إسلام سعد بن معاذ
عاد أسيد بن حضير إلى صديقه سعد . عندما رآه سعد بن معاذ من بعيد قال لمن حوله :
ـ أقسم بالله لقد جاءكم أسيد بوجه آخر .
أي أن أسيد قد تغيّر لم يكن أسيد السابق .
قال سعد لأسيد :
ـ ما فعلت ؟
قال أسيد :
ـ لقد نهيتهما فقالا لا نفعل إلاّ ما تحبّ .
قال سعد :
ـ و أين هما الآن ؟
قال أسيد :
ـ في مكانهما .
قال سعد بغضب :
ـ إذن فأنت لم تفعل شيئاً .
نهض سعد من مكانه و أخذ الحربة من أسيد و انطلق نحو مصعب بن عمير .
عندما وصل هناك صاح بعصبية :
ـ من سمح لكما بالمجيء هنا ؟
ابتسم مصعب و دعاه إلى الجلوس و الإصغاء و قال له :
ـ إن كرهت ما تسمعه منّا انصرفنا .
جلس سعد بعد أن ركَّز الحربة في الأرض .
تلا مصعب شيئاً من القرآن و عرض عليه الإسلام بأخلاقه الكريمة و ما فيه من محبّة و إخاء .
شعر سعد بأن قلبه يخفق لإسلام و دخل الإيمان في قلبه فأعلن شهادة الحقّ .
أصبح سعد مسلماً دون أن يعلم به أحد فقرّر في نفسه شيئاً .
كان سعد بن معاذ سيّد بني الأشهل و زعيمهم ، فذهب إليهم و معه مصعب بن عمير و كانوا ينتظرون عودته .
عندما وصل قريباً منهم لم يجلس بينهم ، فخاطبهم واقفاً :
ـ يا بني الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟
فأجابوا جميعاً :
ـ سيّدنا و أفضلنا رأياً .
عندها قال سعد بن معاذ :
ـ إن كلام رجالكم و نسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله و رسوله .
و هكذا آمن بنو الأشهل جميعاً برسالة الإسلام .
و راح مصعب بن عمير يعلّمهم أصول الإسلام و يفقههم في الدين .
بيعة العقبة الثانية
حلّ موسم الحجّ الجديد ، فخرج مصعب بن عمير و معه جماعة من المسلمين و المشركين إلى مكّة ، كان المشركون يحجّون إلى الكعبة و كانت لهم مراسم خاصّة .
كان مصعب يريد لقاء النبي ( صلى الله عليه و آله ) و إطلاعه على انتشار الإسلام في يثرب .
اتصل وفد من المسلمين بسيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) سرّاً و اتفقوا على الاجتماع به في وادي العقبة ليلاً بعد أن ينام الناس حتى لا تعرف قريش بذلك .
كان المشركون من أهل يثرب لا يعلمون بهذا الاتفاق ، فعندما ناموا تسلل المسلمون بحذر و اتجهوا إلى وادي .
العقبة كانوا ثلاثة و سبعون مسلماً و فيهم امرأتان فقط إحداهما نسيبة بنت كعب اُم عمارة من بني النجار و أسماء بنت عمرو من بني سلمة .
جاء سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) و معه عمّه العباس و كان يكتم إسلامه خوفاً من قريش ، و بايع المسلمون سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) على الدفاع عن الإسلام و الوقوف مع النبي في وجه أعدائه جميعاً .
و عندها سألوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قائلين :
ـ فما لنا إن نحن بايعناك و وفينا لك .
أجاب سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) :
ـ الجنّة .
الصنم مناة
عاد الوفد إلى المدينة و عاد مصعب بن عمير ، فرحاً بانتصار الإسلام .
انتشر الإسلام و أضاء نوره مدينة يثرب .
لم يبق بيت فيها دون أن يدخله الإسلام ، فيما أصرّ البعض على الشرك و عبادة الأصنام .
كان عمرو بن الجموح أحد الذين بقوا على الشرك ، و كان ابنه معاذ من الذين بايعوا سيّدنا محمّداً ( صلى الله عليه و آله ) في وادي العقبة .
اتخذ عمرو بن الجموح صنماً من خشب و سمّاه مناة و جعله في ساحة الدار . كان عمرو يتوجّه إلى عبادته كلّ يوم .
فكّر معاذ بطريقة يقنع فيها أباه بأن الأصنام لا تضرّ و لا تنفع . فاتفق مع بعض أصدقائه الذين اعتنقوا الإسلام على أمر .
حلّ المساء و أوى عمرو بن الجموح إلى النوم ، و ظلّ ابنه ساهراً ، كان ينتظر قدوم رفاقه .
و في الساعة المتفق عليها حضر الأصدقاء .
فتح معاذ الباب بحذر و دخل الفتيان إلى ساحة المنزل حيث يوجد الصنم مناة .
شدّوه بالحبال و جرّوه خارج الدار و ذهبوا به خارج المدينة إلى حيث يلقي الناس النفايات و الأوساخ . وجدوا حفرة مليئة بالقاذورات فرموه فيها منكوساً .
عاد معاذ إلى منزله و نام في فراشه دون أن يشعر بخروجه و دخوله أحد .
و في الصباح استيقظ عمرو بن الجموح فلم يجد " مناة " .
راح يبحث عنه في الأزقة و هو يصيح :
ـ مَن سرق آلهتنا ؟!
و بعد أن بحث عنه وجده في الحفرة منكوساً . فأخرجه و عاد به إلى المنزل و راح يغسله من القاذورات و الأوساخ ، ثم رشّه بالعطور و أعاده إلى مكانه و سجد له معتذراً !!
في الليلة التالية حضر الرفاق و ساعدهم معاذ على جرّه إلى خارج الدار ، فانطلقوا به إلى خارج المدينة و رموه في الحفرة نفسها .
استيقظ عمرو بن الجموح ، و عندما لم يجد " مناة " ذهب إلى خارج المدينة و عاد به حيث نظّفه مرّة اُخرى .
كان منزعجاً هذه المرّة فعلّق في رقبة " مناة " سيفاً و خاطبه قائلاً :
ـ إذا كان فيك خير فدافع عن نفسك .
حلّ الظلام و جاء أصدقاء معاذ و جرّوه مرّة اُخرى و ذهبوا به إلى مكان آخر حيث ربطوه مع كلب ميّت و ألقوه في إحدى الحفر .
و في اليوم التالي بحث عمرو بن الجموح عنه . و عندما وجده مربوطاً مع كلب ميت أخذ السيف عن عنقه و ركله بقدمه قائلاً :
ـ تباً لك من إله بائس .
و في تلك اللحظة آمن عمرو بن الجموح برسالة الإسلام و فرح معاذ بإسلام والده .
ـ يومٌ بيوم بدر .
ثم قال :
ـ اعل هبل . .
ـ الله أعلى و أجلّ .
فصاح أبو سفيان :
ـ لنا العزى و لا عزى لكم .
فقال النبي ( صلى الله عليه و آله ) :
ـ الله مولانا و لا مولى لكم .
انتهت المعركة و تعلّم المسلمون درساً لن ينسوه و هو طاعة سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) في كلّ الظروف و الأحوال .
كانت خسائر المسلمين في هذه المعركة سبعين شهيداً ، و بلغ قتلى المشركين ثمانية و عشرين .
وصل سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) إلى المدينة و فرح المسلمون بعودة رسول الله سالماً .
عزى سيدنا محمّد حمنة بنت جحش بشهداء ثلاثة أوّلهم خالها فقالت :
ـ إنّا لله و إنّا إليه راجعون غفر الله و رحمه و هنيئاً له الشهادة .
ثم عزّاها بأخيها عبد الله فقالت :
إنا لله و إنا إليه راجعون هنيئاً له الشهادة .
ثم عزّاها بزوجها مصعب بن عمير .
لم تتحمل هذه المؤمنة الصابرة فصاحت :
ـ واحزناه و بكت بمرارة .
كان سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) يدرك أن حمنة تحبّ زوجها البطل كثيراً لهذا لم يخبرها مباشرة .
و انصرفت تلك المرأة المؤمنة و هي تبكي فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) :
ـ إن للزوج من المرأة مكاناً ما هو لأحد من الناس .
و هكذا انطوت صفحة مشرقة من الجهاد كان اسم الصحابي الكبير مصعب بن عمير في أولى سطورها المضيئة .
و المسلمون اليوم يذكرون بإعجاب مواقف هذا الداعية البطل الذي تحمّل كلّ صنوف العذاب من سجن و غربة من اجل الإيمان و الإسلام ، ليبقى اسمه مصعب الخير خالداً في ذاكرة الأجيال
المفضلات