إليكم الجزء الثاني بخط أكبر يمكن أحد يقرأها![]()
كانت سكون كالبلسم الشافي لفؤاد أمها الذي أضناه الفراق الصعب ... حتى جاء صباح ذلك اليوم الخامس عشر من شهر رجب الأغر ... كعادتها ودّعت والديها ... انحنت في حنو على يد والدها لتطبع قبلةً دافئة على يده اليمنى ثم عطفت على جبين أمها الحنون لتطبع قبلةً دافئة مدى الدهر...
رمقت أركان المنزل بعينين وادعتين واتجهت صوب المدرسة كان يوماً جميلاً مليئاً بالنشاط .. لكنه انقضى بسرعة.. فهاهو الجرس يُدق لانتهاء الدوام المدرسي ... تهافتت الفتيات للخروج من المدرسة والتوجه نحو المنازل ... العدو في الطريق يتربص بالأبرياء.. يقطف الزهور .. يُطفئ الشموع .. يتحين الفرص ليفجع قلوب الأمهات.
إلا أن الصبيان الأبطال لا يهابون الموت .. فهذا طفل في التاسعة من العمر يرشق العدو الصهيوني بالحجارة .. وذاك يردد قائلاً " القدس لنا , القدس لنا " كانت هذه الكلمات كرصاص فولاذي يخترق أسماع اليهود فيدبُ الخوف في عروقهم فلا يجدون غير طلقات النار لدفع كلمات الحق عن أسماعهم .
دوت أصوات الرصاص .. هربن الفتيات مذعورات .. ركضت سكون علّها تجد ملجئاً يحميها لكنها توقفت لتحتمل بين ذراعيها طفلة في السابعة من عمرها سقطت حين محاولتها الهرب ... ضمتها سكون إلى صدرها في عطف...غير عابئةً بالخطر وهمّت لتكمل الطريق لكنّ القدر سبقها... فهاهي رصاصة العدو الغاشم تخترق ظهرها .. إلا أن عزمها على إنقاذ حياة الطفلة الصغيرة حملها على أن تخطو عدة خطوات لتدخل الزقاق .. أرخت يداها .. كانت الدماء المنسابة من جسدها الطاهر تروي الأرض تأملت .. الطفلة الصغيرة وسط دهشة عارمة اجتاحتها لهذا المنظر المؤلم.
كلمتّها.. لكنها لم تنطق ببنت شفة ... ولم تتفوه حتى بكلمة آه ... إلا أن ابتسامة رقيقة ارتسمت على شفتيها .. أعادت للزمان ابتسامة السيدة آسيا بنت مزاحم حين قالت "رب ابني لي عندك بيتاً فيالجنة" ... برقت عينا سكون لترى بعين الحقيقة ذلك العالم النوراني ... بل رأت أضعاف أضعاف ما رآته في الرؤيا .... فهاهي في أحضان أخيها الشهيد .. يقبلها بثغر باسم .. وهاهي الحور استقبلنها في حلةً جديدة تسر الناظرين .. مستبشرات ... هكذا أغمضت سكون عينيها لتزف إلى الجنــان كما تزف العروس ولكن في سكون .
المفضلات