تكملة لجزء ابا طالب ناصر الرسول
البشرى
و ذات يوم جاء سيدنا محمّد إلى عمّه و الفرحة تغمر وجهه المضيئ و قال :
ـ يا عم إنّ ربي قد سلّط " الأُرضة " على صحيفة قريش فلم تدَعْ شيئاً إلاّ اسم الله .
فقال أبو طالب مستبشراً :
ـ أربّك أخبرك بهذا ؟!
ـ نعم .
و نهض أبو طالب على الفور و قلبه مملوء بالإيمان ، و انطلق إلى الكعبة حيث يجلس زعماء قريش في " دار الندوة " .
هتف أبو طالب بالجالسين :
ـ يا معشر قريش .
و نهض الجالسون إجلالاً لشيخ مهيب الطلعة و تطلّعوا إلى ما سيقوله فلعلّه جاء ليعلن تراجعه و هزيمته أمام الحصار ، و لكن شيخ البطحاء قال :
ـ يا معشر قريش : إن ابن أخي محمّد قد أخبرني بأن الله قد سلّط على صحيفتكم الأُرضة فمحت منها كلّ شيء إلاّ اسمه فان كان صادقاً فانتهوا عن قطيعتنا و حصارنا .
قال أبو جهل :
ـ و إن كان كاذباً ؟
أجاب أبو طالب بثقة و إيمان .
ـ أُسلّمكم ابن أخي .
هتف زعماء قريش :
ـ رضينا و لك منّا العهد و الميثاق .
و فُتح باب الكعبة ليجدوا الأُرضة قد أكلت كلّ شيء إلاّ " بسم الله " .
و خرج المحاصرون من " شعب أبي طالب " و راح سيدنا محمّد و الذين آمنوا معه يبشّرون بنور الإسلام الوافدين لزيارة بيت الله الحرام
الرحيل
تخطى أبو طالب الثمانين من عمره فشعر بالضعف الشديد و سقط في فراش المرض ، و كان لا يفكّر بشيء سوى سيدنا محمّد ، و كان يدرك أنّه إذا مات فانّ قريشاً لن تهاب أحداً بعده و سوف تقتل ابن أخيه .
و جاء زعماء قريش لعيادة شيخ البطحاء و قالوا :
ـ يا أبا طالب أنت شيخنا و سيدنا ، و قد حضرك الموت فضع حدّاً للخصام بيننا و بين ابن أخيك . . و قل له أن يكفّ عنّا لنكفّ عنه ، و يدعنا و ديننا و ندعه و دينه .
نظر أبو طالب إلى أبي جهل و إلى أبي سفيان و غيرهما من زعماء قريش و قال لهم بصوت واهن :
ـ لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد و اتبعتم أمره ، فأطيعوه تنالوا السعادة في دنياكم و آخرتكم .
و نهض المشركون و قال أبو جهل بحقد :
ـ أتريد أن نجعل الآلهة إلهاً واحداً ؟!
و شعر أبو طالب بالحزن لموقف قريش ، و كان يحسّ بالقلق على مصير سيدنا محمّد ، فدعى بني هاشم و أمرهم بنصرة سيدنا محمّد حتى لو كلّفهم ذلك حياتهم ، فامتثلوا جميعاً .
و عندما أغمض أبو طالب عينيه ليموت مطمئن البال .
و سكت شيخ البطحاء ، أصبح جثّة هامدة لا حراك فيها ، و انخرط ابنه عليّ في بكاءٍ مرير ، و انبعثت صرخات الحزن في أرجاء مكّة ، وفرح المشركون و قال أبو جهل بغيظ :
ـ آن الأوان للإنتقام من محمّد .
و جاء سيدنا محمّد من أجل أن يودّعه الوداع الأخير .
قبّل جبينه المضيء و تمتم بحزن :
ـ رحمك الله يا عم ! ربيتني صغيراً و كفلتني يتيماً و نصرتني كبيراً فجزاك الله عني و عن الإسلام خير جزاء العاملين المجاهدين .
ثم بكى و انهمرت دموعه ، و راح يتذكّر أيام طفولته في ظلال عمّه الوارفة يوم كان صبيّاً و أراد عمّه الرحيل في تجارة إلى الشام ، فركض وراء عمّه و أخذ بزمام ناقته و قال باكياً :
ـ إلى مَن تكلني و لا أب لي و لا اُم ألجأ إليهما ؟
و تذكّر بكاء عمّه و هو يقول له :
ـ و الله لا أكلك إلى غيري .
ثم مدّ يده إليه و احتضنه و راح يقبّله و يشمّه . و انطلقت بهما الناقة في رمال الصحراء .
تذكّر سيدنا محمّد كلّ تلك الأيام بحلاوتها و مرارتها فقبّل جبين عمه المضيء ، و عانق ابن عمّه علي و راحا يبكيان معاً .
عام الحزن
و تمرّ أسابيع معدودة . و توفيت خديجة زوجة سيدنا محمّد ، فسمّى ذلك العام " عام الحزن " ، و راحت قريش تصبّ عذابها على سيدنا محمّد و الذين آمنوا معه .
و ذات يوم جاء سيدنا محمّد إلى منزله و قد ألقى السفهاء التراب على رأسه ، و راحت ابنته فاطمة تبكي و هي تغسل عنه التراب ، فمسح على رأسها و قال :
ـ لا تبكي يا ابنتي فإنّ الله مانع أباك و ناصره على أعداء دينه و رسالته ، و جاء جبريل بأمر السماء قائلاً :
ـ يا محمّد اخرج من مكّة فقد مات ناصرك .
و لمّا تآمرت قريش على قتل سيدنا محمّد ، جاء فتى أبي طالب علي هذه المرّة لينام في فراشه أيضاً و يفدي سيدنا محمّداً بروحه .
فعليّ هو ابن أبي طالب شيخ البطحاء .
فيما انطلق سيدنا محمّد باتجاه يثرب المدينة المنوّرة ، و هناك انبثق نور الإسلام ليضيء العالم .
و اليوم و عندما يتوجّه المسلمون كلّ عام لزيارة بيت الله الحرام فإنّهم يتذكّرون مواقف شيخ البطحاء و هو يدافع عن دين الله و رسالته .
المفضلات