حمزة بن المـطـلـب
أســــد اللـــه




انطلق حمزة إلى التلال المشرفة على مكّة ، كان حصانه القويّ يصعد كثبان الرمال ، او ينساب في الوديان ، و حمزة يتأمّل ما حوله من مناظر جميلة .

السماء زرقاء صافية ، و التلال تغمرها أشعة الشمس ، فتلمع حبّات الرمال .

كان حمزة يفكّر بدعوة سيّدنا محمّد ، و كان قلبه مع رسول الله . .

حقّاً لا إله إلاّ الله ، أمّا اللات و العزى و مناة فما هي إلاّ حجارة صنعها الإنسان فكيف يعبدها ؟!

انطلق الحصان يجوب الصحراء ، و فرّت الأرانب و هي ترى من بعيد رجلاً يحمل قوسه باحثاً عن الأسُود .



سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله )


في طريق المسعى بين جبل " الصفا " و جبل " المروة " جلس سيّدنا محمّد فوق إحدى الصخور ، كان كعادته مستغرقاً في الفكر و التأمل .

كان يفكر بقومه الذين كفروا به و برسالة الله .

في منزل مطلّ على طريق " المسعى " جلست فتاتان ، كانت شرفة المنزل تطلّ على الطريق .

رأت الفتاتان سيّدنا محمّداً غارقاً في الفكر ، ينظر السماء و إلى الجبال .

و في تلك اللحظات ظهر " أبو جهل " و معه سفهاء مكّة ، كانوا يضحكون و يقهقهون بصوتٍ عال .

نظر أبو جهل إلى سيّدنا محمّد فالتمعت عيناه حقداً . أراد أن يسخر منه فصاح :

ـ انظروا إلى هذا الساحر . . إلى هذا المجنون . . انّه لا يضحك مثلنا . . هو ساكت . .

و ضحك السفهاء ، و كانت قهقهاتهم الشيطانية تملأ الفضاء :

ـ ها ها ها ـ ها ها ها . .

كانت الفتاتان تراقبان ما يجري بحزن . رأتا أبا جهل يدور حول سيّدنا محمّد و يضحك ، و يقوم بحركات مضحكة . .

أخذ أبو جهل حفنة من التراب ، و وضعها فوق رأس النبيّ .

تناثر التراب فوق وجهه و ثيابه . .

و ضحك أبو جهل و السفهاء . و سيّدنا محمّد ساكت . كان حزيناً . .

شعرت الفتاتان بالحزن و الألم من أجل سيّدنا محمّد .

ابتعد أبو جهل و حوله السفهاء ، و نهض سيّدنا محمّد يمسح التراب عن رأسه و وجهه و ثيابه ، و مضى إلى منزله .

و مرّت ساعة ، قرّرت الفتاتان أن تخبرا الحمزة فانتظرتاه .

من بعيد لاح حمزة ينحدر من التلال على حصانه الأشقر .

هتفت الفتاة :

ـ عاد حمزة . . هيا بنا نخبره .

صاحت الفتاة :

ـ يا أبا عمارة . .

توقّف الحمزة و تطلّع إلى الفتاة .

قالت الفتاة بحزن :

ـ يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمّد من " أبي جهل " .

تساءل حمزة :

ـ و ما لقي منه ؟

قالت الفتاة :

ـ صادفه في الطريق . . فسبّه و ألقى على رأسه التراب .

شعر حمزة بالدماء تغلي في رأسه . ضرب حصانه بالقوس و قفز الحصان غاضباً ، و انطلق الفارس نحو الكعبة .

كان من عادته إذا عاد من الصيد أن يمرّ بالناس و يسلّم عليهم ، و لكنّه هذه المرّة كان غاضباً من أجل سيّدنا محمّد فلم يسلّم على أحد و مضى يشقّ طريقه إلى " أبي جهل " .

قفز الحمزة من فوق حصانه مثل الأسد . رفع قوسه و ضرب " أبا جهل " على رأسه .

شعر " أبو جهل " بالرعب و هو يرى حمزة غاضباً ، فقال بخنوع :

ـ لقد سبّ آلهتنا يا أبا عمارة و سفّه عقولنا .

قال حمزة :

ـ و من أسفه منكم و أنتم تعبدون الحجارة .

و صرخ حمزة بغضب :

ردّ عليّ إن استطعت .

و دوّت في فناء الكعبة صرخة الحق و هتف حمزة :

ـ أشهد أن لا إله إلاّ الله و أن محمّداً رسول الله .

و نظر حمزة إلى أبي جهل و عيناه تقدحان شرراً و قال :

أتشتمه و أنا على دينه .

أطرق أبو جهل ذليلاً و سكت ، و فرّ السفهاء من حوله .

و انطلق الحمزة إلى سيّدنا محمّد يعانقه و الدموع تتساقط من عينيه .

و فرح سيّدنا محمّد بإسلام عمّه الحمزة فسمّاه : أسد الله و أسد رسوله .




الميلاد


ولد الحمزة عام 570 ميلادية أي في عام الفيل .

و هو أخو سيّدنا محمّد في الرضاعة إذ أرضعتهما امرأة اسمها ثويبة .

كان الحمزة قويّاً ، شجاعاً مهاباً ، أعلن إسلامه في السنة الثامنة من بعثة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

و عرف الناس اعتناق الحمزة للإسلام ، ففرح المسلمون و حزن المشركون .

و كان بعض المسلمين يكتم إسلامه خوفاً فأعلنوا شهادتهم .

و كان إسلام الحمزة بداية عهد جديد ، فقد أصبح أتباع سيّدنا محمّد قوّة تخشاها قريش و تحسب لها ألف حساب .



السنة التاسعة بعد البعثة


مرّت تسعة أعوام على بعثة سيّدنا محمّد و ازداد عدد المسلمين .

كان عمر بن الخطاب سريع الغضب ، و ذات يوم أخذ سيفه ، و فكّر في أن يقتل سيّدنا محمّداً .

سأل عنه فقيل : انّه مع أصحابه في بيت عند جبل " الصفا " ، فانطلق عمر إليه .

و في الطريق صادفه " نعيم " و هو رجل من قبيلة عمر فسأله :

ـ أين تريد يا عمر ؟

أجاب عمر بعصبية :

ـ أريد أن أقتل محمّداً هذا الصابئ الذي عاب ديننا .

كان نعيم قد اعتنق الإسلام سرّاً فقال له :

ـ إن بني هاشم لن يتركوك حيّاً إذا نلته بأذى . . و هذه اُختك قد أسلمت هي و زوجها .

صرخ عمر بعصبية :

ـ ماذا ؟ اُختي فاطمة .

مضى عمر إلى منزل اُخته . و عندما وصل قرب الباب سمع رجلاً يقرأ القرآن . .

كانت كلمات السماء تنساب مؤثّرة :

ـ بسم الله الرحمن الرحيم . . طه . . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . .

ضرب عمر الباب و دخل .

أخفت اخته صحيفة القرآن فأراد أن يمزّقها ، و ضرب اُخته فسال من وجهها الدم .

شعر عمر بالندم . . و خرج من المنزل .

كان سيّدنا محمّد و معه بعض أصحابه في بيت قرب جبل الصفا .

كان يعلّمهم القرآن و الحكمة و يقرأ عليهم آيات السماء .

و في تلك اللحظات سمعوا ضرباً عنيفاً على الباب .

نهض أحد المسلمين و راح ينظر من فتحة في الباب إلى الطارق و سأل الحمزة :

ـ مَنِ الطارق ؟

إنّه عمر و بيده سيف .

قال الحمزة :

ـ لا تخف افتح الباب . . فإذا أراد بذلناه و إذا أراد شرّاً قتلته بسيفه .

نهض حمزة لاستقبال القادم الجديد . فتح الباب و سأل :

ـ ماذا تريد يا بن الخطاب ؟

أجاب :

ـ جئت أشهد أن لا إله إلاّ الله و أن محمّداً رسول الله .

و هتف سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ الله أكبر .

و فرح المسلمون بإسلام عمر .
( اي نعم فقد فرح المسلمون يعني أن اي واحد يسلم واين كان يسلمـ لازم نفرحلها )



الهجرة


كان أهل يثرب من قبيلتي " الأوس " و " الخزرج " قد بايعوا سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) على الدفاع عن دين الله بأموالهم و أنفسهم .

فلما اشتدّ أذى قريش على المسلمين ، أمرهم سيّدنا محمّد أن يهاجروا إلى يثرب ، فراح المسلمون يتسللون من مكّة فرادى و جماعات . و هاجر الحمزة بن عبد المطلب مع من هاجر من المسلمين .

كان المهاجرون و الأنصار في " يثرب " ينتظرون بشوق هجرة سيّدنا محمّد و كانوا يترقبون وصوله




الفداء


قرّر المشركون قتل سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) . و هبط جبريل يخبره بالمؤامرة ، فدعا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ابن عمّه علي بن أبي طالب و عرض عليه أن ينام في فراشه لينجو و يهاجر إلى " يثرب " .

سأل عليّ سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ و هل تسلم أنت يا رسول الله ؟

أجاب سيّدنا محمّد :

ـ نعم .

فرح علي بنجاة النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) و لم يكن يفكّر في نفسه عندما يهاجم المشركون منزل سيّدنا محمّد .

و هبط جبريل بالآية الكريمة : { و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } أي أن هناك من يبيع نفسه من أجل رضا الله سبحانه .
و في هذه الآية ثناء على موقف عليّ و تضحيته .

و وصل سيّدنا محمّد " يثرب " التي أصبح اسمها منذ وصول النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) إليها " المدينة المنوّرة " .



في مكّة


و في مدينة مكّة أغار المشركون على بيوت المسلمين المهاجرين و نهبوها .

شعر المهاجرون بالحزن لذلك ، من أجل هذا فكّر سيدنا محمّد إرسال سرايا لتأديب قريش من خلال التعرّض لقوافلها التجارية .

استدعى سيّدنا محمّد الحمزة أسد الله و عقد له أوّل راية في تاريخ الإسلام و ذلك في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة .

أمر سيّدنا محمّد الحمزة أن ينطلق بسريته و هم ثلاثون من المهاجرين إلى ساحل البحر حيث طريق القوافل .

و في ناحية تدعى " العيص " اصطدم الحمزة ب " أبي جهل " .

كان أبو جهل في ثلاثمائة من المقاتلين ، أي عشرة أضعاف عدد المسلمين ، و لكن حمزة ( رضوان الله عليه ) و من معه من المسلمين المهاجرين لم يخافوا و استعدوا للاشتباك مع المشركين .

و قبل أن تحدث المعركة تدخل " مجدي بن عمرو الجهني " و كانت له علاقات حسنة مع قريش و المسلمين و حجز بينهم .

و قد افتخر حمزة ( رضوان الله عليه ) بأنّه أوّل مسلم يسلّمه رسول الله راية الإسلام ، وله في ذلك شعر جميل :

بأمر رسول الله أو خافق

عليه لواء لم يكن لاح من قبلي

لواء لديه النصر من ذي كرامة

إله عزيز فعله أفضل الفعل

ثم يشير إلى اصطدامه بأبي جهل :

عشية ساروا حاشدين و كلّنا

مراجله في غيظ أصحابه تغلي

فلما تراءينا أناخوا فعقلوا

مطايا و عقلنا مدى غرض النبل

و قلنا لهم حبل الإله نصيرنا

و ما لكمُ إلا الضلالة من حبل

فثار أبو جهل هنالك باغياً

فخاب و رد الله كيد أبي جهل

و ما نحن إلاّ ثلاثين راكباً

و هم مائتان بعد واحدة فضل




تابع >>>>