مسلم ؟
هو سليل البيت الأشم من بني هاشم.. وابن عقيل بن أبي طالب حامي الرسول صلّى الله عليه وآله، ابن عبدالمطّلب شيبة الحمد، ابن هاشم ( عمرو العُلى )، ابن قصيّ.. حتّى ينتهي نسبه إلى مضر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان. أُمّه من آل فرزندا وإخوتُه ستّة عشر وأخواته ثمانية. وزوجته رُقيّة بنت عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام.
أمّا أعمامه فـ: الإمام عليٌّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وجعفر الطيّار رضوان الله عليه، وطالب.
وُلد مسلم بن عقيل سنة 22 هجريّة، واشترك في بعض الفتوحات الإسلاميّة، كما شهد وقعة صِفّين مع عمّه أمير المؤمنين عليه السّلام، فكان على الميمنة مع ولَدَي عمّه: الحسن والحسين عليهما السّلام.
يُعدّ مسلم من فرسان المسلمين المعدودين، وقد أرسله الإمام الحسين عليه السّلام إلى الكوفة سفيراً وممثّلاً له، فدخلَها في الخامس من شوّال سنة 60 هجريّة.. وقد بايعه أهلها للحسين سلام الله عليه، ثمّ غُدِر به فاستُشهد في الكوفة يومَ التروية أو يوم عرفة ـ الثامن أو التاسع ـ من ذي الحجّة سنة 60 هجريّة، مخلّفاً عدداً من الأولاد، هم: عبدالله ومحمّد وأحمد وإبراهيم، وخديجة وحميدة.


مبعوث الإمام الحسين عليه السّلام
في سنة 60 هجريّة مات معاوية، فتنفّس الكوفيّون الصعداء، وأمّلوا أن تتحقّق أمانيُّهم بحكومة السبط أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه. وقد فزعوا إليه يستنصرونه ويبعثون إليه بكتبهم ورسلهم تترى.. وما كان من سليل النبوّة ووريث الإمامة أن يخذلَهم أو يجفوَهم ـ حاشاه ـ، وإن علم أنّهم يجانبون الصدق في المواقع الحسّاسة.
وكان عليه السّلام أن لبّى دعوتَهم، مؤتمِراً بأمر الله تبارك وتعالى في النهوض بوجه الظلم، وكسر الطوق الذي فرضتْه سلطة بني أُميّة على الدِّين وعلى الناس.. فأرسل سلام الله عليه مسلمَ بنَ عقيل رضوان الله عليه وكتب إلي أهل الكوفة:
بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد، فإنّ هانياً وسعيداً قدِما علَيّ بكتبكم، وكانا أخِرَ مَن قَدِم علَيّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلَّ الذي اقتصصتُم وذكرتُم، ومقالة جُلِّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقْبِلْ لعلّ اللهَ أن يجمعَنا بك على الحقّ والهدى.
وإنّي باعث إليكم أخي وابنَ عمّي، وثقتي مِن أهل بيتي.. مسلمَ بن عقيل، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي مَلأِكم، وذوي الحِجى والفضل منكم، على مِثْل ما قدِمتْ به رسُلُكم وقرأتُ في كتبكم.. فإنّي أقْدِم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلَعَمْري ما الإمامُ إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقِسط، الدائن بدين الحقّ، الحابسُ نَفْسَه على ذات الله. والسّلام


استقبال.. أعقَبَه انخذال
استقبلت الكوفةُ مسلمَ بن عقيل رضوان الله عليه أحسن استقبال، وعقدت له الاجتماعات الترحيبيّة، وقرأ عليهم كتابَ الإمام الحسين عليه السّلام، فجعل أهل الكوفة يبكون. وخطب الخطباء مرحّبين، وأسرع الناس مبايعين، حتّى بلغ سجلّ المبايعين 000/18، وقيل: بايعه ثلاثون ألفاً(3).
عندها كتب مسلم إلى ابنه عمّه الحسين بن عليّ عليه السّلام:
أما بعد، فإنّ الرائد لا يَكْذب أهلَه، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجِّلِ الإقبالَ حتّى يأتيَك كتابي؛ فإنّ الناس كلّهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأيٌ ولا هوى، والسّلام (4).
أجل.. كانوا معه، وبقَوا معه لولا خوفهم من عبيدالله بن زياد فيما بعد، وسقوط بعضهم بمغرَيات السلطة الماكرة. وكان مسلم بن عقيل ناجحاً رغم نهايته المؤلمة، فقد هيّأ الناس فكريّاً لدعوة الإمام الحسين عليه السّلام، وأخذ بيعتهم، وكانت تعبئته العسكريّة والسياسيّة جيدة، حتّى رتّب أمور السلاح والعوائد الماليّة، ولكن شاء الله أن يكون من شهداء أهل البيت عليهم السّلام


المحنة
طالما تعرّض الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السّلام للمحن، ومنها: خذلان الناس: خوفاً من السلطة، أو طمعاً بما في يديها! ففي ليلة وضحاها يدخل عبيدالله بن زياد قادماً من البصرة بأمرٍ من يزيد بن معاوية واستشارة له من « سرجون » مستشاره النصرانيّ الحميم، فهيمن على البلد، وقبض على السلطة في الكوفة، فقلب الكفّة لصالح بني أُميّة.. فأطلق وعده ووعيده، وعجّل بقتل هانئ بن عروة، وسجن المختار بن عبيد الثقفيّ، فانسحب الناس إلى بيوتهم حتّى بقي مسلم بن عقيل يجول في سكك الكوفة لا أحد يُؤويه إلاّ امرأة عجوز اسمها ( طوعة ).
وما أسرع أن وشى ابن طوعه إلى ابن زياد بخبرٍ يريد عاجل هديّته، فتحشّدت عساكر الجند تطوّق دار طوعة أوّل الفجر، فلمّا سمع ابن عقيل وَقْع حوافر الخيل عرف أنّه قد أُتي، فخرج إليهم بسيفه، فإذا اقتحموا عليه الدار شدّ عليهم يضربهم حتّى أخرجهم.. فقَتلَ منهم جماعة كثيرة، عندها أرسل عبيدالله إلى محمّد بن الأشعث يقول: بعثناك إلى رجلٍ واحد لتأتينا به، فثَلَم في أصحابك ثلمةً عظيمة، فكيف إذا أرسلناك إلى غيره ؟! فأجابه ابن الأشعث: أتظنّ أنّك بعثتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة، أو إلى جرمقان من جرامقة الحيرة، أوَ لم تعلم أيّها الأمير أنك بعثتني إلى أسدٍ ضرغام، وسيف حسام ؟!
فأرسل إليه ابن زياد أن أعطِه الأمان، فإنك لا تقْدر عليه إلاّ به. وأمان ابن زياد لا يعني إلاّ الغدر!


الشهادة
قاتلَ مسلم القومَ قتالاً شديداً، فلمّا عجزوا عنه جعلوا يوقدون القصب ويرمونه عليه، ويرضخونه من السطوح بالحجارة؛ غدراً به.. واختلف وبُكَيرَ بن حمران بضربتين، وكاد مسلم أن يقتله لو لم يستنقذه أصحابه، فعاد وقد جُرح في ثِنْيتاه. عندها قال له محمّد بن الأشعث: لك الأمان يافتى لا تقتلْ نفسك، إنّك لا تُكذَّب ولا تُخدع ولا تُغَرّ، إنّ القوم بنو عمّك، وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك.
ولم يثق بهم ابن عقيل، إلاّ أنهم عملوا له حفيرةً ألجأوه إليها وأسقطوه فيها، وطُعن من خلفه فخرّ جريحاً، ثمّ أُخذ أسيراًوأُدخل على ابن زياد فلم يُسلِّم، فقال له الحرسيّ: سلِّمْ على الأمير. قال مسلم له: اسكتْ وَيْحك! ما هو لي بأمير. فقال ابن زياد: لا عليك سلّمتَ أم لم تُسلّم؛ فإنّك مقتول. فأجابه مسلم: إن قتلتَني فلقد قَتَلَ مَن هو شرٌّ منك مَن هو خيرٌ منّي
وأخذ ابن زياد بأطراف الحوار الحادّ: إيهٍ يا ابن عقيل، أتيتَ الناسَ وأمرُهم جميع وكلمتهم واحدة؛ لتشتّتهم وتفرّق كلمتهم وتحمل بعضَهم على بعض. فجابهه مسلم بالقول: كلاّ، لستُ لهذا أتيت، ولكنّ أهل المصر زعموا أنّ أباك ( أي زياد بن أبيه ) قتل خيارهم، وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوَ إلى حكم الكتاب.
ويستمرّ الاحتجاج، فلا يجد ابن زياد في ما يعينُه إلاّ الكلمات البذيئة وشتم أهل البيت عليهم السّلام، فأخذ مسلم لا يكلّمه؛ لأنّه لا يرى موقعاً للكلام معه. فصاح عبيدالله: اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه، ثمّ أتْبِعوا جسدَه رأسَه. ونادى: أين هذا الذي ضرب ابنُ عقيل رأسه بالسيف وعاتقه ؟ فدُعي.. فقال له: اصعدْ فكُن أنت الذي تضرب عنُقَه.


التوديع
صعد مسلم بن عقيل إلى السطح وهو يكبّر اللهَ ويستغفره، ويصلّي على ملائكة الله ورسله ويقول: اللهمّ احكُمْ بيننا وبين قوم كذبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا.
ثمّ صلّى لله تعالى ركعات، فتقدّم قاتله وضرب عُنقَه، ثمّ رمى به من أعلى القصر؛ ليُجَرّ بعد ذلك بالحبال في عاصمة الإسلام الكوفة!
وكان قبل ذلك أن أوصى أن يُدفَعَ دَينٌ له في الكوفة بسيفه ودرعه، وأن يُستوهَبَ جثمانه بعد شهادته، وأن يُبعثُ إلى الحسين عليه السّلام أن يرجع؛ فإنّ الناس خذلوه!
هكذا قالوا
إذا كان الأئمّة عليهم السّلام حجّةَ الله على الخَلْق، كذلك كلامُهم يكون حُجّةً على الخَلْق. إذاً يكفي مسلمَ بن عقيل أن يصفه سيّدُ شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام في كتابه إلى أهل الكوفة بقوله:
إنّي باعث إليكم: أخي وابنَ عميّ، وثقتي من أهل بيتي، مسلمَ بن عقيل
فأيّة منزلةٍ لمسلم عليه السّلام إذا حظي بأُخوّة السبط أبي عبدالله الحسين سيّد الشهداء صلوات الله عليه ؟! وأيّة درجةٍ ارتقاها بإيمانه وولايته وتقواه وبصيرته حتّى أصبح ثقةَ الإمام الحسين سلام الله عليه ؟!
وبعد هذا الثناء الجليّ السامي.. تأتي كلمات الناس تؤيّد، وتؤكّد:
• قال عمرو بن دينار يصفه: كان مسلم بن عقيل مثلَ الأسد، لقد كان من قوّته أن يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت، إلى أن قُتل بالكوفة
• وقال أحمد بن يحيى البلاذريّ: قالوا: كان مسلم بن عقيل أرجلَ ولْد عقيل وأشجعهم، فقدّمه الحسين بن عليّ إلى الكوفة حين كاتَبَه أهلُها، ودَعَوه إليها
• وقال الشيخ الدربنديّ: إنّ لمسلم مقاماتٍ كريمة، ومناقبَ سَنيّة، لا يسعها الطوامير والطروس الطوال، وكيف لا.. فالعرق صحيح والمنشأ كريم، والشأن عظيم والعمل جسيم، واللسان خطيب، والصدر رحيب
• ووصفه الشيخ عبدالله المامقاني بقوله: هو سفير سيّد الشهداء إلى الكوفة، وجلالته ممّا لا يفي بها قلم
• وكتب السيّد هبة الدين الشهرستانيّ: وكان مسلم ـ كبقيّة آل عليّ ـ رجلَ الصدق والصفاء، ومثالَ الشجاعة والإيمان
• وعرّفه خير الدين الزِركْليّ بقوله: مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم.. تابعيّ، من ذوي الرأي والعلم والشجاعة
السيّد محمّد مهدي بحر العلوم أعلا الله مقامه، فقد رثاه بشعرٍ حكى حزنَه وتفجّعَه عليه، فقال:

عَينُ جُودي لمسلمِ بن × عقيلِ لسفير الحسين سبطِ الرسولِ
لشهيدٍ بين الأعادي وحيدٍ × وقتيلٍ لنصرِ خيرِ قتيلِ
جادَ بالنفس للحسين فجُودي × لجوادٍ بنفسهِ مقتولِ
أخبرَ الطُّهْرُ أنّه لَقتيلٌ في وداد الحسينِ خيرِ سليلِ
وعليه العيونُ تُسبل دمعاً × هو للمؤمنين قصدُ السبيلِ
وبكاه النبيُّ شَجْواً بفيضٍ × مِن جَوى صدرِه عليه هَطولِ
فابكِ مَن بكاهُ أحمدُ شَجْواً × قبل ميلادِه بعهدٍ طويلِ
وبكاه الحسينُ والآلُ لمّا × جاءهم نعيُه بدمعٍ هَمولِ
كان يوماً على الحسينِ عظيماً × وعلى الآلِ أيَّ يومٍ مَهُولِ

__________________________________
عابس بن أبي شبيب الشاكري
ذكروه في مواضع أخرى باسم عابس بن شبيب):

من شهداء كربلاء. ومن رجال الشيعة الشجعان، وكان خطيباً، وناسكاً، متهجّداً، ويعتبر من أعظم الثوار إخلاصاً وحماساً، وكان يعتبر من فتيان العرب.

لما قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة وقرأ على الناس كتاب الحسين قام وأعلن عزمه على الثورة واستعداده للتضحية. وبعد مبايعة أهل الكوفة لمسلم بن عقيل، أرسله مسلم إلى الحسين بالرسالة التي أخبره فيها ببيعة أهل الكوفة ( أبصار العين في أنصار الحسين:74، مقتل الحسين للمقرم:167)، كان عابس أشجع الناس ولما خرج يوم عاشوراء إلى القتال لم يتقدّم إليه أحد .

نزل إلى الميدان هو وحليفه شوذب وقاتلا حتّى قُتلا. كان ينادي في ساحة القتال: ألا مِنْ رجل، فنادى عمر بن سعد : ويلكم أرضخوه بالحجارة، فرضخوه بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى ورعه ومغفره وأخذ يقاتلهم لوحده، ثم أنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل( سفينة البحار 147:2، أنصار الحسين:80)، واحتزوا رأسه وصار يدّعي كل منهم أنه قاتله لينال الجائزة(أبصار العين: 74) .

_______________________________
قارب (مولى الحسين)
من شهداء كربلاء، كان مولىً لأبي عبدالله عليه السلام وأُمّه فكيهة كانت جارية للحسين تخدم في دار الرباب زوجة الحسين. جاء قارب برفقة الحسين عليه السلام من المدينة واستشهد يوم الطف بين يديه. جاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة
____________________________________
الغلام التركي

أحد شهداء كربلاء، وكان مولى لسيد الشهداء عليه السلام ومن أصل تركي، كان ماهرا في الرماية ويعمل في الوقت نفسه كاتباً للإمام الحسين عليه السلام، وكان يجيد اللغة العربية وتلاوة القرآن، ذكر البعض أن اسمه سليمان وسليم أيضا(أنصار الحسين:58)، بعد أن أُذن له بالقتال ارتجز قائلا:

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجـو من سـهمي ونبلي يمتـلي

إذا حسـامي في يمـيـني ينجـلي

ينشـق قـلب الحاسـد المـبـجّل



قاتل قتال الأبطال حتى سقط على الأرض فجلس الإمام عند رأسه وبكى ووضع وجهه على وجهه، فتح عينه فوجد الإمام عند رأسه فتبسم وأسلم روحه (بحار الأنوار30:45،عوالم الإمام الحسين:273) .