السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الهم صلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الحلقة الثالثةيقول الشيخ عبد العظيم / من مذكّرات الشيخ بهلول/ ص70ـــ73.
إلى كربلاء والنجف
عندما رجعتُ إلى سبزوار قالت لي أمي: أرجوك أن تأخذني إلى كربلاء والنجف لزيارة العتبات المقدسة. وبما أني كنتُ أتمنى فرصة لزيارة العراق واللقاء بالعلماء في العتبات المقدسة. أخذت والدتي وخرجت قاصداً كربلاء والمسافة غير قصيرة من ناحية, وأنا مطارد ومطلوب للاعتقال من ناحية أُخرى ولم يكن عندي جواز سفر رسمي من ناحية ثالثة, لذلك فإن سفرتي لم تكن تخلو من خطورة, فأخذتُ أتنقل من مدينة إلى مدينة وأمرُّ على قرية تلو قرية ألتقي بالناس وأرتقي المنبر وأنا خارج إلى مكان آخر, وهكذا حتى دخلتُ الأراضي العراقية عبر مدينة كرمانشاه الإيرانية, فوصلتُ إلى كربلاء في الأول من شهر رجب, وكان يأتي إليها المرجع الكبير آية الله العظمى السيد أبو الحسن الاصفهاني في كل عام في الأول من شهر شعبان إلى الخامس عشر منه, ويصلي الجماعة في صحن الإمام الحسين عليه السلام مقابل باب القبلة.
وتلبيةً لطلب السيد ارتقيتُ المنبر بعد صلاته من أول شهر شعبان إلى ليلة النصف, ليلة ميلاد الإمام الحجة بن الحسن المهدي عجل الله فرجه وكان السيد الاصفهاني يجلس تحت المنبر ويستمع لخطابي, وبعد النصف حيث يعود السيد إلى النجف الأشرف طلب مني مرافقته والتزام المنبر بعد صلاته هناك, فقبلتُ طلبه, وخرجتُ معه إلى النجف, وهناك أيضاً طلب مني آية الله العظمى الشيخ ميرزا حسين النائيني أن أرتقي المنبر عنده عشر ليالٍ, فلبيتُ دعوته كذلك. بهذه المنابر والخطابات انتشر اسمي في العديد من البلاد الإسلامية.
في ذات يوم عند لقاء خاص مع المرجع الأعلى السيد أبي الحسن الاصفهاني رحمه الله سألني السيد: جئت إلى العراق لأجل الزيارة أم الدراسة؟
قلتُ: في الوقت الحاضر جئتُ للزيارة ومعي والدتي, وسوف أعود بها إلى الوطن ثم أرجع للدراسة التي بلغتُ فيها إلى السطوح (يعني المرحلة الوسطى من الدروس الحوزوية) وسوف أدرس مرحلة الخارج هنا في حوزة النجف ( وهي المرحلة التي يُعدُ العالم لدرجة الاجتهاد) ذلك لأني أبتغي هدف الاجتهاد والمرجعية.
فقال السيد الاصفهاني: ممن تقلد؟
قلتُ: من سماحتكم.
قال: إني أفتي لك بأن اليوم حضورك في (البحث الخارج) من أجل بلوغ درجة الاجتهاد حرامٌ, وأن ارتقاءك المنبر لتحريض الناس ضد القوانين التعسفية الجائرة للعميل رضا خان البهلوي في إيران والتي سنها ضد القرآن واجب عيني عليك. نحن لدينا مجتهدون كثرة, لكن المبلغين المنبريين الذين يعون الفكرة المطلوبة ويكونون من أهل التقوى قليلين جداً, وإلى أن تصبح أنت مجتهداً فإن الشاه رضا خان قد أتى على كل شيء ولم يبقِ مسلماً في إيران ليقلدّك!
قلت: أنا مستعد لهذا العمل, بل مشغول به منذ سنوات ولكن إذا أدّت نشاطاتي ضد الشاه إلى حربٍ وسفك دماء فلستُ أنا المسؤول!
قال المرجع الاصفهاني: أنا مطلع على أنشطتك في إيران, خاصة مواجهتك للملعون فضل الله خان رئيس شرطة قم, فإنّها مواجهة جديرة بالتقدير. لأجل هذا فإني آمرك بمواصلة هذا الجهاد العظيم قبل أن ينتشر المزيد من الفساد في البلاد.
وبالنسبة للحرب وسفك الدماء, يجب أن لا تكون البادىء فيها, فإنّه لا يجوز لكم ضرب النساء السافرات لإكراههن على الحجاب, ولا يحق لكم أن تعتدوا على شارب الخمر أو تؤذوا رجلاً يحلق لحيته أو يبوّل واقفاً. عليكم أن تأمروا الناس بالصلاة والصيام والزكاة والحج والواجبات الدينية الأخرى بطريقة ليّنة, وبالتي هي أحسن تنهوهم عن الخمر والقمار والزنا واللّواط والربا والرشوة والسرقة والخيانة والكذب والغيبة وحلق اللّحية والتبوّل وقوفاً وربطة العُنق ومصادقة المنحرفين وبقية المحرّمات وسائر المكروهات. فإذا منعت حكومة البهلوي أنشطتكم التبليغية هذه وأدى منعها إلى الحرب وسفك دماء فإنها هي المسؤولة لا أنتم, والذي يُقتل في تأييدكم فهو شهيد. لكن حتى الإمكان اسعوا للغلبة على العدو بحرب باردة ومعارضةٍ سلمية, حتى لا تصل الأمور إلى حرب ساخنة, وأنا أدعو الله لك بالموفقية.
وهكذا رجعت إلى إيران مع والدتي مقرّراً تنفيذ أوامر وتعاليم مرجعي الكبير حسب وسعي ومقدوري. *
* من الجدير ذكره أن الشيخ بهلول في ذلك الوقت كان شابّاً في الخامس والعشرين من عمره تقريباً.
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أخوكم في الله (33) (32)





رد مع اقتباس
المفضلات