الجهاد في سبيل الإسلام

مرّت الأيام و الشهور و شاء الله سبحانه أن يثأر للمظلومين من الذين اضطهدوا للمسلمين في مكّة و نهبوا أموالهم و صادروا حقوقهم .

وقعت معركة بدر ، و كان عمّار في طليعة المقاتلين ، الذين خرجوا لاعتراض قافلة لقريش قادمة من الشام .

جاءت الأخبار المشركين في مكة قد ألفوا جيشاً بقيادة أبي جهل و أنهم يتجهون نحو المدينة .

استشار النبي أصحابه ، و استقر الرأي على مواجهة المشركين .

بعث سيّدنا محمّد عمار بن ياسر و عبد الله بن مسعود لجمع المعلومات عن عدد أفراد الجيش و عن عدّتهم .

قام عمّار بمهمته خير قيام و كان شجاعاً جريئاً فاقترب من قواتهم ليلاً و طاف حول معسكرهم لجمع المعلومات .

عاد عمّار و معه صاحبه إلى سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) قال عمّار :

ـ إن القوم مذعورون خائفون ، و أن الفَرس يريد أن يصهل فيضربه صاحبه على وجهه ، و السماء تسحّ عليهم بالمطر .

كانت المعلومات التي قدّمها عمّار حسّاسة جدّاً ، فقد أشار إلى حالتهم المعنوية المتردّية ، و حالة الخوف المسيطرة عليهم ، كما أشار إلى غزارة الأمطار و طبيعة الأرض و الطين التي ستحّد من قدرتهم على الحركة .

و في الصباح عندما استيقظ المشركون وجدوا آثاراً غريبة فجاء " مبنه بن الحجاج " و كان عالماً بالأثر ، فصاح : و اللات و العزى هذا أثر ابن سمية و ابن اُم عبد أي عبد الله بن مسعود .


المعركة

في صباح يوم السابع عشر من شهر رمضان سنة 2 هجرية وقعت معركة بدر الكبرى . . أوّل معركة في تاريخ الإسلام ، و نصر الله المؤمنين على المشركين .

كان عمّار يقاتل بحماس المسلم الذي يؤمن بالنصر أو الشهادة .

و عندما انهزم المشركون ، شاهد عمّار " أبا جهل " جثة هامدة ، فتذكّر تلك الأيام التي كان فيها أبو جهل يؤذي المسلمين و يعذّب والديه الشهيدين ياسر و سميّة . و ها هي سيوف المظلومين تقتصّ من الظالمين .

رفع عمّار عينيه إلى السماء و شكر الله سبحانه على نصره .


عمّار مع الحق

بلغ عمّار من العمر ستين سنة ، و لكنه كان يفوق الشباب في حماسه من أجل الجهاد في سبيل الله .

كان عمّار عميق الإيمان بالله شديد الحبّ لرسول الإنسانية سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و كان النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) هو الآخر يحبّ صديقه القديم الذي رافقه شبابه و آمن به و نصره و وقف إلى جانبه .

كان سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) يشيد بمنزلة عمّار في المناسبات ، فمرّة قال ( صلى الله عليه و آله ) :

ـ عمّار مع الحق و الحقّ مع عمّار يدور معه كيفما دار .

و فيه قال :

ـ طوبى لعمّار تقتله الفئة الباغية .

ـ إن عمّاراً قد ملئ إيماناً إلى أخمص قدميه .

ـ يا عمّار تقتلك الفئة الباغية و آخر زادك من الدنيا ضياح ( إناء ) من لبن .

و تمرّ الأيام و الشهور و الأعوام و عمّار إلى جانب سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) يجاهد في سبيل الله أعداء الإسلام و الإنسانية .


وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله )

في السنة الحادية عشر من الهجرة توفي سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) فحزن المسلمون جميعاً ، و بكى عمّار رسول الله و صديقة القديم و تذكّر أيام الشباب في مكّة و أيام الجهاد .

و ظلّ عمّار ( رضوان الله عليه ) وفيّاً لإسلامه مجاهداً في سبيل الدين ، يقول كلمة الحق و لا يخاف أحداً إلاً الله .

كان عمّار يحبّ عليَّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) لأنّه طالما سمع سيّدنا محمّداً يقول :

ـ يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن و لا يبغضك إلاّ منافق .

ـ يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبيّ بعدي .

و في عودته من حجّة الوداع رأى عمّار ( رضوان الله عليه ) سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) يمسك بيد سيّدنا علي بن أبي طالب و يرفعها عالياً و يقول :

ـ من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه

اللّهم والِ من والاه و عادِ من عاداه

و انصر من نصره و اخذل من خذله

لهذا كان عمّار يعتقد أن عليّ بن أبي طالب هو خليفة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

عندما تمّت البيعة لأبي بكر و امتنع بعض الصحابة من المهاجرين و الأنصار عن البيعة ، امتنع عمّار عن البيعة و وقف في جانب عليّ بن أبي طالب و فاطمة الزهراء بنت سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

و بعد ستة أشهر ، توفيت سيدة نساء العالمين و اضطر الإمام علي للبيعة حفاظاً على مصلحة الإسلام ، و بايع عمّار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) اقتداءً بالإمام .

الجهاد

انصرف عمّار إلى حياة الجهاد فاشترك في معارك الفتح الإسلامي هنا و هناك . كما قاتل ببسالة في حروب الردّة باليمامة .

عندما أصبح عمر بن الخطاب خليفةً بعد أبي بكر ، عيّنه والياً على الكوفة فأقام حكم الله و رأى الناس في سيرته العدل و الرحمة و التواضع و الزهد .


الشورى

في سنة 23 هجرية تعرّض الخليفة عمر بن الخطاب إلى محاولة اغتيال .

جاء بعض المسلمين و ذكّروا عمر بأن يفكر في الخلافة من بعده .

رأى الخليفة أن تكون شورى بين ستة أشخاص هم علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و عثمان بن عفان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد ابن أبي وقاص . و أمرهم بالاجتماع في أحد المنازل و انتخاب خليفة من بينهم خلال ثلاثة أيام.

كان عمّار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) يتمنى أن ينتخبوا عليّاً لجهاده الطويل و قرابته من سيّدنا محمّد و علمه و فضله و سابقته في الإسلام .

مضى يوم ثم يومان و ليس هناك من نتيجة .

كانت المنافسة بين عليّ بن أبي طالب و عثمان بن عفان .

اجتمع حول المنزل بعض الصحابة فيهم المقداد و عمّار بن ياسر و العباس و غيرهم و كانوا يتمنون انتخاب علي ، و اجتمع بنو أمية و كانوا يريدون انتخاب عثمان . هتف عمّار لكي يسمعه عبد الرحمن بن عوف :

ـ إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّاً .

فقال المقداد مؤيداً :

ـ صدق عمّار إن بايعت عليّاً قلنا : سمعنا و أطعنا .

كان عبد الرحمن بن عوف يطمع بالخلافة ففكّر لو أنّه بايع عليّاً فانّه لن يساومه عليها فيما بعد .

لهذا بايع عبدُ الرحمن عثمانَ حتى يردّها عليه بعد وفاته .

و هكذا أصبح عثمان الخليفة الثالث .

خرج الإمام علي بعد أن قال لبعد الرحمن :

ـ ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا " فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون " و الله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك ، و الله كلّ يوم هو في شأن .

شعر عمّار بالحزن من أجل أهل البيت الذين هم أحقّ الناس بالخلافة لأن الله أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً .



الانحراف

مرّت ستة أعوام على خلافة عثمان .

شيئاً فشيئاً كان الخليفة يبتعد فيها عن الإسلام و عن سيرة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و سيرة أبي بكر و عمر .

كان يعيّن أقرباء ولاةً على المدن ، و كانوا أشخاصاً سيئين ظالمين .

فمثلاً عيّن الوليد بن عتبة و هو أخاه من أمّة والياً على الكوفة ، فكان يشرب الخمر و يأتي سكران إلى مسجد و جعل من مروان بن الحكم الحاكم الفعلي للبلاد ، فهو الذي يأمر و ينهى و يعيّن الولاة و يعزلهم ، عزل الصحابي الجليل سلمان الفارسي عن ولاية المدائن و عيّن أحد أقربائه و عزل سعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة و عيّن الوليد بن عقبة .

كان عثمان ينفق أموال المسلمين على أقربائه من بني أمية و يترك الناس الفقراء و المحتاجين يتألمون


كلمة الحق

كان في بيت مال المسلمين حلي و جواهر ، فجاء الخليفة عثمان و أخذها و وزّعها على بناته و نسائه .

شعر المسلمون بالغضب ، و راحوا يتحدّثون عن سيرة عثمان البعيدة عن روح الإسلام .

لم يتراجع عثمان بل صعد المنبر و خطب قائلاً :

ـ لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء و إن رغمت أنوف أقوام و أقوام .

كان الإمام علي بن أبي طالب حاضراً فشعر بالحزن ، و قام عمّار بن ياسر و كان قد بلغ التسعين من عمره فقال كلمة الحق :

ـ أشهد الله أن أنفي أوّل راغم من ذلك .

اغتاظ الخليفة و صاح :

ـ أعليَّ يا بن ياسر تجترئ .

أشار عثمان إلى الحرّاس أن يمسكوا بعمّار .

لم يحترم الحرّاس شيخوخته و لا صحبته من رسول الله . فجرّوه إلى غرفة عثمان ، شدّوا يديه و رجليه ، و جاء الخليفة و راح يضربه على بطنه ، حتى فقد وعيه ، و جاء بعض المسلمين و حملوه إلى منزل أُم سلمة زوجة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) .

كان عمّار ما يزال فاقد الوعي و فاتته صلاة الظهر و صلاة العصر و صلاة المغرب . و عندما عاد إليه وعيه ، أدّى تلك الصلوات قضاءً .

تذكّر أيام التعذيب في مكّة ، كان يتحمّل أضعاف ما قام به عثمان لأنّه كان شابّاً أمّا اليوم فقد أصبح شيخاً كبيراً لا يقوى على تحمّل الضرب .

تألّمت أُم سلمة لحاله فقال لها عمّار بشجاعة المؤمن الصابر :

ـ ليس هذا بأوّل يومٍ أوذينا في الله .


تابع >>