الأسير


و في الأثناء وصل شاب ، كان يبحث عن أبيه محمد بن بشير الحضرمي .

قال الشاب لأبيه :

ـ لقد وقع أخي في الأسر في ثغر الري ( قرب طهران ) .

فقال الأب :

ـ ما أحبّ أن يؤسر و أنا أبقى بعده حيّاً .

قال الإمام الحسين :

ـ أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ولدك من الأسر .

رفض محمد بن بشير قائلاً :

ـ لا و الله لا أفعل ذلك ، أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك .

فأعطاه الإمام خمسة أثواب قيمتها ألف دينار و قال :

ـ أعطها إبنك ليعمل في فكاك أخيه .

و هكذا كان أصحاب الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) يفضّلون الموت مع الإمام على حياة الذلّ مع الظالمين .



خيمة زينب


خرج الإمام الحسين في منتصف الليل لتفقّد التلال القريبة ، فرآه أحد أصحابه و اسمه نافع بن هلال الجملي ، فتبعه فسأله الإمام عن سبب خروجه فقال :

ـ أخاف عليك الغدر يا بن رسول الله .

فقال الإمام الحسين :

ـ خرجت أتفقّد التلاع و الروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون و يحملون .

عاد الإمام الحسين ممسكاً بيد صاحبه الوفيّ هلال ، و في الطريق قال له الإمام :

ـ ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل و تنجو بنفسك .

بكى هلال و قال :

ـ و كيف أتركك وحيداً . . و الله حتى أُقتل معك .

و عندما وصل الإمام الخيام ، دخل خيمة اُخته زينب ، و وقف هلال ينتظر .

سمع هلال زينب تقول لأخيها :

ـ هل استعلمت ( عرفت ) من أصحابك نيّاتهم ، فانّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة ( بدء المعركة ) .

فقال الإمام :

ـ و الله لقد بلوتهم ( امتحنتهم ) فما وجدت فيهم إلاّ الأشوس ( الشجاع ) يستأنسون بالمنية ( الموت ) دوني ( من أجلي ) إسئناس الطفل إلى محالب ( ثدي ) اُمّه .

عندما سمع نافع كلام زينب ، بكى ثم مضى إلى خيمة حبيب بن مظاهر و حكى له ما سمعه و قال :

ـ من الأفضل أن نذهب إليها و نُطمئنها ، و لعلّ النساء قد استيقظن و شاركنها في قلقها و حزنها .

نهض حبيب ، و غادر الخيمة ، ونادى :

ـ يا أصحاب الحميّة !

خرج الرجال من خيامهم كالأسود ، و تحلّقوا حول حبيب ، فقال لهم :

ـ امضوا بنا إلى خيمة زينب نطيّب خاطرها و خاطر النساء .

مضى الرجال و هم يحملون أسلحتهم إلى خيمة زينب ، و عندما وصلوا هناك اصطفوا خلف حبيب و صاحوا :

ـ يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم ( سيوف ) فتيانكم آلوا ( أقسموا ) ألاّ يغمدوها إلاّ في رقاب من يريد السوء فيكم ، و هذه أسنّة ( رماح ) غلمانكم أقسموا ألاّ يركزوها إلاّ في صدور من يُفرّق ناديكم .

خرجت زينب و خلفها النساء و هن يبكين و قلن :

ـ أيّها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله و حرائر أمير المؤمنين .

بكى حبيب و بكى معه أصحابه و أقسموا على الدفاع و المقاومة حتى الموت .

رؤيا

و مضى الجميع إلى خيامهم . انصرف بعضهم إلى النوم حتى يستعدّ لمعركة الغد ، و راح بعضهم يقرأ القرآن أو يُصلّي .

كان الحسين ( عليه السَّلام ) في خيمته يصلح سيفه ، فشعر بالتعب ، فأغمض عينيه و نام .

كان الوقت سحراً ، رأى الحسين في عالم النوم كلاباً هجمت عليه و راحت تعضّه ، و كان بينها كلب أبقع ، يهجم على عنقه و ينهشه . هبّ الحسين من نومه و قال :

ـ إنّا لله و إنّا إليه راجعون .




عاشوراء


طلع فجر اليوم العاشر من المحرّم ، و صلّى الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) صلاة الصبح و خلفه أصحابه .

ثم هيأهم للمعركة ، قسّم أصحابه إلى ثلاث فرق صغيرة : الجناح الأيمن و قائده زهير بن القين ، و الجناح الأيسر و قائده حبيب بن مظاهر ، و القلب و قائده العباس و هو أخو الإمام ( عليه السَّلام ) .

ركب الإمام الحسين ناقته و وقف قريباً من جيش يزيد و ألقى خطاباً وعظهم و نصحهم و حذّرهم من الإقدام على ارتكاب هذه الجريمة ، و لكن لا فائدة , لقد أضلّهم الشيطان فنسوا ذكر الله .



المعركة


بدأ جيش يزيد بالعدوان ، حيث أمطروا معسكر الحسين بالسهام فقال الإمام لأصحابه :

ـ إنهضوا إلى الموت يا كرام .

اشتبك الفريقان في معركة غير متكافئة ، حيث واجه سبعون مقاتل جيشاً كبيراً مؤلّفاً من ثلاثين ألف جندي .

انتهت الجولة الأولى من الاشتباك ، و عاد رجال الحسين ( عليه السَّلام ) إلى مواقعهم .

شنّ جيش يزيد هجمات وحشية ، فقاوم أصحاب الحسين مقاومة بطولية ، و كان الرجال يتساقطون على الأرض شهداء دفاعاً عن ابن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) .



مصرع مسلم


قام عمرو بن الحجاج بهجوم كبير من جهة نهر الفرات ، فتصدّى له أصحاب الحسين و قاتلوا ببسالة .

كان مسلم بن عوسجة و هو من أصحاب الإمام يقاتل بضراوة العشرات من جنود يزيد ، فأُصيب بجروح بليغة فسقط على الأرض .

عندما شاهد الحسين ذلك هجم على العدو و معه حبيب بن مظاهر و أنقذا مسلم بن عوسجة .

كان مسلم في الرمق الأخير من حياته .

قال الإمام الحسين بحزن :

ـ رحمك الله يا مسلم . { فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلاً }.

جلس حبيب قرب صديقه و قال :

ـ عزّ عليّ ( آلمني ) مصرعك يا مسلم . . أبشِر بالجنّة .

فقال مسلم بصوت ضعيف :

ـ بشّرك الله بخير .

قال حبيب :

ـ لو لا أنّي في أثرك لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما يهمّك .

نظر مسلم إلى حبيب ثم إلى الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و قال :

ـ يا حبيب أُوصيك بهذا ( الحسين ) أن تموت دونه ( من أجله ) .

فقال حبيب بحماس :

ـ أفعل و ربّ الكعبة .