بسم الله الرحمن الرحيم
الهم صلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة الثانية

يقول الشيخ عبد العظيم / من مذكّرات الشيخ بهلول/ ص64ــ 69.

إلى قم المقدسة


منذ ذلك اليوم قرّرتُ الذهاب إلى حوزة قم المقدسة في اقرب فرصة ممكنة لكي أكون عوناً للعلماء الأعلام إذا ما اندلعت ثورة شعبية ضد رضا خان البهلوي, لأني كنت أسمع في مدينة سبزوار أن مصطفى كمال أتاتورك في تركيا رمى بعض علماء الدين في البحر وأغرقهم, وأن رضا خان يفكر الإقتداء به!!!
مشيت على الأقدام مسافة طويلة حتى وصلتُ إلى مدينة قم بعد شهر ونصف, وذلك لأن الحكومة فرضت قانون يقضي بحمل جواز سفر للتنقل بين المدن, وبما أنيّ كنت مطلوباً لذلك لم يكن من الصالح طلب جواز.
واللطيف أن قُطّاع الطرق بين مدينتي دامغان وسِمنان أوقفوني وأخذوا مني ثيابي وما كان معي. ولما دخلت المدينة صعدت المنبر في أحد المساجد وكان رئيس السرّاق رآني جالساً على المنبر فعرفني فجاء وأعاد كل ما سرقه مني!
وأخيراً دخلتُ مدينة قم ورأيتُ كل شيء على حاله ولا أحد يهدد العلماء والحوزة, وأن الشيخ عبدالكريم الحائري المرجع الديني مؤسس الحوزة محترماً لدى الحكومة. فعلمتُ أن ما سمعتُه في سبزوار أن الشاه يريد القضاء على العلماء لم يكن إلا شائعة, ولربما شائعة قبل واقعة!
وإما قضية استشهاد الثائر الخيّر الحاج ميرزا نورالله الاصفهاني وإبعاد الشيخ البافقي من مدينة قم فكانت منسيّة لا يتكلم عنها أحد.
هنا قرّرتُ الاستفادة من الهدوء المخيم على الحوزة بمواصلة الدراسة عملاً بوصية أبي وتأكيده على جانب العلمي!
بقيتُ عاماً ونصف عام في الحوزة, درستُ شرح اللّمعة في الفقه ورسائل الشيخ الأنصاري في الأصول رغم أني كنت قد درستها عند أبي سابقاً.
ثم درستُ كفاية الأصول وفي نفس الوقت كنتُ ليالي الجمعة وأيام العُطل أذهب إلى القرى القريبة من مدينة قم للتبليغ الديني ودفع الناس إلى مساندة العلماء فيما إذا أعلنوا ثورة ضد الشاه تكون النفوس مهيئة.
ولقد نشطتُ في 25 قرية وأصبحتُ فيها محبوباً ومعروفا ًإلى درجة بعث القرويون إليّ في قم خلال صيف تلك السنة ثمانين بغلة محمّلة بالبطيخ فوزعته على طلبة العلوم الدينية في المدارس قم كلها.
لقد كان رئيس بلدية قم واحد من أعوان الشاه رضا خان المقربين والمدربين على المكر والخيانة. ومما قام به هذا الفاسق هدمُه لمقبرة قم المجاورة للحرم وتبديلها بحديقة, وذلك ضمن خطّة مدروسة بالتنسيق مع الشاه مباشرةً, والهدف كان البدء في نشر مظاهر الفسق والمعاصي بين الناس وتحطيم قدسية المدينة.
وبعد تخريب القبور وإعداد الأرض لزراعة الأشجار والزهور, وقبل أن يأتي الشاه إلى مدينة قم لإفتتاح سكّة الحديد بينها وبين محافظة خوزستان بثلاثة اشهر أمر رئيس البلدية ببناء ملهى داخل الحديقة!
ولقد فرح لذلك الشباب المراهقون في المدينة, وحينما جاء الشاه إلى قم التقى به العلماء بما فيهم المرجع الكبير الشيخ عبدالكريم الحائري وقدّموا له اعتراضاتهم على تصرفات رئيس البلدية. فقال الشاه المنافق: أمّا المقبرة فأن دائرة الصحّة تقول بأنها كانت مصدر أمراض داخل المدينة فلزم إلغاؤها لتكون المقبرة خارج المدينة!
وأمّا الملهى فسوف أمنع هذا الأحمق من تشييده, أنا لا أرضا بما يقوم به من بناء أماكن للزنا وشرب الخمر!
وهكذا سجّل الشاه لنفسه فضلاً على العلماء, وأقام لنفسه موقعاً في قلوبهم حيث منع بناء الملهى, ولكنه حقّق الهدف الأول وهو هدم المقبرة واستبدالها بحديقة للتدرّج في نشر المعاصي والمعاكسات بين الفتيان والفتيات.
غرسوا في الليلة الأولى بعض الأشجار والزهور, فقمتُ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل مع ثلاثة من أصدقائي القرويّين بقلعها ورميها جانبا, وذلك بالمشورة مع بعض كبار العلماء.
ولم تمض فترة طويلة حتى علم الرئيس الشرطة أنني قُدتُ المجموعة في هذه القضية, فأخذوا في البحث عني, ولكن الأصدقاء أخفوني فلم تتمكن الشرطة من العثور عليّ, وكنتُ أتنقّل من قرية إلى قرية لمدة ثلاثة أشهر وأدخل المجالس الكبيرة كالفواتح والمآتم واجتماعات الأعراس العامة بشكل مفاجىء, وأرتقي المنبر وأعرّي مفاسد الحكومة الشاهنشاهية ثم أهرب إلى مخبئي, فلم تستطع الشرطة من الوصول إليّ في ذلك الإزدحام, واستمرت المعركة بيني وبين رئيس الشرطة وأفراده على هذه الطريقة لخمسة أشهر في المجموع, ولكنه عجز عن إلقاء القبض عليّ رغم أنه كان معروفاً بالمكر والدهاء, والناس في قم كانوا يسمّونه عبيدالله بن زياد واسمه كان فضل الله وساعدته صفاته اليزيدية ليرتقي في درجته حتى أصبح فيما بعد من أهم الأعمدة العسكرية المعتمدة لدى الشاه محمد رضا خان, فكان يرسله للمهام الصعبة إلى أنحاء البلاد, وهو الذي جابه الدكتور محمد مصدق وواجه الحركة الوطنية في الخمسينات الميلادية.
ولكي يعرف قرّاء هذا الكتاب الحقيقة البهيميّة لهذا الرجل أعني رئيس شرطة قم أذكر القصة التالية:
قبل عيد النيروز بستة أشهر أعلن في قم أن من لا يلبس الزيّ الغربي ولا يضع القبعة على رأسه من بداية السنة الجديدة, فسوف يعاقب بخمسين ريالاً وخمسين سوطاً وشهرين سجن!
وجاء يوم العيد, فأخذ يتجول في الأسواق فلم ير أحداً من الناس قد غير زيه المحلي إلى زيّ الغربيين, فاغتاظ ثم قام باللعبة التالية:
ألقى القبض على أحد الفسقة المعروفين, وجاء به إلى مركز الشرطة وضربه بالسوط ثم أمر أن يشتروا له بدلة سترة وبنطلون مع القبعة الغربية وحلقوا وجهه بالموس ثم ألبسوه الزيّ الغربي وأمروه أن يتجول في الشارع!
ولما رآه الناس خافوا أن يفعل بهم رئيس الشرطة ما فعل بالرجل, فلبس الزيّ ما قارب ألف وخمسمائة شخص في ذلك اليوم, وهكذا أصبح هذا الزيّ الدخيل زيّاً لأكثر الناس في المدينة.
من خلال هذه القصة يمكنكم أن تعرفوا حقيقة فضل الله الذي كانت بينه وبيني مطاردة ومعركة الفرّ والكرّ.
ولقد انتظرتُ حتى يعلن العلماء في قم الجهاد لأكون في طليعة المجاهدين, فلم يُعلنوه, وأنا رأيت الاسمرار في الخفاء مع ذلك الصيف الحارّ في قم ليس أمراً نافعاً, ومن ناحية كان فضل الله قد ضايق الناس في التفتيش عنيّ ...لذلك تركتُ المدينة عائداً إلى مدينتي سبزوار.

والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أخوكم في الله (33)