بسم الله الرحمن الرحيم
الهم صلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلقة السادسة
يقول الشيخ عبد العظيم / من مذكّرات الشيخ بهلول/ ص78ـــ 82.
المطاردة وتصعيد الخطاب
بعد رجوعي من حج بيت الله الحرام وحصول الطلاق الصعب, طلبت مني أختي التي تكبرني بسبع سنوات أن آخذها إلى زيارة كربلاء أيضاً. وبما أن لها عليّ فضل, إذ هي التي علمتني الخطابة المنبرية وشجعتني منذ صغري لإرتقاء المنبر وإرشاد الناس, وهي كانت خطيبة النساء ومُرشدة لهن, فما كان مني إلا أن منحتُها موافقتي, فانطلقنا إلى كربلاء مع إبنتها الصغيرة, وفي الطريق إلى العراق الذي استغرق عشرة أشهر تقريباً كنتُ أرتقي المنبر في كل مدينة وقرية, ويحتشد الناس لاستماع خطابي, وكانت أختي أيضاً ترتقي المنبر للنساء, مررنا على مدينة زاهدان وبم وكرمان وسيرجان ويزد وشيراز وبوشهر ومنها عبر البحر ذهبنا إلى مدينة خرمشهر وآبادان ودخلنا مدينة البصرة تهريباً, فأولاً تشرفنا بزيارة مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف ثم مرقد الإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام في كربلاء. وعُدنا إلى إيران مروراً بالمدن التالية: البصرة آبادان أهواز بهبهان تبريز شيراز أصفهان قم طهران مشهد كناباد.
ولقد ارتقيتُ المنبر في هذه المدن كلّها وقُراها التي دخلناها متحدّثاً عن الوضع السياسي في البلاد, ما عدا مدينة شيراز واصفهان إذ قلتُ للناس فيهما أنّي لا أتدخل في السياسة!
طبعاً هيّئتُ الأرضية إليها بعد إيصال أُختي إلى بيتها في كناباد وذلك لأن هاتين المدينتين أهم المدن سياسياً, فكنتُ احسب لهما حساباً خاصاً ولا بدّ لهما من تمهيد خاص. وهكذا أوصلتُ أُختي لئلا تتضرر في الاضطرابات المحتملة بعد خطاباتي, ثم عدتُ إلى اصفهان فارتقيتُ المنبر في مسجد السيد ومسجد الحكيم ومسجد الجمعة والمسجد المسمّى بمسجد الشاه وبقية أماكن اصفهان, وكانت مواضيعي تدور في التشهير بالقوانين التي سنتها حكومة البهلوي ضد القيم الإسلامية, كقانون تبديل عطلة الجمعة إلى يوم الأحد تبعاً للنصارى, وتبديل الأسماء العربية إلى أسماء فارسية, وفتح دور السينما للأفلام المفسدة, وسماحه لبيع الخمور وممارسة الدعارة ولعب القمار والميسر, وقانون الزواج والطلاق الذي كان مخالفاً لقانون الإسلام, وقانون السفور وخلع الحجاب الإجباري من النساء المسلمات.
نددتُ بهذه الأمور في كل خطاباتي, مما جعل شرطة اصفهان تستنفر لمنع المحاضرات, ولكنها جوبهت بصمود الناس الذين دافعوا عنّي بقوة, فتراجعت الشرطة مُرغمة, واستمرت محاضراتي لأربعين يوماً آخر.
ومن بعد مدينة اصفهان ذهبت إلى شيراز وفاءً للوعد الذي قطعته سراً مع المؤمنين هناك, وهكذا تمت محاضراتي كالّتي في اصفهان بل أحسن منها.
في شيراز أيضاً أرادت الشرطة أن تمنع المجالس, ولكن الناس وقفوا في وجهها ودافع عنّي المجتهد الكبير في شيراز آنذاك سماحة الشيخ جعفر المحلاتي دفاعاً مريراً.
ولقد حاولت الشرطة في منتصف الليل القاء القبض عليّ, ولكنها خابت بالفشل لأني كنتُ أُخفي محل إقامتي من دون علم أحد! فالذي كان يدعوني لتناول العشاء في بيته كنتُ أتفق مع شخص آخر لأبيت عنده بشرط الكتمان, فبعد العشاء أصعد السطح وأتنقل من سطح الجيران حتى أصل إلى زقاقٍ تؤدي إلى منزل الشخص الذي اتفقتُ معه للمبيت في داره, فالشرطة التي علمت عبر جواسيسها بأني معزوم على العشاء في بيت فلان تقتحم البيت فلم تعثر عليّ!
هكذا كانت خطتي في كل المدن الإيرانية, وقد أرهقت بها الشرطة في البحث عنيّ والقاء القبض عليّ, فما استطاعوا الوصول إليّ أبداً, ولمّا أنهيتُ مهمتي في شيراز خرجتُ إلى مدينة يزد وكرمان وهمدان ونهاوند و تويسركان وعملتُ فيها ثورة على حكومة البهلوي. حتى وصلتُ إلى مدينتي كناباد فعلمتُ أن رئيس الشرطة فيها منذ شهرين ينتظرني لإلقاء القبض عليّ, فلم أبق سوى ليلة واحدة, فررتُ في أول الصباح ودخلتُ مدينة فردوس ولم يؤسس فيها مخفر للشرطة بعد. فارتقيتُ المنبر وبدأتُ في تنوير الناس حول الوضع السياسي للبلاد والمخطط الاستعماري الهادف إلى إماتة الإسلام في إيران. وكنتُ أبيتُ في منزل عالم فردوس المحترم سماحة الحاج نجفي وكان مسالماً مع الحكومة رغم سخطِه على تصرفاتها وسياستها.
وذات يوم جاءه رئيس الأمنية الأستخبارت وقال: إن لدينا أمراً من شرطة مشهد لإلقاء القبض على ضيفك, ولكن احتراماً لمكانتك فإني لا أقبض عليه في دارك, مجرّد أرجو منك إخبارنا عن الطريق الذي يخرج إليه الشيخ من المدينة لنعتقله هناك!
شكره الحاج نجفي على عدم اعتقالي في بيته, فخرج رئيس الأمنية على أمل أن يخبره الحاج عنيّ! هذا ما سمعه زوج خالتي الذي كان معي حيث أيقظني وقال: لقد سمعتُ كلام المأمور مع الحاج نجفي, فما الحل؟
قلتُ له: تحرّك معي, ففرنا من دون إخبار الحاج نجفي صاحب البيت, وكان الوقت منتصف الليل, فأكملنا نومنا في إحدى المزارع, ثم خرجنا مع أذان الصبح من المدينة متجهين إلى مدينة قائن وفيها ارتقيتُ المنبر سبع ليال, استنهضت فيها الهمم والغيرة الدينية وناديتُ في المسلمين بالجهاد.
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أخوكم في الله (32) (33)
المفضلات