123)
بل هناك أحاديث تؤكِّد على أنَّ "انتظار الفرج من الفرج" بل "انتظار الفرج من أعظم الفرج".
((عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال سألته عن شئٍ من الفرج فقال أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ إنَّ الله عزَّ و جلَّ يقول فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين)) ((بحارالأنوار ج52 ص128))
‏وهذا المعنى من الانتظارقد اكتسب قسطاً من القدسية والاعتبار بحيث صار من علائم الإخلاص الحقيقي والتشيُّع الصادق ومن مميزات الدعاة إلى دين الله سراً وجهراً و قد ورد في الحديث :
((أولئك المخلصون حقاوشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا)) ((بحار الأنوار ج36ص387))


السرُّ في أهميَّة الانتظار:
إنَّ مفهوم الانتظار، أعني انتظار فرجِ الله، هو في الواقع يندرج تحت اسم من أسماء الله تعالى أعنى الكاشف كما في الدعاء :
((يا صريخالمكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب العظيم)) ((بحار الأنوار ج86 ص323))
وعلى ضوئه صار مفهوم الانتظار مفهوما معنويا إلهياً، حيثُ أنَّه لا يمكن لشيءٍ أن يكتسب جانباً معنوياًويشتمل على بعدٍ مُقدَّس بارتباطه بالله سبحانه فلنترك إذاً المجال المادي ولنبحث عن الأفضلية في الساحة الإلهية المعنوية فميزان الأفضلية هو القرب إلى الله والرجاء به، ومن أهم نتائج انتظار الفرج تنمية روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن، حيث يُشاهد أمامَه مجالاً واسعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة التي سوف يحققها الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، تلك الدولة الكريمة التِّي يعزُّ الله بها الإسلام وأهلَه ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي أن من يحوز على تلك الرؤية النورانيَّة أن يترفَّع عن الدنيا وزخرفها ومغرياتها الشيطانية، وهذا الأمر (أعني تحقير المظاهرالدنيويَّة) هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله وهي (التخلية) التِّي تستتبعها (التحلية) وهذه من المفاهيم العرفانية في السير والسلوك
وهذه الروحية إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها فتزيل جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها، فكيف لا يكون الانتظار إذاً أفضلَ الأعمال بل أفضل العبادات؟! وهوالذي يُخيِّم على جميع الأعمال ويُلقي الضوء عليها. وهو أفضل الجهاد أيضاً.
لأنَّ المنتظر الحقيقي الذي يتمنَّى في كلِّ صباحٍ ومساءٍ أن يعيش في ظلِّ ذلك المعشوق روحي لتراب مقدمه الفداء و لسان حاله:
((فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوةَالداعي في الحاضرِ والبادي)) ((بحار الأنوار ج53 ص96،وكتاب البلد الأمين ص82)
وهو بقربه إلى الله وشهوده مقامَ ربِّه صار كالشهيد المتشحِّط بدمه في سبيل الله، وليس للشهيد خصوصيةٌ كوجودٍ في الخارج بل الخصوصية والقيمة لمفهوم الشهادة التي تعني الوصول إلى الله وشهود وجه المحبوب، والمنتظِر يؤدِّي نفس الدور.
والحديث التالي قد بيَّن السبب الذي رفع مستوى الانتظار إلى هذه الدرجة:
((عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: تمتدُّ الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة بعده، يا أباخالد إنَّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته المنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكرُه أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبةُ عنده بمنزلةِ المشاهدة وجَعلهم في ذلك الزمان بمنزله المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتُنا صدقاً والدعاةُ إلى دين الله سراً وجهراً)) ((بحار الأنوار ج52 ص122، الاحتجاج ص317، كمال الدين ص319))
وماذا بعد الفرج إلا كشف الكربة عن وجه المؤمن برؤية الواقع والأمر، حينما تتحقق تلك الدولة العظيمة التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجَوراً!

وفي الختام اللهم اوصل ثواب هذا العمل وكل أعمالي في هذا المنتدى
إلى سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان (ع)
وأسأل الله التوفيق والعودة معكم .