سَعِيْدُ بْنَ جُبَيْر


مدينة واسط بين الكوفة و البصرة سنة 94 هجري
نام أهل القصر و بقي الحرّاس و الجنود يَدورُون في الأروقة ، و هم يحملون المشاعل و السيوف و الرماح .

وقف اثنان من الحرّاس على باب قاعة كبيرة ، كان الحجاج بن يوسف حاكم العراق ينام فيها .

قال الحارس يحدّث صاحبه :

ـ لقد سمعت بأن الأمير قد أُصيب بالجنون .

قال الآخر :

ـ الأمر لا يحتاج إلى توضيح ، فتصرّفاته تدلّ على ذلك .

ـ هذا صحيح منذ أن قُتل ذلك الرجل الصالح " سعيد بن جبير " و هو لا ينام . ينهض من نومه خائفاً و يصيح : مالي و لسعيد بن جبير .

ـ سمعته يقول للطبيب " تياذوق " انّه يرى في المنام سعيداً يجرّه من رقبته و يقول له : لماذا قتلتني يا عدوّ الله .

لقد قتل الأمير أكثر من مئة ألف إنسان ، و في سجنه الآن خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة .

و في الأثناء سمعوا صياح الحجاج و قد هبّ من نومه مذعوراً :

ـ ما لي و لسيعد بن جبير .

قال الحارس لصاحبه :

ـ أظنّ انّ سعيد بن جبير قد جاءه مرّة أُخرى .

قال الآخر متسائلاً :

ـ من يكون هذا الرجل الصالح ؟

سعيد بن جبير
هو سعيد بن جبير ، اصله من الحبشة ، من موالي بني أسد ،كنيته أبو عبد الله ، سكن الكوفة ، و كان من أعلم التابعين في زمانه ، و كان مشهوراً بالتقوى و الزهد ، و كان من أصحاب الإمام زين العابدين عليّ ين الحسين ( عليه السَّلام ) .

الصلاة
كان سعيد بن جبير لا يحبّ شيئاً مثلما يحبّ الصلاة ، و كان يعيش مع و الدته حياة طيبة ، يبرّها و يطيعها ، لأن رضا الله من رضا الوالدين .

كان سعيد يستيقظ على صياح الديك فينهض من فراشه ، و يتوضّأ ثم يصلّي صلاة الفجر ، و بعدها يقرأ القرآن حتى شروق الشمس .

و ذات يوم لم ينهض سعيد لصلاة الفجر ، لأن الديك لم يصح ذلك اليوم .

استيقظ سعيد بعد طلوع الشمس . شعر بالحزن لأن صلاة الفجر قد فات وقتها ، و شعر بالغضب من الديك لأنه لم يصح .

و عندما وقع بصره على الديك قال سعيد بغضب :

ـ ما لَكَ ؟! قطع الله صوتك .

و منذ ذلك اليوم لم يسمع للديك صياح .

عندما شاهدت أُم سعيد ذلك ، عرفت ان ولدها " سعيد " مُستجابُ الدعاء ، فقالت له :

ـ يا سعيد يا ولدي لا تدع على أحد .

أطاع سعيد أمر والدته فلم يدع على أحد أبداً إلاّ مرّة واحدة فقط ، فمتى كان ذلك .

تعالوا نقرأ معاً قصّة استشهاد ذلك التابعي الذي قضى حياته في الجهاد من أجل أن يكون كلمة الله هي العليا .

عبد الملك بن مروان

عندما أصبح عبد الملك بن مروان خليفة على المسلمين أغلق القرآن الكريم و قال :

ـ هذا فراق بيني و بينك .

و بدأ عبد الملك يستخدم الحديد و النار من أجل تثبيت حكمه ، فعيّن ولاة ظالمين يحكمون المسلمين بالظلم و القهر ، فمثلاً عيّن خالد بن عبد الله القسري على الكوفة ثم على مكة و عيّن الحجاج بن يوسف الثقفي على الحجاز ثم على الكوفة ، و كان يأمرهم بقتل الناس .

الحجاج بن يوسف

عندما وصل الحجاج إلى الكوفة ، صعد المنبر متلثماً ، و ظلّ ساكتاً ثم نزع اللثام و قال مخاطباً المسلمين :

ـ يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق و النفاق .

و راح يسبّهم و يشتمهم ثم قال :

ـ لقد أعطاني عبد الملك سوطاً و سيفاً ( أي خوّلني بقتلكم و تعذيبكم فالسوط للتعذيب و السيف للقتل ) فسقط السوط و بقي السيف ( أي ليس عندي لكم غير القتل ) .
و هكذا بدأ عهد الإرهاب فراح يقتل و يسجن ، قتل كثيراً من الصحابة و التابعين بينهم كُميل بن زياد ، و قد قتل الحجاج طيلة حكمه 120000 إنسان كما سجن خمسين ألف رجل و ثلاثين ألف امرأة ، و كان في سجنه أطفال صغار .

المجنون

عمّ ظلم الحجاج في كل مكان ، حتى الناس في الصحراء و البوادي كانوا يخافون من مجرد اسمه .

ذات يوم خرج الحجاج في الصحراء فلقي إعرابياً لوحده . فقال له الحجاج :

ـ ما رأيك في الحجاج ؟

فقال الاعرابي :

ـ ظلوم غشوم .

فقال الحجاج :

ـ فما رأيك في أمير المؤمنين ( عبد الملك ) ؟

فقال الاعرابي :

ـ هو أظلم منه و أغشم .

فقال الحجاج :

ـ فهل تعرفني ؟

ـ لا .. فمن تكون ؟

ـ أنا الحجاج ؟

و هنا ارتعد الإعرابي من الخوف فقال :

ـ و هل تعرفني أيّها الأمير ؟

فقال الحجاج :

لا فمن أنت ؟

فقال الإعرابي خائفاً :

ـ مولى بني ثور أُجنّ في العام مرّتين و هذه إحداهما .

فضحك الحجاج و تركه .

و لم يتركه الحجاج إلاّ بعد أن تظاهر بالجنون و لأنه لا يؤثر على حكم عبد الملك .