‏‫
【كيف أحافظ على روحيتي ومكتسباتي من الحج؟】
♦ سؤال وجواب مع السيد أمين السعيدي.

●السائل:

سؤال الى سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله
كيف يحافظ الحاج بعد تأدية مناسك الحج على الحالة الروحية والمعنوية والحالة السلوكية المنضبطة؟ كيف نجعل هذا الاثر منغرسا في الحاج لا يعتريه شياطن الانس والجن؟
وشكرا


◀ جواب سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد..
اعلمْ أيها الحبيب أن ذلك إنما يحصل بالإرادة والعزم والحزم وقهرِ النفس الأمارة، وإخماد صَوْلَتها وتعميرها بالعلم والقراءة ومراوَدة مجالس الـمَعرفة والفضل والعبادة وإجلاء الصدأ والأمراض النفسانية التي تَعْتريها وتعميها بفعل كثرة وتنامي مشاغل الحياة والالتصاق القهري بالطابع المادي الذي تتصف به طبيعة هذا المقام الوجودي بعالَم الدنيا الذي هو أدنى وآخر التنزلات الوجودية.
إنّ الحج نعمةٌ إلهيةٌ جسيمةٌ فَيّاضة؛ فبالحج يوْلَد الكائن البشري من جديد؛ وِلادة (معنوية)، وهذه الولادة المعنوية وإن لم تكن جابّـة وماحية لجميع تبعات الإنسان وتكاليفه؛ حيث إنّ حقوق الناس التي عليه قبل الحج مثلاً لا تخرج عن رِبـْقَتِه وذمّته؛ إذ يجب عليه حتماً إرجاع كافة تلك الحقوق؛ كالنميمة والوِشاية والغِيبة والسرقة والديون والمستحقات المادية والنفسانية، وكذا الصلوات والصيام والزكوات الفائتة، وما شاكل ذلك من الحقوق العقلية والشرعية التي ألزمنا الشارع الأقدس العادل الحكيم بإرجاعها حتماً لذويها وأصحابها.
إذاً؛ الحج وِلادة جديدة للإنسان المكلَّف والمميِّز، لكن وفق قواعد وشرائط وحدود؛ ومن ذلك صيانة النفس، والعزم والحزم على تحقيق هذه الصيانة لتكون روحك صافية بيضاء تماماً كـ((بياض الإحرام)) الذي جلْتَ وطفْتَ به حول الكعبة وحول الأنبياء في بيت الله الحرام تطلب العفو والسماح والقُرْب والنقاء وأداء الفرض، ثم زرتَ نبيَّه الأعظم الخاتم صلوات الأولين عليه وآله الطاهرين لتَعـْزِم النية وتؤكدها وتعاهده على ذلك، والذي هو -أعني الإحرام- بداية هذه الوِلادة، وكـ((بياض الكفن)) الذي هو نهاية الوِلادة والذي به سترحل عن الجميع مثل كل السابقِين، الرحيل الذي ستعتزل به عن جميع مواد هذا الوجود النازل لا محالة.
ثم إنَّ تصفية النفس لا تحصل بالجهل والعماء والتثاقل والتكاسل والتخاذل وتضييع العهود والمواثيق والوعود المعقودة مع الخالق والخَلق؛ فالصيانة تتحقق بالدِّراية، وعدم نسيان الناموس الوجودي والهدف من وجودنا والغاية.
إنّنا هاهنا -في هذا العالَم النازل- لأجل الحصاد للعالَم الصاعد؛ العالَم الأقدس الأبدي النوراني الكامل. ولكي ننال الكمال في ذلك العالَم الطاهر الكامل لابد أن نحقق أولاً حقيقة (الإنسان الكامل) في أنفسنا بهذا العالم النازل ونطهره ذواتنا الشقائية من كل الشقاوات النفسانية والقذارات المعنوية والأمراض والنجاسات الباطنة، فلا تنسَ أنك لست هنا إلا لسفر، وكل فعل قلبي أو عملي -خيراً كان أم شراً- فحقيقتة الوجودية أنه ليس إلا راحلة تجمعها للرحيل بها إلى ذلك العالَم السرمدي.
فعليك أن تَتعاهد الصراط المستقيم، وأن تَعْزم النية الواعية الصادقة على أن تكون إنساناً حكيماً فَهم حقيقة هذا السفر ووَطَّنَ ذاته على الرحيل بأي وقتٍ واستعَدَّ للّـقاء الأكبري المخيف الرهيب الذي أول مراحلِه مَحاشِرُ البرزخ وساحاتُ وَغاه وعَقَباتُه الـمَهولة، واستعَدَّ للبقاء النوراني أو الشقاء الظلماني أعاذنا الله وإياك.
وليس من شيءٍ مجرَّبٍ للإفاضة المتجددة وصيانة النفس عن الهوى والشيطان وإجلاء الصدأ والرَّيْن عن القلب والغشاوة عن السمع والبصر والعقل وجميع جَنَبات النفس، أيها العزيز! ليس من شيءٍ مجرَّبٍ لذلك كملازَمة قراءة الكتب الروحانية والدينية الأصيلة النافعة ومراوَدة المساجد ومجالَسة العابدين من أهل الصلاح والصدق والتقوى وخِدْمة المؤمنين والخلائق والتواضع وطاعته سبحانه، وإنَّ في أمر الله تعالى لنا بالصلاة جماعة والمزاوَرة لمجالس الذِّكْر والعلم والفضيلة خير إشارة ربانية حكيمة لهذا الأمر المجرَّب الفاعل العظيم، وليس الحج إلا ممارَسة إلتزامية مؤقَّتة عاصمة عن الخطايا لممارَسة إلتزامية دائمية مفارِقة للمعاصي والذنوب وتحصيل الكمال والسعادات.
وفقك الله للسَّداد والالتزام والثبات على الرشاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة