مع سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله )



و في غزوة العشيرة التي قادها سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) كان اللواء مع حمزة بن عبد المطلب .
و توالت بعد ذلك السرايا و الدوريات الإسلامية التي كان هدفها تهديد تجارة قريش .

كانت قريش قد أعلنت الحرب على المسلمين اقتصادياً ، فقد هاجمت دور المسلمين المهاجرين في مكّة . و راحت تشدّد حربها ضد المسلمين في كل مكان من الجزيرة و تحرّض القبائل العربية على الإغارة على يثرب .

أراد سيّدنا محمد تأديب قريش ، و كان أفضل وسيلة هو تهديد قوافلها التجارية إلى الشام .

و كان الحمزة لا يفارق سيدنا محمدا في كلّ غزوة .



معركة بدر


و صلت الأخبار إلى سيدنا محمد عن عودة قافلة تجارية لقريش من الشام يقودها أبو سفيان .

و دعا سيدنا محمد المسلمين إلى اعتراض القافلة .

و في يوم 12 رمضان من السنة الثانية للهجرة خرج سيدنا محمد و معه 313 من المهاجرين و الأنصار .

سمع أبو سفيان بتحرّك المسلمين و هدفهم اعتراض القافلة ، فأرسل على وجه السرعة رجلاً يحيط قريش بخطورة الموقف .

وجد أبو جهل في ذلك الفرصة للقضاء على الإسلام و المسلمين فراح يحرّض قريش على الحرب فحشّد مع زعماء قريش 950 مقاتلاً و غادر بهم مكّة باتجاه " عيون بدر " حيث عسكر المسلمون .

و في يوم 17 رمضان التقى الجيشان ، كان المشركون يضربون على طبول الحرب ، و كان المسلمون يذكرون الله و يسبّحونه .

و هبط جبريل على سيدنا محمد بهذه الآية : { و إن جنحوا للسلم فاجنح لها } .

و عرض النبيّ على قريش السلام و العودة .

و رفض أبو الجهل و كان يتصوّر انّه سوف يقضي على الإسلام ، فجيشه يفوق جيش المسلمين ثلاث مرّات .

استعد الجيشان للاشتباك و نادى أحد المشركين :

ـ يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش .

و هنا التفت سيدنا محمد إلى أصحابه و قال :

ـ قم يا عبيدة بن الحارث و يا حمزة بن عبد المطلب و يا علي بن أبي طالب .

فهبّوا مستبشرين بنصر الله أو الشهادة في سبيله .

وقف عبيدة أمام خصمه عتبة بن ربيعة .

و وقف علي في مواجهة الوليد بن عتبة .

و تقدّم حمزة نحو خصمه شيبة بن ربيعة .

و اشتعلت أوّل معركة في تاريخ الإسلام .

لم يمهل حمزة خصمه فسدّد له ضربة صرعته .

و ضرب عليّ عدوّ الإسلام فقتله .

أما عبيدة فقد ضرب خصمه و لكنّه تلقى ضربة من خصمه فسقط على الأرض ، فاشترك حمزة و علي في قتل عتبة . و حملا عبيدة نحو معسكر المسلمين لمعالجته .

و عندما تساقط أبطال المشركين في ساحة المعركة ، أصدر أبو جهل أمره بالهجوم العام .

و تصدّى المسلمون للهجوم بروح عامرة بالإيمان و الثقة من عند الله ، و نصر الله المسلمين .

و سقط أبو جهل و تساقطت رؤوس الكفر ، و ولّى المشركون الأدبار .



الانتقام


وصلت أنباء الهزيمة إلى مكّة ، فعلا صراخ النساء على قتلى المشركين إلاّ هند زوجة أبي سفيان ، فقد ظلّت ساكتة فقالوا ألا تبكين على أخيك و أبيك و عمّك ، قالت :

ـ لا حتى لا يشمت بنا محمد و أصحابه .

راحت هند تفكّر بالانتقام و الثأر بقتل سيدنا محمد أو علي بن أبي طالب أو الحمزة بن عبد المطلب .

و كانت تحرّض المشركين من أجل الانتقام .

و خرج المشركون في ثلاثة آلاف مقاتل و معهم هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان و حولها أربعة عشر امرأة يضربن على الدفوف و الطبول .

جاءت هند إلى " وحشي " و هو من عبيد مكّة الأقوياء و أغرته بالذهب و الأموال إن هو قتل سيدنا محمّداً أو علي ( عليه السَّلام ) أو الحمزة ( رضوان الله عليه ) .

قال وحشي :

ـ أما محمّد فلا أقدر أن أصيبه لأن أصحابه يحفون به ، و أما علي فهو حذر لا يعطي فرصة لخصمه ، و أمّا الحمزة فربّما تمكنت من قتله لأنه إذا غضب لا يرى شيئاً .

و قدّمت هند لوحشي الذهب و راحت تنظر إلى الرمح الذي كان يتدرّب عليه وحشي لقتل حمزة .

وصل جيش المشركين منطقة " الأبواء " قرب المدينة و فيها قبر آمنة أُم سيدنا محمّد و كان قد مضى على وفاتها خمسون سنة .

أرادت هند نبش القبر و أصرّت على ذلك ، و لكن بعض زعماء قريش رفض ذلك حتى لا يصبح عادة عند العرب .

و في جبل اُحد تقاتل الجيشان . . جيش المشركين و قائدهم أبو سفيان ، و جيش المسلمين و قائدهم سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

أمر سيدنا محمّد خمسين من أمهر الرماة بالتمركز على سفوح جبل " عينين " لحماية مؤخرة جيش الإسلام ، و أوصاهم أن لا يغادروا أماكنهم في كلّ الظروف .

و بدأت المعركة بهجوم المشركين يتقدّمهم حامل اللواء عثمان بن أبي طلحة و حوله هند و النساء يضربن على الدفوف و يحرّضن على القتال :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

مشي القطا البوارق

المسك في المفارق

و الدرّ في المخانق

إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

صاح حمزة بحماس :

ـ أنا ابن ساقي الحجيج .

و هجم على حامل اللواء فضربه فقطع يده فتراجع و أخذ اللواء أخوه ، و المسلمون يضغطون بشدّة .

تساقط حملة اللواء الواحد تلو الآخر .

و عندما سقط اللواء على الأرض ، دبّ الخوف في نفوس المشركين و ولّوا هاربين ، و سقط الصنم الكبير الذي حملوه معهم لينصرهم في الحرب من فوق الجمل !

و في تلك اللحظات و المسلمون يطاردون فلول المنهزمين تناسى الرماة أوامر سيدنا محمّد و تركوا سفح الجبل لجمع الغنائم فانكشفت مؤخرة جيش المسلمين .

و هنا قام خالد بن الوليد و كان مع المشركين بحركة التفاف ، و فوجئ المسلون بهجوم مباغت لفرسان المشركين و حدثت الفوضى في صفوف الجيش الإسلامي .

كان " وحشي " و هو من عبيد مكّة يراقب حمزة و بيده رمح طويل ، و كان لا يفكّر بشيء سوى قتل حمزة .

و في غمرة الإشتباكات العنيفة ، كان وحشي يترصّد حمزة من وراء صخرة كبيرة .

و فيما كان الحمزة في صراع مع أحد المشركين ، يقاتل ببسالة ، هزّ " وحشي " الحربة بقوّة ثم أطلقها باتجاه عمّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) .

ضربت الحربة بطن الحمزة ، و حاول الهجوم على وحشي و لكن الحربة كانت قد صرعته فهوى على الأرض شهيداً .

و ركض وحشي ليخبر هنداً بما فعل .

فرحت هند و نزعت حليّها الذهبية و أعطتها إلى وحشي و قالت له :

ـ إذا رجعنا إلى مكّة فسأعطيك عشرة دنانير .

أسرعت هند إلى جثمان الحمزة و قطعت اُذنيه و أنفه لتصنع منها قلادة ، ثم استلت خنجراً و بقرت بطن الشهيد و أخرجت كبده بوحشية و عضت كبده مثل الكلب .

ثم جاء أبو سفيان فراح يمزّق جسمه بالرمح !!



سيّد الشهداء



انسحب المشركون من أرض المعركة و هبط سيّدنا محمّد من الجبل و معه أصحابه لدفن الشهداء .

و سأل النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) عمّن يعرف مكان الحمزة .

فقال الحارث : ـ أنا . .

أمر سيّدنا محمّد الحارث أن يبحث عنه ليدلّه .

و مضى الرجل يبحث عنه فوجده ممزّق الجسد فكره أن يخبر النبي ( صلى الله عليه و آله ) .

أمر سيّدنا محمّد عليّاً أن يبحث عنه فوجده و كره علي أن يخبر رسول الله فيتألم لمنظره .

و راح سيّدنا محمّد يبحث عن الحمزة بنفسه فوجده بتلك الحالة المؤسفة .

بكى سيّدنا محمّد كثيراً لما رأى ما صنعوا بجسده الطاهر .

إن الذئاب لا تفعل ما فعلته هند و أبو سفيان .

و قال النبي ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ رحمك الله يا عمّ لقد علمتك فعولاً للخير و صولاً للرحم .

و كان سيّدنا محمّد غاضباً فقال :

ـ لئن أظهرني ( نصرني ) الله على قريش لأمثلن ( لأصنعن ما صنعوا بحمزة ) بسبعين من رجالهم .

و أقسم المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فهبط جبريل بهذه الآية : { و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين } فعفا رسول الله و صبر و نهى عن المُثلة .

و خلع سيّدنا محمّد بردته و غطى الشهيد و خاطبه قائلاً :

ـ يا عمّ رسول الله و أسد الله و أسد رسوله . . يا فاعل الخيرات يا كاشف الكُربات يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله .

و جاءت صفية اُخت الحمزة و عمّة سيّدنا محمّد مع فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لتطمئن على سلامة النبي ( صلى الله عليه و آله ) فصادفها علي بن أبي طالب و قال لها :

ـ ارجعي يا عمّة .

و كان لا يريد أن ترى أخاها بتلك الحالة .

فقالت :

ـ كلا حتى أرى رسول الله .

و رآها النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) من بعيد فأمر ابنها الزبير أن لا يتركها ترى أخاها الشهيد .

فاستقبلها الزبير و قال :

عودي يا اُماه .

فقالت :

حتى أرى رسول الله .

و عندما رأت سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) و اطمأنت على سلامته سألته عن الحمزة :

ـ أين ابن اُمي ؟

و سكت النبيّ ، فأدركت صفية انّه قد استشهد فبكت و بكت فاطمة على عمّها الشهيد .

فقال سيّدنا محمّد يعزيمها :

ـ ابشروا فإن جبريل أخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات " أسد الله و أسد رسوله " .

و اليوم يبقى جبل أُحد قرب المدينة المنوّرة شاهداً على بسالة حمزة سيّد الشهداء و على وحشية المشركين .