بدعة التبريك بربيع الأول عن النار
مع تعليق سماحة السيد أمين السعيدي.

السائلة:

ينتشر: [مبروك عليكم شهر ربيع الأول
قال الرسول صلى الله عليه وآله: مَن يبارِك الناس بهذا الشهر الفضيل يحرم عليه النار ...
كل عام وأنتم بخير]

قال رسول الله ص ( من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)
إذا تفضلت سيدنا تعليقك على ماسبق.

تعليق سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله حول محتوى المنشور:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرعياً:
هذا الكلام لا سند له ولا متن، بل مضمونه أقرب للضحك والاستهزاء من أن يسمى حديثاً؛ لذا يحرم ترويجه والمساهمة بنشره، كما يجب على من ساهم بنشره تبرئة ذمته بتصليح ما أفسَد؛ وذلك من خلال بيان الصواب وإبلاغ الآخرين بأقصى ما يستطيع بأن هذا الكلام باطل شرعاً ولا يجوز نشره، مع بيان الدليل الشرعي الدال على بطلانه.

وتحليلياً:
إنّ هذا المشاع ربما هو من نتائج تنحيس شهر صفر؛ فالناس لَـمّا نحَّسوا صفر اختلَقوا لأنفسهم مثل هذا الحديث، أو بالأصح أفسَحوا المجال للكذابين لأن يَدخلوا بينهم ويمرِّروا هذه الفِرْية عليهم بنسْبها الفظيع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وطبيعي أن الناس ستَمضي عليهم مثل هذه الكذبة التي تَتضمَّن تفريجاً وتفريحاً مفاده: ذهاب صفر شهر البؤس والنحس والشؤم ودخول ربيع شهر البركات والخيرات!
لذا؛ مضى التأكيد بأنّ خرافة (تنحيس شهر صفر المبارك) بدعة خطرة؛ وهذا تطبيق واضح وصريح لأحد أسباب خطرها.
إنّ أي بدعة إخواني تَجر -حتماً- إلى تَبعات أو بِدَع أخرى وعواقب ونتائج وخِيمة شديدة السوء والضرر، بل سوؤها أشد من نفس نحوسة صفر فيما لو كانت واقعية؛ فمثلاً:
من تلك النتائج الوخيمة الخطيرة أنّ الكذابين الذين يَستهدِفون تدمير المسلمين والإسلام وتشويه ثقافتهم وسمعتهم ونظام حياتهم يَتسللون إليهم من خلال أبسط الثغرات التي قد البعض يتهاون بصغرها وهو لا يدري مدى كبرها وعِظَم خطرها؛ لذا كانت كل بدعة تستوجِب من الله تعالى أشد العذاب وهو (نار جهنم)؛ فكل بدعة ضلالة وكل بدعة في النار؛ وبتعبير آخر:
(مَن قال علَيَّ ما لم أقل فليَتبوأ مقعده من النار)؛ وبتعبير ثالث:
(من أفتى بغير علم فليَتبوأ مقعده من النار) ..؛ فهذه الأحاديث إخواني تحمل مضموناً واحداً؛ وهو أنّ الابتداع في الدين والكذب والتكلم فيه بغير علم كله خطرٌ يَستوجب نار جهنم، بصراحة الروايات القطعية الكثيرة الواصل حد التواتر والمؤيَّدة بالعقل والقرآن، والتي لا مجال للتشكيك فيها ومناقشة وضوحها وصراحة عبائرها، فليس من أحدٍ سليم العقل والدين والإيمان والتسليم ينكرها.
إنّ شهر صفر كما سبق أن ذكرنا يسمى بـ(صفر المظَفَّر)؛ فهو شهر كريم وافر الخير والبركة، وشهر ظَفَر ورحمة، وقد زَوَّج النبي ابنته الغالية فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام من الإمام علي عليه الصلاة والسلام.
فهل غَفل رسول الله صلى الله عليه وآله عن نحوسته كي يزوج ابنته فيه وهو صلى الله عليه وآله قدوة لا يَرتكِب حتى المكروه؟! أم نحن أشد تحيطاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وأعقل وأكثر التزاماً بالدين؟! أم أننا أغلى من الزهراء سيدة نساء العالمين وأَنفَس ثمناً من علي أشرف الخلائق بعد النبي عليهم الصلاة والسلام؟!
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله نسي أو اشتبه أو أخطأ -والعياذ بالله- بتزويجه ابنته الغالية في صفر؛ فكيف غاب ذلك عن الزهراء وعن علي عليهما الصلاة والسلام؟! فحادثة الزواج هذه واقعة بين ثلاثة يُعتقَد بعصمتهم لا مع معصوم واحد؛ فلو نسي واحد مثلاً فلن ينسَ الثاني أو الثالث. تعالى رسول الله عن ذلك علواً كبيرا.
ثمَّ إنه إذا افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله غاب عن باله نحوسة صفر؛ فهل غاب عنه وعن الأئمة ذلك بطول حياتهم وعَرْضِها؟! فهاهم في هذا الشهر قد أَوقَعوا الكثير من أعمالهم الكبيرة والعظيمة التي تحتاج للتوفيق والبركة. أم هو نحسٌ على الآخرين فقط والحال أنها من الظواهر وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم ليسوا إلا منذِرين ومبشِّرين وقدوة!
الحق: إنما أراد النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام كَسْرَ هذه البدعة الجاهلية بممارساتهم العملية، وكذا التبارك ببركات صفر، ورسْم الصحيح في صفحات التاريخ لتنوير الأجيال المتعاقبة وحماية الدين وحمايتنا من الألاعيب والـمَهالِك؛ فلا نجعل من أنفسنا مواجِهين لهم ومحارِبين.
إننا باتّباع البدع وصناعتها هكذا نَفعل؛ إذ نكون سبباً كبيراً في بروز (المشكلات المباشرة كالحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله: مَن يبارِك الناس بهذا الشهر الفضيل -ربيع الأول- يحرم عليه النار). وغيره مما كذب لشهر رجب ..، و(المشكلات التبعية الاستلزامية ككون النبي أخطأ أو اشتبه أو نسي ..)، كما نفسح المجال لدخول الغزاة والكذابين ولعبهم بالدين؛ فنحن نتسبب بهذه المشكلات العظيمة، ندري أو لا ندري؛ هذا أقل القليل.
إنّ صفر لم يعهد عنه النحس ولا شاع عنه ذلك بين السابقين في زمن صدر الإسلام وما تلاه، والناس كانوا على علم بأنه كان شهراً مبغوضاً في الجاهلية وعند فئة خاصة من الناس فقط، ثم لما بَزغ نورُ الإسلام أزال بُغْضَ تلك الفئة لصفر ببركة ضيائه وعقلانيته، فلا سَمعنا ولا قَرأنا أن النبي أو الأئمة عليهم الصلاة والسلام عَطَّلوا هذا الشهر ولا الناس في زمن صدر الإسلام وما تلاه عطَّلوه، بل ولا أهل الديانات السماوية الأخرى الأسبق ولا الأقوام الآخرون، بل ولا حتى أهل الجاهلية أنفسهم عطَّلوه. فهو شهر عظيم حَرم الناس أنفسهم من بركاته سنين طويلة بسبب اتباع سُنـّة الجاهلية الإقطاعية هذه.
بَلا؛ لا ننكر وجود الكوامل وبعض الأيام الضارة وبعض الأيام التَّحَوُّطية، لكن لا الشهر بكامله! فهذه الأيام مخصوصة محدودة ولها آدابها وعِظاتها، وهي (بعضها بعنوان "الكوامل والضرر" وبعضها بعنوان "العقوبة الخاصة") لا بعنوان أنها (نحيسة ومشؤومة)، كما أن هذين العنوانين جزئيان لا إطلاق فيهما لجميع الأمور والأحوال، وقد ورد في الدين حرمة التَّطيُّر من الأيام، والنهي عن معاداة الأيام (لا تُعادوا الأيام فتُعاديكم).
هذا؛ وقوله (فتُعاديكم) لا يعني أنها أتوماتيكياً تتحول تكوينياً إلى عدو، فتتبدل تكوينتها بالاستقلاب، وإنما تتحول (تحولاً اعتبارياً ونفسانياً وبالأحداث الافتعالية الجَعْلية) ومن ثم بذكرياتها المبغوضة التي كان السبب في حصولها هو نفس المتشائم الذي عاداها فوقعت له بها أحداث مكروهة فصارت بمرور الأيام والتاريخ ذكريات مبغوضة خاصة أو عامة؛ فإن كانت المعاداة جماعية صارت عامة (على قاعدة العقل الجَمْعي وتوابعه)، وإذا كانت المعاداة فردية صارت الحوادث والذكريات المبغوضة خاصة بنفس الشخص الواقعة له وربما من يحيط به من التابعين.
وهذه أيضاً واحدة أخرى من سلبيات البدعة والاختلاقات والأوهام والاصطناع؛ وهي ترتبط بالقوة الواهمة المنافِسة لقوة العقل والمعتضدة بقوة الخيال والمتصرِّفة، والتي كثيراً ما تختلط مع العقل في النفس الواحدة بخفاء شديد ولا يميِّز بينهما إلا الحَصيف العاقل المدقِّق الذي أَخلَص لله سريرته واستقامت سيرته ونال منه تعالى الإحاطة والتسديد.
فلا نكن سبباً في هلاك أنفسنا، بل وهلاك الناس وهلاك الدين العزيز من حيث لا نشعر ثم نتفاجأ يوم القيامة فنجد أنفسنا من الظالمين وأهل جهنم والعياذ بالله، فالدين حسّاس والعاقل خصيم هواه.
أحبتنا! امتحِنوا قوّتكم بكسر هذه البدعة، وستكون لكم ذكرى مثالية جميلة تضرب مثلاً على قوة إرادة المجتمع وحصانته.

نسأل الله السلامة لنا ولكم في النفس والدين والدنيا والبرزخ والآخرة.

أمين السعيدي - قم المقدسة