بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ؟
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ؟
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ .
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ .
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ .
عبد المطلب
كان لعبد المطلب الذي حفر بئر " زمزم " عشرة بنين أحدهم عبد الله و هو أبو النبي ، و آخر اسمه " أبو طالب " و هو عمّه .
كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يتيماً مات أبوه عبد الله و هو ما يزال جنيناً في بطن أُمه ثم ماتت أُمُّه و كان له من العمر خمس سنين ، فكفله جدّه عبد المطلب و كان يحبّه حبّاً كثيراً ، و يتوسم فيه النبوّة .
كان عبد المطلب حنيفياً على دين إبراهيم و إسماعيل ، و كان يوصي أولاده بمكارم الأخلاق .
و في فراش الموت قال لأولاده : " إن من صلبي لنبيّاً ، فمن أدركه فليؤمن به " .
ثم التفت إلى ولده أبي طالب و همس في أُذنه :
ـ يا أبا طالب إنّ لمحمّد شأناً عظيماً ، فانصره بيدك و لسانك .
الكفيل
كان عمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) ثمانية أعوام عندما مات جدّه عبد المطلب فانتقل إلى كفالة عمّه أبي طالب .
و من ذلك الوقت بدأ عهد جديد .
و أبو طالب هو عبد مناف الذي اشتهر بشيخ البطحاء و أُمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم .
عاش سيدنا محمد في كنف عمّه و كان يجد في أحضانه الدفء و المحبّة ، و كانت فاطمة بنت أسد و هي زوجة عمّه هي الاُخرى تغمره بالحبّ و الرعاية و تقدّمه على سائر أولادها ، و في مثل هذه الاُسرة الكريمة نشأ سيدنا محمد .
كان حبّ أبي طالب لابن أخيه يزداد مع مرور الأيام لما يراه من أخلاقه الكريمة و أدبه العظيم .
فإذا حضر الطعام مثلاً كان الصبي اليتيم يمدّ يده بأدب و يقول بسم الله فإذا انتهى قال : الحمد لله .
ذات مرّة افتقد " أبو طالب " ابن أخيه محمد على المائدة فرفع يده عن الطعام و قال : لا آكل حتى يأتي ابني ، فإذا حضر ناوله وعاء اللبن ليشرب ثم يشرب سائر الأولاد الواحد بعد الآخر فيرتوون جميعاً ، و يعجب العمّ لذلك فيلتفت إلى ابن أخيه و يقول :
ـ إنّك لمبارك يا محمّد .
البشارة
يسمع أبو طالب من أهل الكتاب بشارات تتحدث عن قرب ظهور نبي أطلّ زمانه ، فيزداد رعاية لابن أخيه و يتوسّم فيه النبوة ، فكان لا يفارقه .
و عندما أراد أبو طالب الذهاب في رحلة تجارية إلى الشام إصطحب معه سيدنا محمداً و كان عمره آنذاك تسع سنين و في مدينة بُصرى التي تقع على طريق القوافل التجارية كان هناك دير يسكن فيه راهب نصراني اسمه بَحيرا ، كان هو الآخر يترقّب ظهور نبي جديد قرب زمانه و عندما وقعت عيناه على محمد وجد في صفاته و ملامحه ما يبشّر بأنّه النبي الموعود .
و راح الراهب يتأمل في وجه الصبي المكّي في خشوع و بشارة السيد المسيح تتردّد في أعماقه .
سأل الراهب عن اسم الصبي فقال أبو طالب : اسمه محمد .
و يزداد الراهب خشوعاً لهذا الإسم الكريم فيقول لأبي طالب :
ـ عد إلى مكّة و احذر على ابن أخيك من اليهود فانّه كائن له شأن عظيم .
و عاد أبو طالب إلى مكّة و هو أكثر حبّاً لمحمّد و أكثر حرصاً على سلامته .
الصبي المبارك
و تمرّ سنوات ، و أصاب القحط مكّة و ما حولها من القرى ، و جاء الناس إلى شيخ البطحاء يطلبون منه " الإستسقاء " .
ـ يا أبا طالب ، أقْحَطَ الوادي و أجَدَبَ العيال ، فهلّم فاستسق لنا .
و عندما خرج أبو طالب كان أمله بالله سبحانه كبيراً و لكنّه لم ينس أن يأخذ معه ابن أخيه محمّداً .
وقف أبو طالب إلى جانب الكعبة و معه محمّد ، كان قلب الصبي يتدفق رحمة للناس ، و دعا أبو طالب إله إبراهيم و إسماعيل أن يرسل المطر مدراراً .
و نظر محمّد إلى السماء ، و مرّ وقت ، و امتلأت السماء بالسحاب و اشتعلت البروق و دوّى الرعد و انهمر المطر غزيزاً و سالت الأودية .
و عاد الناس فرحين يشكرون الله على نعمة المطر و الخصب , و عاد أبو طالب و هو أكثر حبّاً لابن أخيه .
و تمرّ الأعوام و يبلغ محمّد سنّ الشباب فإذا هو مثال عظيم لكلّ الأخلاق الإنسانية حتى عرف بالصادق الأمين .
كان أبو طالب لا يكره شيئاً مثلما يكره الظلم ، و لا يحبّ أحداً مثلما يحبّ المظلومين .
لهذا كان سيدنا محمّد يحبّ أبا طالب .
ذات مرّة وقعت الحرب بين قبيلة " كنانة " و قبيلة " قيس " و كانت قبيلة قيس هي المعتدية .
جاء رجال من قبيلة كنانة و قالوا لأبي طالب :
ـ يا بن مطعم الطير و ساقي الحجيج ، لا تغب عنّا فإنّا نرى بحضورك الغلبة و الظفر .
فأجابهم أبو طالب :
ـ إذا اجتنبتم الظلم و العدوان و القطيعة و البهتان فإني لا أغيب عنكم فعاهدوه على ذلك .
و وقف سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) إلى جانب عمّه مع كنانة و كان النصر لهم .
و كان بعض أهل مكّة يعتدون على حجّاج بيت الله ، فقد جاء رجل من قبيلة خثعم مع ابنته لحجّ بيت الله ، فقام شاب من أهل مكّة و أخذ الفتاة بالقوّة .
فصاح الرجل الخثعمي : من ينصرني ؟
فأجابه بعضهم : عليك بحلف الفضول .
و انطلق الرجال إلى أبي طالب .
و حلف الفضول تبنّاه أبو طالب ، و هو عهد بين رجال من أهل مكّة اتفقوا فيه على نصرة المظلوم و الانتصاف من الظالم .
و عندما توجّه الخثعمي إليهم طالباً العون ، هبّ رجال مسلّحون إلى بيت ذلك الشاب و هددوه ، و أعادوا الفتاة إلى أبيها ، و كان سيدنا محمّد من ضمن أعضاء الحلف .
الزواج السعيد
كان أبو طالب كثير العيال و ينفق على المحتاجين ، فأصبح في ضائقة .
و شعر سيدنا محمّد بأن عليه أن ينهض بواجبه ، خاصة و قد عرضت عليه خديجة _ و كانت امرأة ثريّة _ أن يذهب في تجارتها إلى الشام .
و كانت الرحلة ناجحة تجارياً ، و أدّى سيدنا محمّد الأمانة إلى أهلها ممّا جعل خديجة تفكّر في أمره ، فعرضت عليه الزواج .
و قد استبشر أبو طالب بهذا الزواج و ذهب بنفسه يخطب خديجة من أهلها ، و كان معه رجال من بني هاشم فيهم الحمزة بن عبد المطلب عمّ سيدنا محمّد .
قال أبو طالب : " الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم و ذريّة إسماعيل ، و جعل لنا بيتاً محجوباً و حرماً آمناً ، و بارك لنا في بلدنا .
و إن ابن أخي محمّد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلاً رجح عليه و لا يقاس بأحد إلاّ كان أعظم منه ، و إن كان في المال قل ، فإن المال رزق حائل و ظلّ زائل ، و له في خديجة رغبة ، و لها فيه رغبة ، و صداق ما سألتموه من مالي ، و له و الله نبأ عظيم " .
يتبع >>>
المفضلات