مالك الأشتر



الربذة


منطقة صحراوية بين مكّة و المدينة ، هي منطقة جرداء لا يسكنها أحد . و لكن في عام 30 هجرية ، كانت هناك خيمة وحيدة . في داخل الخيمة شيخٌ كبير و امرأة عجوز هي زوجته و ابنتهما .

لماذا جاء الشيخ إلى هذه المنطقة البعيدة في وسط الصحراء ؟

انّه لم يأت بإرادته ، لقد نفاه الخليفة ليموت في تلك الصحراء .

كان الشيخ مريضاً ، و كانت زوجته تبكي فقال لها :

ـ لماذا البكاء يا اُم ذر ؟

قالت العجوز :

ـ كيف لا أبكي و أنت تموت في هذه الصحراء .

قال الشيخ :

ـ كنت مع بعض أصحابي جالسين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لنا : سيموت أحدكم في الصحراء و سيحضر موته جماعة من المؤمنين . لقد توفي كلّ أصحابي عند أهلهم و لم يبق سواي ، سوف يأتي مَن يساعدك .

قالت العجوز :

ـ لقد مضى موسم الحجّ و هذه الصحراء لا يمرّ بها أحد .

قال الشيخ :

ـ لا عليك اصعدي التلّ و انظري إلى طريق القوافل .

صعدت المرأة التلّ و راحت تنظر إلى طريق القوافل .

مرّ وقت طويل ، فشاهدت من بعيد قافلة قادمة .

لوّحت المرأة بقطعة قماش للقافلة ، و تعجّب المسافرون و تساءلوا مَن تكون هذه المرأة الوحيدة في الصحراء ؟!

فجاءوا اليها . سألوها عن شأنها فقالت :

ـ ان زوجي يموت و ليس قربه أحد .

و مَن هو زوجك ؟

فقالت المرأة و هي تبكي :

ـ أبو ذرّ صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

و تعجّب أهل القافلة فقالوا :

ـ أبو ذر صاحب النبي ؟! هيا بنا إليه .

و ذهب الرجال إلى الخيمة ، و عندما دخلوها وجدوا أبا ذر في فراشه . و قال الرجل :

السلام عليك يا صاحب رسول الله .

فقال أبو ذر بصوت ضعيف :

ـ و عليكم السلام مَن أنت ؟

قال الرجل :

ـ مالك بن الحارث الأشتر و معي رجال من أهل العراق ، نريد الذهاب إلى المدينة لنشتكي إلى الخليفة ما يحلّ بنا من الظلم .

ابتسم أبو ذر و قال :

ـ ابشروا يا إخواني لقد أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنني سأموت في الصحراء ، و سيحضر وفاتي رجال مؤمنون .

فرح مالك و من معه بهذه البشرى النبويّة و جلسوا في خيمة أبي ذر ، و كان مالك الأشتر حزيناً من أجل الصحابي الجليل أبي ذر و ما حلَّ به على أيدي بني اُميّة
.


الأشتر



ينتمي مالك بن الحارث النخعي إلى قبيلة يمنية عريقة ، أسلم في عهد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و كان من المخلصين في ايمانه و إسلامه .

اشترك في معركة اليرموك و قاتل ببسالة فريدة ، و كانت له مواقف شجاعة في صدّ هجمات الروم على الجيش الإسلامي فشترت عينه بالسيف أي انشق جفنها السفلي و لذلك عُرِفَ بالأشتر .

في عام ثلاثين للهجره كان المسلمون في مدينة الكوفة و غيرها من المدن الإسلامية غاضبين من تصرّفات الولاة .

فمثلاً كان " الوليد بن عقبة " و هو أخو الخليفة عثمان حاكماً على الكوفة و كانت تصرفاته منافية للإسلام و الدين ، فهو يشرب الخمر ، و يقضي وقته في مجالس الغناء و اللهو .

ذات يوم جاء الوليد إلى المسجد سكران و صلّى بالمسلمين صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إلى المصلّين و قال مستهزئاً :

ـ أتريدون أن أزيدكم ؟

كان الناس غير راضين عن سيرته و كانوا ينتقدونه في الأسواق و البيوت و المساجد .

كانوا يتساءلون قائلين :

ـ ألم يجد الخليفة شخصاً غير هذا الفاسق لكي يجعله والياً ؟!

ـ انّه يعتدي على حرمات الدين و المسلمين .

لهذا فكّروا بطريقة للحلّ ، فوجدوا ان أفضل طريق هو أن يستشيروا أهل التقوى و الصلاح ، فذهبوا إلى مالك الأشتر فهو شخص تقيّ و شجاع و لا يخاف أحداً غير الله . قال مالك الأشتر :

ـ الأفضل أن ننصحه أوّلاً فاذا لم يرتدع نشكوه إلى الخليفة .

ذهب مالك و معه بعض الناس الصالحين إلى قصر الوالي .

عندما دخلوا ، وجدوه يشرب الخمر كعادته ، فنصحوه أن يكفّ عن تصرفاته المشينة و لكنّه انتهرهم و طردهم .

عندها قرّروا السفر إلى المدينة المنوّرة و مقابلة الخليفة لإطلاعه على الأمر .

قابل الوفد الخليفة و لكنّه ـ مع الأسف ـ انتهرهم و طردهم و رفض شهادتهم ، فخرجوا يائسين .

فكّروا في الذهاب إلى ابن عمّ سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فهو الأمل الوحيد في الإصلاح .



الوفود


و في تلك الفترة جاءت وفود من المدن الإسلامية الاُخرى كلّها تشكوا من ظلم الولاة و سوء سيرتهم .

و ذهب الصحابة إلى منزل الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و اشتكوا عنده ما يلاقيه المسلمون من الظلم و الفساد .

كان الإمام علي يشعر بالحزن لذلك ، فذهب إلى قصر الخليفة و دخل على عثمان و نصحه قائلاً :

ـ يا عثمان ان المسلمين يشتكون من الظلم . و لست أدلّك على أمر لا تعرفه ، و اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر ، فيلقى في جهنّم فيدور كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنّم " . و انّي اُحذّرك الله ، فانّ عذابه شديد .

فكّر عثمان قليلاً و أطرق حزيناً و اعترف بأخطائه و وعده بأن يتوب إلى الله و يعتذر من المسلمين .

خرج الإمام علي يبشّر المسلمين بذلك و عمّت الفرحة الجميع .

و لكن مروان و كان رجلاً منافقاً دخل على الخليفة و تحدّث اليه فغيّر رأيه و قال له :

ـ الأفضل أن تخرج إلى الناس و تهدّدهم حتى لا يتجرأوا على مقام الخلافة .