【الغنيمة الباردة، وهل ذكر الأئمة الفصول كالكوامل ..؟】
سؤال وجواب مع سماحة السيد أمين السعيدي.

●السائل:
سيدنا العزيز .. هل هناك روايات تتحدث عن فضل فصل من الفصول الأربعة .. أو أذكار لدخول فصل من الفصول أو انتهاءه .. أو هل ركز أهل البيت على هكذا أمور كما ركزوا على فضل الشهور والأذكار فيها؟

·جواب سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
صباح الخير والسرور

الأخ (...) لم تمر عليَّ روايات عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام حول الفصول الأربعة ببعض المعنى المذكور في سؤالكم.
ولكن هناك آيات وروايات كما هو معروف حول بعض الأيام والليالي الخاصة وفضائل الشهور ومنازلها وأعمالها.

شخصياً لم يمر عليَّ شيء من قبيل أذكار دخول الفصول وانتهائها، ولعله لقصور معرفتي.
هذا؛ وقد تعرَّض القرآن الكريم لرحلة الشتاء والصيف، ولكن بعنوان آخر تعلمونه.
وهناك روايات تحدَّثت عن أحداث في الفصول الأربعة؛ كالمستحبات الواردة عند هطول المطر مثلاً، وحصول الغيم، والريح، والرعد، والبرد؛ كالفَرَح بالمطر والدعاء عنده واستحباب ملامسة المطر للجسد {وأَنزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً طَهُوراً}[الفرقان:48]، وعدم الاستبشار بالغيم والريح ..
نعم؛ وردت روايات عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام تتحدَّث عن خصوص الشتاء، وما للعمل فيه من الفضيلة والمنزلة الجليلة؛ فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله في أماليه[1] عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال:
سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (الشتاء ربيع المؤمن، يطول فيه ليله، فيستعين به) على قيامه، ويقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه[2].
وبنفس السند نَقَل رحمه الله شِبْه هذا الخبر في كتابه فضائل الأشهر الثلاثة[3]، وذكَر نفس خبر كتابه فضائل الأشهر الثلاثة في كتابه معاني الأخبار بنفس الإسناده عدا محمد بن يحيى العطار بدل أحمد بن إدريس[4]، وروى نفس صَدْر خبرهما بسندٍ آخر في كتابه صفات الشيعة عن محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام[5].
ونَقَلَ السيد البروجردي رحمه الله في كتابه جامع أحاديث الشيعة عن الفقيه عند عند بيان أن معنى الرِّكاز الغنيمة، قال:
"(ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله: يا علي! الصوم في الشتاء الغنيمة المباركة).
وفي معاني الأخبار والخصال قول النبي صلى الله عليه وآله: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة).
وفي البِحار عن كتاب الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه عن الحسن بن حمزة العلوي عن علي بن محمد بن أبي القاسم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ...) وذَكَر مثله. وفيه عن أحمد بن علي عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) ..."[6].
وأورَدَ الشيخ الحر العاملي رحمه الله ذلك في وسائل الشيعة[7].
هذا؛ وقد ذكر إخواننا السنة مجموعة روايات في فصل الشتاء خاصة؛ منها ما رووه فيما خرَّجَه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: (الشتاء ربيع المؤمن).
وخرَّجَه البيهقي وغيْره وزاد فيه: (طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه).
وفي المسند والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله: (الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة).
أقول: الشتاء ربيع المؤمن لأنه حديقة العبادة ونُزْهةُ الفؤاد في رياض الصلاة وقراءة القرآن في بساتين ليله الطويل والصيام في يَراعةِ نهاره القصير، ومَشقّته يسيرة أو غير متحققة؛ فالعطش فيه قليل ولا يكاد يَحصل، والجوع فيه كجوع الطاعِم، وليله الطويل واسعٌ للمنام والعمل، وليله البُستاني الهادئ الساكن مفتاح للتَّفكُّر والتأمل والتعبد، وأصوات مطره البهيجة أنغام الرحمة والصفاء والطمأنينة.
ففصلُ الشتاء مَفازٌ لِحصْدِ الثواب وتنزيه الروح وتطهيرها وتربيتها وتصليحها وتسمينها بالطاعات كما تسمن البهائم في مراعي الربيع فتستقيم أجسادها وتنال جمالها بسمنتها، فكذلك الشتاء يطهر روح المؤمن وقلبه وعقله باستغلاله والعمل فيه؛ فالبرد تقل فيه المشاغل وتخلو به النفوس، وله من الدفئ ما ليس في غيره بالحقيقة.
وقد روى إخواننا السنة ــ أيضاً ــ ما هو عكس هذا المعنى بما يفيد عدم الفضيلة المذكورة للشتاء وأنه علة للخمول ..، ولكنهم ضعَّفوا هذا ولم يقبَلوه وأكَّدوا على الفضيلة المنصوصة للشتاء وفي روايات صحيحة وأكثر من تلك النافية النادرة الضعيفة والتي إنما هي مقولة أبعد عن أن تكون رواية.
هذا؛ والشتاء غنيمة باردة لأن غنيمة الثواب العظيم فيه ونتائج العمل العبادي والرباني الكبيرة في الروح والقلب والعقل تحصل عليها بغير قتال ولا كُلْفة ولا مَشقَّة.
ثم إنَّ من عظيم فضائله أنه يُذَكِّر الإنسان بزمهرير جهنم والعياذ بالله؛ ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله: (إنّ لجهنم نفسين؛ نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، وأشد ما تجدون من الحَر من سَمومها).
وقد قال تعالى:
{جَهنَّمَ يَصْلَونَها فَبِئْسَ المِهادُ * هَذا فَلْيَذُوقوهُ حَميمٌ وغَسَّاقٌ * وآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْواجٌ * هَذا فَوْجٌ مُّـقْـتَحِمٌ مَّـعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إنَّهُمْ صَالُوا النارِ * قالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْـتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ القَرَارُ * قالُوا رَبَّـنا مَن قَدَّمَ لَنا هَذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً في النار}[ص: 56 إلى 61]، وقال سبحانه:
{لا يَذُوقونَ فيها برداً ولا شرابا * إلا حَميماً وغَسَّاقا * جزاءً وِفاقا}[النبأ: 24 إلى 26]؛ قال ابن عباس: الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق مِن برْدِه. وقال مجاهد: هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من بردِه.
وقيل: الغساق: البارد المنتن.
وفي كتب اللغة: الغَسَّاق: صيغة مبالغة من غسَقَ؛ وهو ما يسيل من جلود أهل النار وصديدهم من قيحٍ ونحوه.
وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿غساق﴾ بالتشديد حيث كان في القرآن والباقون قرأوها بالتخفيف؛ وبالاختلاف التركيبي في مادة اللفظ يختلف الوصف مع ثبات عموم المعنى.
واعلمْ أنّ إسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال ومن أعلى خصال الإيمان وكفارة للذنوب والخطايا شريطة عدم استلزام الضرر الممنوع شرعاً، وقد أورد إخواننا السنة في حديث خرَّجَه أحمد والترمذي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه رأى ربه عز وجل ــ يعني في المنام ــ فقال له:
(يا محمد! فيمَ يَختصِم الملأ الأعلى؟ قال: في الدرجات والكفارات؟ قال: والكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات ونقْل الأقدام إلى الجُمُعات). وفي رواية:
(الجمعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، مَن فَعَلَ ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدَته أمه)، والدرجات: (إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام ..).
وفي بعض الروايات: (إسباغ الوضوء في السبرات)؛ والسبرة: شدة البرد.
وفقنا الله وإياكم للطاعات ومَراضيه، واستغلال الفُرَص قبل الفوات.
نسأكم الدعاء.

أمين - قم المقدسة

الهوامش:
[1] الأمالي، للشيخ الصدوق: ص308 و309 ح354/ 2.
[2] التتمة من كتابَيه رحمه الله: صفات الشيعة، ومعاني الأخبار.
[3] فضائل الأشهر الثلاثة، للشيخ الصدوق: ص111 ح105.
[4] معاني الأخبار، للشيخ الصدوق: ص228.
[5] صفات الشيعة: للشيخ الصدوق: ص33.
[6] جامع أحاديث الشيعة، للسيد البروجردي: ج9 ص383.
[7] وسائل الشيعة (آل البيت)، للحر العاملي: ج10 ص414 باب استحباب الصوم في الشتاء ح136732 و13733 و13734.


___________________

للاشتراك في

مجاناً خدمة وتسابجماعة أنبياء أولي العزم «ع» العلمية القطيفية العراقية القُمّيّة

بإشراف سماحة السيد أمين السعيدي القطيفي حفظه الله

فقط ارسلْ كلمة:
(إشتراك)
على:
00966536454505
or Site: anbyaa.com

ساهِمْ بالنشر، فغيْرك يقدِّم وأنت قدِّم لتشارِك بكل الأجر.